أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - صناعة الفرح














المزيد.....

صناعة الفرح


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 4646 - 2014 / 11 / 28 - 18:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



راقبت بالأمس من على شاشة التلفاز المسيرة الإحتفالية بمناسبة عيد الشكر الذي يقيمه الأمريكيون كل عام. كان هائلا بحجم الجهود ورائعا بقيمة الأداء وممتعا بحجم الفرحة. وعادة ما يجري هذا الإحتفال في شارع البرودْوَي النيويوركي الشهير وتتخلله رقصات وأغان يشارك بها فنانون معروفون برفقة لوحات راقصة نادرا ما تغادر عينيك تلاوينها. وقد رافقت إحتفال هذا العام الذي شارك فيه أكثر من ثلاثة ملايين ونصف زخات من المطر ورافقها بعض من الثلج, غير ان أحدا من المتفرجين أو من الفنانين المشاركين لم يتحرك من مكانه وكأنه يعتقد أن الطبيعة الأم أبت إلا أن تشاركهم الفرحة لا أن تخربها عليهم. والأمر غالبا ما يعتمد عليك, فإذا كنت في حالة نفسية جيدة, وفي مدينة لا تفيض شوارعها ولو أمطرت لشهر فأنت تشعر أن المطر يشاركك الفرحة ولا يستهدف حرمانك منها. خذ مثلا إحتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد فهل لك أن تتصور واحدا منها بدون نزول الثلوج, فإن لم تنزل فكيف يمكن لعربة السانتا كلوز أن تسير, وهل أن بالإمكان تصور السانتا كلوز بدون ردائه الطويل الثخين وفي سيارة دفع رباعي بدلا من عربة زاحفة تجرها الغزلان. إنها صورة لا يجوز حذف أحد مكوناتها وإلا لتعطلت برمجة الذاكرة.
وعيد الشكر الذي يقيمه الأمريكيون كل عام صار حدثا أساسيا في حياتهم, لا بقيمة ما يعيده إلى الأذهان على مستوى تفاصيله الممتعة, بل بقيمة ما يعنيه على مستوى إستعداد الناس لإظهار الإعتزاز بالبلد الذي آواهم وأطعمهم وسقاهم وكساهم. لكن أفضل ما يمكن إختزاله من ذلك المشهد الملون هو قيمة الإعتراف بالجميل الذي يقوم على قاعدة أعطيك مثلما أعطيتني وربما أعطيك أكثر لأنك كنت البادئ في العطاء. وهنا البادئ بالعطاء أفضل, وعندنا البادئ أظلم, وكلاهما يأتي تعبيرا عن ثقافتين, واحدة تحاول الرسم بالألوان وثانية لا تملك غير قلم الرصاص الأسود تدون ذاكرتها به وترسم لوحاتها بلونه الحالك.
أعترف أن الأمر معي لم يجري بهذه السهولة فثمة يد تطرق بكفها على رأسي وكأنها تذكرني بكل ما في الذاكرة من مفردات سوداء, فالمناسبة, كما يقول صاحب تلك الكف, يجب ان لا تنسيني أن تاريخ أمريكا لم يكن ملونا إلى هذا الحد, طالبا مني أن أستعيد قصتها مع الهنود الحمر ومع السود لكي أتعرف على عنصرية تلك الدولة. وأن أعرج على موقفها من الكيان الصهيوني وصولا إلى إحتلال العراق لكي أتعرف على الوجه الأمريكي القبيح ( إسم لرواية أمريكية شهيرة كتبها أوجين بوردك ووليام ليدرر ومَثلها على الشاشة واحد من أفضل ممثلي هوليوود وهو مارلون براندو). لكني رغم ثقل تلك الكف سأتشجع لكي اقول لصاحبها: نعم ذلك كان خطأ على مستوى, وجريمة على مستويات, وحتى أن عددا من الأمريكين أنفسهم وقفوا ضد ذلك من باب النقد ومن باب الهجوم, فحاولوا إصلاح بعضه, ونتمنى عليهم أن يصلحوا الآخر, لكن قصة الهنود الحمر لو ظلت هي مدخلنا الرئيس لما وضع إنسان قدميه على القمر ولما تم إكتشاف المصباح والبنسلين ولما ركب الجميع سيارة ولما تمكنا رؤية أمنا الأرض من على متن طائرة أو سفينة فضاء.
