هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1305 - 2005 / 9 / 2 - 12:10
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عند ما شكل الدكتور الجعفري حكومته ألقى خطابا أمام الجمعية الوطنية ، تحدث فيه عن أمور كثيرة ، تهم الوطن والمواطن وهمومهما ، ولم ينس وهو في موقفه التاريخي هذا ،أن يوجه التحية للشعب العراقي وشكره على النتيجة التي جاءت به إلى الحكم ، كما لم ينس ، وهو في غمرة النصر ، أن يوجه التحية " للشهيدة " حفصة العمري ، وبذلك أساء لكل الشهداء الذين تضمنهم خطابه ، وحسنا فعل عندما تجاهل شهداء وطنيين ومناضلين عراقيين ، شيوعيين وديموقراطيين ومستقلين وطنيين ، خالدين في ضمير الشعب العراقي ، فهؤلاء لم يشرفهم أن يقرنوا مع من خانوا وطنهم وباعوا ضمائرهم ليؤسسوا فرقة بين أبناء الوطن الواحد ، أمثال " حفصة " . كانت رسالة رئيس الوزراء الدكتور الجعفري آنذاك موجهة عن قصد ، ومختارة من قبله بعناية ، لكل الحلفاء القدامى يذكرهم : بأن التحالف القديم ، لكل القوى الرجعية بكل تلاوينها بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 لا زال قائما ، وما التحالفات الإسلامية ـ الطائفية ، وحزب الجعفري من ضمنها ، مع أغلب القوى القومية والوطنية الديموقراطية والسياسية العراقية ، والحزب الشيوعي العراقي واحد منها، قبل أن ُيسقط الأمريكان صدام من عرشه ، ما هي إلا تكتيك عابر اقتضته المصلحة ، ومن هنا جدد السيد الجعفري هجومه الجديد على الحزب الشيوعي العراقي عندما اجتمع بوجهاء من عشائر الموصل ، مذكرا" هؤلاء الوجهاء" بشهدائهم " ومحرضا إياهم للعمل من جديد لإحياء التحالف الذي وقف بوجه "المد الشيوعي " بعد عام 1959... إن كان ترتيب اللقاءات بين السيد رئيس الوزراء الجعفري ووفود من هذه المحافظة أو تلك معروفة أغراضها ومراميها ، بسبب قرب انتهاء عمر هذه الحكومة ، والبدء بإجراء انتخابات تشريعية جديدة ، ولترميم سمعة الائتلاف بسبب فشل الحكومة في تنفيذ ما وعدت به الشعب العراقي ، أقول إن كان السبب في اللقاءات تحشيد القوى العشائرية والطائفية للإنتخابات الجديدة ، فما سبب الزج باسم الحزب الشيوعي وكأنه بسملة الكتاب ، عند كل عثرة صغيرة أو كبيرة تصطدم بها هذه القوى في مسيرتها تتذكر الحزب الشيوعي ؟ والحزب الشيوعي لا يحتل في الجمعية الوطنية سوى مقعدين فهل هذا ما يخيف الأكثرية " الساحقة" أو يعرقل أعمالها ؟ إن الحزب الشيوعي ومكوناته هم من هذا الشعب ، ولم يكونوا من الطارئين عليه أو المشكوك في وطنيتهم أومن العاملين لحساب جهات أجنبية ، فتاريخهم وطني ومشٍرف ، ودفاعهم المستميت ، حد الشهادة ، عن مصالح العراق وحرية شعبه يعرفه القاصي قبل الداني ، وهذا ، هو الذي جعل الجعفري ومن قبله صدام حسين والعهد الملكي أن يقفوا كلهم موقفا واحدا ومتشددا تجاه الحزب الشيوعي ، فليس هذا الموقف وما اتفقت عليه كل هذه الأطراف يأتي مصادفة ، بل نتيجة