نبيل دكور
الحوار المتمدن-العدد: 4646 - 2014 / 11 / 28 - 11:06
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
هل يمكن إنصاف الأسير الفلسطيني من خلال "العدالة الانتقالية" ؟ (بقلم: نبيل دكور)*
توطئة:
يقول الفيلسوف هيغل في تفسير بحث الإنسان عن الحقيقة (وبرأيي قد يختزل ذلك بين ثناياه الكثير من فكرة "العدالة الانتقالية", مجال اختصاصها, آلياتها ونطاق عملها), ما يلي: ”وسوف يظل البحث عن الحقيقة يوقظ حماسة الإنسان ونشاطه ما بقي فيه شريان ينبض وروح تشعر..”
فما بالك حين يبحث الانسان عن الحقيقة كضحية بالذات عندما يكون ذلك الانسان الضحية اسير حرب او مناضل من اجل الحرية !.
تُطبق العدالة الانتقالية بشكل عام - كمنظومة قانونية وسطية وكتسوية- في حالة الانتقال من نظام حكم ارتكب انتهاكات وخروقات جسيمة لحقوق وحريات الانسان الى نظام حكم جديد ديموقراطي يلتزم بأحترام حقوق الانسان وحرياته ويكفل حمايتها. فمنظومة العدالة الانتقالية تعمل على ايقاف انتهاكات الماضي وعلى تفاديها مستقبلا. غالبا ما يحدث هذا الانتقال في نفس البلد او الدولة, فتكون لدى النظام الحاكم الجديد اشكالية قانونية جدية في تطبيق منظومة قانون جديدة بأثر رجعي من أجل المحاسبة على انتهاكات الماضي وملاحقة مسْؤولي النظام السابق الذي يعتبر نفسه شرعيا.
إلا ان العدالة الانتقالية في السياق الفلسطيني هي حالة خاصة, شائكة, لها مدلولات وخصائص واشكاليات قد لا نجدها في امكنه اخرى بالعالم– وذلك يعود اولا-;- لكون المُنتهٍك للحقوق هو "قوة محتلة", وثانيا-;- الانتقال يحدث من مرحلة ساد فيها "احتلال حربي" (حكم عسكري) الى مرحلة ما زال الشعب الواقع تحت الاحتلال في الطريق الى الاستقلال التام والنظام المدني الديموقراطي المنشود ما زال في طور الانشاء .
لذا اعتقد –بتواضع- انه في حالة الصراع الفلسطيني الأسرائيلي فأن تطبيق منظومة عدالة انتقالية قد يشكل رافعة من اجل بناء الثقة لدى الفلسطيني لا سيما لدى الأسير (المحرر ايضا) الذي أُنتِهكت حقوقه وحرياته على يد الاحتلال بشكل جسيم, كون العدالة الانتقالية قد تعمل على ايقاق تلك الانتهاكات, على تفاديها وعدم تكرارها مستقبلا وبالتالي أنصاف الاسرى كضحايا الانتهاكات.
والسؤال المطروح - هل يمكن من خلال العدالة الانتقالية إنصاف الأسرى الفلسطينين ؟؟. للأجابة على هذا السؤال يجب اولا ان نشخص الانتهاكات لحقوق وحريات الاسير, ان نقف على حجمها وخطورتها واقعيا وقانونيا:
1.انتهاكات الاحتلال الاساسية لحقوق وحريات الاسير الفلسطيني, واقعيا وقانونيا :
أ. الاختطاف والتوقيف التعسفي: (دون مذكرة اعتقال- توقيت مباغت ليلي- استخدام سلاح- تنكيل).
ب. الاعتقال الاداري لا سيما المطول: (أداة قمع- ورقة مساومة - سجن من دون محاكمة- ستخدام جارف متكرر ومطول- مواد سرية – حرمان من حقوق قضائية)( قانون سجن المقاتلين غير القانونيين الذي سرى مفعوله في العام 2002 وبحسبه يتم اعتقال فلسطينييين من غزة اثناء الاجتياحات)
ج. التنكيل والتعذيب: (اساليب تعذيب محظورة- استشهاد معتقلين– اتفاقية مناهضةالتعذيب)
د. الاهمال الطبي: المعاملة المهينة والقاسية بحق الاسرى المرضى. (حرمان من الفحوص والمتابعة – استخدام الحالة الصحية للابتزاز- معاناة "البوستة " נ-;-ס-;-י-;-ע-;-ת-;- ה-;-מ-;-ו-;-ו-;-ת-;- سفرة الموت").
2. اشكالية تجاهل الاسرى الفلسطينيين في عملية المصالحة, المفاوضات والاتفاقيات لحل النزاع :
الاسرى الفلسطينيون هم اسرى حرب فعلا وقانوا كونهم اُسروا على يد "قوة محتلة" جراء احتلال حربي ((Belligerent occupation. ناضلوا من اجل حق مشروع وفي صفوف حركة تحرر وطني وفي أطار مشروع وطني فهم اذا مناضلون من اجل الحرية والاستقلال.
اسرائيل تنتهك علنا وعلى مدار عشرات السنين حقوق وحريات الاسير والمعتقل الفلسطيني وتنتهك بشكل صارخ القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان. لذلك اي عملية سلمية او مصالحة او اتفاقية اسرائيلية فلسطينية لا تتطرق بشكل محوري لقضية الاسرى ولا تطرح حل عادل لهم كضحايا احتلال لأيقاف تلك الانتهاكات وانصاف بالذات القدامى والمرضى منهم قد يعيق تحقيق العدالة الانتقالية.
