|
الديانه االايزيديه ( بتصرف)
علي ألسنجري
الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 12:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أن وجدت الديانة الأيزيدية وأتباعها يحملون على أنفسهم سرها ، هذه الديانة التي تمتد جذورها إلى آلفي سنة قبل الميلاد ، الديانة التي يفخر بالانتماء إليها الايزيديون ، حيث إن ميثولوجيا الديانة الأيزيدية حفرت لها مكاناً بارزاً في ألاعماق بالرغم ما أحدثتها قدوم الأديان الأخرى إلى المنطقة ، والأيزيدي يشعر بأنه ايزيدي عندما يتأكد من شعوره وشعور أتباع ديانته بأنه ينتمي إلى المجموعة، وهي لا تقاس كما في بقية الأديان بالصوم أو الصلاة أو زيارة الحج بل بنقاوة علاقته المباشرة والخاصة مع خالقه طاؤوس ملك . إننا اليوم بصدد إيصال مفهوم الديانة الأيزيدية إلى الذين ينتمون إلى ديانات أخرى التي تختلف في مفهومها الفكري والتكويني عن الديانة الأيزيدية ، وهناك حقيقة لابد من فهمها جيداً وهي إن الايزيدي يجب أن يولد من والدين أيزيدين وهذه لا شك فيها وهي تعتبر من أهم نقاط الاختلاف الفكري مابين الديانة الأيزيدية والديانات الأخرى التي ليست من الضرورة أن يولد المنتمين إلى تلك الديانات بان آباءهم من نفس الديانة كالإسلام أو المسيحية أو اليهودية . إن جوهر فلسفة الديانة الأيزيدية هي فكرة طاؤوس ملك كإله وليس شيء أخر كما يتصوره أتباع الديانات الأخرى ، والكثير من الكتاب والمؤلفين أعطوا تفسيرات خاطئة حول مفهوم طاؤوس ملك وعلاقته بالديانة الأيزيدية ، واعتقد بان السبب الذي دفع البعض إلى اتهام هذه الديانة باتهامات باطلة كونها ديانة متقوقعة أو سرية في منبعها لأنها لا تمارس علناً من قبل أتباعها ، كذلك فان فكرة الشرك التي اتهم بها أبناء هذه الديانة جاءت باعتبار إن الفرد الايزيدي متكون من عنصرين هما الخير والشر في نفس الوقت أي في ذاته قوتين متضادتين هما العقل والنفس وهكذا فان كل ايزيدي يحمل في نفسه شيء من طاؤوس ملك . تؤكد العديد من الأبحاث والدراسات بان الأيزيدية كانت متواجدة كمذهب قبل قدوم الشيخ آدي إلى المنطقة وكان أتباعها معروفين بعبده طاؤوس ملك أو ما يسمى بإله الشمس ولكن التسمية تغيرت بعد قدوم الديانات الأخرى وخاصة الإسلام . حيث أن أتباع طاؤوس ملك كانوا يمثلون قوة لا باس بها تعيش خارج الدولة الساسانية وبسبب الفرمانات التي تعرضوا لها عبر تاريخهم الطويل كادت أن تختفي هذه الديانة بين طيات التاريخ واستمرت ممارسات عرقلة الجهود الرامية إلى تحليل الديانة الأيزيدية ومنع رفع مستوى هذه الديانة من الحالة الميثولوجية إلى اللاهوتية أي الحالة الدينية العلمية ومن جهة أخرى تحاول قلة من حافظي الأدعية الدينية تسيير الأمور وفق أهوائهم ومصالحهم ، فالدين هو سلاح ذو حدين لان الهدف الرئيسي من فكرة الدين هو خدمة البشرية وصقل غرائز الفرد ولكن من جهة ثانية يمكن استخدامه كسلاح لخلق الخوف والقلق في أي مجتمع كان . ففي الميثولوجيا الأيزيدية هناك تأكيد على إن الله خلق سبعة ملائكة من نور القنديل وهي عزراييل ، جبراييل ، ميكاييل ، درداييل ، شمقاييل ، عزازييل ، ئيسرافييل وأما عزازييل فهو طاؤوس ملك وهو في الوقت نفسه