ديفيد ج. كوج
الحوار المتمدن-العدد: 4647 - 2014 / 11 / 29 - 13:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ريك والحركة هل سينتصر منطق القوة مرة اخري؟؟؟!
في اغسطس 1991م اعلن ريك مشار ولام اكول مخالفتهم لجون قرنق وعدم قبولهم لطريقته الاحادية في قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان. وضحوا ذلك بوثيقة تقول "لماذا يجب علي قرنق الرحيل الآن؟" لخصوا فيها جل المشاكل التي يعاني منها الحركة في ظل قيادة قرنق لها, منها انفراد قرنق بالسلطة وبإتخاذ القرارات وكذلك وضع الاستراتيجية, ناهيك عن عدم مشاركته اعضاء المكتب القيادي سواء اكان سياسية ام عسكرية. لم يكن هناك اهتمام بالخدمات الاساسية في المناطق المحررة مثل التعليم والصحة؛ علي الرغم من شح الموارد.
لقد لخص ريك ولام كل هذه الامور في ورقة واحدة دعوا فيها الي ضرورة فتح ابواب للجميع, صياغة دستور ديموقراطي للحركة, بناء هياكل الحركة علي اسس ديموقراطية, تقوية القيادة العامة وإعطائها صلاحية العمل بفعالية, الاحترام التام لحقوق الانسان والإلتزام بنظام الديموقراطية التعددية بعد نهاية الحرب.
ان مطالب هذين القائدين ومن كان معهم كانت واقعية وضرورية (مع انهم لم يلتزموا بها بعد الانشقاق!) ان ارادت الحركة الشعبية ان تتقدم الي الامام بشكل سلس أداخليا كان ام خارجيا, الا ان الجانب المخفي في هذه الوثيقة هي عدم جدية وصدق ريك ولام بشأن ما نشراه في الوثيقة. ان شغلهم الشاغل كان طرد قرنق وبشكل نهائي من الحركة الشعبية, ومن ثم استلام مقاليد الامور وادارة الحركة بالطريقة التي يرونها مناسبة للثورة. الشئ الذي كذبته الايام؛ فبعد ان انشقوا عن الحركة واصبح للحركة مجموعة ناصر وجناح توريت. دأب المنشقين علي تحطيم الجناح الرئيسي بكل ما اوتي لهم من قدرة, وذلك بالتعاون مع نظام الخرطوم الفاشي. لقد ظل ريك ولام يتلقون الدعم اللوجستي من نظام الحركة الاسلامية في الخرطوم لتدمير الخوارج - بلغة الاخوان- في الغابة. الغريب في الامر ان قادة الحركة الشعبية مجموعة الناصر كانوا ينادون بانفصال الجنوب علي عكس جناح توريت, ولكنهم بدلا من ان يحاربوا النظام من اجل الحصول علي هدفهم؛ تحالفوا من النظام لتحطيم الوحدويين!
ان اكثر ما يميزنا نحن الجنوبيين عمليا هو اننا لا نتعلم من الماضي او حتي من اخطائنا, هناك اخطاء ارتكبت في ثمانينيات القرن الماضي اعدنا ارتكابها مرة اخري في القرن الحادي والعشرين.
فمثلا في مدينة واو في عام 1985م جري هناك حرب قبلية بين قبيلتي الدينكا والفراتيت (الفراتيت مجموعة قبائل تضم علي سبيل المثال لا الحصر, البلندا, اندوغو, كريش وغولو ...الخ). مات في هذه الحرب العديد من الابرياء من المجموعتين وترك ذلك في نفوس المواطنين مرارة ما زالت تطفو علي السطح بين الفينة والاخري حتي الان. نفس الامر تكرر في ديسمبر/كانون الاول- 2012م حين اندلع قتال بين نفس المجموعتين مرة اخري الشئ الذي ايقظ المرارات مرة اخري, بسبب اغلوطة "نقل المدينة الي الريف"!
هذا من جانب ومن جانب اخر تكرر نفس ما جري في 1991م حين انشق لام وريك (وبالكربون) بقتل المواطنين الابرياء المنتمين الي مجموعة اثنية مختلفة. ولكن الموازين هذه المرة اختلفت ومالت الكفة الي اتباع النظام ذات الاغلبية الدينكاوية. تماما كما حدث في بور عام 1991م.
كانت الحرب التي دارت في جوبا من 15- 17- ديسمبر/ كانون الاول اشبه بحروب البرابرة في الزمن الغابر من تاريخ الانسانية حيث لا رحمة ورفق بالنساء او العجزة, لا فرق بين طفل او كبير, ولا بين حامل سلاح او اعزل. ان ما جري يمكن وصفه باختصار بانه تطهير عرقي ضد جماعة ريك مشار الذين لم يكن الكثيرين منهم يؤيدون مسعاه ولكنهم لم يفلتوا من عقاب كلاب النظام المتعطشين للدماء.
