سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 16:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- نحو فهم للوجود والحياة والإنسان (21) .
هى دعوة للخربشة فى صور الحياة والوجود التى ألفناها وتمر أمامنا بلا إكتراث وفى كثير من الأحيان تمر بمفاهيم مغلوطة متغطرسة تفتقد لأى منطق , ولكننا إستطيبنا هذه المفاهيم من توارثها وشيوعها أو كونها تفى حاجات نفسية متوهمة بأن هكذا فهم يمنح راحة وسلام داخلى وإنتشاء .. هى صور شائعة سنلقى عليها الضوء من خلال أسئلة لنطرح الرؤى المختلفة التى تفسرها ولنطلب الرؤية والفهم المنطقى الواعى الكفيل أن يدق المسامير الأخيرة فى نعش أفكار وأوهام أكل عليها الدهر وشرب لننظر للحياة والوجود بعيون نظيفة .
- بماذا تفسر وجود 64 قمراً للمشترى بالرغم إنه كوكب خالى مهجور لا حياة عليه بينما كوكبنا العامر بالحياة له قمر واحد .؟!
لو قلت أن هناك حكمة وتقدير وترتيب وغاية وراء هذا المشهد فستجلب الحرج والسخرية الشديدة لها , فهذا المشهد يعنى الغفلة وسوء التقدير لمن يتشدقون بالحكمة والترتيب والنظام , فأليس من الحرى أن يكون للأرض أقمار المشترى فهى الأولى بالإهتمام عن هذا الكوكب المهجور بينما لو تم تفسير هذا المشهد من طبيعة غير واعية ولا مُنظمة ولا مُرتبة وليس لديها غاية لتتحرك الأمور فى إطار فعل قوى المادة ,فالأجسام الكبيرة سيتبعها أجسام صغيرة عديدة بالضرورة عن الأجسام الصغيرة ..هل هذا المشهد بمثابة مسمار فى نعش فكرة الحكمة والتدبير فى الخلق وكل شئ بمقدار وبدقة بالغة أم لا .
- بماذا تفسر أن المطر يسقط على اليابسة وعلى البحار والصحارى الخالية أيضا ,فما فائدة أن تسقط الأمطار على البحار والصحراء إذا كان سقوطها تبديد بلا معنى ولا جدوى فهل هذا يدل على صاحب نظام وحكمة وتدبير أم من الأحرى القول أنها ظاهرة طبيعية تتحقق متى توفرت ظروف مادية لا تعتنى فى تحقيقها بغاية وجدوى فهى حالة مادية غير عاقلة ولا مُريدة .
- بماذا تفسر أن أغلب الزلازل تحدث في المناطق الخالية كما تتواجد على الكواكب الأخرى وكانت تغمر الأرض قبل وجود الإنسان هى والأعاصير من مئات الملايين من السنين فلم يكن حينها كفار أو عصاة لمعاقبتهم .
- هناك خطأ شائع مازلنا نردده بقولنا أن الشمس تشرق وتغرب بالرغم أن العلم يقول لنا الشمس لا تذهب للشروق ولا للغروب بل هو دوران الارض حول محورها لتستقبل الضوء من الشمس ,فنقول شروق أو تُحجب فنقول غروب ,فبماذا تفسر شيوع هذا القول الشائع ؟! أليس ترديد ثقافة وفكر إنسان قديم مازال يجد الحضور فى أذهاننا مترجماً وهم ورؤية ذهنية إنسانية قديمة غبية تتصور الوجود من أجلها وأن الأشياء فى خدمتها أو كما يقولون سُخرت للإنسان فجعلت الشمس هى التى تتحرك حول الأرض الميمونة لتنتج شروق وغروب .
- بماذا تفسر القول ومن آياته خلق لكم الليل والنهار فما هو العظيم فى ذلك ,فحرى أن تكون الحياة نهار فقط ,فالظلمة شئ ليس جيدا للحياة ولكننا نتأقلم بما تفرضه الطبيعة لنبحث له عن تبرير ونجعله عظيماً .!
