أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - لشهب حميد - ثقافة الإستهلاك و الإكتئاب














المزيد.....


ثقافة الإستهلاك و الإكتئاب


لشهب حميد

الحوار المتمدن-العدد: 4652 - 2014 / 12 / 4 - 03:04
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


كدولة "سائرة في طريق النمو" يعرف المغرب سقطة نوعية في ثقافة الإستهلاك، لمنتوجات مصنعة مختلفة، لا تُصنع أغلبيتها محليا؛ بل يفضلها المرء على كل ما يُنتج في ربوع بلاده. ففي عالم طغت عليه ثقافة ليبيرالية رأسمالية، لا يهمها إلا الربح المادي المحض، ولو على حساب صحة الإنسان الجسدية والعقلية والنفسية وعلاقاته العائلية والإجتماعية، أصبح الإستهلاك منذ حركات التصنيع الأولى نمط حياة قائم بذاته، له خصوصياته ومقوماته وميادينه المختلفة. ارتبط الإستهلاك في وعي ولاوعي الناس بالرفاهية والخير والبركات، لكنه يعتبر في العمق سجنا كبيرا، يختاره المرء في بعض المرات عن طواعية، وفي الكثير منها يُفرض عليه بوسائل شتى، وبالخصوص عن طريق أدوات الدعاية والإشهار للمنتوجات المختلفة، ما يحتاجه الإنسان ضروريا وما لا يحتاج أبدا، ومع ذلك يقتنيه، من أجل الإقتناء فقط. وهنا يكمن بالضبط مشكل ثقافة الإستهلاك، المتمثل في سلب الإنسان لحرية وإلحاقه بعالم البضائع، ليُصبح بضاعة تباع وتشترى، تستعمل أو تستغل وتُرمى أو تُهمل في ركن ما، إذا لم تعد له قدرة شرائية، تسمح له أن يبقى موضوع اهتمام السوق به.

يتهافت الإنسان المغربي على باب الإستهلاك هذا يوميا، دون أن يعي بأن عالم الإستهلاك هذا مبني على أساس التلاعب بالكرامة الإنسانية، بل احتقار ملكة الحكم الطبيعية فيه واعتباره ساذجا، بل رضيعا لا يمل ولا يشبع من امتصاص كل ما يُنتج وما يعرض في أسواقه الشعبية وأزقة مدنه العتيقة والمحلات التجارية الفاخرة في الأحياء "الراقية"، التي أصبحت أسواقا قائمة بذاتها، يتنافس على زيارتها ويتباهى بالتبضع منها الكل.

ما لا يعيه الكثيرون عندنا وهم يلجون هذه "الجوامع الإستهلاكية الجديدة" هو أن منطق الإستهلاك، ولكي يضخم أكثر أرباحه، يراهن على إغراق السوق المغربي بأكبر كمية من البضائع المختلفة وعلى تقديم الجديد دائما سواء في الموديلات أو في البضائع الجديدة كليا. ونتيجة هذا هو حدوث حركة استهلاكية دائبة، حتى أصبح ما يهم الناس في قرارات أنفسهم وفي الحديث بينهم، هو تبادل الأخبار عن الجديد في السوق وعن الأثمنة و طريقة الوصول إلى هذا الجديد. أصبح المرء يلمس نوعا جديدا من الطبقات الإجتماعية، مغايرة تماما لما كنا نعهده، توجد في قمة هرم هذه الطبقات الطبقة الإستهلاكية بامتياز، أي نساء ورجال لا يفوتهم أي جديد في السوق؛ ولا يحق للمرء أن يسأل من يكون من الواضح أنه لا يملك بالتأكيد ثمن ما يقتنيه من أين له هذا، لأن "الملكية الخاصة" هي الإلهة الجديدة التي ابتدعتها الرأسمالية: "إن الإقتناء والإمتلاك والربح هي من الحقوق المقدسة للفرد في المجتمع الصناعي. ولا يلعب إشكال مصدر هذا المُلْك ولا ما إذا كان امتلاكه مرتبطا بأية مسؤولية كانت أي دور يُذكر. والمبدأ الشائع في هذا المجال هو: "ليس من حق أي أحد أن يسألني أين وكيف حصلت على ما أملكه أو ماذا أعمل به. إن حقي في هذا الإطار غير محدود ومطلق"".(إريك فروم، الإمتلاك أو الوجود، 1956).

