أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - العراق التأريخي وصناعة التمدن















المزيد.....

العراق التأريخي وصناعة التمدن


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4652 - 2014 / 12 / 4 - 01:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من القواعد التي أرسى أسسها علم الاجتماع أن الإنسان أبن بيئته ويتأثر بعوامل البيئة كما يتأثر بعوامل الزمن ومستحقاته الحتمية والضرورية, وكذلك فإن الإنسان في تعامله مع الموضوعات الخارجية كثير ما يتأثر بالعلائق الأجتماعية سواء أكان منشأها روحي أو معرفي طالما أن تلك العلائق تفسر له الوجود, وليس من السهل التخلي عنها لصالح علائق ناشئة ومستوردة من خارج البيئة ومن طرف يتوجس أصلا منه لتراث سابق مصبوغ بالدم ومن حواجز تأريخية نشأت من حالة عدم التواصل الإيجابي وخاصة فيما يتعلق بحروب الشرق والغرب المستمرة من زمن سومر وبابل, والصراع الديني والاثني والعنصري بين البيئتين المتنافستين وجوديا على البقاء والاستمرار .
وهذا الاستدلال نجد له مكانة تأكيدية أيضا في علم النفس والسلوكيات عندما يستشعر الفرد من مخاوف تبررها عوامل تأريخية سرعان ما يتخذ طابعا دفاعيا صارما أو تشكيل سلسلة من الانهيارات النفسية المفاجئة والتي تطيح بالأنا وتسلبها الخاصية وخاصة فيما يسمى بعقدة هلسنكي التي أثبتت كثيرا من التجارب واقعيتها وحدوثها المجسد, لذا فإننا نجد كلا الطرحين قد حضر فاعلا في البيئة العراقية بين ردة الفعل المناقضة للتغيير وبين الانهيار السلبي والذوبان اللا واعي في اتون حركته.
الشعب العراقي الحالي والذي يعتبره البعض نتيجة حضارات متتالية أبرزها السومرية بأصولها الشرقية التي امتهنت الزراعة ابتدأت مجتمعات مستقرة لا مجتمعات بدوية كما يظن البعض لأن الزراعة- أساس بناء المجتمع السياسي المنظم والتمدن والحضارة- بدأت تاريخياً شمال البلاد (جرمو 7000 ق.م) ولم تصل إلى أوربا إلا بعد 3500 سنة، في حين عُرفت الأقوام الجبلية في الشرق بحياتهم الهمجية من هضبة عيلام وامتدادا للصحراء الفارسية الكبرى وصولا لأواسط أسيا وهضابها، وأطلق السومريون عليهم "ثعابين الجبال". بينما وَصفوا الأقوام الجزرية: أنهم بدو الصحراء لا يعرفون الزراعة والحضارة.. أما السومريون فكانوا على خلاف هذه الأقوام شعباً متحضراً شديد التعلق بِأرضه الطيبة (السهل الرسوبي)، يتحسبون دائماً للبدو الأجلاف في المناطق الغربية الذين دأبوا على مهاجمة قوافلهم ومدنهم وقراهم "إن النزاع التقليدي لمجتمع السهل الرسوبي والقبائل البدوية تملأ فصولاً طويلةً من تاريخ العراق القديم, بمعنى أن أهل بلاد الرافدين كانوا الأكثر تحضرا وتأهيلاً لبناء ومواصلة الطريق الحضاري.
البيئة التي تتكون منها غالبية العراق القديم قبل حلول التصحر بفعل عوامل التصحر كانت بيئة مناسبة لبناء حضارة إنسان قادر على إنشاء مدنية مميزة ذات أبعاد مدنية كانت مح أطماع أقوام محيطة بها غالبية طباعهم مناقضة لطبائع الشعب العراقي القديم ومحل استقرار للفارين منها أو الذين تغريهم طبيعة الحية المستقرة الغنية بعوامل البقاء والاستمرارية .
تراوح عدد المدن السومرية في حدود خمس عشرة مدينة مستقلة، منها اريدو، اور ، لارسا ، اوروك (الوركاء- شمال غرب لارسا)، لكش، اوما ،شروباك ،ايسن ،ادب , نيبور (نفر- شمال غرب ادب- شرق الديوانية)، اكشاك ،كيش ,هذا الكم من الدويلات التي ساهمت في صنع حضارة وادي الرافدين لا يمكن أن تترك بصماتها خارج حدود شخصية الإنسان الذي شيدها وعاش فيها رياديا في كل شيء.
هذا الثراء الحضاري كان مبنيا بوحدته الحضارية على تنوع عرقي سياسي ولغوي أكثر من صفة الوحدة فقد اتصفت الحضارة السومرية منذ بدابة نشأتها بثلاث سمات رئيسة التعددية اللغوية- العرقية، التعددية السياسية (دول المدن)، الصراعات الناتجة عن هذا التنوع. فمنذ بدء هذه الحضارة في مطلع الألف الثالث ق.م تميزت بازدواجية اللغة. وباستثناء (الفراتيين الأوائل) الذين لم تُعرف لغتهم بعد، كانت اللغتان الرئيستان في التدوين والكتابة اللغة السومرية واللغة الأكادية التي ما زال البعض من العراقيين يستخدمها بشكلها المتطور.