سيؤثر تبعات هذه الحرب فينا لعقود قادمة ولن تعود الامور الي ما كانت عليها بسهولة, وذلك لتفكك النسيج الاجتماعي السوداني الجنوبي, تراجع اقتصادنا المتهالك اصلا.
منطق القوة:
في عام 1994م عقدت الحركة الشعبية لتحرير السودان اول مؤتمر لها منذ التأسيس وتم مناقشة العديد من المواضيع في المؤتمر اهمها موضوع الوحدة مع الشمال ام الانفضال. لقد تعالت الاصوات المنادية بالانفصال داخل اروقة الحركة ولم يكن من بد لاسكاتهم كما حدث مع الانيانيا تو في 1984م. ولذلك اقر قرنق بالمبدأين بدلا عن مبدأ الوحدة الذي ظل يبشر له طيلة عقد كامل.
وبذلك يتاكد مبدأ منطق القوة او كما قالوا "ان الدكاترة امثال قرنق لا يتعلمون الا بالطريقة الصعبة" ففي النهاية سلمت الحركة الشعبية بمبدأ الانفصال جنبا الي جنب مع الوحدة والخيار الاخير يعد الي الشعب.
الشئ الذي جعل منطق القوة ينتصر ويحقق جماعة الناصر مرادهم علي الرغم من انهم كانوا يريدون الاطاحة بقرنق ايضا. فالبرغم من انشقاقهم عن الحركة الشعبية لتحرير السودان وتكوينهم لحركتهم الخاصة التي يمكن ان توصف بالهشة لانها قامت علي اساس قبلي اكثر من قومي او لاهداف وطنية مثل الانفصال الذي كانوا ينادون به علي الرغم من كل ذلك الا ان مطابهم قد تمت الاستجابة لها وبغيابهم!
انا في رأيي اعتقد ان نفس الامر سيحدث في نهاية المطاف حيث سينتصر منطق القوة مرة اخري ليس لان الامر حدث قبل ثلاثة وعشرين سنة ولا لان التاريخ يعيد نفسه؛ وانما لان الطريقة التي نتعامل بها مع الامور في الجنوب خاصة القضايا الحساسة طريقة غير عقلانية كما ان قادة الحركة الشعبية الحالية مقارنة بجون قرنق ضعفاء للغاية. ان تعامل الحركة الشعبية لتحرير السودان مع القضايا الخلافية في البلاد منذ 1984م كانت وما زالت تتم بالقوة والحسم عسكريا الشئ الذي اثبت فشله ميدانيا. بالاضافة الي مرور الحركة الشعبية لتحرير السودان بمرحلة الافول هذه الايام ولا اعتقد انها ستعود الي ما كانت عليها من قبل!
ان هذه الحركة والحكومة بطبيعة الحال ضعيفة وليست لها ارادة او قادرة للتعامل مع القضايا المعاصرة. لغياب المؤسسية والرؤية الواضحة للتعامل مع المشاكل الداخلية والخارجية بطبيعة الحال.
لذلك نتوقع ان ينتصر منطق القوة الذي يفضله ريك مشار لتصفية حساباته مع من اختلف معهم في الرأي والرؤية. فانه سينال من يصبو اليه مع انه –ربما- لن يصبح رئيسا للبلاد الا انه حتما سيعود الي السلطة ان تم توقيع اتقافية السلام. ان ما جعل ريك يتمرد هو فصله من الحكومة وتضييق الخناق له وذلك لانه بدأ السباق نحو الرئاسة في وقت مبكر فكلفه شغفه منصبه, مما دفعه الي التمرد ومحاولة الحصول علي الكرسي بالقوة.
لكن في نهاية المطاف سيعود الي القصر الرئاسي كما عاد الي الحركة الشعبية لتحرير السودان 2003م, ان نفس السيناريو متوقع الحدوث مرة اخري.بغض النظر عن الاف الذين ماتوا في جوبا, بور, ملكال وبانتيو!
ادعي ريك مشار بعد ان خرج من الحكومة ان الحكومة فاسدة وان الديموقراطية غير موجودة وما اليها من ادعاءات مع انه –اي ريك- كان جزءً من الحكومة منذ 2005م وحتي يونيو 2013م. لم يعمل لوضع اسس قوية للحكم الرشيد في البلاد ولا الديموقراطية ومحاربة الفساد, لقد انتبه لكل ذلك بعد ان اصبح خارج النظام لاول مرة منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل.
المهم ان ما يطالب به ريك قد يكون غطاء فقط لاهداف شخصية وربما غير معلنة ولكن في نهاية المطاف فان منطقه سيتنصر!
فهل ستثبت الايام صحة ادعائي هذا ام سينتصر منطق القوة مرة اخري؟
#ديفيد_ج._كوج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