- هل مشهد دوران الارض حول محورها أمام الشمس كسبب لحدوث النهار والليل ذو إعتناء وترتيب من الأرض أو الشمس أو من إله يمد يده ليحركها حول محورها أم أن حركة الأرض حول محورها هو لإتزان الأرض ذاتها وكون هذه الحركة واجهت الشمس لتنتج الشروق والغروب على وجهى الكرة فهو أتى هكذا فلو لم تدور الارض بحثاً عن توازنها فلن تكون مكاناً يستقبل الحياة والضوء ولن يأتى من يقول : أنظر إنها تدور حتى تنتج لنا النهار والليل ... الغريب أنه لم يسأل ذاته :لماذا الأرض كانت تدور قبل وجود الحياة عليها ؟! ..دوران الارض هى حركة المادة فكونك إستفدت منها وخلقت لها معنى فهى غير معنية بمعناك ,فأنت تواجدت فى المشهد فقط وكونت إنطباع .
- بماذا تفسر أن الشمس كانت ولا تزال تشرق وتغرب منذ أربعة بلايين عام - مع تحفظنا على تعبير الشروق والغروب - وستظل تفعل ذلك بوجود البشر أو بدونهم إلى أن ينتهي وقودها بعد 4 بلايين عام أخرى فهل هى تواجدت من أجل البشر، ولتلاحظ أنها تفعل ذات الفعل على الكواكب الأخرى الخربة , كذلك نجد فى هذا الكون الشاسع ملايين النجوم كالشمس التى تتأجج بلا جدوى ولا طائل .
مع تحفظنا على قول شروق الشمس وغروبها فليس هناك غاية سوى أنها جزء من طبيعة الشمس وليس هناك غاية من حدوث الزلازل سوى أنها جزء من طبيعة الأرض ، إن البراكين و الزلازل تحدث على الكواكب الأخرى فهل تحدث لعقاب للكفرة أم تحدث بدون معنى ولا غاية .
- توجد كواكب أخرى فى مجموعتنا الشمسية تدور حول نفسها كإتزان أيضا لتلقى الشمس الضوء عليها ليتحقق فيها الشروق والغروب , فما معنى وما الجدوى الشروق والغروب على كواكب مهجورة ؟!, وبماذا تفسر عدم اهتمامنا بعمليات الشروق والغروب عليها؟!..المعنى هو فكر وإنطباع إنسانى عن الأشياء التى تعتنى بوجودنا أليس كذلك وغير ذلك سنهمله ولن نفكر فيه .
- ذكرت فى مقالى السابق فرضية لو تخيلنا فيروس أطاح بالبشرية فقضى عليها تماما لتنجو أنت وتجد ذاتك وحيداً متفرداً فى الأرض ليصبح أمامك قناطير من الذهب ومليارات الدولارت وآلاف القصور وكل ما على وجه الأرض أصبح فى حوزتك , فهل ستعنى هذه الأشياء أى معنى .. تأمل قليلا وتخيل هذا المشهد لتدرك أن القيمة والمعنى والغاية والملكية ليس لها أى معنى فهى وليدة رؤية إنسانية ذاتية نسقطها على الأشياء وتكتسب أهميتها من وجود حالة ضدية وآخر نريد أن نمارس عليه التمايز.
- بماذا تفسر أن كوكب الأرض كان يحفل بالحياة منذ مئات الملايين من السنين , فكائنات تعيش وتنمو وتتكاثر وتتطاحن وتموت وتندثر ,وشمس تشرق وتغرب ,وأمطار غزيرة تسقط على الوديان والبوادى بلا تمييز ,ونباتات تنمو وتموت ,وغابات ثرية بالنباتات والحشرات والحيوانات ,وحياة حبلى بالصراع بين الكائنات التى تعيش عليه ,وأمواج بحر رائعة لا تكف عن المد والجزر بلا مصطافين ,ومحيطات هائلة تحفل بتريليونات الأسماك يأكل بعضها بعض .. كل هذه المشاهد وأكثر دارت على مدار مئات الملايين من السنين قبل حضور الباشا الإنسان , فلمن كانت هذه الحياة و الحيوية ,وما معناها لمن يتوهم أن الموجودات سُخرت للإنسان ؟!
- بماذا تفسر بعد القمر عن الأرض بهذه المسافة المثالية التي لو زادت أو قلت لغرقت الكرة الأرضية بالماء؟
وجود الارض بهذه الحالة جاء كنتيجة لحالة إتزان المادة مع هذه الوضعية بمعنى أننا نخطأ عندما نضع المحصلة والمشهد النهائى من ظرف مادى فى المقدمة ثم نبدأ التفكير لنبحث لها عن نظام ومُنظم بينما هو توفر إحتمال لهذه الحالة وسط ملايين الإحتمالات الأخرى العشوائية لنبرمج أدمغتنا على الحالة التى تواجدنا فيها ونخلق منها سبباً ومعنى وغاية .
- بماذا تفسر الإنتخاب الطبيعى ,هل الطبيعة تختار وتنتقى وتمارس عملية فرز وإنتقاء للموجودات الحية أم هذه رؤية مغلوطة ليست فيها لنتصور أن الطبيعة تمارس عملية فرز وإنتقاء للموجودات الحية فتنتخب الصالح والقوى وتلفظ الضعيف ويرجع هذا إلى إسقاط وعينا الميتافزيقى على الطبيعة كفاعل واعى مُريد , بينما الطبيعة ليس لها عقل أو إرادة أو مزاج أو تفضيل أو حسابات لتتحكم فى العمليات الحيوية فتنتخب هذا وتترك ذاك بل هى قدرة الكائنات التوافق والإنسجام اللاوعى مع مادية الطبيعة ,فمتى توفر وتأقلم الكائن الحى مع الظروف المادية للتواجد والإعاشة والتكاثر إستمر وبقى ومن لم ينسجم مع مادية الطبيعة ليعيش ويتكاثر .إندثر .. الطبيعة لا ترحب بأحد ولا تفطن لمن بقى ولمن إندثر .
- بماذا تفسر وجود خمسة أصابع فى كل يد بالإنسان؟! فهل فى هذا حكمة وتصميم متميز ؟!فماذا لو كانت عشرة أصابع فى كل يد فألا تكون أكثر جدوى , لماذا لم نسأل أنفسنا : هل اكتشاف الحكمة جاء قبل معرفة وجود الأصابع الخمسة أم أن عظمة التصميم جاء بعد أن وجدنا خمسة أصابع فى أيادينا .؟!- فلنفكر فى هذا.
لو كان لدينا ستة أو عشرة أصابع فى يدنا لقلنا عظمة التصميم أيضا فنحن من نُقَيم المشهد لنبحث عن معنى لأشياء بلا معنى .. هذا سر رؤيتنا المغلوطة للحياة والوجود أننا نقيم الاشياء وفقاً لوجودها ثم ننسى إننا من قيمناها ووضعنا لها قانون لنسقط نظرتنا الباحثة عن معنى على الأشياء لننتج معنى مُفترض ,ثم يحدث شئ أخطر بإغفالنا أننا من منحنا المعنى والقيمة للشئ لنتصور إنه ذو وجود مستقل بمعانيه وحكمته لنفتح أفواهنا بإنبهار من عظمة التصميم.!
-بماذا تفسر الحياة المتدفقة لعالم ما تحت البحار التى تواجدت من مئات الملايين من السنين بدون إنسان كوجود مستقل بذاته ينتج الحياة لذاته فيكون حضورنا هو تطفل على وجودها لنمتلك بجوار هذا التطفل غرور غبى يتوهم أن عالم البحار تواجد خصيصاً لتطفلنا ونجد للأسف من يتصورون أن سمكة التونة التى تعيش فى بحر الصين تواجدت ليكون نهاية مشوارها على مائدة طعامنا.!!
الوجود لا يَعتنى ولا يَحتفى ولا يَحتفل بوجودنا والطبيعة لن تحاسبنا ولن تلعنا على هذا الغرور ,ولكن الفكرة المغرورة ستصيب صاحبها وتخدعه ليعيش وفق أوهامه .
- بماذا تفسر وجود 5 مليون نوع من العناكب على ظهر الارض تشكل ربع عدد الكائنات الحية المتنوعة ؟!..فما السر فى إهتمام الإله وعشقه للعناكب لتحظى بكل هذا التنوع ؟!..فهل نظرية التطور تجيبنا وتبدد فكرة الإله العاشق للعناكب , فالعناكب أكثر الكائنات الحية القادرة على التأقلم والتكيف فى أسوأ الظروف لتتعايش فى كافة الأجواء لذلك تأقلمت وتنوعت وعاشت .وعذرا لفرضية الإله العاشق للعناكب .
