|
عرض كتاب ( الحرب وضد الحرب: البقاء في فجر القرن الحادي والعشرين). تأليف الفن وهايدي توفلر
عمار مرعي الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 20:19
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
حروب المستقبل عرض كتاب ( الحرب وضد الحرب: البقاء في فجر القرن الحادي والعشرين). تأليف الفن وهايدي توفلر: ترجمة: المشير محمد عبد الحليم بو غزالة. قراءة : عمار مرعي الحسن باحث / دكتوراه / سياسة دولية اهمية الكتاب: في بداية التسعينيات من القرن العشرين اصدر العالمان الامريكيان (الفن وهايدي توفلر) كتابهما الموسوم (الحرب وضد الحرب البقاء في فجر القرن الحادي والعشرين war and anti- war) الذي حظي باهتمام واسع من قبل المؤسسة العسكرية الامريكية التي اعتمدت على فكرته الاساسية في بلورة مذهبها العسكري الجديد المبني على نظرية حرب المعلومات. قد ظهرت في الغرب كتب كثيرة حول مخططات الغرب للقرن الحادي والعشرين، لكن هذا الكتاب يعد أخطرها جميعا. وذلك لانه يتحدث عن حضارة المعرفة وحضارة ثورة المعلومات التي اصبحت ذات اهمية حيوية حالها حال الموارد والطاقة، فمن يملك المعرفة والمعلومات سينتصر في اي صراع اقتصادي او عسكري. بل ان ثورة التكنولوجيا سوف تستبدل حرب القتل بحرب غير قاتلة، لانها ستكون حرب المقاتلين الروبرت، اي الانسان الالي الذي سيقوم برص الالغام وحماية الحدود جمع المعلومات وتحديد الاهداف... وستظهر مواد يتم رشها على الدبابات فتصاب بالشلل ومواد يتم رشها على ممرات الطائرات فتجعلها غير صالحة ومحرك يقل حجمة على المليمتر. وستظهر النملة الالية التي تتسلل بسهولة الى مباني المخابرات . واجهزة تنقل ذبذبات معينة تجعل حشود الجنود او المتظاهرين يصابون بالقئ والاسهال فيتراجعون ... في مقدمة الكتاب يتحدث المؤلفان عن سبب تأليف الكتاب، إنه جاء من اجل الطفل البوسني الذي انفصل نصف وجهه بالمتفجرات. ومن أجل كل ابرياء الغد الذين سيقتلون ويموتون لأسباب لا يفهمونها.. انه كتاب عن السلام لانه يتحدث عن خلق اسلحة ذكية تعمل على تقليل قتل البشر الى اقصى درجة وتعمل وفق نظرية اللاقتل. اذ ان السلام وصناع السلام سيعتمدون في المستقبل على المعرفة. وهذا يعني انه كتاب يتحدث عن حروب ستنشب في ظروف جديدة قياسا بالحروب السابقة التقليدية، وأحوال غريبة غير مألوفة سيتم اكتشافها أو صنعها في السباق نحو مستقبل مجهول. (فكرة الكتاب) ان ما يقدمه هذا الكتاب يبدو كأفلام الخيال العلمي لكنه هو الحقيقة ... فهو يريد ايصال فكرة فحواها ان هنالك شكل جديد للحرب يعكس عن قرب شكلا جديدا لطريقة خلق الثروة. اي ان الطريقة التي تصنع بها الثروة والطريقة التي تصنع بها الحرب ترتبطان ببعضهما البعض دون فكاك. وان عناصر اسلحة المستقبل ستاتي من انتاج مدني وليس عسكري وستنتشر بضائع وخدمات المعرفة وعناصر التكنولوجيا في السوق العالمية وعلى اثر ذلك ستتغير خارطة التوزيع الدولي للأسلحة، وهنا يمكن التساؤل عن: ما هي الدول التي ستكون اكثر موردي الاسلحة اهمية في العالم ؟. هل هي الدول التي مازالت تنتج بضائع بمواصفات عسكرية ولديها مصانع المداخن؟ أم تلك الدول التي تمتلك اقتصاداً مدنياً متقدماً ولها قدرات افضل للتصدير ؟ واذا كان من الممكن كسب حرب بالمعلومات المتفوقة، فهل يمكن كسب ضد الحرب (السلام) بنفس الطريقة ؟ وفي معرض الاجابة على التساؤلات أكد المؤلفان على مسالة مهمة وهي ان عنصر المعرفة تزايدت اهميته في الحرب وفي الحياة المدنية على حد سواء، وان الامر يحتاج الى جندي من نوعية خاصة تسليحه الاساسي هو المعرفة. كما أشار الى مسالة التغيير الجوهري الذي أصاب العقيدة العسكرية اذ تبدلت بعقيدة حشد المعركة، فاصبح الهدف الأساس التفوق في مجال المعلوماتية، أي المعرفة أكثر من الخصم في مسرح العمليات فالمعركة بالموقف وبحركات الطرف الأخر مع وجود منظومة اتصال أو اتصالات عالية التطور يسمح لعدد قليل من العسكريين بالعمل وبشكل أكثر فاعلية ( حشد المعركة ) . اذن تقوم فكرة الحرب والحرب المضادة على اساس ان الحرب ماهي الا انعكاس لنمط الانتاج السائد خلال حقبة زمنية معينة. وقد طرح الباحثان مفهومهما لتطور التاريخ عبر ثلاث موجات حضارية اتسمت كل منها بسيطرة نمط معين من الانتاج، بدءا بالمرحلة الاولى التي امتدت حتى منتصف القرن الثامن عشر واعتمدت على الزراعة كمصدر اساسي للثروة، مرورا بالثورة الصناعية التي اعتمدت على الانتاج الشامل خلال القرن التاسع والنصف الاول من القرن العشرين. وانتهاء بالثورة المعلوماتية التي تقوم على تحليل وتبادل المعلومات واعتبارها مصدرا رئيسيا للانتاج الثروة. حاول الكاتبان أن يثبتان أن المجتمعات الحالية تنقسم في حقيقة الأمر إلى ثلاثة مجتمعات أو ثلاث حضارات هي مجتمع الموجة الأولى (أي الحضارة الزراعية والرعوية) ومجتمع الموجة الثانية (أي المجتمع الصناعي الحديث) ومجتمع الموجة الثالثة (أي مجتمع المعلوماتية والتقنية) وقد حاول دراسة هذه المجتمعات وتصادمها فيما بينها. فلكل موجة من هذه الموجات حسب توفلر، ثقافتها وعلومها واقتصادها وادوات انتاجها ومعرفتها.. وهي بطبيعتها تتصادم مع بعضها نتيجة تصادم المصالح.. والحال أن هذه التناقضات أو التصادم يؤدي إلى نمو فئات واختلاف طرق ويؤول بالتالي إلى شكل جديد من التصادم والصراع.. وكما تتصارع مجتمعات الموجات الثلاث تتصارع علومها وثقافاتها ودولها وافكارها. ان اليوم شكل العالم مختلف ، سوف يخلق عالم ليس منقسما الى قسمين ولكن الى ثلاث مدنيات متضادة ومتنافسة الاولى لازال يرمز اليها بالمعول ، والثانية يرمز لها بخط التجميع والثالثة يرمز لها بالكمبيوتر (الحاسب الالي). في هذا العالم الثلاثي سيقوم قطاع الموجة الاولى بتقديم الموارد الزراعية والمعدنية ، ويقدم قطاع الموجة الثانية عمالة رخيصة والانتاج الكبير ويقوم قطاع الموجة الثالثة النامي بسرعة بالسيطرة على الطرق الجديدة التي تخلق وتستخدم المعلومات. فدول الموجة الثالثة تبيع المعلومات والابتكارات والتكنولوجيا المتقدمة وغير ذلك من الخدمات الى العالم. فتتشعب الخدمات فتصبح قيمة الثروات غير الملموسة مثل المعلومات هي مفتاح المنبع الرئيس لتحصيل الثروات الطبيعية . وتعم البطالة لغير المثقفين ولمن ليست لديهم حرف وقد تتحول احدى هذه الخدمات الى حماية عسكرية للقوى المتفوقة للموجة الثالثة. وقد واكب تطور اسلوب الحرب هذه الموجات الثلاثة نظرا لاعتماده على تحويل مصادر الثروة الى طاقة تدميرية ، فحروب الموجة الاولى اعتمدت على تجيش الطاقة البشرية، والموجة الثانية ارتكزت على الطاقة التدميرية الهائلة للالة الصناعية. اما حروب الموجة الثالثة تعد بداية