|
الشعر الجاهلي والقرآن
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 22:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يستعمل القرآن مصطلح "الجاهلية" أربع مرات، ويشير عامة الى الفترة التي سبقت الإسلام. والشعر الجاهلي هو الشعر الذي ينسب الى هذه الفترة. وقد أثار طه حسين قضية مصداقية ما ينسب لشعراء من العصر الجاهلي ينتمون الى اليهودية والنصرانية أو الى فرقة الحنفاء. ففي كتابه الشهير "في الشعر الجاهلي" يقول طه حسين: ان الكثرة المطلقة مما نسميه شعراً جاهليا ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام. فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين. وأكاد لا أشك في أن ما بقي من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جداً لا يمثل شيئاً ولا يدل على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي [...] ان ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس في شيء، وإنما هو انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب أو صنع النحاة أو تكلف القصاص أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين. ويضيف: ان هذا الشعر الذي ينسب الى امرئ القيس أو الى الأعشى أو الى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل وأذيع قبل أن يظهر القرآن. نعم! [...] انه لا ينبغي أن يستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن وتأويل الحديث، وإنما ينبغي أن يستشهد بالقرآن والحديث على تفسير هذا الشعر وتأويله. أريد أن اقول إن هذه الأشعار لا تثبت شيئاً ولا تدل على شيء، ولا ينبغي أن تتخذ وسيلة الى ما اتخذت إليه من علم بالقرآن والحديث. فهي أنما تُكلفت واختُرعت اختراعاً ليستشهد بها العلماء على ما كانوا يريدون أن يستشهدوا عليه . ولكن طه حسين ذاته يعترف بأن البحث عما يمكن أن يكون شعراً جاهلياً حقاً "عسير كل العسر" وأنه يشك "شكاً شديداً في أنه قد ينتهي بنا الى نتيجة مرضية".
وهناك من انتقد شك طه حسين في مصداقية نسبة الشعر الجاهلي لأصحابه، ولم يعترضوا على التشابه بينه وبين القرآن، وقد يكون سبب ذلك أن تلك الأشعار جاء ذكرها في كتب السيرة والتفسير. وهناك من لم يعر موقفه أي اهمية واخذوا ما جاء في الشعر الجاهلي وكأن ليس هناك مشكلة تذكر بخصوصه. ونذكر هنا على سبيل المثال محمد سعيد العشماوي الذي يقول في كتابه "الخلافة الإسلامية": إن الجزيرة العربية بعامة، وأرض الحجاز بخاصة، كانت قبل البعثة المحمدية زاخرة بأفكار وآراء وأقوال كثيرة وواضحة ومحددة عن الله، وتوحيد ذاته، وصفاته، واليوم الآخر. كما كانت ثم الفاظ وعبارات وصيغ دينية متداولة بين الجميع مثل: أسلمت، وسنة، وشريعة، ووحي، ونذير، ونوافل، وذنوب، وجهنم، وحلال، وحرام، وشفاعة، ومصحف، والله أكبر، وزلزلت الأرض زلزالها، وأبرزت أثقالها، وبعد العسر يسرا، وعدنا وعدتم (أو عدتم وعدنا)، وصلى الله (أو الإله) على فلان، وليس كمثل الله شيء، الى أخر ذلك . وقد أعطى العشماوي امثلة كثيرة على ما يقول. ويضيف: الشعر ديوان العرب، بمعني أن الشعر كان دائما سجلا واقعا حيا لأخلاقهم وعاداتهم وعقليتهم وعقائدهم [...] ولأن الشعر ديوان العرب [...] فإن استكناه الشعر الجاهلي واستجلاء أفكار الشعراء يكون أمراً لازما، لا محيص عنه ولا معدى منه، لبيان الحالة العقلية في العصر الجاهلي.
ويرى البعض ان أمية بن أبي الصلت الذي تُوفي عام 626 من أهم الشعراء الذين أخذ القرآن من شعرهم. وكان هذا الشاعر محباً للسفر والترحال، فأتصل بالفرس في اليمن وسمع منهم قصصهم، ورحل الى الشام في رحلات تجارية وقصد الكهان والقسيسين والأحبار، وكان كثير الاطلاع على كتب الأديان والكتب القديمة. ويرى البعض أن القرآن على لسان محمد كان ترديداً لما جاء في شعر أمية، إن صحت نسبة تلك الأشعار له، وهو ما جعل سهام المنكرين مصوبة بكثرة نحوه. يقول طه حسين بخصوص هذا الشاعر: "وحسبي أن شعر أمية بن ابي الصلت لم يصل إلينا إلا من طريق الرواية والحفظ لأشك في صحته كما شككت في صحة شعر أمرئ القيس والأعشى وزهير" . وأمية أحسن الحنفاء حظاً في بقاء الذكر، بقي كثير من شعره بسبب اتصاله بتأريخ النبوة والإسلام اتصالاً مباشراً، فقد عاش حتى السنة التاسعة للهجرة، وكانت أشعاره وما فيها من قصص منتشرة، وكان محمد يحب سماع شعره ويطلب المزيد، ولم يذم أو يرفض ما كان يسمعه وقال فيه: "لقد آمن شعره وكفر قلبه"، بمعنى أنه لم يشهد بنبوة محمد. وقد جاءت الأخبار أنه قصد محمدا ليؤمن به ولكنه عندما عرف أن بين قتلى وقعة بدر ابنا خاله عتبة وشيبة ابنا ربيعة، جدع أذني ناقته وقطع ذنبها واقفل راجعاً الى الطائف. فالحنيفية التي يؤمن بها أمية ليست دعوة عنيفة ولا تقتل. ويرى البعض أن رفض أمية للإسلام كان بسبب اعتقاده أنه النبي التي بشرت به الديانات، إلا أنه كان يقول ما يعتقد شعرا، ولم يقل أن ما ذكره في أشعاره من قصص الأقوام الغابرين كان وحياً أو رؤيا، وكان يغلب على أشعاره الصوفية وذكر الآخرة. أما النبي محمد، فكان لا يحفظ الشعر وإنما يتفكر في معانيه ويحب سماعه. ويعلن ما يعتقد به نثرا مسجوعا، ويدعي أن هذه الأفكار هي من الوحي أو الرؤيا، ثم ينقلها للكتبة، الذين يطلق عليهم اسم كتبة الوحي. وهذان هما الفرقان بين محمد وقرآنه وما جاء في شعر أمية.
