|
هل ستتغير خارطة التوازنات الدولية في المستقبل ؟
عمار مرعي الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 4651 - 2014 / 12 / 3 - 21:16
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
ان اسلوب التعاطي الامريكي في السياسة الدولية قاد الى حالة معارضة واضحة لهيمنتها، لذلك فان الدعوات لتجاوز الاخطاء السياسية تصاعدت من الداخل الامريكي فلم يعد الحديث عن تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة الامريكية يقتصر على منافسيها واعدائها، بل ان تحليلات داخلية امريكية تشير الى تراجع تلك المكانة. لذلك فان عالم اليوم يعيش على أصداء صعود دول كبرى، من شأنها أن تحوّل مركز ثقل القوة العالمية من الغرب إلى الشرق، وسط الصحوة السياسية التي تعمّ شعوب العالم، وظهور علامات تدهور الأداء الأمريكي على الصعيدين الداخلي والدولي. فالملاحظ ان هنالك رغبة جامحة من قبل بعض الدول التي باتت تسمى (بالدول الصاعدة ) على احداث تغيير في التوازن الدولي، وهذا الامر اعترف به (زبيغنيو بريجنسكي) في كتابه (رؤية استراتيجية : امريكا وازمة السلطة العالمية) عندما قال:" ان منافسي امريكا المحتملين يحرزون خطوات تقدم متلاحقة مطبوعة بالتصميم والعزم للامساك بزمام حداثة القرن الحادي والعشرين ولن يمر وقت طويل من ان يتمكن بعض هؤلاء المنافسين من تشكيل تهديد حقيقي لمثل امريكا الداخلية ومصالحها الخارجية." اذن التغيير في التوازنات الدولية ليس بالأمر المستحيل ما دمت هنالك رغبة - وان كانت غير معلنة بشكل رسمي من قبل بعض الدول الكبرى - على تغيير سلم تراتيبية القوى الدولية. لكن السؤال الذي يرد هنا هل ان تلك القوى أو الدول الصاعدة قادرة بالفعل على تغيير خارطة التوازنات الدولية ؟ وهل عندها من الامكانيات ما يؤهلها لفعل ذلك ؟ وكم تحتاج من الوقت لكي تحقق طموحاتها في احداث التغيير في التوازنات العالمية ؟ نأخذ في البدء وجهة نظر (بريجنسكي) حول هذا الموضوع عندما يحاول ان يقلل من امكانيات الدول الصاعدة في احداث تغييرات في التوازنات العالمية سيما في المستقبل المنظور، فيقول (بريجنسكي) :" بشكل عام، ولا واحدة من الدول الصاعدة تملك مزيجاً اقتصادياً ومالياً وتكنولوجياً وعسكرياً من القوة، حتى تفكّر في أن ترث دور أمريكا القيادي. فاليابان تعتمد على الولايات المتحدة من أجل الحماية العسكرية. وروسيا لا تزال غير قادرة على أن تقوم بدور إمبراطوري، وهي خائفة من الحداثة الصينية الهائلة. ولا يزال غير واضحاً إذا ما ترى مستقبلها مع أوروبا أو في أوراسيا. وطموحات الهند لتشغل حالة القوة الرئيسة لاتزال تجددها خصومتها مع الصين. ولا تزال أوروبا تحدد نفسها على نحو سياسي، بينما الباقي لا يزال ببساطة يعتمد على القوة الأمريكية... كما يشير إلى أن الحقيقة السياسية هي أن الصين لا تزال تحتاج إلى عقود عديدة، لتصبح جاهزة للاضطلاع بإطار كامل لدور أمريكا في العالم. حتى أن العديد من قادة الصين أكدوا أن الصين تحتاج إلى عقود كي تصبح دولة متقدمة وحديثة، كي تتجاوز الولايات المتحدة، لا بل حتى وراء أوروبا واليابان على صعيد مؤشرات الحداثة للفرد الواحد والقوة الوطنية. كما أن الصين تدرك تماماً أن استثماراتها في الولايات المتحدة ستتعرض للدمار إذا ما انحدر الدور الأمريكي في العالم، حيث سيتسبب ذلك لها بأزمة كبيرة، ستضرّ بمالها على المدى الطويل." وجهة نظر (بريجنسكي) بالتأكيد نابعة من مقاييس ليس بالضرورة تكون دقيقة في كل الاوقات أو الازمنة، بيد ان المتتبع للشأن الدولي ، ولتحركات القوى الكبرى يجد ان هنالك نوع من الاستفاقة الممزوجة بالرغبة على احداث تغييرات في التوازنات الدولية، وملامح ذلك بدأت تتضح عندما تخلى الحلفاء الاوربيين (المانيا و فرنسا) عن دعم أو مساندة الولايات المتحدة في حربها ضد العراق عام 2003، ومن ثم اعقبها الازمة الجورجية وما حدث من تحدي روسي في عام 2008 على اثر تلك الازمة، ومن ثم برزت المواقف المتناقضة بين روسيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف السوري ... والامثلة على وجود الرغبة من قبل القوى الكبرى لتغيير خارطة التوازنات العالمية كثيرة لا يسع المجال لذكرها. لذلك يمكن القول ان المستقبل البعيد سيشهد تغييراً في توازنات القوى الدولية، اذ لن تكون هنالك دولة واحدة مهيمنة على الشأن الدولي، بل ستبرز أكثر من دولة تساهم في ادارة المجتمع الدولي. ويكفي الاشارة الى الدراسة التي اعدها الكاتب الامريكي ( ريتشارد هاس) تحت عنوان ( عصر اللاقطبية ماذا بعد الهيمنة الامريكية ؟)، وتحدث فيها ان النظام الدولي سيدخل في مرحلة جديدة سيتحول فيها نحو اللاقطبية، اي نظام دولي لا تحكمه ولا تسيطر عليه دولة واحدة أو حتى دولتين انما ستبرز دول وفاعلين كثيرين يساهمون في احداث توازنات دولية جديدة.
#عمار_مرعي_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوازنات الاقليمية الجديدة بعد حرب العراق عام 2003
-
دور العامل التكنولوجي في التغيرات السياسية
-
التغيير والاستمرار في السياسة العالمية عرض كتاب: الحرب والت
...
-
عرض كتاب ( الحرب وضد الحرب: البقاء في فجر القرن الحادي والعش
...
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|