- بماذا تفسر هذه الآية "وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون "– النحل 69 - فألا تعنى أن الرب خلق النحل لتسلك دروب شتى لإنتاج العسل حتى ينعم الإنسان بالإستفادة منها .
حسنا ً ولكن بماذا تفسر أن النحل يتغذى على رحيق أزهار النباتات والأشجار المختلفة لينتج العسل كمخزون غذائي له يحتفظ به ليستعمله غذاءاً فى فصل الشتاء عندما تتوقف النباتات والأشجار عن الإزهار حيث يقل الرحيق أو ينعدم فيها ليمارس هذا الفعل من 150 مليون سنه (مائة وخمسون مليون سنه يا مؤمن ) قبل ظهور شئ اسمه الوجود الإنسانى !!..ألا يعنى هذا أنه يمارس هذا الإنتاج ليس للإنسان بل كمخزون غذائى لوجوده فلا معنى إذن بإعتبار هذا المشهد الإنتاجى مُعد خصيصاً ليحظى به الإنسان .
هل الفكرة جاءت من الإنسان القديم الذى رأى العسل ,فلعقه , ليَستحسنه وليُداوم على هذا ثم يلاحظ أولاده وأحفاده بأن العسل ليس طيب المذاق فحسب بل يعطى نتائج جيدة فى القوة والصحة والشفاء ليتوهم الإنسان بنرجسيته أن النحل ينتج العسل خصيصاً لمعدته بينما هو يُمارس دور نهب وتطفل على مخزون النحل الغذائى..إذن القول بأن هناك إله يعتننى بهذا الإنسان ويخلق النحل من أجله هى فكرة محورية الإنسان الذى يتصور أن الحياة تم إعدادها من أجل إسعاده .
- هل الزهور تطلق روائحها العطرية الجميلة من أجل أن نستنشقها ونتعطر بها ,أم أن النباتات العطرية تفرز زيوتها الطيارة لتحتمي من الحشرات التي تُسبب لها الأذى ,كما تساعدها فى التكاثر بجذب النحل لنقل حبوب اللقاح أى أن الزيوت العطرية لم تتواجد من أجلنا بل فى طبيعة بنية النباتات الطبيعى لصالح وجودها ,فكون تصادف تواجدنا فى طريقها وإستحساننا رائحتها فهذا لا يعنى أنها تواجدت من أجل أنوفنا الجميلة .!
- هل هناك من خطط ودبر أن يمنحنا الدواء أو العقاقير وكل ما نستحضره من مواد طبية أو عطرية من آلاف النباتات المختلفة أم هى مواد تتواجد فى بنية النباتات لخدمة وظيفتها فى النمو والتكاثر والحماية فلا تكون الأمور مُرتبة وذات عناية خاصة , أى لم تتواجد خصيصاً من أجلنا فهى متواجدة قبل وجودنا بملايين السنين ,فلمن كانت تنتج منتجاتها الطبية ؟!!
كوننا جربنا التعاطى معها لنجد بعضها يُفيد المعدة والبعض الآخر يقوى القلب أو يشفى الجلد فهذا من باب التجربة والملاحظة والدليل ان هناك نباتات تؤذى المعدة والبعض يُسمم الجسد ويُفسد الجلد , وهذا يعنى أن الوجود تواجد بدون ان يُعد لنا هدايا ومكافآت خاصة بل نحن تلاقينا أمامها ومن باب التجربة والملاحظة وجدنا أن هذا يُفيد وذاك يَضر .
الطبيعة أنتجت نبات الخشاش لنتعامل معه فنجده يمنحنا حالة تخديرية لذيذة فهكذا أنتجت الطبيعة بعشوائية بلا تخطيط أو تدبير .. هذا إذا لم يكن هناك رأى آخر يرى أن الإله مهتم بمزاجنا .!
