|
هل القضاء العراقي مستقل؟
كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 4646 - 2014 / 11 / 28 - 21:07
المحور:
حقوق الانسان
خلال السنوات العشر المنصرمة برهنت السلطة القضائية بالعراق على إنها غير مستقلة وخاضعة للسلطة التنفيذية ولرأسها بشكل مباشر. وهذا الاستنتاج الذي توصلت إليه عبر قراءاتي الواسعة للفترات المنصرمة ودور القضاة بالعراق لا يعني في كل الأحوال أن جميع القضاة أو العاملين في مؤسسات السلطة القضائية غير مستقلين أو غير نزيهين. هذا الاستنتاج ليس جديداً، بل يجسد ظاهرة رافقت العراق منذ عهود الخلافات الإسلامية والسلطنة العثمانية، والتي أطلق عليها العامة من الناس في الدولة العثمانية بالمحاكم القرقوشية أي غير العادلة، ومن ثم انتقل هذا الواقع إلى الدولة العراقية الحديثة. ويمكن أن نقرأ الكثير من الروايات والقصص والأحداث المحزنة والمضحكة والقاسية حول عدم نزاهة هذه المؤسسة في العهد الملكي، وخاصة في موقفها من النزاعات على الأرض أو الماء أو الحاصل أو الديون المسجلة زوراً على الفلاحين بين الإقطاعيين والفلاحين والتي كانت تتصدر قرارات ضد الفلاحين ولصالح كبار الإقطاعيين والملاكين، أو في موقف المحاكم العراقية من المعارضة السياسية للنظام الملكي والتي كانت تصدر أحكاماً قاسية جداً بحق السياسيات والسياسيين العراقيين من شيوعيين وديمقراطيين ومستقلين. ولم يكن هذا يعني أن القضاء العراقي لم يعرف قضاة اتسموا بالنزاهة والعدل وحكموا على وفق ما يمليه عليهم ضميرهم وباستقلالية عالية ورفضوا الانصياع لإرادة السلطة التنفيذية. ولم يكن هذا العدد قليلاً وخاصة حكام محاكم الاستئناف والتمييز، حيث ضمت خيرة القضاة العراقيين الذين ما يزال يعتز بهم الإنسان العراقي من أمثال داود سمرة ونعيم زلخة ونشأت السنوي ورؤبين بطاط وعبد السلام عبد الله وعارف السويدي وفيما بعد عبد الجليل برتو على سبيل المثال لا الحصر. وتميزت سلطة القضاء العراقي في الفترات التي أعقبت سقوط النظام الملكي بالعراق بخضوعها للسلطة التنفيذية أيضاً. ولم ينج حكم عبد الكريم قاسم من التأثير المتنوع والمتباين بين فترة وأخرى من التدخل في شؤون القضاء وخاصة في المسائل السياسية والتي لم تنسجم مع نصوص الدستور المؤقت الذي يقرر استقلالية القضاء العراقي والفصل بين السلطات. أما فترة الحكم البعثي القومي في العام 1963 ومن ثم الحكم القومي 1963-1968، ومن ثم الحكم البعثي الثاني 1968-2003، فكان القضاء خاضعاً بالكامل للسلطة التنفيذية ولأجهزة الأمن وبشكل خاص لرئيس مجلس قيادة الثورة. وكان الكثير من القضاة النجباء فضلوا عدم العمل في القضاء لأنهم كانا يشعرون بفقدانهم لاستقلاليتهم إن وافقوا على تنفيذ ما يريده الحاكم مباشرة أو عبر أجهزته الأمنية، واتجه البعض منهم صوب العمل الإداري بعيداً عن المحاكم، بأمل أن لا يفقدوا كرامتهم الشخصية وتعذيب الضمير. وهنا أيضاً لا بد من القول بوجود قلة قليلة من القضاة التي استطاعت بهذا القدر أو ذاك التملص من ضغط السلطة التنفيذية وتدخلها الفظ في شؤون الأحكام التي كانت تصدرها. استخدم صدام حسين السلطة القضائية في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وعلى مدى 35 عاماً تقريباً، إذ كان له في أجهزة الأمن العامة وأجهزته الأمنية الخاصة خير مساعد على فرض سلوكية وإجراءات معينة على مجموعة كبيرة من القضاة بما تخدم مصالحه واستمرار وجوده في السلطة. ومن هؤلاء