طارئ مرعب على متن الرحلة رقم MS 847 التابعة للخطوط الجوية المصرية .

حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 15:57
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

طارئ مرعب على متن الرحلة رقم MS 847 التابعة للخطوط الجوية المصرية .
ما كادت الطائرة ، التي أقلتنا من مطار القاهرة نحو مطار الدار البيضاء بالمغرب ، أن تتوسط كبد السماء ، حتى ارتفع صوت إحدى مضيفات الرحلة رقم MS 847 التابعة للخطوط الجوية المصرية ، منادية "هل في الطائرة طبيب ؟ " .. كان تكرار ذلك النداء المقتضب بكل اللغات ، كافيا بأن يزج بالركاب في جحيم رعب مر ، ويدخلهم في مسلسل هلع وخوف حقيقي .. أثار النداء في نفسي كما في نفوس باقي الركاب -إلا النيام الذين لم يشعروا بشيء - هواجس وأهوال ارتعدت لشدتها الاوصال ، وجحظت من رعبها الأعين ، وجفّ من وقعها دمع المآقي ، وصعدت من هولها القلوب إلى الحناجر .
واجتاحتني ساعتها مخاوف وقف لها شعر رأسي ، وأتى رعبها على كامل صلابتي ، وارتعشت لهولها أطرافي ، وشعرت باحتقان وضيق في صدري ، وعسر في تنفسي ، وأحسست بدوخة وغثيان عارمين ، وتصبب عرق ساخن بلل جسمي من جبيني إلى أخمص قدماي ، وسرت برودة ثلج في أطرافي ، من وقع تأثير اللحظة ، وحرج الموقف ، وتوثر الجو داخل الطائرة ، ودبيب الفوضى فيها ، ووقوف أكثرية الركاب ، وتدافعهم نحو لا أدري ماذا ولا أين ، بأعناق مشرئبة ، لاستطلاع ما يجري بممرها الوحيد ، ما جعلني أكثر عرضة لهجوم ذكريات حوادث الطائرات وقصص كوارثتها المرعبة ، التي ظننت أن النسيان قد طواها وضمها إلى غياهبه ، وابتلعتها مجاهله ، وأكثر تهيؤا لاسترجاع العديد مما قرأته من الأبحاث والدراسات التي تشير إلى أن الطائرات هي أكثر الأماكن عرضة لانتقال الجراثيم بين ركابها بسبب تراكم عددهم -الذي يقارب من ملياري مسافر سنويا - فوق بعضهم في هواء محدود جدا تنخفض فيه نسبة كمية الأوكسجين إلى 50% ما يعرض المسافرين إلى التلوث الجرثومي وتزايد الفيروسات الخطيرة التي تنشر نوبات الأنفلونزا التي ينقلها الركاب المصابون إلى غيرهم داخل الطائرات إلى جانب مخاطر التعرض للأشعة الكونية والتأثير على الساعة البيولوجية للجسم ، بسبب الضغط الجوي للنوعية الرديئة للهواء داخل الطائرة المؤثر سلبيا على بعض المسافرين بتمديد الهواء داخل أجسامهم ..
وفجأة ودون سابق إنذار ، تبدت أمام ناظري صور مآسي الـ"إيبولا" وفيروسها الفتاك ، والسريعة الانتشار ، وتزاحم الأسى في فكري وبلغ ذروته في عقلي ، حين خُيل لي أن الضجة ومناداة الطبيب بسبب اكتشاف مصاب بوبائها ، وأنه لاشك سينشر فيروسها القاتل بين ركاب الطائرة ..
وبعد أكثر من نصف ساعة من هلع الترقب ورعب الانتظار ، سُمع صوت ربان الطائرة يخبر الركاب ، ويطمئنهم بأن استدعاء الطبيب كان بسبب حالة طارئ طبي عادي ناتج عن تعرض أحد الركاب بنوبة "جنون الطيران " ناتجة من اضطراب نفسي وضغط عصبي الناتجة راجع إلى الخوف المبطن من الطيران مع الشعور بفقدان السيطرة على الموقف - حالات "جنون الطيران" هي حالات ليست خطيرة على أصحابها فقط وإنما على كافة المسافرين في الطائرة نفسها ، لأن المصاب بها يقوم بأفعال جنونية تحتم على المضيفين تقييد حريته حتى تهبط الطائرة بسلام ..
وبعدما انتهت الرحلة بسلام ، وهبطت الطائرة في مطار الدار البيضاء ، لم يستطع الكثير من الركاب كبح انفعالهم ، واستسلم بعضهم للبكاء بالدموع المنهمرة ، للتنفيس عن النفس وإراحتها ، والتقليل من توتراتها العصبية والعاطفية والانفعالية التي تعتريها
شعر العديد منهم بالفرحة والابتهاج والسرور الطفولي الإنساني ، وسرعان ما نسيت ما عشته أثناء الرحلة من خوف وحزن وألم وموقف مرعب ، وعدت بعدها للترجل كالمعتاد ..
حميد طولست [email protected]

#حميد_طولست (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات