|
جريمة الكاظمية: على مَنْ تقع المسؤولية ؟!!
تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 1305 - 2005 / 9 / 2 - 12:07
المحور:
حقوق الانسان
في الحكومات الديموقراطية يجري تصريف المسؤوليات وشؤونها بطريقة واضحة وبشفافية تامة.. هناك مصدر معين يُسأل عن الوقائع وعن الأوليات وعن النتائج.. هكذا تفيدنا التجاريب غير العراقية بالخصوص... وفي حال ثبوت قصور أو هفوة أو ارتكاب تجاوز ما يُحاسَب المسؤول المعني بصفتيه الشخصية والمعنوية (أي بصفته مسؤولا رسميا عن واقعة بعينها). وبالعودة إلى واحدة من كبريات مآسي أبناء شعبنا المبتلى بدموية الإرهاب نجد كثيرا من التضارب الذي حصل في توصيف مأساة ضحايا جسر الأئمة والكاظمية.. وقد يعود بعض هذا إلى أن كل طرف تحدث بما لديه من معلومات شخصية تماما حتى أن بعض المسؤولين الوزراء كان يتحدث عن معاينته الشخصية ووجوده الشخصي أو من يمثله في لحظات الحادث!؟ وهكذا وجدنا أن القضية تُختزَل في المعاينة أو الشهادة الشخصية الفردية وكأننا لسنا في دولة [موجودة من آلاف أو مئات أو عشرات السنين بحسب المنظور التاريخي أو المعاصر لقراءة الدولة العراقية..] وكأننا لسنا في دولة مؤسسات وعمل مؤسساتي يوجب القانون أن تتحدث تلك المؤسسات بمنطق المسؤولية الجمعية والعمل القائم على القراءات الموضوعية لا الفردية... كما يتحدث بعضهم بطريقة "أقسم أنني كيت وكذا وقمت وفعلت" أي بطريقة المالك أو شيخ العشيرة قبل مئات السنوات.. هذا فضلا عن تركيز على النجاحات المتحققة لهذا الوزير أو ذاك حتى راح وزيران يتبادلان الشهادة لنفسيهما تاركين حجم الجريمة النكراء بعيدا عن التوصيف ومهوِّنين من وقعها الكبير في أنفس الأهالي والشعب العراقي عامة.. هل يمكن لوزير تجري في ظل ولايته مثل هذه الأمور أن يمضي من دون أن يستقيل معلنا فشله وخطته في حماية الناس.. أليس من حقنا أن نبحث عن المسؤول فيما جرى؟ أليس من حق الناس أن تطالب بدماء أبنائها وأرواحهم؟ أم أننا ما زلنا في عهد كان يقتل البنت أو الولد ويُطالـَب الأهل بثمن رصاصات الجريمة!!!!! إنَّ الضحايا هم بشر وليسوا حشرا أو من بقية أملاك فلان الفلاني. وهم يملكون كل الحقوق لينطق عنهم اليوم وليس غدا محامون يتابعون تحقيقا رسميا يُفتح على الفور في الجريمة.. ولتنطلق سفينة الحق والحقوق منذ اليوم ولا يسكتنَّ طرف عن دم ابن أو أخ أو أم أو أب راح اليوم ضحية الجريمة... وينبغي أن تجري الأمور بدءا من لحظة من أشرف على تسيير هذه الآلاف المؤلفة وخطة السير وقراءة استيعاب المنافذ وقرارات إغلاق منفذ الجسر وفتحه، كيف تمت ومتى ولماذا؟ ومن المسؤول عنها بشكل مباشر وغير مباشر؟ كما ينبغي أن يُعلن للشعب ولأهالي الضحايا حقيقة الخطط الخاصة بالحماية والمحافظة على أمن الناس وأمانهم، وعلى الثغرات التي تمَّ تبيِّنها فيما بعد ولماذا حصلت تلك الاختراقات الإجرامية سواء منها تلك المتعلقة بإطلاق الأسلحة على المدينة أم في مسألة ما جرى الحديث عنه بتردد وتضارب بخصوص بيع العصائر المسمومة وبخصوص انهيار جزء من الجسر؟؟!!! وعلينا هنا أن نحدد أين تمَّ بيع تلك السوائل القذرة وكيف ومن قام بالأمر وما نوع المادة السمية وكل احتمالات المصادر والأبعاد المرافقة ومن ذلك كم من الضحايا قُتِل مسموما وكم منهم ذهب ضحية التدافع أو الغرق ولابد من متابعة حقيقة قفز بعضهم وتوصيف الواقعة وكيفيتها ولابد هنا من وجود شهود العيان.. لا يمكن القبول بإحالة الجريمة النكراء الواحدة تلو الأخرى بحق قتلانا