لانتقال الصراع العسكري الى ساحة المعلومات. من هنا يدعو الباحثان الى اعادة تعريف مفهوم الحرب في اطار المتغيرات المتعلقة بالموجة الثالثة والتي تتجسد فيما يسمونه بالتحول من قوة العضلات الى قوة العقل. وينبثق ذلك من اعتقادهما ان البشرية تدخل الان عصر النظرية الجيو معلوماتية اذ يكون محددها الاساس المعرفي. لكن من المشاكل التي تواجه بلدان الموجة الثالثة انه من المستحيل منع التلوث والمرض والهجرة التي تجد منافذ تدخل منها داخل حدود بلدان الموجة الثالثة. كما انه ليس باستطاعة البلاد الغنية (دول الموجة الثالثة، دول الشمال) ان تحافظ على بقائها اذا شن الفقراء حربا بيئية ضدهم للتحكم في مسببات تلوث بيئاتهم بشتى الطرق التي تؤذي الجميع. ولهذه الاسباب سوف تتوتر العلاقات بين حضارة الموجة الثالثة وحضارتي الموجتين الاولى والثانية ، وسوف تستمر حدة التوتر الامر الذي سيزج بدول الموجة الثالثة الى شن الحرب لتفرض سيطرتها على نطاق عالمي. اما من ناحية الفرق بين حروب الموجة الثانية والثالثة، فالاتجاه العام في حرب الموجة الثالثة هو نحو نظم تسليح ذكية لها قوة تاثير اكبر تعمل بعدد اقل من الافراد وبكفاءة وتأثير اكبر وفي زمن اقل من حروب الموجة الثانية. وبهذا فان ثورة الاتصالات والمعلومات لها تأثير كبير على ادارة المعرك وعلى حسمها. لقد بدأت المعرفة تنافس الاسلحة والتكتيكات في الاهمية ، وتعطي مصداقية لفكرة ان العدو يمكن اجباره على الركوع (الاستسلام) اساسا من خلال تدمير وارباك وسائل القيادة والسيطرة له. فاحد المؤشرات على ان عنصر المعرفة تزايدت اهميته في الحرب هي ان كل جانب من جوانب الحرب اصبح الان اليا ويتطلب قدرة على نقل كميات كبيرة من البيانات في صور واشكال مختلفة. فتيار المعلومات داخل او خارج امة لم يعد مسيطرا عليه بفاعلية بواسطة الدولة، فالمعلومات متاحة في كل مكان. ومن جانب أخر فان مقياس القوة الوطنية قد تغير في عصر المعلومات، فان القوة الوطنية في عصر الصناعة (الموجة الثانية) كانت تتمثل في الموارد الطبيعية والاستثمار ... اما في عصر المعلومات تظهر جذور القوة الوطنية في صورة حرية الحصول على المعلومات وامتلاكها. فان من يمتلك المعلومة سيتمكن من الانتصار في المعارك ولحروب. واذا كان اقتصاد الموجة الثالثة يتطلب عمالة على درجة عالية من المعرفة والذكاء ، فان الاسلحة والذخائر الذكية الجديدة تتطلب ايضا جنديا على درجة عالية من المعرفة والذكاء، ان العسكرية الجديدة تتطلب جنودا يستخدمون عقولهم ويمكنهم التعامل مع انواع مختلفة جدا من الناس والثقافات. في الوقت الذي كانت فيه الارض والعمل والمواد الخام وراس المال هي العوامل الرئيسية للانتاج في اقتصاد الموجة الثانية فان المعلومات - والمقصود بها البيانات والمعلومات والصور والرموز والثقافة والايديولوجية - هي المصدر المركزي لاقتصاد الموجة الثالثة.
فان العمل قد تبدل وتغير من العمل القائم على القوة العضلية الذي ساد الموجة الثانية الى العمل الذي يرتكز على القوة العقلية. فالعدد الضخم من العمال الذين يقومون بنفس العمل العضلي حل محلهم مجموعات عمل صغيرة مميزة. وان دول التقنية العالية في طريقها الى تطوير اقتصاديات قوة العقل، وان احتمال حدوث قتال بين دولتين متقدمتين تكنولوجيا أو دول الموجة ثالثة لم يعد امرا مستبعدا .
