|
مصر (الشعب) ومصر (النخبة)
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 20:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ عدة سنوات كتبتُ فى دراساتى وفى كتبى أنّ مصر (منكوبة) بمن أطلقتْ الثقافة المصرية السائدة عليهم (نخبة) الذين يُسيطرون على الواقع الاجتماعى والسياسى والثقافى ، ويتصدّرون الإعلام (المرئى والصحف) ورغم ذلك لم يُحدثوا أى تراكم كيفى حقيقى لصالح الوطن ، لذلك ظلــّتْ مصر تسير (بقوة الدفع الذاتى) ولعلّ أبرز مثال على ذلك فشل أعظم انتفاضتيْن فى التاريخ الحديث (انتفاضة يناير77 وانتفاضة يناير2011) فى الأولى امتصّها السادات بتراجعه (الوقتى) عن زيادة الأسعار، وبعد شهور نفــّذ نظامه تعليمات صندوق النقد الدولى بالحرف تحت مُسمى (تحريك الأسعار) وفى الثانية امتصّ مجلس طنطاوى/ عنان الانتفاضة بقرار تنحى مبارك ، وهو قرار باطل ، لأنّ الدستور لم ينص على تولية المجلس العسكرى لشئون حكم البلاد ، إنما نصّ على : رئيس المحكمة الدستورية أو رئيس مجلس الشعب ، وبالتالى طبّـق المجلس العسكرى وعد بالفور (من لا يملكك أعطى لمن لا يستحق) وهكذا راحتْ دماء الآلاف من شبابنا بلا تحقيق مطالبهم المشروعة، وكان على رأسها (مصر دولة ليبرالية) وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاكمة مبارك ونظامه محاكمة سياسية ، وهى مطالب لم يتحقـّـق منها أى شيىء ، وانتهى المشهد كما رسمه وخطط له المجلس العسكرى بالافراج عن مبارك وعن عصابته. وعادتْ (ريما لعادتها القديمة) كما يقول شعبنا الأمى فى أهازيجه البديعة. ويذهب ظنى أنّ السبب فى فشل الانتفاضتيْن الكبيرتيْن ، يعود إلى غياب (نخبة وطنية) تقود الجماهير لتحقيق مطالبها ، سواء من أحزاب أو جمعيات حقوقية ، بل إنّ تلك (النخبة السائدة) تسبّبتْ فى فشل انتفاضة يناير2011 ، عندما أيّدتْ فض الاعتصام مساء 11فبراير. وعندما طالب أصحاب العقول الحرة (المغضوب عليهم والضالين من وجهة نظر المنظومة الرسمية والسائدة) بعدم فض الاعتصام ، وأنّ إنهاء الاعتصام نهاية ل (الثورة) فكان رد (النخبة الرسمية) ردًا عاطفيًا ساذجًا ((عاوزين إيه بعد ما انزاح الكابوس اللى اسمه مبارك؟)) وهذا الرد سمعته بنفسى فى ميدان التحرير فى ذلك المساء الأسود . ولكن هل (النخبة الرسمية) التى تتصدّر المشهد فى الواقع المصرى ، هى المسئولة وحدها عن غياب أى تراكم كيفى لصالح الوطن؟ يذهب ظنى أنّ المُـتعلمين الكبار (من شعراء وروائيين وباحثين وإعلاميين) المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة ، هم (توأم النخبة الرسمية الفاسدة) لأنّ هؤلاء المُـتعلمين (مع وجود بعض الاستثناءات) ساهموا فى تضليل شعبنا ولم يُدافعوا عن خصائصه الثقافية القومية ، بل إنهم مشوا وراء البكباشى عبد الناصر، وردّدوا أكاذيبه التى فضحها الواقع مثل أكذوبة (القومية العربية) لضرب (القومية المصرية) وأكذوبة (الوحدة العربية) لضرب خصوصية أى شعب من شعوب المنطقة. وأطلق الصحابى الأول (هيكل) لنبى العروبة (عبد الناصر) مدفعيته (من منبر صحيفة الأهرام) ليهدم خصوصية أى شعب ، فوجّه سهامه المسمومة فى مقولته الباطلة