خلف الجربوع
الحوار المتمدن-العدد: 1303 - 2005 / 8 / 31 - 11:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كما هو معروف الظواهر محكومة بقوانين نشوئها وشروط تكرارها أو موتها أو فردانيتها أو استمراريتها وتكريسها
والظواهر الاجتماعية والسياسية في سورية ليست بمعزل عن تلك القوانين ففي نهاية الألفية الثانية وإلى اليوم برزت عدة ظواهر "اجتماعية, اقتصادية ,. سياسية " وسأقوم بمحاولة لتحليل أسباب بعض هذه الظواهر السياسية لا البحث في قوانين نشوء هذه الظواهر.
الحالة الأولى:
- منظمات المجتمع المدني:
"مثال على ذلك منظمات حقوق الإنسان مع احتفاظ كل منها باسمه المميز المعلن "
بداية بعد أن أتمت السلطة انتصارها الشامل على المجتمع السوري وتعبيراته المنظمة وتوجته بالتوريث الشهير الذي اقتضى تغيير إحدى مواد الدستور في أقل من ساعة.
برزت أزمة بنيوية حادة في المجتمع السوري .. السياسي / المدني في المعنى والمبنى.
- مجتمع مهزوم ومفكك البنيان يفتقر لآليات الحصانة والتعايش مع الهزيمة. يحيا ثنائية ..ضد / مع .
- سلطة منتصرة تفتقر إلى نشوة الانتصار وعارية. ليس لديها حصونا تخبئ عريها داخله وفاقدة لشرعية الوجود.
هذه الثنائية خلفت معارضة هزيلة مهزومة عارية من أية حصانة مجتمعية أو قانونية وهذا بدوره أدى إلى فقر الموارد البشرية والمادية وبالتالي غياب أو تغييب واعي للبرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية التفصيلية القابلة للتحقق وللمحاسبة والتحول إلى دعاة لحقوق الإنسان بطرابيش سياسية مبتذلة أدت إلى تعهير الأهداف النبيلة والمطلبية واختزالها فقط في الحقوق السياسية للمعارضين ولتعويم سياسي لبعض الشخصيات السياسية التي فقدت أو لم تجد لها مكانا في داخل الهيكليات القيادية لهذه الأحزاب " بسبب الزحمة في قمة الهرم", وهذا أدى بدوره إلى خسارة مفهوم المجتمع المدني مجاله الحيوي من مفهوم حقوقي وتقني صرف إلى مفهوم سياسي مبتذل غايته التعويم السياسي لأشخاص أو لأفكار سياسية متباينة كأسماء هذه المنظمات وتباين الأحزاب المشرفة عليها, وجعلها بدائل للعمل السياسي المنظم أو مجرد منظمات رديفة.
الحالة الثانية:
ظاهرة العمل السياسي الموسمي:
الحراك السياسي في سورية حراك موسمي يرتبط بمحركات عمل خارجية ( فلسطين , لبنان , العراق.... الخ) أو حراك ملتزم بشكل طوعي وصارم بألوان الخطوط التي توحي بها السلطة أو تصرح بها.
أنفا أكدت بأن التشكيلات السياسية في سوريا تفتقر إلى برامج محددة وذات طابع تفصيلي قابل للتحقيق والإنجاز وبالتالي المحاسبة التي تقتضي الشفافية وهذا يفرض عليها العمل النضالي اليومي الدؤوب ويضعها أما مسؤولياتها التاريخية تجاه المجتمع السوري مما يجعلها مؤثرة وفعالة وأداة مفعلة للحراك الاجتماعي والسياسي وهذا يكسبها المصداقية التي تفتقدها.
كل ذلك جعلها تناضل بترف وباتجاه قضايا خارج حدود الداخل تعتمد على ابتزاز لعواطف ومشاعر المجتمع القومية والدينية لتسجيل موقف ( تاريخي من قضايا الأمة ) .
وكما يبدو أن هذا يعتمد على آليتين في فهم السياسة :
الأولى: الموقف من العمل اليومي والذي يقتضي وجود شريحة واسعة من المناضلين الطهرانيين ( يندر وجودهم الآن )قادرة على تقديم كشوف حساب للمجتمع ولأنصارها بشفافية وبالتالي قادرة على إنجاز تجربة قابلة للنقد ذات طابع كمي ونوعي ( تراكمي) يمكن الاستفادة من مدخراته في كل الأوقات والأزمات ( فالعامل المياوم الموسمي لا يخلق حالة ادخار )
أما الثانية : تعتمد على اختلاس وابتزاز مشاعر المجتمع الدينية والقومية باتكائها على أحداث وعوامل ومحركات خارجية لا تلامس الداخلي وتأثيرها لا يطول المجتمع ولا يغير من موقف السلطة من القضايا الأساسية الداخلية.
الحالة الثالثة:
ظاهرة الإعلان عن إنشاء جمعيات أو أحزاب أو حركات سياسية جديدة في سورية .
للوهلة الأولى هذه الظاهرة تثير التفاؤل لدى المراقب والمهتم بالشأن العام بأن سورية مقدمة على حراك سياسي واجتماعي جديد ومن نوع مختلف وتعطي الانطباع بأن المجتمع السوري لا زال متعافيا وقادرا على إنتاج ظواهر تعبيرية جديدة ومتنوعة.
أعتقد الأمر ليس كذلك وبغض النظر عن أسماء هذه الجمعيات والأحزاب والحركات الجديدة, هي ليست بظواهر سياسية واجتماعية لأنها منتج غير أصيل بل هي منتج فوقي يلبس شكل الظاهرة السياسية والاجتماعية ولكنه في جوهره وغايته تعويم سياسي لأشخاص أو للإعلان السياسي الذي يهدف إلى القفز فوق "المعابر الإجبارية"* لا المرور من خلالها وبالتالي تجاوزها والقطع المعرفي والسياسي معها.
أعتقد ويعتقد قلة انتقلوا من الأيديولوجية إلى السياسة بأن الأزمة السورية ( الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) لا يمكن تلمس حلولها إلا بالعبور من خلال هذه المعابر لا القفز فوقها ويمكنني أن أعدد أهم هذه المعابر وأهميتها ليس بترتيبها بل بوجودها .
1 – المعبر الأول: التيار الإسلامي
2 – المعبر الثاني: التيار اليساري العلماني
3 – المعبر الثالث: التيار القومي
4 – المعبر الرابع: المشكلة الطائفية والأقليات الإثنية والدينية
دون المرور بهذه المعابر الإجبارية وتجاوزها ( أؤكد بشكل سلمي والكل يعترف بالكل) لا يمكن تشييد المعبر النتيجة:
- الديمقراطية والمواطنة ودولة القانون وهذا يعني أن هذه الظاهرة المتواترة لتأسيس أحزاب وتجمعات سياسية هي حركة فوقية ( أو ربما أحزاب مخزن على رأي الأخوة المغاربة)** هدفها التعويم السياسي تمهيدا لمرحلة مقبلة يؤسس لها .
* التعبير للكاتب ياسين الحاج صالح.
** أحزاب تنتجها السلطة وتمولها .
خلف الجربوع
الرقة / سورية
29 آب 2005
#خلف_الجربوع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