- دعونا نأخذ بعض التصورات لمفهومنا المغلوط للوجود والذى تسوقه دائما رغبة نفسية عميقة بأن الوجود تواجد من أجل الإنسان ففى آية "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدنيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ "سنعتنى بفكرة أن النجوم هى مصابيح للزينةوسننصرف عن كونها رجوم للشياطين فهى من التهافت واللامعقولية حتى نتناولها.
أليست مقولة أن النجوم مصابيح للزينة هى رؤية إنسانية ساذجة لمشهد النجوم وإعطائها معنى ناتج من قلة إدراك ووهم الإنسان بأنه محور الوجود ,فالنجوم التى تعد بالملايين وبمثابة مواقد نووية هائلة متأججة تُعادل الواحدة منها أكثر من مليون مرة حجم الأرض تمثلت فى المنظور الخرافى الإنسانى بمثابة نقط مضيئة فى سماء ليلة صيفية صافية !! ..والغريب أن مانراه من نجوم هى قطرة فى الفضاء الكونى الذى يحوى على ملايين النجوم !! .. بل ما نراه قد لا يكون موجوداً لتبدده فالرؤية التى نحظى عليها الآن هو الضوء الذى وصل لعيوننا بعد أن قطع ملايين السنين الضوئية !!.. فهل من العقل و المنطق أن نتصور أن هذه الغابة من النجوم الهائلة وبهذه الوضعية هى مصابيح للزينة لمنحنا إضاءة خافتة تُحيى ليلة جميلة للعشاق أو أنها تتراص فى السماء لتكون بمثابة الدليل الذى يهدينا فى رحلتنا البحرية أو الصحراوية .
الإنسان فى العصور القديمة لم يجد فى وعيه وظيفة للنجوم غير كونها تمنحه هذه الإضاءة الخافتة أو ترشده فى رحلته ,فهكذا ترائى له وهكذا أعطى معنى وفق وعيه المتوهم بمحوريته ومركزيته فى الوجود .
بالطبع النجوم تتواجد هكذا دون أن تقدم لنا خدمة إضاءة خافتة متى توفرت سماء صيفية صافية ولا هى تواجدت لكى تُهدى أعرابى أو ملاح فى رحلته فهى تواجدت بحالتها المادية قبل الوجود البشرى , وعندما ظهر الإنسان فى المشهد الوجودى وجدها على شكل نقاط مضيئة من زاوية رؤية ليراها كالمصابيح ليوجد لها معنى ,, وحتى تعاطيه معها من خلال إستخدامها فى علم الفلك فما هى سوى محاولة منه فى ايجاد علاقات بين النجوم لإستخدامها كخريطة تسمح لملاح أو أعرابى الإسترشاد فى رحلته , فهى لم تُرص خصيصاً من أجلنا بل نحن من أختلقنا علاقات إرشادية منها كمثل إلقائنا لمجموعة حجارة بين موقعين حتى نستدل علي الطريق بعد ذلك .
- "والخيل والبغال والحمير لتركبوها " - "وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ " . لن يعنينا الإعتناء بمدى سذاجة هذه الآيات كونها تُقدم معلومة مُدركة أو نتيجة نهائية لإنسان ذلك الزمان ,فإذا لم تكن الخيل والبغال والحمير للركوب فماذا ستكون ؟! وإذا لم تكن الأنعام للأكل فكيف تكون؟! ,,فهل كان هذا الأمر غائباً غير مُدرك من قبل الأعرابى الذى تُليت عليه هذه الآيات ولكن دعونا نعتنى بأن الإله خلق هذه الحيوانات للإنسان أى أن وجودها ومنافعها جاء من أجل الإنسان وهذا يعطينا مشهد قوى عن محورية الإنسان ,فالحيوانات سُخرت للإنسان لخدمته وإشباعه .!
