|
الشطحات الصوفية والطرق الصوفية
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 20:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التمهيد لكتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية ) التمهيد : التصوف عقيدة وتاريخا الشطحات الصوفية والطرق الصوفية 1 ــ واتصف أساطين التصوف بالمرونة الكافية التي مكنتهم من تحويل غضب الرأى العام ضد شطحات التصوف إلى غضب ضد أشخاص متفرقين من الصوفية المعاصرين لهم مع عدم المساس بمبدأ التصوف ذاته. 2 ـ فالقشيري مثلا انتقد صوفية عصره واتهمهم بكل نقيصة ليدافع عن مبدأ التصوف ذاته ، يقول في بداية رسالته (إن المحققين من هذه الطائفة - الصوفية ـ انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا من هذا من الطائفة إلا أثرهم .. مضى الشيوخ الذين كانوا بهم اهتداء، وقل الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء، وزال الورع واشتد الطمع .. وأرتحل عن القلوب حرمة الشريعة ، فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة ، ورفضوا التمييز بين الحرام والحلال ، واستخفوا بأداء العبادات ، واستهانوا بالصوم والصلاة ، وركضوا في ميدان الغفلات ، وركنوا إلي إتباع الشهوات ، وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات ، والارتفاق بما يأخذونه من السوقة والنسوان وأصحاب السلطان ، ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الفعال ، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحرروا عن رق الأغلال ، وتحققوا بحقائق الوصال ، وأنهم قائمون بالحق ، تجرى عليهم أحكامه وهم محو، وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يزرونه عتب ولا لوم وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية ، واختطفوا عنهم بالكلية ، وزالت عنهم أحكام البشرية ، وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية ، والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا .. الخ الخ ) . 3 ــ فالقشيري يرمى معاصريه في القرن الخامس بكل نقيصة بشرية ، مع إهمالهم الفرائض الإسلامية وادعائهم للإلوهية طبقا لعقيدة الاتحاد الصوفية ، ثم يقول ( ولما طال الابتلاء فيما نحن فيه من الزمان ، بما لوحت ببعضه من هذه القصة ، وما كنت لأبسط إلى هذه الغاية لسان الإنكار غيرة على هذه الطريقة أن يذكر أهلها بسوء، أو يجد مخالف لسلبهم مساغاً، إذ البلوى في هذه الديار بالمخالفين لهذه الطريقة والمنكرين عليها شديدة .. ولما أبى الوقت إلا استصعابا، وأكثر أهل العصر بهذه الديار إلا تماديا فيما اعتادوا ، واغترارا بما ارتادوه ، أشفقت على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر على هذه الجملة بني قواعده ، وعلى هذا النحو سار سلفه ،فعلقت هذه الرسالة إليكم .. وذكرت فيها بعض سير الشيوخ لهذه الطريقة في آدابها وأخلاقهم ومعاملاتهم وعقائدهم(53). 4 ــ أي أن القشيري يعترف أنه لولا الإنكار على التصوف لما أطلق لسانه في صوفية زمانه الذين يعتبرهم خارجين علي مبدأ التصوف ،ومع ذلك فإن الرسالة القشيرية تحوي من أقوال الشيوخ المعتدلين ما يهدم التصوف ويجعله نقيضا للإسلام . 5 ــ وصارت عادة عند محققي الصوفية أن ينكروا على الصوفية المعاصرين لهم ويشيدوا بمن سبقهم، حفاظا على مبدأ التصوف وليواجهوا الإنكار عليهم من الفقهاء الأعداء التقليديين للصوفية. وعلى نفس الطريق سار الغزالي ت : 505 فأنكر علي صوفية عصره ( 54)ولأنه أصبح رأسا للصوفية والعلماء والفقهاء فقد واجه اتهامه للباقين أسوة بالصوفية فهاجم الزهاد والعلماء والعباد عامة ، والفقهاء خاصة ، وأصحاب الحديث وعلماء الكلام والنحاة على وجه الخصوص (55). ومع ذلك فالغزالي يقرر عقيدة الصوفية في الاتحاد والعشق الإلهي، ودليله الحديث المكذوب وتأويل الآيات القرآنية وكلام من سبقه من الصوفية (56) وصار (إحياء علوم الدين ) قرآن الصوفية وحجتهم في تقرير مذهبهم في ( العالم الإسلامي) ، خاصة أن الغزالي عرض فيه لجانب من جوانب الفقه الممزوج بالعوامل الباطنية والروحية ، وهى الناحية التي تقاصر عنها فقهاء عصره فدان له الفقهاء بالتبعية ، وانحصر إنكارهم على أشخاص الصوفية المتطرفين الذين هاجمهم الغزالي في الأحياء. 