وباختصار حدثت ثلاثة خطوط للتطور العسكري بصورة متفجرة، هي المدى والسرعة ومستوى القتل. كلها وصلت الى اقصى حدودها في لحظة واحدة تقريبا. كما تحول الفضاء الى مجال للعمليات العسكرية من حيث الاستطلاع والمواصلات والملاحة ودراسة الاحوال الجوية ومئات من الامور الاخرى. صور التغيير في المستقبل (اسلحة وحروب المستقبل) افتراضات حول اسلحة المستقبل: هل العالم سيكون احسن حالا اذا قامت دول ذات تقنية عالية ببيع اسلحة الموجة الثالثة لجيوش اقل تقدما عسكريا مع اخذ اسلحتهم للموجة الثانية بدلا منها وتدميرها تحت اشراف دولي ؟ ماذا عن استبدال هذه الاسلحة باسلحة غير قاتلة ؟ اسلحة المستقبل قد يأتي اليوم ان لم يكن قد جاء فعلا عندما تباع فيه الاسلحة بها عناصر ذكية بقدر كاف لتحديد (لمنع ) استخدامها تحت ظروف مسبقة التحديد، او قد تخفى فيها شرائح رقيقة لتدميرها ذاتيا من قبل الدول المصدرة لتلك الاسلحة عندما يتحول الزبون الى عدو او يعيد بيعها الى عدو فمثلا تلك الرقائق تستطيع ان تقذف الطيار من مقاتلته او جعل الطائرة تنفجر. حروب الروبوت:: اليوم يوجد مولود جديد في الافق – المحاربون الروبوت فلا يمكن لنظرة فاحصة لحرب الموجة الثالثة ان تتغاضى عنهم. وابسط مثال على ذلك هو ما تقوم به الطائرات المسيرة من دون طيار حتى ان الطلب العالمي اخذ يزداد على مثل هذا النوع. ان انتشار الاسلحة الكيمياوية والبيولوجية والنووية في العالم قد يشجع الروبوتية بخلق اراضي معارك سامة قاتلة الى حد كبير للجنود البشر اما المقاتلون الروبوت فيعملون بها. استخدامات ووظائف الروبوت يمكن ان تحل الروبوتات محل طياري الهليكوبتر وسائقي الدبابات فضلا عن جمع المعلومات وتحديد الاهداف ، واستخدامها لخداع وتدمير رادار العدو ، واصلاح المعدات ومراقبة الحدود وتطهر الالغام وتصلح ممرات الطائرات المدمرة ... حرب بلا دماء:: فكرة هذا العنوان منبثقة من مقولة سون تزو ( ان الفوز بمائة انتصار في مائة معركة ليس ذروة المهارة. ان هزيمة العدو بدون قتال هو قمة المهارة). فهنا يتكلم عن الاسلحة الذكية او التكنولوجية التي يمكن ان تنتج اسلحة يمكنها ان تقلل درجة القتل البشر بدلا من زيادتها. هذا فيما يتعلق بالبشر، اما ما يتعلف بالبرامج والمعدات للعدو فان الفكرة الحيوية لنظرية اللاقتل هي الحرمان من الاستخدام عن طريق تعطيلها. لكن بكل الاحوال ان اسلحة الموجة الثالثة المركزة المعرفة اكثر دقة، ونظريا يمكنها قتل وجرح عدد اقل من الجنود والمدنيين عن اسلحة الموجة الثانية. اسلحة حرب المعرفة ذات وجهين: ومن مميزات سلاح المعرفة انه سلاح ذو نصلين فيمكن استخدامها في الدفاع ويمكنها تدمير خصم حتى قبل أول اندفاع له ولكنها ايضا قادرة على قطع اليد التي تسيطر عليها. واليوم يجب أن تكون اليد التي تسيطر عليها هي امريكا. يقول احد المحللين العسكريين : ان جيوش المستقبل ستسبح في بحر من التكنولوجيا المدنية . ماذا يحدث اذا كانت ضمن منتجات المستهلك حاسب سوبر قادر على تصميم اسلحة نووية ؟ ما يمكن مشاهدته هو اختفاء لمعظم شركات التكنولوجيا العسكرية المتخصصة او دمجها مع تنظيمات غير عسكرية (مدنية) اي ان المجمع العسكري القديم سينصهر في مجمع مدني عسكري جديد. جيوش ذكية في مواجهة جيوش صلبة:: بإضافة ذكاء موجة ثالثة متيسر لأسلحة قديمة للموجة الثانية يمكن تحويلها الى اسلحة ذكية بثمن زهيد يمكن تحملها وعليه تجد الجيوش الذكية نفسها غدا في مواجهة جيوش صلبة مدعمة في مجال الذكاء . ان جيوش الموجة الثالثة التي تعتمد على الحاسبات المتقدمة ستصبح في المستقبل غير البعيد قادرة على توصيل العناصر المطلوبة في المكان المطلوبة له (الموقع). فضلا عن ان التكنولوجية ستسرع في اسقاط القوة العسكرية اي دفعها الى اي مكان بسرعة مقللة الحاجة الى لوجود قواعد اجنبية مستديمة . ان اسلحة المعرفة وحدها بما في ذلك استخدام الاعلام قد لا تكون كافية لمنع حرب او تحديد انتشارها. لكن استخدام كل ادوات التكنولوجيا المعرفية والدعاية والمخابرات وغيرها تعد صور من صور السلام في المستقبل .اذ ان السلام وصناع السلام سيعتمدون في المستقبل على المعرفة. فخلال الحرب الباردة كان العدو معروفا. وغدا قد يكون من المستحيل معرفة من هو الخصم، تماما كما في حالة بعض الهجمات التي تشن اليوم عن طريق صواريخ الفيروسات مجهولة الهوية. لاسيما مع الزيادة والتنوع في عدد الخصوم اذ من الممكن تخريب نظام خصم بينما يتم القاء الشبهة على شخص أخر. الاعلام ودوره في حرب المعرفة: ان الناس الذين يفكرون بشدة حول الحرب في المستقبل يعلمون ان اهم الميادين في قتال الغد ستكون وسائل الاعلام . فستصبح الدعاية ووسائل الاعلام التي تساعد في صنعها قادرة على صنع أو فك التحالف. وبالذات لا يمكن للولايات المتحدة ان تطور استراتيجية شاملة للمعرفة ما لم ترتب وضعها على مستوى الاعلام العالمي. يستخدم الاعلام في الوصول الى الاهداف عدد من الادوات والتي يسميها (توفلر) بالأدوات الست التي تلوي العقل وهي:
1- الدعاية 2- التضخيم الزائد للخسارة في معركة او حرب. 3- تشبية الانسان بالشيطان، اي تشويه صورة العدو ووصف اعماله بانها عدوانية وضد الانسانية. 4- الاستقطاب ( كل من ليس معنا فهو ضدنا). 5- ادعاء العقاب الرباني ، اي ان الحرب تخاض بمشيئة الرب. 6- افقاد ثقة العدو بنفسه. ان وسائل الاعلام الجديدة ستجعل من الممكن تصوير معركة كاملة لم تحدث او مؤتمر قمة يظهر (كذبا) قائد الدولة الاخرى وهو يرفض مفاوضات السلام.