على القضاء والقدر ولا يمكن لعاقل أن يقبل من مسؤول أو غيره هكذا إحالة مباشرة ومن دون تحقيقات كافية إلى تقييد الأحداث ضد مجهول.. انتهى عهد لفلفة الأمور لذرائع سياسية أو غير سياسية.. وعلى الساسة ألا يستعجلوا تصريحاتهم بما يوقعهم في إطار هذا المنطق الملتوي. اليوم قبل الغد نطالب بهيأة تحقيق مناسبة وأقول مناسبة من جهة حجمها ونوعها.. وفي وقت نضع ثقتنا في قضائنا العراقي وفي مؤسسات دولتنا ونساند مسيرة تطورها وتعزيز إمكاناتها إلا أننا هنا في اللحظة القائمة نشدد على ضرورة وجود أطراف إشراف دولية في متابعة العملية برمتها من جهة الاستفادة ومن جهة توطيد الثقة والانتقال إلى لاحق مراحل البناء عندنا.. إنَّ السير بالتحقيقات اليوم قبل الغد أمر يفيد نتائج صحيحة ودقيقة.. كما أننا هنا نؤكد أن الحل يكمن في رسوخ المطالبة بالحقوق وعدم التراجع عنها ومنع لفلفة الأمور... ومثل هذا التوجه يرسخ لنا توكيدنا على العمل المؤسساتي وهو أول اتخاذنا السير في طريق الديموقراطية فضلا عن تطمين مطالب الناس وحاجاتهم وتنفيذ إراداتهم وتطلعاتهم... وبالاستفادة من التجربة ينبغي أن تكون هذه الواقعة الأليمة وما قبلها درسا مهما للجمهور عامة ولكل الفئات والمنظمات والجهات التي تقف وراء التظاهرات الجماهيرية الواسعة لكي يجري تنظيمها في ظروف مناسبة لحركتها بما يكفل تأمين سيرها بطريقة سلمية سليمة.. ومن سمؤولية الحكومة ومؤسساتها وليس غيرها أن تقول كلمتها هل تستطيع تسيير مظاهرة شعبية لطقوس دينية أو لأمور وأهداف أخرى وتوفير المتطلبات الكافية الضامنة لتلك المسيرة بكل مفردات ضمان الأمن والحاجات الخاصة بالخدمات المرافقة كما في توفير المياه والمشروبات التي رأينا تسببها في قتل كثير من أبنائنا!! إنَّ هذه الكلمة التي يلفها الحزن والأسى والألم على كل طفل وكل امرأة وشيخ وكل فرد عراقي راح ضحية جريمة الكاظمية، إنَّما تحاول الخروج من لحظات العزاء والحزن المقيم في الروح لتتجه إلى العمل من أجل ألا تضيع حقوق الضحايا وألا يحصل ما حصل من جديد وألا تتكرر الوقائع الأليمة وتمضي في كل مرة من دون معالجة جدية مسؤولة.. ونحن هنا في وقت لا نميل لروح الاتهام الشخصي ولا إلى إلحاق مسؤولية الواقعة الكارثية بطرف علينا أن نتحدث بوضوح وبشفافية وبأناة وحكمة إلى ما يجب من تجنب المزايدات السياسية والاستغلال السياسي لطرف اللغو بمصالح حركة أو حزب أو مجموعة ونعاين أوجاع الناس وأهالي الضحايا الذين راحوا ضحية انعدام كفاية الاستجابة للأمور الخدمية والأمنية والصحية ومن ثمَّ مرور الواقعة بطريقة عشوائية مستهجنة انطوت على كل تلك الآلام والقرابين الحزينة!! ومعروف لدى كثير من بلدان العالم أمر مسيرات الطقوس الدينية وغيرها يجري تحديد عدد المشاركين بحجم الخدمات الممكنة فحجاج البيت الحرام في مكة لهم محددات وأعداد يجري البحث في حجم الخدمات لهم لتجنيبهم أحداث من النمط نفسه وهذا في ظروف عادية فكيف بنا وظروف عراقنا غير المستقرة... إن ما حصل بالأمس لم يكن من تدبير جريمة "طائفية" الأهداف حسب بل جريمة يُراد منها دق مسمار آخر في نعش يُعد للعراق والعراقيين كافة... والعراقيون وحدة إنسانية أعمق وأغلى من توزيعهم المقصود إلى شيع وطوائف وفرق ومن ثم فهم هوية واحدة تقف بوعي ضد كل تلك المحاولات الإجرامية من أجل غدهم المنشود.. إن زيارة إمام للشيعة أو للسنة لا يجري من طرف الشيعة وحدهم أو السنة وحدهم ولكنه يجري بشكل مشترك حيث يحترم المسلمون كافة بفرقهم ومذاهبهم أولياءهم