|
أنموذج إسقاط أنصاف الدول -- بداية مرحلة متقدمة لإعادة هندسة الشرق الأوسط --
علي بشار بكر اغوان
الحوار المتمدن-العدد: 4641 - 2014 / 11 / 23 - 19:34
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
عندما وعت القوى الكبرى على نفسها و أدركت ذاتيتها على ان اي صدام فيما بينها سيؤدي الى خسارة جميع الأطراف المشتركة في توازن القوى العالمي ، وقعت هذه القوى بحراجة كبيرة لاسيما فيما يخص قضايا استدامة الصراع و إدارته ، على ذلك نقب مفكرو و محترفو الإستراتيجية و الأمن القومي لإيجاد حالة جديدة من حالات الصدام ، لا تؤثر كثيراً على مصالح هذه القوى ، فنتج بعد الحرب العالمية الثانية فكرة الحرب بالنيابة ، التي لا تصطدم فيها مصالح القوى الكبرى بصورة مباشرة (على وفق طريقة المقامرة بمال الآخرين) ، بعدها تطور هذا المفهوم ليتسع كثيراً لاسيما عندما أدركت الدول او الأطراف التي هي (أداة في هذه الحرب) (اقصد هنا الدول الصغرى) و عرفت نفسها انها مجرد وقود لمصالح القوى الكبرى ، تم التفكير في خلق جماعات مسلحة كانت ذات إطار إقليمي في البداية (موزعة هنا و هناك) من ثم أصبحت ذات إطار عالمي بعد 11/ أيلول /2001 ، هذه الجماعات يمكن قيادتها و السيطرة عليها (نسبياً) من قبل القوى الكبرى و توجيهها في الاتجاهات التي تتفق مع مصالحها من ناحية و من ناحية ثانية تحافظ القوى الكبرى على مبادئ حقوق الإنسان و الديمقراطية الأخلاقية و القانون الدولي و المواثيق و المعاهدات الدولية التي تؤمن بها و تحاول تصديرها للعالم ، بيد ان هذه القوى الكبرى من تحت الطاولة هي التي تدعم و تمول هذه الجماعات المسلحة ذات الأبعاد العالمية و التي لا يمكن محاسبتها و لا حتى الاعتراض على أعمالها أمام المحاكم الدولية ولا يمكن تجريمها قانونيا او أخلاقياً . لكي تبدو لنا الصورة ان القوى الكبرى تحارب هذه الجماعات المسلحة باسم حقوق الإنسان و الديمقراطية و على وفق قواعد القانون الدولي و المبادئ الأخلاقية ، في حين بالأساس هي التي خلقت هذه الجماعات و هي التي وجدتها .و يجب ان يكون لهذه الجماعات المخلوقة من قبل هذه القوى (اطار و وسط أيديولوجي) و للأسف كان الإسلام هو هذا الغطاء . على مر وجود الولايات المتحدة الأمريكية ، كان و لا يزال صانع القرار يبحث في ثنايا و بطون التاريخ لكي يجد لنفسه مخارج مسوغة لاتخاذه قرار ما او لبناء إستراتيجية بعيدة المدى تمكنه من الوصول الى غاياته ، و هذا ما فعله اغلب رؤساء الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الآن ، اذ كانت عملية بناء أنموذج استراتيجي يتسق مع أهدافها هي الطريقة التي سار عليها جميع الرؤساء الأمريكان . و بقدر تعلق الأمر بما تمر به الآن بيئة الشرق الأوسط الإستراتيجية ، ان المتابع للإستراتيجية الأمريكية يجب ان يلاحظ في المرحلة الحالية (عام 2014) حدوث تغيير ملحوظ (تكتيكياً) في تعاملها مع المنطقة و أنظمتها و شعوبها ، و هذا الأمر بدأ منذ ان أصبح لسوريا جزئين ، جزء للنظام و جزء للتنظيمات المسلحة(أنموذج إسقاط أنصاف الدول) ، من ثم أصبحت ثلاثة أجزاء فيما بعد ، جزء للنظام و جزء لقوات الدولة الإسلامية و جزء لما تسميه الولايات المتحدة بالمعارضة المسلحة المعتدلة ، هنا أصبح صانع القرار الأمريكي يفكر بتعميم هذا الأنموذج و تصديره . و فعلا تم ذلك في العراق تحديداً منذ 10/6/2014 عندما سقط جزء منه و أصبح خارج نطاق كل شيء ، اي اصبح جزئين ، و لم يبقى الا الجزء الثالث الذي تحدث عنه الرئيس اوباما في خطابه يوم 11/9/2014 و الذي تضمن افكار لدعم أطراف معتدلة مسلحة - الجيش العراقي و قوات محلية خارج إطار وزارتي الدفاع و الداخلية العراقية مثل الحشد الشعبي و قوات الحرس الوطني- يمكن ان تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق عبر تسليحها و تدريبها و تمويلها و دعمها بغطاء جوي ، كما استبعد الرئيس اوباما في خطابه إمكانية ارسال قوات برية في هذه الأيام ، لكن ما يمكن ان نثبته فيما يخص وضع العراق