لا يقتصر الإستهلاك على البضائع التيكنولوجية من هواتف محمولة وحاسوبات وألعاب إلكترونية وأدوات منزلية وسيارات إلخ، بل تعداه ليقتحم الثقافة الغذائية للمغربي والمغربية، بكل ما يترتب عن ذلك من مشاكل صحية ونتائج نفسية. لا يفوت متخصص ولو مبتدأ وهو يلاحظ وجوه المارة في شوارعنا مدى انتشار الأمراض النفس-جسدية عندنا، المُسبَّبة في غالبيتها العظمى بلا ما لا يدع مجالا للشك من طرف "ثقافة الإستهلاك". فالوجبات التي تُنعت بـ "الخفيفة" هي في العمق معامل كيماوية، ملغومة بكل أسباب أمراض القلب والشرايين والجهاز الهضمي والتنفسي، لأن نسبة السكر و الملح و الذهنيات وكل الكيماويات التي تُحسن الذوق مرتفعة بدرجة عالية جدا فيها. أصبحت العادات الغذائية للمغربي غريبة عن بيئتها ومحيطها الطبيعي، بل عرفت تغيرا ملحوظا حتى في نظامها الزمني، سواء على مدار السنة أو في اليوم الواحد.

لم تنج الثقافة المغربية من بسط منطق الإستهلاك جناحيه عليها وسلبها ثيابها كعروس فاتنة، لينفرد بها في ركن وجودي لإنتاج ثقافة، ليس لها من هذه الأخيرة إلا الإسم. فالمواسم الأصيلة، التي كانت تعتبر ركيزة ثقافية أساسية للمناطق والقبائل و موعدا سنويا مهما، أصبحت "مهراجانات"، يُراد منها خلق الحدث الثقافي الفريد من نوعه بمضامين غريبة كل الغرابة. أما الثقافة التي تحاول وسائل الإعلام المرئية تمريرها وفرضها، فلا يفوت أي مُغفل للإنتباه بأنها تجره جرا إلى بحر الإستهلاك الأعمى، ببرامج و مسابقات ترفيهية، همها الأساسي هو "تنويم" المشاهد أو المستمع مغناطيسيا في وهم عوالم حياة تُبهره وتوحي له بأن باستطاعة أي أكان أن يصبح نجما في الغناء أو السينما أو حتى الكتابة. ناهيك عن "استعمار" الكثير من المحطات التلفزية الأجنبية لصالونات المغاربة وطبعهم بما يطبع به المواطن الغربي كذلك: "تلقينه" بأن عليه أن يكون "مستهلكا جيدا"، بما أنه أضاع حقه في أن يكون "مواطنا جيدا"، أي منتقدا للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المزرية التي يعيشها.

الإكتئاب المعني بالأمر في هذا المقال، الناتج عن ثقافة الإستهلاك، يجد جذوره في التبعية العمياء لمنطق الإستهلاك وأساليب الحياة التي يفرضها، لهثا في المقام الأول على المزيد من الإقتناء، دون حاجة ضرورية للإستعمال. في هذا السباق الذي لن يهدأ لم يعد المرء يقيم أي تمييز دقيق بين أناه وبين البضاعة، فالإنسان لم يعد ما هو، بل ما يملك، لأن عمق الإمتلاك الإستهلاكي هو إحكام السيطرة على الآخرين، فباقتنائي لشيئ ما، أتوهم بأنني أتحكم في هذا الشيئ، لأنه لي، و أَتَمَاهى مع فكرة امتلاكي له، إلى أن أصبح جزء من هذا الشيئ، أو أنه يصبح جزء مني، إلى أن يظهر في السوق شيئ توهمني وسائل الدعاية الإستهلاكية بأنه أهم من الأول. وهكذا أدور بأناي حول الأشياء دون توقف، وفي هذا الدوران أُضيع ذاتي وأصبح غريبا عن أناي وعن وجودي. وبهذا كله تكون مقادير تهييئ شخصية مكتئبة في مطبخ الإستهلاك قد توفرت.



#لشهب_حميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فرمت سيارته.. الداخلية القطرية تتحرك ضد -مُفحط-
- المفوضية الأوروبية تعلن تحويل دفعة بقيمة 4.1 مليار يورو لنظا ...
- خنازير معدلة وراثيا..خطوة جديدة في زراعة الأعضاء
- موسيالا -يُحبط- جماهير بايرن ميونيخ!
- نتنياهو يؤكد بقاء إسرائيل في جبل الشيخ بسوريا
- فون دير لاين: الاتحاد الأوروبي يعد الحزمة الـ16 من العقوبات ...
- الدفاع الروسية: أوكرانيا فقدت 210 جنود في محور كورسك خلال يو ...
- رئيس حكومة الإئتلاف السورية: ما قامت به -هيئة تحرير الشام- م ...
- سوريا: المبعوث الأممي يدعو من دمشق إلى انتخابات -حرة ونزيهة- ...
- الجيش الإسرائيلي يعترف بتسلل مستوطنين إلى لبنان


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - لشهب حميد - ثقافة الإستهلاك و الإكتئاب