رئيس الملائكة وأول الموحدين ويروى إن الله تبارك وتعالى لما خلق طاؤوس ملك نظر إليه وقال من أنت ومن أنا ؟! فرد عليه طاؤوس ملك قائلاً : أنا أنا وأنت أنت ! فأعاد الله السؤال ثلاث مرات والطاؤوس يجيب نفس الجواب فاعلمه الله انه الخالق وطاؤوس ملك مخلوق ثم قال له ، أدبر فأدبر .. فقال له الباري : بعزتي وجلالي ما خلقت أجمل منك ولا أغر منك بك أثيب وبك أعاقب من أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني ، وبذلك يتبين بأنه أول الموحدين . وهناك رواية أخرى تؤكد بان طاؤوس ملك الذي هو عزازييل أول الموحدين حيث إن الله كان ينوي أن يمتحنه في السجود لأدم وبعد رفضه السجود له فان الله كأفه وجعله رئيس الملائكة لانه رفض السجود لغير الله . وطاؤوس ملك بأمر من الله تعالى يبقى دائماً في جنة الفردوس ويستمع دائما إلى تعليمات وأوامر وترتيبات الباري تعالى الروحية والجسدية وقد سلمه كل شيء وجعله في نصف الفردوس في محل يقال له عين الفلك . إن أبناء الديانة الأيزيدية يرمزون إلى طاؤوس ملك بتمثال يتكون من الشمعدان الذي يقف فوقه طائرا وبجانبه الكأس ويسمونه السنجق وهو تمثال مصنوع من البرونز أو النحاس تمثل طاؤوس على شكل طير جالس على قاعدة معدنية محمولة بعمود يتخلله ثلاث دوائر معدنية لينتهي بقاعدة متصلة به على شكل صينية تتخللها أربع مقابض وبجانبه كأس مملوه بالماء المقدس المأخوذ من العين البيضاء وبجانب الطاؤوس هناك وسائد سبعة يتكي عليها وإثناء قدومه إلى القرى الأيزيدية فأنهم يستقبلونه وهم حفاة الأقدام تعبيرا على قدسيته . والطواويس هي سبعة أي السناجق السبعة وهي ليست متساوية بالحجم ويرمزون لكل واحد أيضا إلى المنطقة التي يشرف عليها السنجق وهو العلم وهو مخصص لناحية هذه البلاد وهذه السناجق هي : 1- سنجق سوريا ” سنجق الشام ” وتشمل منطقة الطواف حلب واللاذقية والحسكة والقامشلي وحران وعفرين ويسمونه” تاووسا حلبى ” 2- سنجق تركيا ” بلاد الأناضول ” وتشمل منطقة شرق الأناضول وديار بكر وانطاكية وماردين وسعرد وسيوس وديران شهر ويسمونه ” تاووسا زوزانا ” 3- سنجق العجم ” إيران ” ومنطقة طوافه تبريز ويسمونه ” طاؤوسة تاوريز ” 4- سنجق بلاد روسيا ” بلاد المسقوف ” ويشمل جمهورية أرمينيا وجورجيا ورستوف ويسمونه ” تاووسا مسقوفيا ” 5- سنجق الشيخان في العراق ” نينوى ” وما حولها من القرى ويسمونه ” تاووسا شيخان ” 6- سنجق سنجار في العراق ” نينوى ” وما حولها من القرى ويسمونه ” تاووسا شنكال ” 7- سنجق الخالدين وهو محفوظ دوما في خزانة الرحمن في بيت الأمير في منطقة باعذرا قرب منطقة الشيخان مقر الإمارة الأيزيدية ويسمونه ” طاؤوسة عنزل ” وحينما كان تصل تمثال الطاؤوس إلى القرى الأيزيدية محمولاً بهيبة من قبل القوالين يصاحبه نقر الدفوف وتزمير بالشبابة وأناشيد وتراتيل دينية وعند وصولهم إلى المكان المقصود يضعونه على مكان مرتفع لتسهيل رؤيته من قبل الناس ويجلس من حوله القوالون وشيخ الوزير والبير ووالشيخ وأثناء ترتيل الأناشيد يدور الناس حول الطاؤوس وهم ساكتين وخاشعين بإجلال وتقديس وأيديهم على صدورهم ومن ثم يجلسون وهم يتضرعون إليه ويتوسلون في إيصال دعواهم إلى الله الخالق