الذين لم يسايروا صدام حسين فحسب، بل وكانوا في خدمته في صياغة ما يريد من قوانين وأنظمة، وأعني به القاضي مدحت المحمود. وهذه الخصال المتعارضة مع مهنة القضاء انتقلت معه في أعقاب سقوط الدكتاتورية وقيام النظام السياسي الطائفي في ظل الاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق، إلى نشاطه المتواصل في القضاء العراقي. يمتلك مدحت المحمود سجلاً وظيفياً طويلاً ولا شك في كونه واحداً من الممختصين البارزين في القانون العراقي وخبرته تمتد لعقود في المحاكم والشؤون البحثية والإدارية. ولكن هذا القاضي، وفي ضوء سجله في ظل الحكم البعثي الشوفيني وفي ظل النظام الطائفي الجديد، لم يكن أميناً للقسم الذي أداه حين تخرج من كلية الحقوق العراقية، إذ أصبح في فترة حكم صدام حسين الأداة المنفذة لإرادة الدكتاتور في صياغة القوانين التي كان يستخدمها لكسر شوكة الشعب العراقي. جاء في موسوعة الرشيد عن مدحت المحمود ما يلي: "وهو صاحب عبارة ( البيعة الأبدية ) في وصف الاستفتاء على رئاسة صدام حسين ( الاستفتاء الشعبي عام 2002 ) وصاحب مقولة ( أعظم قائد لأعظم شعب ) التي نشرها في صحيفة القادسية في 15 تشرين الأول 2002 , ونشر له حديث في جريدة الثورة ( جريدة الحزب والدولة ) في العدد 9861 في تشرين الأول 1999 شبّه فيه الرئيس صدام حسين وعدله بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وله كتاب ( العدالة في فكر القائد !.)". وحين أصبح رئيس المحكمة الاتحادية ورئيس القضاء العالي راح ينفذ إرادة المستبد بأمره الجديد نوري المالكي في تفسير الدستور والقوانين، وبالتالي أصبح من جديد أداة للتجاوز الفظ على الدستور وعلى القوانين وعلى حقوق المواطنات والمواطنين بالعراق المستباح. وجاء تفسيره المتحيز لما ورد في النص الدستوري عن الهيئات المستقلة لصالح السلطة التنفيذي مخالف كلية للنص الدستوري ولقانون البنك المركزي وبقية الهيئات المستقلة وللتقاليد والأعراف الدولية، وكذلك التفسير المتحيز الذي أعطاه من أجل إبقاء نوري المالكي على رأس السلطة السياسية بالعراق في أعقاب انتخابات 2010، ومن ثم أراد أن يقدم ذات الخدمة للمالكي بعد انتخابات 2014. كما يمكن إيراد قضية البنك المركزي وموافقة القضاء العراقي على إصدار أمر إلقاء القبض على الدكتور سنان الشبيبي حين يعود إلى العراق من سفرته الوظيفية إلي اليابان، واعتقال الدكتور مظهر محمد صالح وزجه في المعتقل واعتقال شخصيات أخرى من البنك المكري وتقديمهم على المحاكمة والحكم على الدكتور سنان الشبيبي بالحبس سبع سنوات، وإخلاء سبيل الدكتور مظهر محمد صالح بكفالة. كل هذا يتعارض مع نزاهة وأهمية هذا الموقع الكبير في القضاء العراقي وعلى رأس السلطة القضائية العراقية. تتعارض مهنة القاضي كلية مع الخنوع والخضوع لإرادة السلطة التنفيذية، تتعارض مع امتهان كرامة القاضي بتنفيذ إرادة السلطة التنفيذية، تتعارض مع الروح الانتهازية، وهي كلها سمات تبلورت في شخصية مدحت المحمود، رئيس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية الذي كان عاشقاً للمالكي وسياسته الطائفية ونهجه في تشويه الدستور وتزييفه وتفسيره بما يتعارض مع مضمون وروح النص الدستوري. وهو مستعد الآن أن يكون أداة بيد أي مسؤول في السلطة التنفيذية ما دام يبقيه على رأس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية. من المؤسف حقاً أن يكون على رأس القضاء الأعلى شخصاً من هذا