اما عن حروب المستقبل والتي ستكون حروب معرفية بصورة اساسية ، فان العاملين الاساسيين في نجاح العمليات العسكرية هما القيادة والتحكم بالمعلومات، وهما يعتمدان بالاساس على ارتفاع مستوى المعرفة لدى الاشخاص القائمين بتلك المهام. وان التحكم بافعال العدو يكون من خلال التلاعب في تدفق المعلومات والافكار اليه. مقاتلو المعرفة (حرب المعلومات او حرب التحكم الالي):: بينما كانت حرب الموجة الثالثة تأخذ شكلها بدأ نسل جديد من مقاتلي المعرفة في الظهور داخل وخارج الزي العسكري يؤمنون بفكرة أن المعرفة يمكنها أن تفوز أو تمنع من نشوب الحرب. هذه الحرب يمكن ان تتضمن تدمير او تعطيل رادار العدو وتلويث حاسباته بواسطة فيروسات واستخدام مراكز قيادته ومخابراته وخداع معداته بارسال اشارات كاذبة ... فهي تحدد نطاق القيادة والتحكم بالمعركة ، ومن ابرز من نظر لهذه الحرب (دافيد رونفلد وجون اركيلا) اذا ان حرب التحكم الالي تلمح بالنسبة لهم الى محاولة معرفة كل شئ عن الخصم. وان حرب المعرفة ترتكز على الترابط بين النظام المدني والعسكري، اذ ان القوة الاساسية لعسكرية الموجة الثالثة تستند على قوة النظام المدني الذي تخدمه والذي بدوره يعتمد على استراتيجية المعرفة الخاصة بمجتمعه. وذلك يعني ان الجندي والمدني يرتبطان ببعضهما معلوماتيا. وعليه فان ما قد نشاهده من الاختفاء الواقعي لمعظم شركات التكنولوجيا العسكرية المتخصصة او دمجها مع تنظيمات غير عسكرية(مدنية). اي ان المجمع الصناعي العسكري القديم سيذوب وينصهر في مجمع مدني عسكري جديد. ان التحول الى نظام مخابرات الموجة الثالثة يتطلب التركيز على جواسيس الموجة الاولى (البشر) وهم مسلحون بتكنولوجيا متطورة لان الاقمار الصناعية لا يمكنها ان تغوص في عقل الخصم وتعرف كل شي عن نواياه وتحركاته، بيد ان جمع المعلومات من مصادر بشرية يتطلب ان تكون تلك المصادر على ذات معرفة ومدربه على احث التكنولوجيات المتطورة حتى تتمكن من انجاز مهمتها بسرعة ودقة فائقتين. ان اعادة بناء واعادة تكوين مفهوم المخابرات – والمخابرات العسكرية جزء منها- هو خطوة اتجاه تشكيل استراتيجيات المعرفة اللازمة للقتال او لمنع حروب الغد. اما في المجال العسكري تقوم المعرفة وحيازة المعلومات على تخفيض حجم الدمار الذي يمكن ان يصيب اي من الاطراف المشاركة في الحرب اذ يمكن من خلال الكمبيوتر ميكنة معظم العمليات العسكرية والدقة الفائقة في تحديد وتصويب الاهداف، وبذلك يمكن عزل العدو وشل حركته عن طريق شل اجهزته المعلوماتية. وبالنسبة لأي مؤسسة عسكرية فانه يقع على عاتقها عبء القيام بأربعة مهام رئيسية فيما يتعلق بتعاملها مع المعلومات: حيازة + معالجة + توزيع + حماية المعلومات. اما بالنسبة لقنوات الحصول على المعلومات فانها تتمثل في اربعة قنوات رئيسية هي الاعلام+ والمخابرات +ومراكز الابحاث والتنمية + الثقافة. وان الحصول على المعلومات سيزيد من قدرة العسكريين على الحصول على انسب الاماكن لهم في ساحة المعركة فضلا انه سيكون هنالك ترابطا قويا بين القطاعين المدني والعسكري يتجاوز الحدود القومية للدول.
خارطة العالم المستقبلية: ان ما سنشاهده في الحقب المقبلة هو الانقسام الثلاثي لدول النظام العالمي للموجة الاولى والثانية والثالثة كل لها مصالحها الحيوية واجندتها الخاصة بها. وكلها تتسابق داخل فترة غريبة وجديدة لتاريخ المستقبل .فيما يتعلق بالدول فانه من المحتمل ان الكثير من الدول ستنقسم او تتحول والوحدات الناتجة قد لاتكون امما مندمجة بالمرة ولكن خليط من كينونات (كيانات) اخرى اتحادات قبلية فدرالية الى دول – مدن للموجة الثالثة. كما ان هنالك دول مثل المانيا ايطاليا وامريكا واليابان سوف لا تصبح كيانات اجتماعية واقتصادية يعول عليها بقدر ما يعول على تجمعات صناعية (ارخبيلا عالي التقنية) قد تكون شركات عبر الحدود تعقد تحالف مع حكومة مدنية – منطقة (مثل منطقة ليون الفرنسية او كاليفورنيا ..) وستكون تلك هي القوى الحقيقية لصناعة القرار في المستقبل. لذلك فان الشركات الكبرى العابرة للحدود والاديان هما اقوى المتنافسين على القوة في النظام الدولي. فكلاهما يتزايد في التمدد والمدى. ودول الموجة الثالثة لا تحتاج الى اراضي جديدة على خلاف الدول الزراعية (دول الموجة الاولى) وعلى خلاف دول الموجة الثانية التي تحتاج الى موارد طبيعية ضخمة خاصة بها، بل ان ما تحتاجه دول الموجة الثالثة اضافة الى الطاقة والطعام فانها تحتاج الى معرفة تحول الثروة. فتحتاج الى اسواق لمنتجاتها الذكية وبرامج ونظم معلومات ..