والفاسدة ((مصر لا شيىء بدون العرب.. والعرب لا شيىء بدون مصر)) أى إلغاء أى امكانية ل (الاعتماد على النفس) كما فعلتْ كل الشعوب العظيمة والأنظمة المُحترمة. وعندما ذهب هيكل إلى قناة الجزيرة وأدلى فيها بعدة أحاديث قال في شهر يونبو2009 ((يستحيل الدفاع عن الأمن المصرى بدون حزام قومى عربى)) فنال هذا الكلام إعجاب القناة التى تستضيفه ، فأصرّتْ على إعاة هذه الفقرة (بالذات) ضمن فواصلها الإعلانية لعدة أيام . فما مدى صدق هذا الكلام؟ وهل هو اكتشاف جديد ؟ إنّ بداية التوجه العروبى كانت منذ يناير53 باعتراف ضابط المخابرات المصرى (فتحى الديب) المولع بالعروبة والناصرية وذلك فى كتابه (عبد الناصر وتحرير المشرق العربى- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- عام 2000- ص12، 30) أى أنّ ما ذكره هيكل ليس اكتشافـًا جديدًا ، وإنما هو يبيع بضاعة قديمة حفظتها شعوب المنطقة بفضل الإعلام الموجّه وبفضل الكتاب المدرسى. إذن هى رسالة لتكريس التوجه الأيديولوجى العروبى المعادى لأية خصوصية ، سواء لأية دولة عربية أو لمصر، حتى فيما يتعلق بقدرة مصر فى الدفاع عن حدودها الوطنية. يؤكد ذلك أنّ ما ذكره هيكل فى عام 2009 هو تكرار لما كتبه عام 73 إذْ كتب ((إنّ طاقة مصر وحدها لا تستطيع إحراز النصر المُرتجى فى الصراع الراهن فى أزمة الشرق الأوسط)) (أهرام 6/7/73) أى قبل حرب أكتوبر بثلاثة شهور. ولم يكتف هيكل بإنكاره قوة مصر الذاتية وإنما وصفها فى نفس المقال بأنها ((شظية اسمها مصر)) ونظرًا لإيمانه ب (الوحدة العربية) رغم فشل الوحدة المصرية السورية أضاف ((لا مستقبل للكيانات الشظايا. شظية اسمها السعودية. وشظية اسمها ليبيا.. الخ)) وفى الأسبوع التالى كرّر نفسه ولكن بمزيد من الهدم لمبدأ الاعتماد على القوة الذاتية لأية دولة فذكر لو أنّ ((كل بلد عربى وجد الوسيلة لتنمية مستقلة، فمعنى ذلك أننا سندخل فى عصر من المنافسة الطاحنة بين الضعفاء)) ونتيجة ذلك فى رأى هيكل الذى تصفه الثقافة السائدة البائسة والمنحطة وكل تلامذته البؤساء ب (الكاتب الكبير) النتيجة كما أضاف هو ((شظايا تصطدم مع الشظايا. فتات يأكل الفتات)) ولشدة ولعه باللعب بالألفاظ (على طريقة د. جمال حمدان) أضاف ((أننا إذا لم ننجح فى التنمية المستقلة وقعنا فى الخطر، وإذا نجحنا فى التنمية المستقلة وقعنا فى الأخطر)) فهل ينكر أى عقل حر أنّ هذا الكلام يصب فى مصلحة الرأسمالية العالمية ؟ لقد أضحكنى هيكل عندما سمعتُ أحاديثه فى قناة الجزيرة ، وربطتها بمقالاته فى (أهرامه) فهو إذْ يرى فى عام 2009 أنّ مصر لا شيىء بدون العرب ، كتب فى عام 73 أنّ ((الأمة العربية أمامها فترة محدودة – ثلاث سنوات أو خمس على أكثر تقدير- فإذا لم تستطع خلالها أنْ تبدأ بنوع من العمل العربى وتختم بنوع من الوحدة العربية ، فإنّ هذه الأمة سوف تفقد مكانها على الخريطة السياسية للعالم الجديد . بل أكاد أقول إنها مُهدّدة بفقد مكانها على الخريطة الجغرافية لهذا العالم أيضًا. وسوف تكون عاجزة عن مواجهة التحدى الإسرائيلى القائم فعلا)) (أهرام 13/7/73) فإذا أخذنا الحد الأقصى الذى حدّده هيكل لفقدان الأمة العربية لمكانها (الأدق لغويًا لمكانتها) فإنّ المدة تنتهى فى عام 78، فما حالته العقلية فى عام 2009 وهو يبيع بضاعته القديمة لقناة الجزيرة ، عندما أصرّ على أهمية العرب لمصر لحماية أمنها القومى؟ بعد أنْ فقدوا مكانتهم وفق كلامه. وما حالته العقلية بعد الذى حدث فى اليمن وسوريا والعراق وليبيا؟ خاصة بعد يناير2011 ؟ وبسبب العروبة التى يرى هيكل (ومعه الناصريون والماركسيون وكل العروبيين) أنها الحامية لمصر، تمّ قتل جنودنا وضباطنا المصريين (وكذلك قتل أبناء الشعب اليمنى) فى (بالوعة) اليمن حسب وصفه (أهرام 1/6/73) وأنّ إيمان عبد الناصر بالعروبة جعله يستهين بحديث الحبيب بورقيبة الذى ذكر له أنّ الأمير فيصل قال ((إذا لم ينسحب الجيش المصرى من اليمن ، فنحن على استعداد لأنْ نجعل منها مقبرة كبيرة له)) (نقلا عن هيكل فى كتابه الإنفجار- ص62) وبالطبع فإنّ المقبرة كانت للشرفاء من شعبنا الذين قـُـتلوا فى اليمن ، ورفض عبد الناصر عودتهم لمصر لدفنهم فى وطنهم. وكذلك الذين قـُــتلوا فى عام 56، 67 وليستْ المقبرة لعبد الناصر الذى استمر حتى يُجهّز لمقبرة الجيش المصرى فى بؤونة/ يونيو67. وبسبب العروبة تمّ تبديد موارد مصر على سوريا واليمن والجزائر إلخ (لمن يود التأكد من ذلك عليه الرجوع لكتاب فتحى الديب- مصدر سابق- أكثر من صفحة) وهيكل 2009 يتجاهل ما كتبه على لسان عبد الناصر الذى قال يوم 29/8/65 أنّ العرب يُتاجرون بالشعارات ((وبالتالى فإنّ ج.ع.م (أى مصر) ستجد نفسها مضطرة إلى الانسحاب من مؤتمرات القمة لتحل مسئوليتها التاريخية وحدها)) وعن فلسطين قال عبد الناصر ((نحن جميعًا لا نملك خطة لتحرير فلسطين ولا نملك الوسائل لتحقيق ذلك)) (هيكل- الانفجار- ص207، 208) وهيكل يتجاهل أنه أثناء العدوان الثلاثى على مصر فإنّ الطائرات البريطانية كانت تضرب بور سعيد من مطار الحبانية بالعراق (صحيفة الشعب 25/11/56) ويتجاهل أنّ نبى العروبة (عبد الناصر) قال لإيدن ((إذا اعتديتم علينا سنستعين بالاتحاد السوفيتى)) (صحيفة الشعب 29/11/56) فلماذا لم يقل سنستعين بالعرب؟ هل لأنّ نبى العروبة أكثر واقعية من الصحابى الأول؟ وهيكل 2009 يتجاهل ما كتبه هيكل 98 إذْ ذكر أنّ الجيوش العربية سلــّمتْ قيادتها للجنرال جلوب الانجليزى . وأنّ بعض الجيوش العربية تخلــّتْ عن مساعدة الجيش المصرى فى معارك النقب وغيرها فى شهرىْ نوفمبر وديسمبر48 (هيكل- العروش والجيوش- دار الشروق- عام 98- ص445) وهيكل الذى يُروّج لمقولة أنّ مصر بدون العرب مجرد (شظية) هو الذى كتب ((إنّ الصراع العربى الإسرائيلى فى جوهره صراع بين (الكم) العربى و(الكيف) الإسرائيلى ، قد يكون العرب مائة مليون ولكنهم بعيدون عن روح العصر ولهذا لا يلحقون به)) (أهرام 8/6/73) لذا لم تكن مفاجأة أنْ يقوم الطيران الإسرائيلى يوم 7/6/81 بتدمير المفاعل العراقى (رغم محطة الإنذار المبكر فى الأراضى السعودية) ويقوم فى العام التالى (يونيو82) بغزو لبنان . فإذا كانت الميديا العروبية تـُروّج لمقولة اعتماد مصر على العرب ، يكون السؤال المشروع: ماذا قدم العرب للعرب؟ فعندما غزا جيش صدام دولة الكويت فإنّ الكويت استعانتْ بأميركا والغرب لتحرير أراضيها ولم تستعن بالعرب . وذكر فتحى الديب أنّ ((قاعدة الظهران الأمريكية التى أقامتها أميركا بالسعودية كانت بديلا مأمونـًا وبعمق المشرق العربى)) (المصدر السابق- ص181) ولكنه لم يذكر الهدف من إقامة هذه القاعدة العسكرية الأمريكية على الأراضى السعودية ، وأنّ إقامتها ضد من؟ وباعتراف هيكل فإنّ السعودية بها 1600 خبير عسكرى بريطانى وأمريكى (الانفجار- ص241) وهيكل الذى كتب كثيرًا عن (الاستعمار الأمريكى) وعن (الكيان الصهيونى) فى وصفه لإسرائيل ، يتحدث فى قناة الجزيرة التابعة لقطر، ويعلم بوجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى الخليج (العربى) على أرض قطر. وعلى أرضها أيضًا المكتب التجارى الإسرائيلى بالدوحة. فكيف تصوّر أنْ يُصدقه أحد غير البلهاء حسنى النية ؟ أم أنه يعتمد على المُشاهدين العروبيين ودراويش الناصرية وحدهم؟ ويتجاهل هيكل أنّ نبى العروبة (عبد الناصر) هو مهندس هزيمة بؤونة/ يونيو67. ولم تكن أكذوبة الحشود الإسرائيلية على الحدود السورية إلاّ (الشماعة) التى علــّـق عليها توريط مصر فى هذه الكارثة التى يصعب محو آثارها من نفوس شعبنا ، والتى تبدو أغرب من الأساطير ومن خيالات مؤلفى ألف ليلة وليلة، خاصة وأنّ التقارير المصرية أكدتْ لعبد الناصر أنه لا توجد حشود إسرائيلية على الحدود السورية (الفريق أول محمد فوزى فى كتابه حرب السنوات الثلاث- 67- 70- ص71، 72 وكتاب مذكرات الجمسى حرب أكتوبر73- ص19، 38، 39، ،40) فكانت النتيجة كارثة الهزيمة التى أطلق عليها الصحابى الأول اسم الدلع (نكسة) رغم أنّ إسرائيل دمّرتْ كل الطائرات والممرات المصرية فى مدة قدّرها هيكل نفسه ب ((ثلاث ساعات ونصف)) (هيكل الانفجار- ص710) وإسرائيل التى كتب هيكل أنه ((لا مستقبل لها فى المنطقة)) (أهرام 8/6/73) والتى قرّر العرب فى بيان القيادة السياسية الموحدة فى شهر مايو65 أنّ ((الهدف العربى القومى هو القضاء على إسرائيل)) (فتحى الديب- مصدر سابق- ص688) وإسرائيل (المزعومة) فى الميديا العروبية/ الناصرية ضربتْ 11 قاعدة جوية مصرية فى وقت واحد من العريش إلى الأقصر (هيكل- الانفجار- ص713) وتحت شعار (القومية العربية) أتاح نبى العروبة لإسرائيل ، ليس إحتلال سيناء فقط ، وإنما القدس والضفة الغربية وغزة والجولان السورية. والأكثر فداحة ما ذكره ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكى الأسبق من أنّ ((دولة عربية طلبت كمية من الأسلحة لمواجهة السوفيت ، وأننا وافقنا بشرط أنْ لا تـُستخدم أسلحتنا ضد إسرائيل)) (هيكل- الانفجار- ص241، 242) وهيكل الذى نقل هذا الحديث لم يُعلق عليه بكلمة واحدة. يُقرّق هيكل والميديا العروبية/ الناصرية بين أنظمة (رجعية) وأخرى (تقدمية) وأنّ الأمل فى الاعتماد على الأخيرة (الانفجار- 66) وليس لدىّ تعليق أبلغ من الواقعة التى ذكرها المؤرخ المرحوم د. رؤوف عباس الذى ترجم كتابًا عن جريمة أميركا ضد الشعب اليابانى فى هيروشيما وناجازاكى فى أغسطس 1945. كان الكتاب بعنوان (اليوميات والشهادات) طبـــــــع د. رؤوف الكتاب على نفقته الخاصة وكان ذلك فى عام 75. تعاقد د. رؤوف مع الأهرام