النوع التي تتناغم مع الزمن الرديء الذي مر به الشعب العراقي خلال أربعين عاماً أو يزيد لا تتمرد عليه وترفض الخضوع له. إن من حقي ومن حق الشعب العراقي ومن حق ضحايا المالكي ورئيس قضاته المطالبة بما يلي: 1. تشكيل لجان قضائية مستقلة لإعادة النظر والتحقيق بمئات الأحكام التي صدرت بحق العراقيات والعراقيين منذ العام 2003 حتى الآن من أجل إعادة العدل إلى نصابه والبدء بتطبيق مبدأ استقلالية القضاء العراقي عن السلطة السياسية إلغاء القضاء السياسي والامتناع عن تشكيل محاكم عسكرية أو استثنائية. 2. إعادة الاعتبار لكل من كان ضحية القضاء غير العادل والأحكام الجائرة. 3. التحقيق الجدي والملزم وإعلان نتائجه بشأن حوالي 50 قاضياً عراقياً قتل بالعراق خلال الفترة الواقعة بين 2003 والوقت الحاضر. 4. إلغاء اعتماد المخبرين السريين سيئي السمعة والسلوك وتقاريرهم التي أدت إلى عواقب وخيمة في المجتمع العراقي، والتحري عن ضحايا هؤلاء المخبرين السريين والتحقيق بتقاريرهم ومعاقبة من تسبب بموت أو سجن أبرياء، خاصة وأن مجلس القضاء الأعلى اعترف قبل يومين بوجود 500 تقرير من مخبرين سريين كانت كلها كاذبة، إذ لا بد من معاقبة هؤلاء الكذابين ومن وظفهم. 5. إبعاد نوري المالكي والقاضي مدحت المحمود من الوظيفتين اللتين يشغلانه في رئاسة الدولة والقضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية على التوالي وتقديمهما إلى المحاكمة لينالا جزاء تشويههما المتعمد للدستور وقانون البنك المركزي وقوانين كثيرة أخرى وسيادة الفساد المالي والإداري والعواقب التي تسببا بها لشعب العراق ومساهمتها المباشرة في تشويه سمعة السلطة التنفيذية والقضائية في آن واحد. 28/11/2014 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أما يزال الإنسان العراقي يقف على كف عفريت، أما يزال تحت رحمة
...
-
هل ما يزال العراق يعيش كوارث الشوفينية والحروب والاحتلال وال
...
-
التضامن الإنساني حاجة إنسانية ماسة وملحة في أوضاع العراق، وط
...
-
الظلم إن دام دمَّر!! البنك المركزي العراقي نموذجاً
-
مقترح للمناقشة حول لقاء قادم لحقوق الإنسان بالعراق في خريف ا
...
-
هل التحولات السياسية الضرورية محتملة للخلاص من الواقع المزري
...
-
رؤية أولية للمناقشة حول سبل تنفيذ توصيات لقاء برلين لحقوق ال
...
-
لنكن بمستوى المسؤولية في تنفيذ توصيات لقاء برلين لحقوق الإنس
...
-
من المسؤول عن ضحايا أبناء شعبنا العراقي من إيزيديين ومسيحيين
...
-
ستندحر الراية السوداء لقوى داعش وأشباهها، وستنتصر إرادة الشع
...
-
مصائب شعب عند أحزاب إسلامية سياسية حاكمة بالعراق فوائد!!!
-
بطولة كوباني وجرائم داعش كشفا عن الوجه القبيح لنهج الدولة ال
...
-
القضايا التي توحد جمعيات ومنظمات ونشطاء حقوق الإنسان في داخل
...
-
من أجل إنهاض حركة حقوق إنسان شعبية بداخل العراق وخارجه بمناس
...
-
نحو إنجاح مؤتمر جمعيات ومنظمات ونشطاء حقوق الإنسان ببرلين -
...
-
الشعب الكُردي ب-كوباني- يقدم نموذجاً مقداماً للمقاومة البطول
...
-
سيبقى العراق هدفاً ضعيفاً أمام قوى الإرهاب ما دام الحكم طائف
...
-
المأساة والمهزلة في عراق اليوم!! متى يعي الشعب مأساته تحت حك
...
-
ماذا يراد للعراق وأهل العراق؟ وماذا يجري في مدينة كوباني الك
...
-
التعذيب يلاحق اللاجئين حتى في بلدان المهجر؟ ألمانيا نموذجاً!
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|