الأعظم أن يغفر خطاياهم ويجنبهم الشر والمكروه . وكما أوردنا سابقا وحسب الفلسفة الأيزيدية فان طاؤوس ملك أول الموحدين في فوزه في اختباره المصيري تجاه واجبه المطلق في الطاعة والتوحيد وهذا واضح في النص الديني الذي يؤكد بان الله قد جعل طاؤوس ملك رئيساً للملائكة وبسبب الخاصية المشتركة والباقية إلى يومنا هذا حول عبادة طاؤوس ملك فقط فان الايزيدين يعتقدون بان الشخص الايزيدي يولد وفي روحه وجسده شيء من الإله الأكبر طاؤوس ملك ولكن درجة قدسيته أي الفرد لا تتساوي قدسية طاؤوس ملك . وحسب ما ذكر بعض الكتاب والمؤلفين بان الأيزيدية يدّعون وجود قوتين في الكون وهي قوة الخير والمتمثلة بالله وقوة الشر والمتمثلة بإله الشر وتغلب قوة الخير على قوة الشر فطردته عن سلطان الملكوت على نحو ما يعتقد به الزرادشتيون من وجود ألهين ، أله الخير وهو هرمزد وأله الشر وهو أهيرمان وهنا تكمن نقطة الخلاف ، لان من ابرز الاختلافات مابين الأيزيدية والزرادشتية هي إن الزرادشتية يؤمنون بوجود عنصرين ، النور والظلمة أي الخير والشر وكلاهما في جدال مستمر ويقول الزرادشتيون إن اهريمن رمز العلاة الرديئة والتمرد والكذب وجميع أشكال الشر صادرة منه ، بينما الأيزيدية لا تعترف بوجود أله الشر ويصدر منه كل شرور الدنيا وهم لا يعبدونه وليس لهم أي طقس مرتبط به وإنما لهم أي الأيزيدية فلسفتهم الخاصة حيث يقول في مواجهة الإسلام وبقية الأديان انه نفذ مشيئة الله ليس إلا والشر يصدر من الإنسان وان الخير والشر كلاهما من أمر الله سبحانه وتعالى وجميع الأيزيدية متفقون على ذلك حيث يقولون بان ” خيَر وشةر ذ با خوديَنة ” ولا يخفى على احد بان العديد من الكتاب وقعوا في أخطاء فضيعة في كتاباتهم عن الأيزيدية ومنهم عبدالرزاق الحسني في كتابه ” اليزيديون في حاضرهم وماضيهم ” حيث ذكر بان العبادة التي يتقرب بها الأيزيدية إلى هذا الملاك أي ملاك الشر تختلف عن تلك التي يتقربون بها إلى الله . فعبادتهم لأله الشر عبادة تضرع وتعطف وخشية بخلاف عبادة الله فان عبادتهم عبادة خضوع وشكر وامتنان وبلغ ذلك إلى درجة تركهم عبادة اله الرحمة لان الله لا يفعل لهم شراً ولأنه صالح أما اله الشر فهو منقاد طبعاً إلى عمل الشر ، وهو يحاول هنا تقريب الهوة ما بين اله الشر وطاؤوس ملك وعلى هذا الأساس فانه وقع في مغالطة كبيرة في تفسير مفهوم طاؤوس ملك في ميثولوجيا الأيزيدية ، بينما يذهب السيد صدقي عزالدين البير موسي إلى تفسير أكثر منطقياً حيث يقول ” إن طاؤوس ملك الايزيدي ماهو إلا ذلك الإله الهندواوربي وقد تحول إلى الملاك الأول في الميثولوجيا الأيزيدية بعد فترات زمنية والاحتكاكات بالأفكار الدينية التي كانت سائدة في المنطقة وتأثير الأديان السماوية التوحيدية وأكد أيضا ” ومن جهل العديد من الكتاب والمؤلفين قديماً وحديثاً وعدم درايتهم بجذور هذه الديانة وعدم امتلاكهم دراسة مستفيضة عن اللغة الكوردية والتاريخ الكوردي نعتوا هذه الديانة بأشياء هي بريئة منها والحقيقة إن الأيزيدية تمثل بقايا الحضارة الفكرية للأقوام الهندواوربية اولاً ثم الآرية واليوم هي بمثابة التاريخ الفكري الروحي الكوردي والكشف عن الغموض المحاطة بالايزيدية