لتوزيعه فقال له صلاح الغمراوى مدير التوزيع آنذاك (إنّ الوقت غير مناسب لصدور الكتاب) طاف د. رؤوف على مكتبات القاهرة يعرض عليها توزيع الكتاب ، فاكتشف أنّ هناك تعليمات شفوية من المباحث بعدم طرح الكتاب للبيع . دلــّه صديق على مكتبة الخانجى التى قبلتْ الكتاب لتصديره إلى دول (جبهة الرفض : العراق، سوريا، ليبيا والجزائر) كانت القاعدة المعمول بها تقتضى إرسال عدة نسخ إلى البلد المعنى للحصول على موافقة الرقابة ، فكانت النتيجة أنّ ((الرقابة فى البلاد الأربعة رفضتْ السماح بدخول الكتاب)) فكان تعليق د. رؤوف على هذه الكوميديا السوداء ((اكتشفتُ زيف تشدق النظم العربية (التقدمية) بشعارات معاداة الامبريالية (الأمريكية) ومدى ارتباط أجهزتها المعنية بالولايات المتحدة الأمريكية)) (مشيناها خطى- كتاب الهلال- ديسمبر2004- من ص183- 186) فهل هناك تضليل إعلامى أكثر من ذلك؟ وهل صحيح أنّ مصر- أو أية دولة أخرى- لا تستطبع أنْ تعتمد على نفسها أو تحمى حدودها كما قال الصحابى الأول (هيكل)؟ ألا يؤدى هذا الكلام إلى كسر القوة الذاتية لأى شعب؟ وبالتالى يصب فى صالح الرأسمال العالمى؟ وألا يعنى أنّ شعار العروبة الذى باركته بريطانيا وأيّـدته أميركا هو ضد العرب مثلما هو ضد مصر؟ وصدق الشاعر الكبير نزار قبانى فى قوله الحكيم (سقط الفكر فى النفاق السياسى/ وصار الأديب كالبهلوان/ تستبد الأحزان بى/ فأنادى/ آه يا مصر من بنى قحطان)) تعمّدتُ أنْ أبدأ ب (هيكل) بصفته أحد (كبار المُـتعلمين) المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة وأكتفى بنموذج آخر هو د. جمال حمدان (أيقونة) العروبيين والناصريين والماركسيين، رغم مساهمته فى التضليل ، فهو نظرًا لولعه باللعب بالألفاظ (وقلــّـده كثيرون) قال جملته غير العلمية أنّ مصر ((فرعونية بالجد ولكنها عربية بالأب)) وأنّ قدرنا ((هو القومية العربية)) (شخصية مصر- أكثر من صفحة فى أكثر من طبعة) أى أنه مشى وراء نبى العروبة (عبد الناصر) فى مسألة ((قدرنا هو القومية العربية)) ويرى حمدان أنّ الفرس واليونان والرومان الخ غزاة ومستعمرون ومحتلون ، أما العرب فشىء آخر تمامًا فكتب ((... والحقيقة أنّ الدولة العربية كانت (إمبراطورية تحررية) بكل معنى الكلمة فهى التى حرّرتْ كل هذه المناطق من ربقة الاستعمار الرومانى أو الفارسى المُـتداعى واضطهاده الوثنى وابتزازه المادى)) وهنا يجب ملاحظة استخدامه للفظ (وثنى) وهو لفظ غير علمى ومن بضاعة الأصوليين فى كل دين ، وملاحظة تضليله فى تعبير (الابتزاز المادى) وكأنّ الغزاة العرب لم ينهبوا ثروات الشعوب تحت مُسمى (الجزية) ومُسمى (الخراج) إلى آخر المُسميات والتصرفات التى وردتْ فى (أمهات الكتب) التى أرّختْ للتاريخ العربى/ الإسلامى الدموى ، ويكفى قراءة كتاب (فتوح مصر وأخبارها) تأليف ابن عبد الحكم القرشى الذى أورد نص كلام عمرو بن العاص عندما عزله عثمان عن جمع (الجزية) فقال له ((أنا إذن كماسك البقرة من قرنيها وغيرى يحلبها)) (مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر- عام 74- ص121) وتلك الجملة هى المفتاح لفهم شخصية الغازى عمرو بن العاص ومن معه من الغزاة العرب ، وهذا مجرد نموذج واحد من آلاف النماذج عن النهب الاستعمارى العربى ، فهل جمال حمدان يستحق الأوصاف التى أطلقها عليه العروبيون والناصريون والماركسيون مثل : المؤرخ ، العالم ، المفكر إلخ ؟ رغم أنه كتب فى تبريره للاستعمار العربى ((واضح إذن أنّ أخوة الدين كان يُـقابلها أخوة الأقاليم... إنّ علينا إبتداءً أنْ نـُسلــّم – موضوعيًا – بأنّ هناك حوافز وقوى ميتافيزيقية لا تستمد من الواقع المادى بل تتخطاه ، تكمن خلف هذه الدينامية المُـتفجّرة والحيوية الدافقة. ولا شكّ أنّ جذوة الحماس الدينى المُـتقدة هى التى ألهبتْ خيال المؤمنين حتى تحولتْ بهم إلى شعلة ملتهبة وتحولوا هم إلى مشعل مضىء)) وردّد ما يقوله الأصوليون الإسلاميون أنّ السلطة فى الإسلام أصبحتْ (دولة بين الجميع) فلم ((يلبث بعد قليل أنّ مركز الحكم الإسلامى ترك النواة النووية فى جزيرة العرب التى أصبحتْ فى النهاية هى جزيرة الإسلام بقدر ما أصبحتْ دار الإسلام دار العرب الكبرى)) (د. جمال حمدان- استراتيجية الاستعمار والتحرر- دار الشروق- عام 83- ص26، 27) ألا يتطابق هذا الكلام مع ما قاله الأصوليون المُعادون للانتماء الوطنى أمثال الأفغانى ورشيد رضا وحسن البنا وسيد قطب وشكرى مصطفى إلخ ؟ فكيف ولماذا صنـّـفته الثقافة السائدة بالصفات التى لا يستحقها؟ وهل من الممكن لشعبنا المصرى أنْ يُحقق أية تنمية مستقلة وأنْ يُحقق أى تقدم وأى تحرر، مع وجود أمثال هؤلاء (المُـتعلمين الكبار) من نوعية هيكل وحمدان؟ وهكذا تتضح معالم الكارثة التى تعيشها (مصر المنكوبة بمتعلميها) لأنّ النموذجيْن (هيكل وحمدان) وغيرهما كثيرين أثروا على عقلية (النخبة الرسمية) وأصحاب تلك (النخبة) هم الذين يتربّعون على عرش الميديا. وبينما شعبنا (خاصة الأميون) ينتفضون ضد كل أشكال القهر والاستعمار العربى/ الأمريكى لمصر، تنقض عليهم (النخبة) لتــُـفرغ انتفاضاتهم من محتواها الوطنى والتقدمى ، لصالح الأمريكان والعرب ، وشعارهم (تثبيت الواقع المتردى) طالما هم ينعمون بالثراء وصدارة المشهد الاجتماعى والثقافى والسياسى ، وبذلك تكون مصر (الشعب) شىء ومصر (النخبة) شىء آخر هو النقيض لطموحات شعبنا. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاختلافات بين المصاحف (3)
-
باب اختلاف المصاحف (2)
-
باب اختلاف المصاحف (1)
-
تفسير القرآن وأسباب النزول (9)
-
كتب التفسير وأسباب المزول (8)
-
من أين يأتى العدو ؟
-
هامش على أسباب النزول عن مارية القبطية (7)
-
تابع تفسير القرآن وأسباب النزول (6)
-
مصر بين الوهم العروبى و(حقيقة أفريقيا)
-
تابع تفسير القرآن وأسباب النزول (5)
-
تابع تفسير القرآن وأسباب النزول (4)
-
تفسير القرآن وأسباب النزول
-
لماذا يكره الأصوليون باب أسباب النزول ؟ (2)
-
لماذا يكره الأصوليون باب أسباب النزول ؟
-
بشأن منح جائزة ابن رشد للغنوشى
-
العلاقة بين الإرهاب والغزو والنهب
-
الأصولى وتوقف النمو العقلى
-
بشر يحاكمون الحيوانات والحشرات (3)
-
بشر يُحاكمون الحيوانات والحشرات (2)
-
بشر يُحاكمون الحيوانات والحشرات (1)
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|