|
ج1 ب1 ف1 : مدرسة الجنيد بعد موت الجنيد
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4649 - 2014 / 12 / 1 - 22:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية ) الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف الباب الأول : مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية من خلال الصراع السنى الصوفى الفصل الأول : المرحلة الأولى للعقيدة الصوفية : من بداية التصوف في القرن الثالث الهجري إلى وفاة الغزالي سنة 505 مدرسة الجنيد بعد موت الجنيد 1 ـ ومهما يكن من أمر فإن مدرسة الجنيد وذي النون قد سنت طريقاً للعقيدة الصوفية سار فيه الصوفية اللاحقون حفاظاً على حياتهم وعقائدهم، بيد أن بعضهم كان مجدداً بعض الشيء في طريقة نفاقه مع احتفاظه بالعقيدة الثابتة .. 2 ــ ومن أولئك كان رويم الصوفي البغدادي ، فكان ينكر على صعاليك الصوفية – شأن أستاذه الجنيد – مع الحفاظ في نفس الوقت على سلامة الطريق وعقيدة التصوف . يقول رويم (ما هذا الأمر – يقصد التصوف – إلا ببذل الروح فإن أمكنك الدخول فيه مع هذا وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية ) ويرفع من شأن التصوف الحقيقي وأصحابه فيقول ( إن كل الخلق قعدوا عن الرسوم، وقعدت هذه الطائفة عن الحقائق )،ومع تمسكه بعبارات الورع والصدق ، فإن حقيقة عقيدته تتضح في قوله عن التوحيد بأنه ( محو آثار البشرية وتجرد الألوهية ) ،أي أن التوحيد الصوفي ينفي وجود البشر ويجعل الوجود المجرد قاصراً على الألوهية التي انمحت فيها وفنت آثار البشر طبقا للاتحاد والفناء . ويقول رويم في موضع آخر ( للعارف مرآة إذا نظر فيها تجلى له مولاه ) فالإلوهية تكمن داخل الولي الصوفي ، و بها يتحد بالله إذا شاء وحينئذ تنمحي فيه آثار البشر وتتجرد الألوهية فيه كاملة .أي أنه إذا كان رويم ينكر على عامة الصوفية ( ترهاتهم ) نفاقاً وتقية فإن هذا الإنكار يهدف لسلامة الدين الصوفي ، ومجابهة الإنكار من الآخرين مع تقرير العقيدة الصوفية . 3 ــ ورُويم عاش في بغداد ومجتمع الجنيد والصوفية الأوائل وكان يترسم طريقهم في إنكاره على الصوفية المحدثين في عهده ، إلا أن التباعد المكاني بين رواد التصوف لم يكن عائقا فقد سهلت السياحة الصوفية والمراسلات من سبل الاتصال والتفاهم بينهم . ويكفي أن نمثل ذلك بيوسف بن الحسين شيخ الري في الشرق الفارسى ، ومع ذلك فقد صحب ذا النون المصري . وكان يراسل الجنيد في بغداد . . وتأثره بالاثنين واضح .. فقد اتهم يوسف بن الحسين بالزندقة من جانب مواطنيه في الري ، مع أنه لم يبخل على الصوفية المعاصرين له بالإنكار فقال فيهم ( رأيت آفات الصوفية في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد – يقصد اللواط – ورفق النسوان – يقصد الزنا ) . 4 ــ وكان يوسف بن الحسين مخلصاً لعقيدته الدينية الصوفية متبعا لأسلوب ( الجنيد ) في وضع درجات للعقيدة تبدأ بالإسلام وتنتهي بالعقيدة الأسمى في نظره : يقول الطوسي ( ووجدت ليوسف بن الحسين في التوحيد ثلاثة أجوبة منها في توحيد العامة ) ، وانتهى إلى الجواب الثالث : توحيد الخاصة ، وهو أن يكون العبد بسره ووجده وقلبه كأنه قائم بين يدي الله عز وجل وتجري عليه تصاريف تدبيره ، وتجري عليه أحكام قدرته في بحار توحيده بالفناء عن نفسه ،وذهاب حسه بقيام الحق له في مراده منه ، فيكون كما كان قبل ، يعني في جريانه أحكام الله عليه وإنفاذ مشيئته فيه وبيان ذلك كما قال الجنيد ) .. وواضح تأثر يوسف بن الحسين بالجنيد .. 