هو الكشف عن التاريخ الفكري الكوردي القديم ” . بينما تطرق السيد هوشنك بروكا في بحثه عن الأيزيدية والطقوس الدوموزية إلى موضوع طاؤوس ملك من خلال عدة جوانب ، فيقول بان طاؤوس ملك الوجه الأخر للإلوهية الكونية الشمولية حيث يرفض تلك الدراسات والبحوث التي تناولت شخصية طاؤوس ملك باعتباره ملاكا للشر المتمرد على أمر الله ومشيئته وان تلك الدراسات تتنافى وحقيقة هذه الديانة ورؤيتها الفلسفية اللاهوتية لثنائية الخير والشر الكونيين حيث يؤكد في بحثه بان طاؤوس ملك وحسب الميثولوجيا الأيزيدية مخلوق من نور الله وسره العزيز وهو الوجه الأخر للإلوهية بل هو اسم من أسماء الله الحسنى . وأي شخص يقوم بالاطلاع على النصوص الدينية وخاصة الأبيات المذكورة في ” قةولىَ تاووسى مةلةك ” ويقرا تلك النصوص بتمعن لا يحتاج إلى مبررات إضافية في طرح أسئلته حول من هو طاؤوس ملك وسوف نحاول أن نسرد بعض من هذه الأبيات من هذا القول الديني : يارةبى تو مةلةكىَ جانى تو مةلةكى مةلةكىَ كةريمى تو ذ عةنزةلداريى قةديمى هةتا تو كاما روحايى ******* يارةبى تو خوداوةندىَ سةفةرى تو خوداوةندىَ مةه ومةرى تو خوداوةندىَ ضةندى ئؤمةرى ******* يارةبى تة نة لةونة تةنة رةنطة تةنة ئاوازة تةنة دةنطة تةنة ئيندامة تةنة ضةنطة وبالرغم من علو شان طاؤوس ملك باعتباره الهاً كلي القدرة في الديانة الأيزيدية ، إلا انه لا يزال كفكرة لاهوتية أصلية يعوم في جو من الضبابية والسرأنية الملغزة سواءً على المستوى الباحث الخبير أو على المستوى المؤمن المتسلم لأقداره ، لذا فطرق باب موضوع شديد الحساسية كهذا لابد وان نفتح المجال أمام العديد من الإشكاليات وأولى هذه الإشكاليات هي إشكالية المصطلح وبخصوص الإشكالية الاصطلاحية حول أصل فكرة طاؤوس ملك وحيثياتها من الناحية المورفولوجية والميثولوجية هناك أربع فرضيات رئيسية مطروحة للنقاش حسب ما ورد في بحث السيد هوشنك بروكا وهذه الفرضيات هي : الفرضية الأولى / فرضية التعريب والاسلمة : دعاة هذه الفرضية يعيدون لفظة أل ” طاؤوس ” الأيزيدية إلى الطوس ، والطوس لغةً حسب زعمهم هي كلمة عربية إسلامية صرفة وتأتي في اللغة بمعنى حسن الوجه ونضارته ومنه اشتق ” طاؤوس ” ومن الباحثين الذين يروجون لهذه الفرضية هو الكاتب صديق الدملوجي وكثرهم تحمساً لها ، إذ يتحاجج في كتابه ” اليزيدية ” بقوله إن كتب السير والتاريخ والتفسير تدل على إن الملك المنبوذ قبل أن يطرد من الجنة كان يسمى بطاؤوس الملائكة للطافة شكله وجمال صورته ، وعندما خضعت هذه الفرضية للتنظير وعلى عدة مستويات ظهرت بأنها فرضية فقيرة في محاججتها ميثولوجياً ومورفولوجياً ، لان الأيزيدية لا تسبق الإسلام فحسب بل تسبق الميلاد بقرون عديدة ، لذا فكيف سيكون أصل الطاؤوس إسلاميا وحسب يدعون بان الإسلام أخر الديانات ورسولها خاتم الأديان ! الفرضية الثانية / فرضية الشمسنة : وأصحاب هذه الفرضية يرون بان تسمية طاؤوس ملك جاءت من شمس : شمش أو شماس اله الشمس البابلي ذاته ، والذي يتطابق مواصفاته مع مواصفات طاؤوس ملك باعتبارهما يرمزان إلى الهان للشمس والحياة السعيدة وكان اله الشمس في معتقدات العراق القديم يمثل بدائرة ذات أربعة أشعة