ملموسة لوطنيته ولعدم التهاون في الدفاع عن حقوق ومصالح الشعب وحريته ، تقدمه وتطوره وفق منظور واقعي وتخطيط علمي ، بعيدا عن أوهام الخرافات والغيبيات والطائفية والعنصرية والفاشية ، إن السيد رئيس الوزراء ، الجعفري، ومن ورائه القائمة المؤتلفة على أساس طائفي ، يعرفون أكثر من غيرهم أن ليس ما يغيظهم الحزب الشيوعي لوحده ، بل كل الوطنيين الشرفاء الذين يرون في النهج الطائفي دمارا وخرابا للبلد ، إلا أن هناك أولويات يجب البدء بها ، فحزب البعث منذ أن جاء للحكم في العام 1963، ومرورا بكل الفصائل القومية المتعاقبة ذات النهج العنصري ، ثم عودة البعث مرة أخرى في العام 1968 ، بعهدية البكر فصدام حسين ، كانت بداياتهم ، كلهم ، محاولة استئصال أو تحجيم الحزب الشيوعي ، لأنهم جميعا ، بصدق ، كانوا يرون فيه رأس رمح للحركة الوطنية ، الأكثر عنادا والأطول نفسا في النضال وعدم المهادنة ، إن تم قهره وإسكاته تحقق لهم طول البقاء في السلطة ، والتمكن من رقبة الشعب ، يعني ، تمكنهم من ثروات العراق ونهب أمواله وخيراته وتوزيعها على المحسوبين والمنسوبين والتكرم بها لكل من هب ودب إلا للوطنيين العراقيين . فلبس عباءة الجلاد ، كما هو حال حكامنا اليوم ، تنسيهم ما عايشوه وكابدوه بالأمس من ظلم وإجحاف لحق بهم ، نتيجة لتسلط الدكتاتورية وغياب الحريات وانكفاء الحركة الوطنية ، وإلا لم هذا التحريض على الحزب الشيوعي ، ومسودة الدستور ، التي دبجتها أناملهم ولم يمض عليها بعض وقت ، هل سيتنكرون لها ؟ وهي في بعض فقرات موادها أقرت بعض حريات لبعض مكونات الشعب العراقي .!، وهم يعرفون بل واثقون وفي دواخلهم يقرون ، ومن ضمنهم السيد رئيس الوزراء ، من أن لا حركة سياسية فاعلة ، ولا ديموقراطية حقيقة بدون حزب شيوعي ، وإلا لم التأليب المسبق وتهيأة أجواء إحتراب جديدة ضد الحزب الشيوعي ؟ هل هي عقدة لدى السيد الجعفري " إسمها الحزب الشيوعي " يتجاهل شهداؤه ودوره في الحركة الوطنية حينا ، ويحرض عليه حينا آخر ؟ كان بودنا لو نرى رد الحزب الشيوعي العراقي على موقف رئيس الوزراء هذا .
المفارقة هي أن الحزب الشيوعي يناله ما ينال الشعب العراقي ككل من نصيب في الإرهاب والخطف والقتل لرفاقه والحرق لمقراته ، فهل الظرف ملائم للتوجه بالتحريض ضده ؟ وهل العراق والشعب العراقي بحاجة اكثر لما نراه ونشاهده من تدفق لدمائهم المهدورة في المدن والقصبات والحواري ؟ فضحايا شعبنا من الشهداء معروفة بعض الجهات المجرمة التي تقف وراءها ، عربية هذه الجهات أم أجنبية ـ طائفية ، والبعض الآخر تشابه علينا فعله وفاعلوه ، عراقيون ، نسيجهم متشكل من بقايا النظام ، ومن عائدين إلى وطنهم بعد نفي وتهجير ، تدفقوا عند فتح الأبواب لهم ولسلاحهم ، فتم خلط الأوراق بمهارة محترفي مخابرات دولية ، تمارس عملها بكل حرية ، مع آخرين أرباب سوابق وإجرام ، من كل حدب وصوب ، تحت علم وسمع محتل همه أن يدوم تواجده .! أما كان الأجدى بالسيد الجعفري ، وحكومته ، أن ينصرف لمعالجة هذا الواقع لتخفيف ما يعانيه هذا الشعب المظلوم تاريخيا ؟ أما كان الأجدى بالجعفري وكتلته وشركاه في الحكم ، الانصراف لتمتين عرى الوشائج الوطنية بين جماهير الشعب ، بدلا من دق إسفين بين بعض مكونات هذا الشعب ؟ والعمل على تحسين ظروف الناس المعاشية من أمن وماء وكهرباء ووقود وعمل بدلا من تأجيج نار حقد طائفي تارة وتأليب قوى ضد أخرى أحيانا أخرى ؟..فترة الحكومة المؤقتة قاربت نهايتها ، وحتى اللحظة ليس لم ير المواطن انفراجا في حياته ، رغم الوعود الكثيرة ، على كل المستويات ، لم نر انفراجا بل تأزما وترديا ، فجريمة اليوم على جسر الأئمة النكراء ، التي ذهب ضحيتها المئات من الشهداء غرقى ومثلهم نتيجة التدافع ( قارب عددهم الألف ) ومئات أخرى جرحى . يتساءل المرء أما كان بالإمكان الحد من الغلواء الطائفي وهذا التحشيد العاطفي لمثل هذه المناسبة ، في مثل هذا الوضع الأمني المنفلت الذي لم تستطع حتى الآن أن تضع له حدا حكومة الجعفري ، بل على العكس زاد واستشرى ، لعدم كفاءة أجهزتها الأمنية المخترقة من الإرهابيين ومن قبل دول الجوار الطائفي التي لا يهمها بالمطلق استقرار الأوضاع عندنا أولا ، وثانيا ، نتيجة لإغراق أجهزة الأمن والشرطة والجيش بعناصر فاسدة وغير مؤهلة لخدمة الشعب ، ليس همها حفظ أمن ودماء العراقيين قدر همها جني مكاسب مادية على حساب راحة وأمن وحرية المواطن!. حزننا وعزاؤنا لكل الشعب العراقي ولعوائل الشهداء ضحايا هذا الحادث المؤسف والأليم ، الذي تسبب فيه الإهمال وعدم مسؤولية المسؤولين .!
كان بودنا أن نرى رئيس جمهوريتنا ورئيس حكومتنا وباقي أعضاء الحكومة ، كلهم يهرعون إلى مكان الحادث لمشاركة أبناء شعبنا وعوائل الشهداء والمنكوبين حزنهم وألمهم بفقدان هذا العدد المفجع من الضحايا ، وللوقوف على كفاءة أجهزتهم الحكومية وقدرتها على تقديم الخدمات في مثل هذا الظرف المأساة ، إلا أن هذا لم يحدث ، مؤكدين حرصهم على الشعب بالقول دون الفعل ، حيث اكتفى الجميع بتصريح أو بيان لا يسمن ولا يغني وهم في مكاتبهم المسورة والمحمية ، دون الوصول لأي منهم إلى مكان الحادث لمعاينة ما جرى ، فتحقيق الكفاءة والتحقق من الخدمات المقدمة للشعب ليس مطلوبا فقط في الظروف الاعتيادية ، وإنما في الظروف الطارئة ، وهو انعكاس لكفاءة الحكومة وأداءها وقدرتها على معالجة الصعوبات ، وهذا ما افتقدناه في حكومة الجعفري وكل أجهزتها ، لقد اعترف وزير الدفاع بأن الجسر كان مغلقا منذ ثلاثة اشهر لوجود ما يستوجب غلقه أمام المركبات والمارة ، إلا أن إلحاح وتوسلات بعض المسؤولين " العزيزين عليًَ " ، حسب قوله ، جعلتني أوافق على فتحه ! أي هراء هذا ؟ ومن هم هؤلاء المسؤولين عديمي المسؤولية ؟ إنها فضيحة أيها السيد رئيس الوزراء الجعفري ، تستحق منكم التضحية ، فهل انتم فاعلون ؟
31 آب 2005
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