إن من الخطأ أن ننسى, لكن من الحق أن نتذكر, فهم يستطيعون أن يذكرونا أيضا بعصور فتوحاتنا التي إمتدت حتى الأندلس, ولكي يقولوا لنا إن كانت حروبكم كانت فتوحات بإسم الدين فلماذا تكون حروبنا صليبية كريهة ولا يتم إدراجها في خانة نصرة المسيح والصليب وحتى في خانة خدمة الرب ؟!. وتذكروا ان الرق كان صناعة إسلامية وما زال بينما بتنا نحن نحرم ونرسل إلى السجن كل من يتلفظ بكلمة عنصرية أو يمارس فعلها. وفي حين أن دينكم لم يحرم الرق حتى هذه اللحظة فإن مجتمعنا إختار أسودا للرئاسة. ويوم نستقبلكم بالأحضان ونفتح لكم الجوامع والحسينيات يقوم خليفتكم أبو بكر البغدادي وبدعم من ثقافة إسلامية, تتشارك فيها فقهيا كل المذاهب الإسلامية, بالتعامل مع المسيحيين كأهل ذمة ومع بقية الأديان كعبيد, ثم لا يتوانى عن بيع نسائهم كجواري بعد أن يستشير فقيها لا يتكلم من فراغ وإنما من صلب شريعة إسلامية تؤكد نصوصها أنه لم يختلق ذاك إختلاقا. وهكذا يا سادتي سيكون من الحق عليكم أيضا ان تنظروا إلى أنفسكم بنفس العين التي تنظرون بها إلى غيركم, أليس شاعركم هو الذي قال لا تنهى عن خلق وتأتي مثله .. عار عليك إذا فعلت عظيم, فلماذا تأخذون بالقول شعرا ولا تأخذون به سلوكا.
ويوم أخبرت صاحب الكف الغليظة بما رواه لي ذلك الأمريكي القبيح, قال لي : في الحقيقة والواقع .. لم تكن نيتي ان أضرب رأسك وإنما أن أحك فروتها سعيا لمساعدتك على الكتابة, فبعض الحك ينفع, وما دمت زعلت فرجائي أن تعود للحديث مرة اخرى عن صناعة الفرح لا عن صناعة الزعل حتى لا ندخل معك في ورطة أخرى وننسى حكايتك عن تلك الصناعة.
تلبية لرغبته سألت نفسي . هؤلاء المسيحيون, أتراهم "إخترعوا" قصة قيام المسيح من ميتته وصعوده إلى السماء كجزء من ثقافة صنع الفرح, أم أنها كانت تعبيرا عن إيمان حقيقي برؤيا دينية تناولتها بعد ذلك عقليتهم التجارية بما جعلها مناسبة تسويقية مجدية. مهما كانت الإجابة ستكون النتيجة واحدة, فربما صُلب المسيح وقام إلى السماء كما يقولون هم, وربما ُشُبِّه لهم كما نقول نحن, لكن النتيجة ستكون واحدة وتتأسس على, أو توظف لأجل, صناعة الفرح ذاتها. لم أضيع الوقت بل لعلي وجدتها فرصة للحرشة بصاحب الكف لكي أرد عليه الصاع صاعين, بدلا من أن أسامحه أو أتصالح معه, فسألته, ترى لو كان المسيح عندنا, نبيا أو إمام, وتأكد لنا أنه قام من ميتته بعد صلب, هل كنا سنفرح لقيامه أم كنا سنبكي لميتته.
إن أمة تبدع في قصة عذاب القبر وتبرع في حكاية منكر ونكير ورواية الحية الصلعاء لن يكون في مقدورها صناعة الفرح, وهي أمة تتقن صناعة الموت والحزن لا صناعة الحياة والفرحة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناقشات حول ظاهرة الحزن العاشورائي
- ركضة طويريج لهذه السنة
- المؤامرة .. على الإسلام أم بالإسلام
- هنود عبدالجبار محسن
- جويسم بن حسين قال لي .. الطائفية والوطنية لا يجتمعان تحت سقف ...
- من الذي إنتصر .. الفتلاوي أم اللهيبي
- زراعة الأدمغة
- التاريخ بعين بصيرة
- هذا ما حدثني به رسول الله حول إسلام أبي سفيان ونهج الخليفة أ ...
- إلى الأستاذ عاشق علي* .. مطالعات في الهويتين القومية والثقاف ...
- إستشهاد الإمام الحسين ونظرية المؤامرة
- عزرائيل العراقي
- ملالا يوسف .. كل نوبل وأنت بخير
- أدب الشتيمة
- صورة الفقيه وصورة الخليفة
- للتاريخ فم, ولكن أين هي فتحات التصريف
- الحرب الأمريكية ضد داعش ولعبة الإستغماية
- النفاق الدولي والعربي في محاربة داعش
- العثمنة والفرسنة ونحن الذين بينهما
- سامي المظفر .. ليس لأنه إبن عمي, وطاهر البكاء .. ليس لأنه صد ...


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - صناعة الفرح