5 ــ وبعضهم كان يبالغ في التقية حتى تختلط عليه الأمور ويقع في التناقض في أمر واحد وسبب ذلك أنه ظل ينافق حتى نافق نفسه وخدعها . ومن هذا الصنف كان " أبو سعيد الخراز" الذي أسرف في التقية خوفا من الاتهام بالكفر حتى وصل به الأمر إلى اتهام التصوف نفسه دون أن يدري .. يقول أبو سعيد الخراز ( كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل ) . أي أنه يحكم على التصوف – وكان مبدأه الكتمان والتقية – بالبطلان .. وأمتد هذا الحكم ليشمل أبا سعيد نفسه حيث يقول (لهم أي - للصوفية – لسانان ظاهر وباطن ، فلسان الظاهر يكلم أجسامهم ولسان الباطن يناجي أرواحهم ) . وكان الخراز (أول من تكلم في علم الفناء ) .أو الاتحاد ، ومن أقواله ( إذا أراد الله أن يوالي عبداً من عبيده فتح له باب ذكره ، فإذا استلذ بالذكر فتح عليه باب القرب ، ثم رفعه إلى مجلس الأنس ، ثم أجلسه على كرسي التوحيد ، ثم رفع عنه الحجب فادخله دار الفردانية وكشف له عن الجلال والعظمة ، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقى لا هو ، فحينئذ صار العبد فانياً فوقع في حفظ الله وبرئ من دعاوى نفسه ) . يقصد إتّتحد بالله وزالت عنه البشرية – وفي ذلك النص إشارة إلى مراحل الاتحاد عند الصوفية . وقال ( أول علامة التوحيد خروج العبد عن كل شيء – يعنى لوازم البشرية ) – ( ورد الأشياء جميعا إلى متوليها حتى يكون المتولي بالمتوليَّ ناظراً بالأشياء ، قائماً بها متمكناً فيها ثم يخفيهم عن أنفسهم في أنفسهم ويظهرهم لنفسه سبحانه وتعالى ) . ثم إن أبا سعيد الخراز هو صاحب ( كتاب السر ) في عقيدة الصوفية .. إلا أنه استطاع أن ينجو بنفاقه من حدة الإنكار عليه رغم كثرة ما قاله في عقيدة التصوف. ويكفي أنه بنفاقه علا فوق اختلافات الصوفية – والاختلاف سمة أساسية في التصوف – وتمكن بنفاقه للصوفية من إخوانه أن يتجنب الخلاف معهم، يقول ( صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف ) . ولا شك أن المغالاة في النفاق تعتبر رد فعل للضغط الذي واجه المتصوفة الأوائل. 6 – ومن مظاهر الضغط الذي تعرض له الصوفية الأوائل قلة أقوالهم في عقيدة( وحدة الوجود )، فقد اكتفوا غالبا بالإشارة للاتحاد وتجنبوا مؤقتا الإسهاب في الاتحاد المطلق أو وحدة الوجود، وقد يكون مفيداً أن نعرض بسرعة لبعض أقاويلهم في الاتحاد المطلق أو وحدة الوجود. قالوا : ( الوحدانية بقاء الحق بفناء كل ما دون ) ، يعني أن كل ما دون الله مظاهر فانية في ذات الله الباقية ، وقالوا ( ليس في التوحيد خلق وما وحد الله غير الله ) ومعناه أن الوجود الحقيقي واحد ولا خلق هناك وإنما الخالق فقط ، وكل ما يسبح الله هو الله نفسه .. ولا شك أن عبارات ( الوحدة ) السابقة قد صيغت في أسلوب اتحادي خوف القهر والضغط وتحتمل – مع ذلك التأويل – عند المساءلة والعقاب .. 