هذه الأصالة الحضارية لا يمكنها أن تنهزم أمام المد البدوي الخالي من العمق التأريخي الفاقد من عمقه الروحي والوجداني مع لحاظ أن المد البدوي كان دائما سريع الذوبان في المحيط الذي يستوعبه وخاصة في المجال الروحي لينتمي له ويتدين بعقيدته والتاريخ لم يطرح نموذج فعال غلبت فيه البداوة بشقها الروحي والعقيدي على البيئة التي يغزوها ,وحتى غزوات المغول (هولاكو وجنكيز خان) ذابت دينيا في الإسلام عندما بسطت نفوذها على المجتمعات الإسلامية ,وحتى في أوربا عندما غزا البرابرة الجرمان مجتمعات أوربا القديمة سرعان ما تخلت عن ديانتها لصالح ديانة المجتمعات التي وقع عليها الغزو وذابت تدريجيا فيها.
لقد ألت الأوضاع في العراق القديم في النهاية إلى إنشاء الدولة الوطنية التي ضمت حدود ما يعرف بالعراق الحديث تقريبا على الملك زاكيري تباعاً بل وكما جاء في نصوصه المدونة، بسط فتوحاته من البحر الأسفل (الخليج العربي) إلى البحر الأعلى (البحر المتوسط). دام حكه 25 سنة، حسب قائمة الملوك السومرية، ونجح في توحيد البلاد وإنشاء أول إمبراطورية شملت أجزاء من الشرق. شكلت نهاية لوكال زاكيري، بداية العصر الأكدى وانتقال السلطة السياسية إلى الاكديين الجزريين وظهور الدولة الوطنية الموحدة التي اتسعت بالفتوحات الخارجية إلى إمبراطورية بزعامة سرجون الأكدى.
لا تخلو العصور المتقلبة التي مرت على العراق من نتائج ذات أهمية قصوى في تثبيت ملامح الشخصية العراقية الوطنية متأثرة أكثر شيء بما نزل من الأديان الإبراهيمية بدأ من خروج النبي إبراهيم من وسط جنوب العراق متجها للغرب لبلاد العبرانيين أبناء عم العراقيين حيث كانت ولادة الأسرة الإبراهيمية المختارة التي قادت التحولات الدينية العميقة والجذرية من التعددية إلى التوحيد مرورا أولا بالديانة الموسوية وتفرعها الرئيسي المسيحية الشرقية ثم الإسلام المحمدي.
لم يكن المجتمع العراقي في حال المتلقي السلبي بل كان فاعل إيجابي في هذه صنع هذه التحولات مع احتفاظه بشخصية حافظت على ريادتها الحضارية وقيمها المدني, فلا يمكن لمجتمع مثله صنع الحضارة بمساهمة جادة أن يخلي موقعه تحت تأثير الهمجية والبساطة والخواء الحضاري لأقوام لم يتعلموا المدنية ولم يمارسوا الفعل المدني الأقوى بعطاءه والقادر على ابتكار وسائل المواجهة والحفاظ على تماسكه الطبيعي الذي يحفظ له شخصيته التأريخية, لكن ليس بدون ثمن ولا من أثار جانبية قد تشوه بعض خصائص هذه الشخصية.
أقول جازما أن البيئة العراقية المثالية هي التي حفظت الحضارة وأوصلتها من خلال الإنسان العراقي شديد التمسك بها إلى العالم الخارجي وهو يخوض معركة البقاء في مواجهة موجات عنيفة كان الغالب عليها طابع القوة الغاشمة والخالية من روح التسامح التي تنتجها المدنية, هذه الموجات لم تكن مصدرها الصحراء العربية ممثلة بالبدو بل ان بعض المؤرخين والآثاريين ينفون عن المد الجزيري صفة البداوة أصلا باعتبار أن الجزيرة العربية قبل سبعة ألاف سنه لم تكن كما هي الأن وأن كثيرا من الموجات البشرية التي وصلت للعراق لم تأت من وسط الصحراء بل من حضارات مدنية أخرى اليمنية مثلا وحضارات ما حول شاطئ الخليج العربي بعد انهيارات دراماتيكية قادها عامل بيئي ومناخي وليس عامل صراع حضاري .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبادي وواضعي العصي بالدواليب
- محاولات لكبح الجنون
- العقل والنتاج المعرفي
- نحن والربيع الأوربي , نسخ تجربة أم تقليد لظاهرة
- البصمة الأولى
- التحولات الكبرى في الصراع بين الأعراب والإسلام من محمد ص إلى ...
- الليبراليون المسلمون والموقف من النقد الديني ح2
- الليبراليون المسلمون والموقف من النقد الديني ح1
- أنا والسبعين
- مهمة الفكر في تحرير الإنسان
- التراث العراقي المنهوب أمريكيا
- الفكر وقضية المستقبل
- قصائد مجنونه لكنها نبيلة 1
- قصائد مجنونه لكنها نبيلة 2
- العقل الأفتراضي ومفهوم الوهم
- دور العقل وصناعة أزمة المعرفة
- وجع ورجع وحنين _قصة فصيرة
- زمن الفلسفة وفلسفة الزمن ح1
- العدالة والعدالة الاستثنائية ح2
- العدالة والعدالة الاستثنائية ح1


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - العراق التأريخي وصناعة التمدن