تتخللها أشعة مجعدة كدلالة على المعبود الشمسي ، أما رمز طيران الشمس وحركتها فكان يصور على شكل كرة ضوئية ذات أجنحة ومذيلة بذيل من الأشعة على شاكلة ذيل طائر وللإله الشمس في ميثولوجيا العراق القديم دور مماثل لدور الشيخ شمس ، طاووسي ملك ، فكلاهما يمنحان العالم النور والحيوية إضافة إلى تجسيدهما للخير والكمال المطلق في ذاتيهما . الفرضية الثالثة / فرضية الميثرنة : أصحاب هذه الفرضية يدعون بان الأيزيدية هي بقايا الديانة الميثرائية وطاؤوس ملك حسب زعمهم هو رب الأرباب الميثري أي ميثرا نفسه ، وكلاهما يجسدان الخير والشر معا كقوتين إلهيتين في ذاتيهما فطاؤوس ملك هو الوجه الأخر للألوهة بل هو الإله خودى ذاته واسم من أسمائه حسب ما يورد في التراث وعلم الصدر والإله الواجب عبادته هو الإله الشمولي المطلق الكلي القدرة في خيره وشره والذي لا حدود في صورته بين الأبيض والأسود وان ملامح الإله الأكبر ميثرا تتشاكل إلى حد كبير مع صورة الإله الايزيدي هذه أي اثنان في واحد ، ففي ذات الوقت يعبد فيه ميثرا كأله للخير والبركة والحياة السعيدة ويعبد أيضا على انه أله للحرب والكوارث وعلى زعم دعاة هذه الفرضية فان ميثرا يشبه لوكوس القديم ابن الله أو الكلام الإلهي فهو انبعاث لله وسلطانه والأمر يشبه إلى حد كبير كون طاؤوس ملك انبعاثا من الله ومسؤولا أمامه لحماية العالم وحفظه حسب اعتقاد الأيزيدية . الفرضية الرابعة / فرضية تموز / البؤرة : أصحاب هذه الفرضية ودعاتها يرون إن لفظة طاؤوس ملك ” تاوز ” طاوز ” مشتقة وحرفة من تموز وهو اسم الإله البابلي المقابل لمرادفه السومري ” دوموزي ” ويرون فيها تشابها كبيرا على مستوى الدور والوظيفة بين طاؤوس ملك في الأيزيدية وتموز في الديانات السومرية والبابلية وكلاهما يشكلان مع ذات الإله اقنومين في واحد ومن المرجح جدا أن تكون لفظة تيئنوس اليونانية وزيوس المسيحية لاحقا مشتقة من تموز ” تاوز ” طاوز ” دوموزي والتي تفيد على المستوى الميثولوجي المعنى ذاته أي رب الأرباب فتكون بذلك طاؤوس ” تاوز ” طاوز ” تيئنوس ” زيوس ” كلها ألفاظ متقاربة ومسنودة إلى مرجعية واحدة وهي تموز ” دوموزي ” في كونه البؤرة الأسطورية الأولى . إن ما كتب عن طاؤوس ملك كثير وكثير ولكننا مازلنا نحتاج إلى مراجعة متأنية والى الاجتهادات بالرغم كون الموضوع شائك وحساس ولا توجد لدينا المراجع الدينية لحل الإشكاليات التي تعترض تلك الاجتهادات والفرضيات بسبب الغموض الشديد حول مفهوم طاؤوس ملك ومدى العلاقة الوثيقة مابين مفهوم العقيدة الأيزيدية وطاؤوس ملك ، إن البحث في موضوع طاؤوس ملك يحتاج إلى وقفة تأمل وتفكير منطقي للرد على بعض الأسئلة التي تطرح حول هذا الموضوع وماهي حقيقة وطبيعة طاؤوس ملك في الأيديولوجية الدينية الأيزيدية . إن لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية قدرا من موروثها الميثولوجي تعبر فيه عن ماضيها وخصوصيتها وعن صراعها الإنساني ضد الطبيعة بدءا من قصة الخلق الأولى لأدم وحواء والملائكة إلى الجنة والنار وصولا إلى الأديان الأولى وهي اغلبها أساطير ثرية فيها أجوبة الإنسان على مشكلات الحياة والموت . وحسب ايدولوجيا الديانة الأيزيدية فان