الخيل والحمير والبغال لم تأتى للركوب إلا مع قدرة الإنسان على ترويضها فقط منذ آلاف السنين فهناك حيوانات أخرى لها نفس التكوين الجسمانى ولكن الإنسان لم يستطع ترويضها إما لشراستها المفرطة أو بعدها عن بيئته وهذا يعنى بأن الأمور لا علاقة بأن تُسخر لنا " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " بقدر ما هى قدرتنا على التعامل معها ..كما أن هناك حيوانات عديدة يمكن الإستفادة منها بأكلها لتتشابه مع الأنعام فى لحمها ومنافعها ولكننا لا نأكلها كوننا لم نستطع ترويضها وتدجينها .إذن لا توجد اشياء مُسخرة وتواجدت خصيصاً من أجل معدة الإنسان بقدر ماهو صراعه معها وقدرته المحدودة فى التعامل مع بعض الأغنام والأبقار والدجاج , ولنسأل فى النهاية ما موقف كل الحيوانات التى تواجدت منذ ملايين السنين أو الموجودة حاليا ولم نستفيد منها.
- ما رأيك فى مصنع ينتج 40 مليون منتج يرمي منها 39,999,999 منها في القمامة لأنها غير صالحة للإستهلاك ليطرح سلعة واحدة منها فقط للجمهور .هذا المشهد صورة طبق الأصل من مشهد عملية الإخصاب ,فالرجل يقذف ما يقرب من 40 مليون حيوان منوى ليتفرد حيوان منوى واحد فى تخصيب البويضة ,فما الحكمة والتقدير والترتيب فى كل هذا الإهدار , وأين صاحب التصميم الذكى والحكمة البالغة والخلق المُقدر بدقة وكمال أم أن هذا المشهد يدل على العشوائية والصدفة فهناك إحتمال واحد وسط 40 مليون إحتمال .
يمكن للتطور الطبيعى أن يفسره فإكثار النسخ العديدة يزيد من إحتمالات النجاح في التلقيح عن المُنتج لنسخ قليلة فنسبة الفشل ستكون أكثر , كذلك الكائن الذي يُنجب فردا واحدا سيكون من الصعوبة إستمرار مرور جيناته لأجيال عديدة فكلما أنجب اكثر زادت فرص بقاء جيناته ,وهذا ايضا بالنسبة للحيوان المنوي فهناك الملايين لنفس الأمر ولو كان واحدا فنسبة الفشل هائلة ولهذا الانتخاب الطبيعي يحبذ العديد من الخيارات والإحتمالات فإحتمال النجاح فى التخصيب وارد والإنتخاب الطبيعى هنا لا يفكر ويختار ولا ينتقى بل من يتلائم مع ظروف الطبيعة المادية سيكون له البقاء . زيادة عدد الاحداث في فضاء الاحتمال تزيد من فرص تحقق حدث معين ,فمن الصعب الحصول على رقم 5 من رمية زهر واحدة ولكن عندما نرمي 40 مليون زهر نرد فإحتمال حصولنا على الرقم 5 هائل جدا ..هذا الكلام موجه لمن لا يفهمون العشوائية التى تخلق نظام .
- هذا التأمل كتبت ما يشبه فى مقالى السابق : نحن نتكون من تخصيب بويضة أنثوية بواسطة حيوان منوى واحد وسط ملايين من الحيوانات المنوية كحالة من الصدفة والعشوائية المفرطة .فإذا تبدل الحيوان المخصب بحيوان منوى آخر من هذه الملايين, فسنكون أمام صور أخرى من أنفسنا غير الصورة الحالية . وعندما نضع عملية التخصيب فى وضعية زمانية مكانية ستعطينا ملايين الحالات المختلفة بمعنى أن وجودى من عملية التخصيب تلك سيأتى بنتائج مختلفة حسب الجغرافيا والمكان الذى إحتضن التخصيب ,فمثلا فى الهند غير مصر غير رواندا غير كولومبيا .كذلك لو حدث التخصيب فى زمن الأغريق غير حدوثه فى عصر حجرى أو عصر بابلى أو عصر حديث ففى كل حالة سنحمل موروث جينى ثقافى إجتماعى قيمى شديد الإختلاف والتباين حسب حظ عملية التخصيب من الزمان والجغرافيا لتعطى كيانات إنسانية تتوافق مع البيئات الحاضنة لها فكرياً وثقافياً وحضارياً..لنحمل موروثات ومعتقدات ورؤى وأمزجة شديدة التباين حسب عشوائية عملية التخصيب .أليس كذلك.
- بماذا تفسر إصابة إنسان بفيروس قاتل وآخر يسقط حجر فوق رأسه وآخر تصدمه سيارة .هناك نظريتان لتفسير هذه الأحداث فأيهما صحيحا .؟!