6 ــ وبدخول العوام فى دين التصوف السنى حدث ما هو متوقع من الاختلاف والتشرذم ، ولكن التصوف مختلف عن الحنبلية التى لا تتسامح مع المختلفين معها وتعتبرهم كفرة تقتلهم بحد الردة وتغيير المنكر . للتصوف عقيدة مخالفة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهى عقيدة عدم الاعتراض ، كما إن التصوف يقوم على الاختلاف والتفرق ، لذا لا إتفاق بين أربابه على تعريف التصوف وإشتقاقاته ومصادره . وعندما تحول التصوف من الناحية النظرية الفلسفية وأصبح منتشرا بين العوام مؤثرا فى المجتمع فقد تحول الى ( طرق صوفية ) يُتاح فيها لأى شخص أن يكوّن له طريقة صوفية وأن يصبح وليا صوفيا طالما وجد من يؤمن به من الحمقى ، وهم بالملايين فى كل عصر . 7 ــ وقد بدأ إنشاء الطرق الصوفية في تاريخ مبكر في القرنين الثالث والرابع الهجريين . إلا أن العصر الذهبي للطرق الصوفية بدأ بعد تقرير التصوف السنى كدين فى ( العالم الإسلامي). أي بعد الغزالي في القرن السادس الهجري، مما شجع أرباب ( التصوف الشيعى ) العاملين على إرجاع الدولة الشيعية الى إنشاء طرق صوفية يتخفّون خلفها فى تآمرهم السياسى ، وكان منها الطرق الرفاعية التابعة لأحمد الرفاعي ت: 570 في القرن السابع و الشاذلية التابعة لأبى الحسن الشاذلي ت 656 ، والأحمدية لأحمد البدوى ، وقد عرضنا لهذه الحركة بالتفصيل فى كتابنا ( السيد البدوى بين الحقيقة والخلاافة ). ولجأ متطرفو الصوفية الى تكوين الطرق الصوفية للدعاية إلى مذهبهم كالطريقة الأكبرية نسبة لابن عربي الملقب بالشيخ الأكبر ، والطريقة السبعينية نسبة لابن سبعين المرسى . 8 ــ وفى العصر المملوكي تضاءل التصوف النظرى الفلسفى وتحول إلي مجرد ترديد لعقائد السابقين ووضع الشروح عليها وتطبيق تعاليمهم ، وانصرف أغلبية المتصوفة من العوام إلى إنشاء الطرق الصوفية وتفرعها بحسب شهرة الشيخ وكثرة أتباعه ، فتفرعت الطريقة الشاذلية والأحمدية والسطوحية وغيرها إلى عدة طرق تفرعت بدورها وهكذا ، مع انعدام الفارق الحقيقي بين الطرق، اللهم إلا في طريقة الأذكار ولون المرقعات ونصوص الأوراد وأسماء الشيوخ، وبمضي الزمن كان يزداد انتشار التصوف ويتعاظم تقديس أشياخه. وتقل في نفس الوقت ثقافتهم وعلمهم، ويزداد تسلطهم علي المنكرين عليهم من الفقهاء السنيين . 9 ـ ومقارنة صغيرة تظهر الفرق بين القرن الثالث و أواخر العصر المملوكي .. 9 / 1 : فالجنيد اضطر للتستر بالفقه والاختفاء في عقر داره لكي يقول لأتباعه المقربين: (العارف هو من نطق عن سرك وأنت ساكت ) وأن علم التصوف جاءه من الله أسفل درج داره. أما في العصر المملوكي فقد كان إبراهيم الدسوقي يعلن على الملأ قوله بلا خوف : ( أنا بيدي أبواب النار أغلقتها ، وبيدي جنة الفردوس فتحتها، ومن زارني أسكنته جنة الفردوس .. يا ولدى إن صح عهدك معي فأنا منك قريب غير بعيد، وأنا في ذهنك ، وأنا في سمعك ، وأنا في طرفك ، وأنا في جميع حواسك الظاهرة و الباطنة ) (57)، وكانوا يسجلون ذلك عنه افتخارا به .. 9 / 2 : وإذا كان الحلاج قد دفع حياته ثمنا لإحدى شطحاته وأوذي الآخرون ونفوا بسبب الشطح ، فإن العصر المملوكي ودينه التصوف السنى ـ قد جعل الشطح ـ أو إساءة الأدب مع الله تعالى ـ من مستلزمات الولاية الصوفية ، يقول الشعراني عن معاصره الشيخ أبي السعود الجارحي ( وكان رضي الله عنه له شطحات عظيمة )(58).
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتشار التصوف في العالم ( الإسلامي ):
-
بداية التصوف فى تاريخ المسلمين
-
التمهيد : بين الزهد والتصوف
-
حوار صحفى مع موقع ( الخبر ) عن معتقدات (أهل القرآن )
-
التمهيد : هل يمكن أن يكون الإسلام مصدرا للتصوف عند المسلمين
...
-
حريم السلطان وحمير السلطان
-
تعريفات التصوف : التمهيد لكتاب ( التصوف ... )
-
مقدمة كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
-
فلاح وشيخ و... حمار
-
خاتمة ومصادر وفهرس كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعود
...
-
ق 3 ف 4 : سيكولوجيا الحركة السلفية فى السعودية
-
ق 3 ف 4 : سيسيولوجيا الحركة السلفية فى السعودية
-
ق 3 ف 4 :نقد الشريعة السنية المسعرية فى تحريم الفوائد البنكي
...
-
ق 3 ف 4 : ( المرأة ) و( الشيعة ) فى الشريعة المسعرية
-
ق 3 ف 4 : الشريعة المسعرية فى الحرية الاعلامية
-
ق 3 ف 4 : تكفير الشريعة المسعرية للمنظمات الحقوقية الغربية
-
ق 3 ف 4 : الرد على دعوة المسعري لإقامة الدولة الاسلامية
-
قصيدة مدح لا تُعجبنى
-
ق 3 ف 4 : الشريعة المسعرية فى إقامة الدولة السلفية العالمية
...
-
ق 3 ف 4:الشريعة المسعرية وتكفير الأمم المتحدة والمنظمات الدو
...
المزيد.....
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|