7-وغلٌف الصوفية عقائدهم بالرموز والمصطلحات والعبارات التي تستلزم التأويل والاختلاف ، إلا أن التصوف دخل في دور الانتشار واجتذب إليه طوائف من العامة مع انحطاط مستمر في مستوى الأشياخ العلمي وترديدهم لعبارات الصوفية الأوائل واختراعهم عبارات تنقصها المهارة الصوفية المعتادة في عبارات الاتحاد ، وكان أن هبٌ القشيري في القرن الخامس ينكر على عوام الصوفية أقاويلهم في الاتحاد ويؤلف رسالته المشهورة ، يقول في مقدمتها ( مضى الشيوخ الذين كان بهم اهتداء ) ويصف صوفية عصره بشنيع الصفات من الإهمال في الفرائض والمبالغة في الانحراف ( ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الفعال حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق ) ، يعني أنهم ادعوا الاتحاد تشبهاً بمن سبقهم من الرواد وهذا ما ينكره القشيري على أجلاف عصره ، يقول فيهم ( وادعوا أنهم تحرروا عن رق الأغلال وتحققوا بحقائق الوصال وأنهم قائمون بالحق تجري عليهم أحكامه وهو محو )..( وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية واختطفوا عنهم بالكلية . وزالت عنهم أحكام البشرية ، وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية ) ، يعني أنهم ادعوا الاتحاد الكامل بالله .. واضطر لتأليف رسالته ليرشدهم وحتى يسلم الطريق الصوفي – بزعمه- منهم .. يقول ( ولما طال الابتلاء فيما نحن فيه من الزمان ، بما لوحت ببعضه من هذه القصة ، وما كنت لأبسط إلى هذه الغاية لسان الإنكار غيرة على هذه الطريقة – أي التصوف – أن يذكر أهلها بسوء أو يجد مخالفهم لثلبهم مساغاً ،إذ البلوى في هذه الديار بالمخالفين لهذه الطريقة والمنكرين عليها شديدة .. ولما أبى الوقت إلا استصعاباً وأكثر أهل العصر بهذه الديار إلا تمادياً فيما اعتادوه .. وأشفقت على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر على هذه الجملة بني قواعده .. فعلقت هذه الرسالة إليكم ) . 8 ــ وصار تقليداُ صوفياً أن ينكر الشيخ على معاصريه من الصوفية ويشيد بالسابقين .. فالطوسي أنكر على معاصريه وأشاد بسابقيه ، وجاء القشيري بعده فأشاد بمن أنكر عليهم الطوسي ، ثم جاء الغزالي فأشاد بمن أنكر عليهم القشيري .. وكذلك فعل الشعراني في نهاية العصر المملوكي .. وذلك كله حماية للطريق الصوفي ومحاولة الفصل بين التصوف كمبدأ – يحاولون حمايته من الإنكار- وأشخاص الصوفية وهم محل إنكار المعاصرين لهم . 9- ثم دخلت العقيدة الصوفية في ثوب جديد بفضل الغزالي ..
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ج1 ب1 ف1 : مدرسة الجنيد الصوفية
-
ج1 ب1 : مدخل الباب الأول
-
موضوعات الجزء الأول من كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر ا
...
-
سيطرة التصوف على العصر المملوكي
-
الشطحات الصوفية والطرق الصوفية
-
انتشار التصوف في العالم ( الإسلامي ):
-
بداية التصوف فى تاريخ المسلمين
-
التمهيد : بين الزهد والتصوف
-
حوار صحفى مع موقع ( الخبر ) عن معتقدات (أهل القرآن )
-
التمهيد : هل يمكن أن يكون الإسلام مصدرا للتصوف عند المسلمين
...
-
حريم السلطان وحمير السلطان
-
تعريفات التصوف : التمهيد لكتاب ( التصوف ... )
-
مقدمة كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
-
فلاح وشيخ و... حمار
-
خاتمة ومصادر وفهرس كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعود
...
-
ق 3 ف 4 : سيكولوجيا الحركة السلفية فى السعودية
-
ق 3 ف 4 : سيسيولوجيا الحركة السلفية فى السعودية
-
ق 3 ف 4 :نقد الشريعة السنية المسعرية فى تحريم الفوائد البنكي
...
-
ق 3 ف 4 : ( المرأة ) و( الشيعة ) فى الشريعة المسعرية
-
ق 3 ف 4 : الشريعة المسعرية فى الحرية الاعلامية
المزيد.....
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|