في اتفاقية اعلان المبادئ اوسلو لم يتم التطرق ولم تبحث كليا قضية الاسرى, لم تتم الاشارة الى حقوق الاسرى المكفولة في القانون الدولي. هذا رغم كل الانتهاكات الجسيمة بحقهم ورغم عددهم الكبير الذي وصل انذاك الى 12000 - كأنه لم يكن هناك اسرى ضحوا وناضلوا ضد الاحتلال.
نعم تدارك الطرف الفلسطيني هذه المشكلة فيما بعد بالاتفاقات اللاحقة وطالب بالافراج عن الاسرى الا ان الأسرائيلي استخدم قضية الاسرى كورقة وافرج عن جزء منهم ولكن بقيت قضية باقي الاف الاسرى رهينة حسن النوايا الاسرائيلية ورهينة معاييرهم في تصنيف الاسرى جغرافيا وحزبيا. (مثلا: قضية الدفعة الرابعة من الاسرى القدامى, 26 اسيرا من الداخل والقدس ).
الجدير ذكره ان اسرائيل تقوم بالافراج عن دفعات من الاسرى ليس من منطلق استحقاق قانوني بل من منطلق قضية خاضعة للمساومة.
3. اهمية قضية الاسير الفلسطيني في العدالة الانتقالية.
احترام تضحيات الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين ومقاومتهم للمحتل والمطالبة بان يكفل المسار السياسي حقوقهم وحرياتهم كما ينص القانون الدولي الانساني قد تعيد الاعتبار لهم كمقامون اصحاب حق مشروع للشعب الفلسطيني وكضحايا لانتهاكات حقوقهم وحرياتهم.
تجارب حركات تحرر في العالم وامثلة لاتفاقيات مصالحة تشمل حقوق الاسرى :
• اتفاق بين ايرلندا الشمالية وحكومة بريطانيا عام 1998- البند الاول للاتفاق يضمن حق الاسرى الايرلنديون في القانون الوطني والقانون الدولي
• عام 1991 في جنوب افريقيا: اتفاق يعتبر قضية الاسرى قضية محورية في عملية المفاوضات لا بل الاسرى هم من قادوا المفاوضات بعد تحررهم مع الحكومة العنصرية حتى بعد ان تم تفكيك دولة الابرتهايد -الفصل العنصري.
4. استراتيجيات وآليات العدالة الانتقالية للتعامل مع انتهاكات حقوق وحريات الاسيرالفلسطيني
ضمان تطبيق منظومة العدالة الانتقالية منوط بمواجهة انتهاكات الماضي وتفادي تكرارها في المستقبل. ولتحقيق ذلك وُضعت مبادئ توجيهية وآليات تبنتها وأقرتها الامم المتحدة وأوصت بتطبيقها في مجتمعات النزاع ومجتمعات ما بعد النزاع كأحدى مكونات "سيادة القانون".
أ. آليات لمواجهة انتهاكات الماضي:
• مأسسة منظومة العدالة الانتقالية – تبني آلياتها ومبادئها تشريعيا وتنفيذي على يد الدولة.
• على الدولة توفير هيئات قضائية رسمية وعملية لمسائلة محاسبة وملاحقة المسؤولين عن انتهاكات الماضي
• يجب تشكيل لجان للتحقيق ولفحص انتهاكات وخروقات جسيمة بحق الاسرى. اللجان مخولة للالتقاء بالاسرى وبالضحايا استجوابهم وتوثيق اقوالهم بأفادات وشهادات
• الاصلاح - جبر الضرر – تأهيل الأسرى- التعويض, بالذات في حالة الأسرى الذين يعانون من عجز طبي (جسدي او نفسي) جراء استخدام التعذيب بحقهم اثناء الأعتقال
• استخدام الادوات القانونية والقنوات القضائية الاسرائيلية لمسائلة وملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق وحريات الاسير الفلسطيني
• للمحافل والمحاكم الدولية دور كبير في تحقيق ومساندة العدالة الانتقالية. لذلك انضمام دولة فلسطين للمعاهدات الدولية وللمحاكم الدولية لا سيما المحكمة الجنائية الدولية هو مطلب اساسي وملح لتحقيق العدالة الانتقالية.
ب. آليات لتفادي الانتهاكات في المستقبل:
حتى لا تتكرر انتهاكات الماضي على مؤسسات الدولة العمل على تطبيق مفاهيم ومبادئ العدالة الانتقالية كمكون اساسي لمبدأ سيادة القانون وايضا على تعزير مفاهيم حقوق الانسان وحرياته وترسيخها دستوريا تشريعيا وتنفيذيا.
للمجتمع المدني دور كبير في تقوية الديمقراطية ورقابة سلطات الدولة والمطالبة بأحترام حقوق الانسان وحرياته وعدم تكرار انتهاكات الماضي.
*ورقة مداخلة المحامي نبيل دكور في المؤتمر الدولي "العدالة الانتقالية في السياق الفلسطيني" الذي عقدته كلية الحقوق- جامعة الخليل يوم 18.11.14
#نبيل_دكور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