هناك إذن نقاش، وهذا النقاش يدور خاصة حول الشعر الجاهلي ونادرا حول سجع الكهان، ونحن لا نريد ان نفند أو نؤيد رأي احد الطرفين، ولكن نشير الى وجود مشكلة ليس فقط مع تاريخ الشعر الجاهلي، بل ايضاً مع تاريخ القرآن ذاته. لذا لا يمكننا ان نجزم من أثر في الآخر: القرآن أم الشعر الجاهلي وسجع الكهان. ونترك هذا النقاش مفتوحاً بين أصحاب الاختصاص. والذي يهمنا هو الإشارة في الهوامش الى التشابه بين الشعر وسجع الكهان من جهة وبين القرآن من جهة أخرى. وقد اعتمدنا كثيراً على مقال ناهد محمود متولي (وهي مسلمة تحولت الى المسيحية وشهرتها فيبي عبد المسيح بولس صليب): "القرآن في الشعر الجاهلي" وعلى كتاب محمد سعيد العشماوي السابق الذكر: "الخلافة الإسلامية". وإن كان هذان المصدران يستشهدان بما جاء في كتب التفسير والسيرة وغيرها، إلا أننا حاولنا على قدر المستطاع البحث عن تلك الأشعار في مصادرها المتوفرة في ثلاث مواقع على الأنترنيت.
مثال من امرؤ القيس ------------- وصلتني اليوم رسالة من قاريء يقول فيها طاب صباحك يا دكتور المعذرة على الازعاج لدي سؤال صغير لم أجد له جواباً ... واّمل ان يكون عندك هناك أبيات تنسب الى امرؤ القيس : اقتربت الساعة وانشق القمر ... من غزال صاد قلبي ونفر وقال: إذا زلزلت الأرض زلزالها ... وأخرجت الأرض أثقالها تقوم الأنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها يحاسبها ملك عادل فإما عليها وإما لها ماصحة هذي الابيات!! ... قد بحثت في ديوان امرؤ القيس ولم أجدها!!
وكان ردي ------- انقل لك ما جاء في هامش طبعتي العربية للقرآن يقول الحصين بن حمام الفزاري أَعوذُ بِرَبّي مِنَ المُخزِيا - تِ يَومَ تَرى النَفسُ أَعمالَها وَخَفَّ المَوازينُ بِالكافِرينَ - وَزُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها وَنادى مُنادٍ بِأَهلِ القُبورِ - فَهَبّوا لِتُبرِزَ أَثقالَها وَسُعِّرَتِ النارُ فيها العَذابُ - وَكانَ السَلاسِلُ أَغلالَها (http://www.poetsgate.com/poem_51478.html). جاء في فيض القدير شرح الجامع الصغير عن امرؤ القيس قال: إذا زلزلت الأرض زلزالها - وأخرجت الأرض أثقالها تقـوم الأنام علـى رسلها - ليوم الحساب ترى حالها يحـاسبهـا ملك عــادل - فـإما عليـها وإما لـها (المناوي في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير، 2-235 (http://www.almeshkat.net/books/open.php?book=634&cat=22)
كل الشعر الجاهلي مشكوك فيه كما هناك شكوك حول القرآن فلا يُعرف ان كان الشعر الجاهلي الذي اثر على القرآن، أم العكس. اذ لا يعرف متى تم وضع النص النهائي للقرآن كما لا يعرف متى تم وضع النص النهائي للشعر الجاهلي ومهما يكن، فكل من النص القرآني والشعر الجاهلي من صنع البشر. فلا ينزل من السماء إلا المطر والنيازك وبراز الطيور آمل ان اكون قد اجبت على سؤالك
د. سامي الذيب مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com كتبي: http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 حملوا طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي والرسم الكوفي المجرد : http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 حملوا كتابي عن الختان : http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 ومن يجد مشكلة في التحميل، يمكنه الاتصال بي على عنواني: [email protected] انضموا إلى مجموعة اخطاء القرآن اللغوية والإنشائية https://www.facebook.com/groups/Koran.mistakes/
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة الى الله ورد الله عليها بخصوص الكتب المقدسة
-
ورطة الله مع القرآن
-
الله بريء من القرآن
-
غباء الإعتقاد ان القرآن كلام الله
-
اخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 76 (النواقص)
-
حتمية نقد الدين عندما يصبح ضارا
-
الفاتحة وثقافة الكراهية
-
الله مجنون يعاقب على نقد القرآن
-
قرأن جديد يفرز بين الغث والسمين
-
اخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 75 (النواقص)
-
الإنسان وليس الإسلام يعلو ولا يعلى عليه
-
اخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 74 (النواقص)
-
عودا لعقولكم قبل ان يفنيكم غباؤكم
-
عندما تصحح الترجمات القرآن
-
اخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 73(النواقص)
-
فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل
-
اخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 72 (النواقص)
-
النواقص في القرآن - رسالة دكتوراة
-
اخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 71 (النواقص)
-
اخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 70 (النواقص)
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|