محمد محبوب
الحوار المتمدن-العدد: 1302 - 2005 / 8 / 30 - 08:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
غالبا ماينطلق الباحثون في الأزمه العراقيه من خلفيه أثنيه أو مذهبيه أو حزبيه في تحليلاتهم وتعليقاتهم حول تطورات هذه الأزمه وهو مايقودهم الى التعصب , هذا التعصب الذي يتلبس قادة الكتل السياسيه العراقيه في مفاوضاتهم حول مسودة الدستور وحول مجمل العمليه السياسيه الجاريه في العراق , ونخشى أن يقودنا التعصب في الرؤيه الى التحجر في المواقف فتنهار العمليه السياسيه برمتها ويدخل العراق في نفق الفوضى والحرب الأهليه.
ولتحليل متأن للأزمه العراقيه اليوم لابد من التسليم بالأمر الواقع في العراق الذي يتجلى من خلال مواقف الفرقاء الأساسيين ولنكن أكثر تحديدا ووضوحا ونقول الأقوياء الثلاث المدججين بالسلاح وهم الشيعه والأكراد والسنه العرب , وهنا أرجو أن لايخرج لي متنطط فيقول لماذا هذه التقسيمات , لماذا تسلب من الشيعه عروبتهم أو من الأكراد سنيتهم , نقول لهؤلاء إن النخب السياسيه الشيعيه الممثله في قائمة الإتلاف العراقي الموحد تطرح نفسها اليوم في إطار مذهبي وليس قومي ( عرب , تركمان , كرد , شبك ) , وإن الكرد ومن خلال قائمة التحالف الكردستاني يقدمون إنفسهم في إطار قومي وليس ديني أو مذهبي
( القوميه الكرديه ) , كما إنه لايمكن النظر للسنه العرب الذين يؤيدون على نطاق واسع مجلس الحوار الوطني الذي هو من الناحيه الواقعيه الجناح السياسي لما يسمى بالمقاومه الشريفه , لايمكن النظر لهم إلا بصفتهم سنه أولا ثم عرب ثانيا بمعنى ليس فيهم كردي أو تركماني أو شبكي أو ..
ودع عنك الخطب الرنانه للبعض والتي تدعو الى عدم إستخدام تسميات مثل شيعه وسنه والى ماذلك , وتظاهر البعض بالحرج من إستخدام كلمات مثل الشيعه والسنه العرب أو إدعاء البعض الآخر بأن هذه التقسيمات أوجدها المحتل متجاهلين حقيقه تأريخيه بارزه في تأريخ العراق تتمثل في الإنقسام المتجذر بين هيمنة أقليه عربيه سنيه حاكمه وبين تهميش أغلبيه شيعيه محكومه ( مجمل الشيعه ) , نعم هذه هي التسميات الحقيقيه للواقع الإجتماعي العراقي ولامفر من الإقرار بها , بل إن بوابة الخروج من هذا النفق المظلم ومفتاح الحل للأزمه العراقيه يتمثلان في الإقرار بأن العراقيين مختلفون , بإن العراقيين يتمثلون في ثلاث مكونات إجتماعيه وليس مكون واحد أو أثنيين كما يحاول للبعض.
الأقوياء الثلاث المدججين بالسلاح ( الشيعه والكرد والسنه العرب ) هم أطراف اللعبه السياسيه في عراق اليوم , نعم لنكن واقعيين ونتحدث إنك اليوم تستطيع إن تتجاهل مطالب الكلدان والأشوريين و السريان أو التركمان أو الصابئه أو الأيزيديين في الدستور ولن تواجه عصيانا مسلحا أو حربا أهليه , لكنك لن تستطيع أن تتجاهل مطالب إي من الأقوياء المدججين بالسلاح الذين يستطيعون أن يحولوا العراق الى جحيم ويحيلون العمليه السياسيه الى رماد.
الكرد هم ذلك المكون القومي ( الكرد ) ولاحيله لنا لنزع جلودهم وجعلهم غير ذلك كما فشلت الحكومات العراقيه السابقه في إبادتهم وسحقهم , ولن تنفعنا اللعنات التي يصبها البعض على رؤوس الكرد وإتهامهم بإنهم الشياطين الأباليس الذين تقسيم العراق , لن تنفعنا الإتهامات التي يكيلها البعض الى مسعود البارزاني أو جلال الطالباني , إذ حتى لو كانا أسوأ رجلين على وجه الأرض , ذلك لن يحرك الواقع قيد أنمله , هما ـ وإن وجد من يختلف معهما من الكرد ـ قائدان منتخبان جاءا عبر إنتخابات شرعيه ولامفر لنا من الإقرار بذلك , لامفر ولامهرب من الإقرار بإن الكرد هم أحد الأقوياء الثلاث المدججين بالسلاح في عراق اليوم , الذين لاتملك سوى خيار التوافق معهم إذا ما إردت للعمليه السياسيه النجاح , لاتملك إلا أن تتحاور معهم للوصول الى قواسم مشتركه إذا ما إردت الحفاظ على وحدة العراق.