الصالحين من دون تمييز ولكن دفع قوة سياسية لثقلها بطريقة المزايدة وتوريط الناس في مسيرة بعينها وتعريضهم لما جرى يلزم تلك الجهات أن تعترف بأن مزايداتها يمكن أن تكون واحدة من أسباب الواقعة وعلى القوى السياسية أن تلاحظ حجم النتائج والتضحيات عندما تتقدم بخطة أو نشاط أو عمل بعينه واحترام الإنسان العراقي ومصالحه وحقوقه يجب أن يكون أولا وإلا فإن العراقيين يملكون الوعي الكافي للرد على مجريات من يدفعهم إلى هذا الفعل أو ذاك!! إن وجود السني والشيعي في العزاء نفسه ومشاركتهما سويا في عمليات الإنقاذ والتضحية من أجل الآخر إشارة صادقة لواقعنا العراقي وانسجام نسيجه ووحدته.. وكل أطراف مكونات شعبنا العراقي ليس المسلمون لوحدهم بل المندائيون والمسيحيون والأيزيديون ومجموع أطياف العراق، كلهم يسيرون في العزاء وكلهم يشتركون في آلام بعضهم بعضا ويعملون حثيثا من أجل مصالح بعضهم بعضا... إن نقطة انطلاق التغيير من أجل الديموقراطية المنشودة ومن أجل تحقيق مصالح العراقي كل عراقي من دون تمييز ينبغي أن تبدأ اليوم من هذه الفاجعة الأليمة.. وعلينا أن نعود بعيدا عن الحركات الطائفية التقسيمية وأن نمضي في مسيرة البناء وإعادة إعمار بيتنا العراقي بدلا من الانشغال بأية أفعال يُراد من ورائها مشاغلتنا بعيدا عن مطالب حياتنا ومطالب أبنائنا ومستقبلهم الذي يجب أن نبنيه لهم..
الخلود لكل اسم ضحية عراقية راحت قربانا على مذبح حرية الوطن ومستقبل الشعب السعيد... المجد لكل شمس من شموس بلادنا التي أرادوا لها أن تنطفئ ولكنهم لن بستطيعوا أن يلعبوا بمشاعر الناس ومطالبهم وإراداتهم ومستهدفاتهم لأن العراقي يعرف هويته ويعرف ما يريد وليس بحاجة لمزيفين ومخادعين ومضللِّين ليسير وراءهم.. سنحفظ ذكرى كل ضحية مغدور من أجل إقرار حقوقهم ومن أجل ألا يقع مزيد من الضحايا خلف أحابيل السياسة الحزبية والميليشياوية وغيرها من الأفاعيل المشبوهة وسيكون الكشف عن مسؤولية الواقعة اسبابها ونتائحها وتعويض أهالي الضحايا ماديا ومعنويا أول طريقنا نحو ما نريده حقا..
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذرائعية الخصوصية لتشكيل فديرالية الجنوب والوسط؟!!
-
معركتنا من أجل انتصار أهداف الحوار الوطني وبعض العراقيل المت
...
-
ما الذي جرى ويجري وما المطلوب للخطوة التالية من مسيرة كتابة
...
-
من بعض مستلزمات الحوار الوطني العراقي المسؤول؟
-
هل للحوار إمكان الاستمرار في ظل الأوضاع المحتقنة؟
-
الأذن وثقافة الحوار؟
-
العراق وهيمنة -البازار- على السلطة؟
-
فديراليات تنفيذ مخططات إقليمية لا مصلحة للشعب العراقي فيها
-
لا تصنعوا طاغية جديدا آخر؟!! أدعياء التسيّد على رقاب الشعب ه
...
-
حول تقاسم الثروة الوطنية؟!!
-
المثقف العراقي و الدستور؟
-
أولويات الخدمات الحياتية الأهم للعراقي؟
-
الوضع العراقي الراهن والبديل المنتظر؟
-
بين ما يُنسَب للبصرة العراقية، وما ينتسب لأطماع خبيثة!؟حكاية
...
-
ثورة الرابع عشر من تموز العيد الوطني العراقي
-
ثورة الرابع عشر من تموز بين أهدافها ووسائلها
-
العراق وعلاقاته بين الشعوب العربية و النظم العربية
-
حول إرهاب الدبلوماسيين العرب والأجانب ومواقف بعض المسؤولين و
...
-
المرأة العراقية في الحياة العامة
-
الشعب مصدر التشريع وكاتب الدستور الأول
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
-
قرار المحكمة الجنائية الدولية: هل يكبّل نتانياهو؟
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|