خاتمة : في هذا الكتاب تم التركيز على خطورة الحرب والانتفاضات الاهلية والهجمات النووية، لاسيما مع التقدم والتطور الكبير الحاصل في الاسلحة الا انه لم يتم منذ تفجير هيروشيما وناجازاكي ان حصل تفجير ثاني بهذا المستوى من الاسلحة النووية، وذلك يعود الى غريزة البقاء الموجودة لدى الانسان. لكن البقاء في فجر القرن الحادي والعشرين يتطلب اكثر من الغريزة، يتطلب الامر تفهما حقيقيا للثورة التي تربط الان بين المعرفة والثروة والحرب، وتفهم ادق لجدلية العلاقة بين هذه الامور الثلاثة من زاوية التأثير والتأثر.
الا ان هنالك عدد من الملاحظات التي يمكن ابدأها على هذا الكتاب ومنها: 1- يعد هذا الكتاب من اوائل الكتب التي تحدثت عن حروب المعرفة والمستقبل ، وطرح عدد من الافتراضات التي يمكن ان تصبح حقيقة في يوم من الايام. 2- يركز الكتاب على ان عصراً جديداً في الافق سيحل على ميدان الحرب يكون معيار التفوق فيه ليس بثقل وكبر حجم السلاح بقدر ما يتعلق بذكاء السلاح وقدرته على التعامل مع المعلومات والاوامر بطريقة ذاتية. 3- لكن ما يؤخذ على الكتاب ان فيه سرد تاريخي لمسائل لا داعي لذكرها لانها تبعد القارئ كثيراً عن فكرة الموضوع. 4- ان الكتاب يركز على ان اسلحة المعرفة ذات وجهين دفاعي وأخر هجومي ، الا انه هنالك امكانية لان تتغير السيطرة على تلك الاسلحة من يد الموجه الى يد الموجه ضده اذا ما تمكن الاخير من فك شفرة التشغيل والتعرف على مفاتيح التوجيه. 5- يكثر الكتاب من ذكر ايجابيات اسلحة المعرفة الى حد الافراط، في حين يقل ذكر السلبيات لتلك الاسلحة الى درجة كبيرة، في حين ان التطبيق العملي لتلك الاسلحة لم يتجاوز الا سنوات معدودة لكي تظهر بوضوح ملامح السلبيات والايجابيات لأسلحة المعرفة. لاسيما وان التنظيرات لتلك الاسلحة كانت في وقت كتابتها (في وقت تأليف الكتاب) اقرب الى افتراضات او تصورات قائمة على اجتهادات وتحليلات شخصية.
#عمار_مرعي_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القتلى صبي و4 نساء وأين المشتبه به السعودي الآن؟.. الشرطة ال
...
-
الصين تبني أكبر مطار في العالم على جزيرة اصطناعية
-
لبنان.. الاعتداء على عناصر أمن حماية السفارة السعودية في بير
...
-
مجرة -أضواء عيد الميلاد- تكشف عن كيفية تشكّل الكون
-
-نحفر للعثور على بلاط المنزل-.. سوريون يعودون إلى منازلهم ال
...
-
الحرب في يومها الـ 443: الجيش يطلب إخلاء مستشفى كمال عدوان و
...
-
صحيفة: قطر -ستوقف- مبيعات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إذا تم
...
-
مستشار السيسي يعلق على موجة الإنفلونزا التي تقلق المصريين
-
-البديل من أجل ألمانيا- يطلب عقد جلسة عاجلة للبرلمان على خلف
...
-
دراسة: الذكاء الاصطناعي قادر على الخداع والتمسّك بوجهة نظره
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|