الله خلق الملائكة السبعة وجعل من عزازييل أي طاؤوس ملك رئيسا عليهم لأنه سيد الموحدين على هذا الأرض عندما كأفاه الله على عدم تفرطه في عبادته وكان هذا أهم سبب بان أوكل الله إليه مهمة إدارة شؤون الكون وتنظيمه وهذا الدور لطاؤوس ملك في الفكر الديني الايزيدي يختلف عنه في الأديان الأخرى اختلافا كليا فلا وجود لفكرة اله الشر وانه لم يغب على رئيس ملائكته ولم يطرده من الجنة وان الديانة الأيزيدية لا تعبد اله الشر لأنه لا يعبد النقيض في الوقت واحد . أما مصطلح طاؤوس ملك ذلك الرمز الديني المقدس الذي يعد أهم سمات العقيدة الأيزيدية فقد اختلف الكتاب والباحثون قديما وحديثا بشأنه كما ذكرنا سابقا فمنهم من اعتبره اهريمن أي اله الشر والمخلوق الجان الذي وسوس لأدم وحواء وعصى أمر ربه ومنهم من عده من الملائكة المخلوق من النور وهناك من يؤمن بان الله قد تجسد بصورة طاؤوس ملك وبالتالي فانه يمثل صورة الإلوهية أو اسم من أسماء الله أو انه الإله يزدان أو الإله نابو وهذا الاختلاف والتناقض في الآراء حول طبيعة طاؤوس ملك وعدم الاتفاق على صيغة محددة بشأنه لانعدام أو ندرة المصادر الدينية التي يمكن الاحتكام إليها كمرجع موثوق في هذا الشأن مما فتح باب الاجتهادات على مصراعيه لان تعاليم الديانة الأيزيدية غير مدونة ولا تستند على أي كتاب ديني بل هي مجموعة من أعراف وشعائر وتعاليم ونصوص دينية محفوظة في الصدر وهذه التعاليم والنصوص من الممكن أن تتساقط تباعا من خلال تناقلها من جيل إلى أخر وبالإمكان نشؤ بعض الاجتهادات الشخصية قد تغير جوهر معنى مفهوم طاؤوس ملك في الديانة الأيزيدية ، وهذا ما لاحظناه في كتاب ” اليزيديون في حاضرهم وماضيهم للكاتب العراقي ” عبدالرزاق الحسني ” . وبالرغم من أهمية الأبحاث النظرية في المسائل الدينية فان الاجتهادات أو المجاملات قد تزعزع الثوابت الدينية وتجعلها عرضة للتحويرات والإضافات وذلك لان الاجتهاد يعتمد أساسا على العقل والتفكير بينما الدين فأنة يعتمد على الإيمان والتسليم بما يأمر وينهي عنه ، وهنا يجب التميز بعقلانية بين فلسفة الدين وبين اللاهوت ، فمجال اللاهوت هو البحث في فلسفة الدين الذي يدافع عن عقيدة هذا الدين أو ذاك بالحجة والمنطق ، أما فلسفة الدين فإنها تعني بدراسة وتحليل المفاهيم العامة التي تستخدمها الأديان والبحث في الظواهر العامة للتدين . وبالعودة إلى مسألة طاؤوس ملك فان الملاحظ بهذا الصدد إن النصوص الدينية لم تبحث طبيعة طاؤوس ولا مسألة السجود ومادمنا نبحث في هذا الموضوع فان من البديهي أن ينصب تركيزنا على طبيعة وتحديد صفاته وهل اجتاز محنة الاختبار الإلهي بمكأفاة اله له ومن ثم تسليمه شؤون الكون والخلق باعتبارها القاعدة الأساسية في تحديد مفهوم الديانة الأيزيدية مع إن النتيجة لا تقدم إجابات كافية وواضحة ، في حين يعتقد بعض علماء الدين بان التقرب الصوفي لموضوع عزازييل أي طاؤوس ملك هو موضوع فلسفي ولاهوتي وان اسم عزازييل هو عربي ويعني الحارث وهو يعتبر من أجمل الملائكة ويذكر إن أبو الفتوح احمد بن محمد الغزالي قال ” بان عزازييل هو سيد الموحدين ونادى على المنبر من لم يتعلم التوحيد من عزازييل فهو زنديق أمر أن يسجد