والشيعه هم ذلك المكون المذهبي ( عرب , تركمان , كرد فيليه , شبك ) ولاسبيل لنا لمنحهم تعريف آخر , لن تنجح محاولات البعض لتغليب الشعور القومي على الشعور المذهبي لدى الشيعه , أما إذا أراد هذا البعض لغة الشعارات , فليتغنى بها حتى يبح صوته , ذلك لن يغير من الأمر الواقع شيئا , هذا المكون الإجتماعي المسمى ( الشيعه ) كما هو الحال مع الكرد تبلور نتيجة تاريخ طويل ومرير من المظلوميه , كان الشيعه منذ فجر الدوله العربيه الأسلاميه ( السنيه ) يُقتلون ويُلاحقون لإنهم شيعه فقط بغض النظر عن أنتماءاتهم القوميه , واليوم يُقتلون للسبب نفسه , والكرد يُقتلون لإنهم كرد بالرغم من إنهم يعتنقون مذهب الدوله نفسه , واليوم يقتلون أيضا رغم إنهم يعتنقون مذهب الجماعات المسلحه نفسه .
وعندما نقول ( الشيعه ) فذلك لايعني إننا نتحدث عن تيار ديني , بل هم مكون إجتماعي تبلور بفعل ظروف تأريخيه وثقافيه معينه , ولهذا نجد فيهم اليوم قوميين وعلمانيين وبعثيين وشيوعيين وفوضويين وربما حتى ملحدين , القضيه ليست تيار ديني كما يحلو لإحزاب الأسلام السياسي الشيعيه أن تصورها.
أما السنه العرب فهم بحق ورثة الحضاره العربيه الأسلاميه ( السنيه ) , ورثة الدوله الأمويه والدوله العباسيه وكذلك الدوله العثمانيه في المجال الطائفي , هذا الميراث العروبي الأسلامي جسدوه من خلال حزب البعث العربي الإشتراكي , ولا يغرنك مايقال عن دور القوميين العرب من الشيعه في قيادة هذا الحزب في العراق في مرحله مبكره وسريعه جدا , أو عن إنتماء الملايين من الشيعه الى هذا الحزب ,
هذا الأمر لن يغير من حقيقة حزب البعث المذهبيه السنيه حتى وإن كان أحد مؤسيسيه مسيحي
غير عربي !
وهكذا فإن السنه العرب وإن كانت لدى بعظهم تحفظات على سياسات صدام حسين , فإنهم غير سعداء بالتغيير الذي حصل في التاسع من نيسان أبريل عام 2003 وغير راضون عن العمليه السياسيه الجاريه في العراق برمتها , وإن شارك بعضهم فهو لتقليل الضرر كما يقول قادة الحزب الأسلامي العراقي عن مشاركتهم في مجلس الحكم.
ولكن ماذا يريد هؤلاء الأقوياء الثلاث المدججين بالسلاح , ونعني ماذا تريد النخب السياسيه المسيطره على الشارع العراقي , ماذا يريد هؤلاء ؟!
الكرد يريدون في المدى المنظور صلاحيات فدراليه واسعه قد تتقاطع أحيانا مع صلاحيات الدوله المركزيه , كما يريدون في المدى غير المنظور حق تقرير المصير أي الإنفصال , لكن قادتهم سياسيون محترفون بارعون ويعلمون إن السياسه هي فن الممكن وليس المستحيل , وذلك ماتجلى من خلال مفاوضات مسودة الدستور العراقي , كما يتميزون برغبتهم في إقامة دوله علمانيه ديمقراطيه متحضره بعيدا عن تشابكات الأديان والمذاهب.
الشيعه وأعني النخب السياسيه التي تمثلهم اليوم فإنهم وبسبب المراهقه السياسيه أعتقدوا للوهله الأولى إنه يمكن إقامة جمهوريه إسلاميه أو شبه إسلاميه في عموم العراق وتوهموا إنهم قادرون على إقناع الولايات المتحده في القبول بمثل هذا المشروع , كما روجوا واهمين للمرجعيه الدينيه الشيعيه بصفتها راع لكل العراقيين , كانوا يراهنون على المفهوم التقليدي للديمقراطيه ( حكم الأغلبيه ) لتنفيذ برنامجهم السياسي , ثم وجدوا إن الواقع العراقي شيء أخر ولاسيما بعد المفاوضات الماروثونيه حول مسودة الدستور فتراجعت حدود دولتهم الإسلاميه من زاخو الى الأطراف الشماليه لمحافظة بابل مكتفين بتسعة محافظات في الوسط والجنوب.
أما النخب السياسيه السنيه العربيه فإنها تريد عودة عقارب الساعه الى الوراء , وهذا أمر متوقع من نخب وشريحة إجتماعيه تضررت مصالحها من جراء التغيير الحاصل في العراق , إنهم يريدون للعراق أن يظل أمتدادا للحضاره العربيه الإسلاميه ( السنيه ) وجزءا من الأمه العربيه والشارع العربي الذي ينظر للشيعه العرب ومنهم شيعة العراق بصفتهم كفارا وفرسا أو أتباعا للفرس ودخلاءا على القوميه العربيه , وهم يحتاجون الى وقت طويل للقبول بالأمر الواقع الذي نشأ في العراق , وحتى ذلك الوقت فإنهم سوف يظلون حاضنه جيده للإرهاب.
نعم أيها السيدات والساده لاسلام إجتماعي ولا أمن ولاعمليه سياسيه دون التوافق بين الأقوياء الثلاث المدججين بالسلاح , لاسبيل آخر سوى تقسيم العراق وذلك لن يمر إلا عبر بوابة الحرب الأهليه ..
فما أنتم فاعلون ؟!
#محمد_محبوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