هل نظرية وجود كيان عَاقل مُدبر مُخطط أصدر أوامره للفيروس أن يقتحم جسد الإنسان فى لحظة محددة وكذلك الذى سقطت فوق رأسه حجر هو من ذاك الكيان المُقدر فقد حسب المسافة وقدر الزمن بحيث يُخلخل قطعة الحجر من الجبل لتسقط فوق ذلك الشخص بدقة متناهية فى لحظة معينة وكأنها صواريخ ذكية . أما الإنسان الذى لقى حتفه إثر إصطدام سيارة به فهذا الكيان المُرتب جهز السيناريوهات ليصطدم هذا البائس بالسيارة فى الشارع الفلانى فى الزمن العلانى وأثر على ذهنيته وذهنية السائق كأن يسرح تفكيره أو يغيب وعيه أحدهما أو كليهما ليتحقق التصادم .
النظرية الثانية ترى الأمور وفق الحالة المادية الوجودية التى تتسم بالفوضى ,فإصابة الإنسان بالفيروس جاءت نتيجة تلوث وسط محيط سمح للفيروس أن يتواجد ويتغلغل بدون ترتيب بل بعشوائية , ومن سقط حجر فوق رأسه نتيجة صدفة محضة فلا يوجد من يرمى بالأحجار ,ومن صدمته سيارة تجمعت عوامل لهذا الحادث من أفعال بشرية عفوية ليست بالضرورة متعمدة فلا يوجد ساحر أثر على السائق والمصاب .
- بماذا تفسر فيروس لا يرى بالعين المجردة يؤدى إلى حتفنا .. فيروس غير واعى ولا عاقل ولا يخطط أدى إلى إنهيار إنسان عاقل .. وحيوان منوى غير عاقل أنتج إنسان عاقل ..ألا يعنى هذا أن اللاعاقل أنتج وتحكم فى العاقل ,أم هناك من وجه الفيروس ليخترق أجسادنا أو أمر الحيوان المنوى ليخترق البويضة فى نقطة معينة ,أم أننا تواجدنا فى ظرف مادى أتاح للفيروس أن يخترق أجسادنا وظرف مادى آخر غير مُرتب جعل حيوان منوى واحد من ملايين الحيوانات المنوية ينجح أن يخترق جدار البويضة .
هل نتصور أن هناك من يوجه الفيروس ويرشد الحيوان المنوى أم أن الأمور طبيعية عشوائية .. وهل مقاومتنا للفيروس أو عزلنا للحيوان المنوى ضد إرادته ومشيئته لنحبط كل المخططات المرصودة والمدونه والمُريدة .. أم هى لعبة وعشوائية الطبيعة .
- ما المعنى أو القيمة أو الغاية لإنسان يعيش على سطح حبة رمل وسط ثمانية مليارات من البشر يتعايشون مثله على كوكب الأرض الذى هو بمثابة حبة رمل وسط صحراء كونية شاسعة ليكون مصيره فى النهاية الذوبان فى الطبيعة ليدخل فى وحدات وجودية أخرى لتتبدد ذكريات وأحلام وحب وفرح وحزن وأمل وخوف وقلق وألم ملأ دنياه بها صخباً ليذوب فى النهاية المطاف فى جوف دودة .
- أليس غريبا أن نعتبر الحياة بذات أهمية فقبل حياتى كان العدم (الواعى) ممتد فى أبعاد لا نهائية من الزمن وبعد حياتى سيمتد عدمى إلى المالانهاية لتكون حياتى بمثابة نقطة على مستقيم لا نهائى .. فلماذا كل هذه الجلبة ؟!
هناك فكرين تحسسا هذه الحالة أحدهما يستهلك الحياة فى التجهيز لحالة عَدم ظناً منه أنه سيحظى على حياة فى العَدم القادم وآخر يرى أن الحياة لا تستحق أن نبددها فهى طارئة فلا يجب أن نبددها فى عَدم أو التجهيز لعدم .. كثيرون يبددون الحياة من أجل الإعداد لعدم قادم .!
دمتم بخير
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه ما نحلمش .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