لغير سيده فأبى وان جميع المتصوفين يرفضون تسميته بملاك الشر وكما أنهم يرفضون تسميته بنقيض الله أو انه خالق أوامره . فعدم السجود هو أعظم تجسيد للتوحيد وتقديس للذات الإلهية وان أمر السجود كان أمر اختبار لا أمر بلاء ولو سجد رئيس الملائكة لأدم لخرج بذلك من التوحيد وفي كل ما ذكرناه سابقا عن مفهوم طاؤوس ملك في الديانة الأيزيدية يتبين لنا بان طاؤوس ملك رمز من رموز المقدسة عند أبناء هذه الديانة وهو يمثل شعارهم الديني وان الله قد خلقه من نوره وانه لم يسجد لغير الله ولم يشرك به أحدا وهو أول الموحدين في الكون وليس من العقلانية وصفه بأنه اله الشر وان الأيزيدية ليسوا بعبده اله الشر أو النار وهذا الشيء محض افتراء وظلم ولا نعلم من أين جاءت هذه التهم بحق الأيزيدية وقد ألصقت بهم هذه التهم من قبل الديانات الأخرى ومن أقوام كانوا يسكنون معهم في المنطقة ومن عقائد مختلفة من أصحاب الديانات القديمة كالمجوس أو المانويين واليهود والصابئة والمسيحيون وما أظهره هولاء من إساءات واضطهادات بحقهم والتي كانت بمثابة إعلان الحرب عليهم وعلى ديانتهم ، كل هذه الأسباب جعلتهم يتزهدون في أمور الحياة ويسلكون طرقا منغلقة في عباداتهم وبسرية تامة ولا يسمحون لأحد بالاطلاع عليها خوفا من التجريح والتهم ، وعليه يجب أن نعترف بان معرفتنا مهما كثرت ماتزال ناقصة ولم تصل بعد إلى مرحلة النضج والإحاطة التامة بجوانب شخصية طاؤوس ملك فهناك العديد من الحقائق مازالت مجهولة ولا يمكن إدراكها لان المسائل الدينية كما بينا تعد من التي لا يجوز المساس بها خاصة ما يتعلق بالثوابت الدينية منها لأنها تبقى خارج حدود العقل والإدراك طالما لا تتوفر الأدلة والشواهد الكافية على إثباتها . ومن أولويات الكاتب الايزيدي المتنور والمتحضر والمتسلح بالثقافة الحقيقية في الشأن الايزيدي هو الكشف عن حقيقة ديانة أبائه وأجداده بدون خوف أو تردد والموضوعية الأدبية . المصادر : 1- د. ممو عثمان : طاؤوس ملك الديانة الايزدية بين عبادة اله الشمس و.. مجلة لالش الدورية حزيران ، 2004 2- هوشنك بروكا : الأيزيدية والطقوس الدوموزية …مجلة لالش الدورية تشرين الثاني ، 2005 3- صدقي عزالدين البير موسي : طاؤوس ملك وعلاقته بالأديان القديمة .. مجلة لالش الدورية أب، 2000 4- ب . ش دلكوفان : الايزدية والهندوكية والزردشتية في ميزان المقارنة …مجلة لالش الدورية كانون الثاني ، 2000 5- عالية بايزيد إسماعيل : طاؤوس ملك ومحنة الاختبار الإلهي …مجلة لالش الدورية حزيران ، 2008 6- عزالدين سليم باقسرى : مةرطةه … منشورات مركز لالش الثقافي والاجتماعي ، دهوك ، 2003 7- زهير كاظم عبود : لمحات عن اليزيدية .. مكتبة النهضة ، 1994 . 8- احمد ملا خليل : من أذربيجان إلى لالش ، تحقيق وتعليق د. خليل جندي ، دار سبيريز للطباعة والنشر، 2006 9- د. خليل جندي : ثةرن ذ ئةدبىَ دينىَ ئيَزديان ، بةرطىَ دوويىَ ، دار سبيريز للطباعة والنشر ، 2004 10 – عبدالرزاق الحسني : اليزيديون في حاضرهم وماضيهم ، 1980
#علي_ألسنجري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشروك والشروكين من هم
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|