هو ان الأطراف التي ترغب بدعمها الولايات المتحدة هو الجيش العراقي الذي يجري الآن إعادة هيكلته و تنظيمه من جديد ، لكن هذا الامر جعل من العراق مرتعاً للميليشيات خارج اطار وزارة الدفاع و الداخلية التي بدأت تأخذ شرعيتها بعد انهيار الجيش و أصبح وجودها لدى البعض ضرورة ملحة لكي تقوم بما لم يستطع ان يقوم به الجيش . أنموذج إسقاط أنصاف الدول و ليس جميعها كما حدث في تونس و مصر و ليبيا هو أسلوب جديد تطبقه الولايات المتحدة الآن في منطقة الشرق الأوسط و هي تسعى عبر هذا التكتيك الى جعل المنطقة تتداعى و تنهار إقليمياً و تتكون بعدها كيانات جديدة ذات أبعاد قومية و مذهبية و دينية جديدة ، هذا الأمر مكن الولايات المتحدة بأن تحقق العديد من الأهداف على نطاق الاقتصاد "النفط" و تسويقه ، إضافة الى إمكانية إحداث تدخل في المنطقة عسكرياً عبر توفير غطاء جوي و هذا الأمر ممكن ان يمهد لحرب شاملة تدخل فيه المنطقة بأكملها خصوصا بعد إعلان تحالف القوى الإقليمية و الدولية لمحاربة الدولة الإسلامية ، لكن ما يمكن تثبيته اقتصاديا، ان المصالح الأمريكية التي يروج لها البعض أنها في خطر ، واقع الحال يشير عكس ذلك ، اذ ان الولايات المتحدة كانت تشتري برميل النفط بــ 100 الى 110 دولار قبل سقوط الموصل و المحافظات الثانية من العراق ، اما الآن فهي تشتري نفس النفط من نفس البلد (بطريقة غير مباشرة و غير رسمية) بأقل من 40 دولار عبر تركيا أو عبرة سماسرة غير دوليين(ارهابيوا النفط) يشترون النفط بطريقة مباشرة و يقومون بتصديره عبر سفن عملاقة تابعة لشركات نفطية عالمية . ان أنموذج انهيار أنصاف الدول و خلق و استدامة وجود خواصر رخوة فيها كما حدث في سوريا و العراق و ليبيا و اليمن و ربما حتى لبنان و مصر يجعلنا و بصورة ملحة الآن إعادة النظر ملياً و جدياً بنظريات الأمن القومي التقليدية و غير التقليدية ، من ثم الخروج بخلاصات فكرية جديدة ما وراء التقليدية لاسيما في المنطقة العربية ، لأن الأمن لم يعد مجرد مؤسسات و أجهزة و رجال و اقمار صناعية و كمبيوترات ، الأمن أصبح الآن امن المعرفة و اكتناز المعلومة الصحيحة و طلائها بالقرارات الناجعة التي تتناغم مع الإستراتيجية الشاملة العليا للدولة ، و هنا انا أتحدث عن (الدول كاملة الأهلية و القرار على ذاتها) و ليس عن العراق و اليمن و ليبيا و سوريا . الأمن عملية تراكمية الأمن عملية فكرية نظرية قبل ان يكون عملية تطبيقية الأمن عملية إنسانية تتعلق بكيانه الأمن معلومة دقيقة الأمن قرار صحيح في وقت صحيح
#علي_بشار_بكر_اغوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حروب المستقبل - رؤية من منطلقات جيوفيزيائية-
-
المتغيرات الجيوبولتيكية العالمية و اثرها على الوحدات التحليل
...
-
الفوضى الخلاقة و أثرها على التوازن الاستراتيجي العالمي (رؤية
...
-
جيوبولتيكية نينوى : بين لعنة المركز و خطيئة الأقاليم الكبرى
-
مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ظل توظيف الفوضى الخلاقة (سوريا
...
-
الحروب الجيوفيزيائية الجديدة -المجال الخامس للقتال-
-
اثر صوامع التفكير والدراسات الإستراتيجية الأمريكية في التخطي
...
-
الردع الأمريكي على المحك - سوريا الصخرة التي تكسرت عليها الط
...
-
مستقبل القطبية الأحادية
-
مستقبل الهيكلية الدولية
-
الدراسات المستقبلية - ضرورة ملحة ام ترف فكري - ؟؟
-
الكيف و الماذا و الفهم الخاطئ للإستراتيجية بدلالة التخطيط
-
كيف تصنع الاهداف الاستراتيجية
-
جدلية العلاقة بين الاستراتيجية والعلاقات الدولية (مقاربة تار
...
-
التحليل الاستراتيجي للبيئة والعوامل المؤثرة على صناع القرار
-
التحليل الاستراتيجي للبيئة والعوامل المؤثرة على صانع القرار
-
ماذا سيكلف سقوط الاسد لنجاد ونصر الله (محور الممانعة في خطر)
-
برنارد لويس و مشروع تقسيم الشرق الاوسط بين الماضي والحاظر (
...
-
برنارد لويس و مشروع تقسم الشرق الاوسط بين الماضي والحاظر ( ا
...
-
القوة الذكية والمجالات التطبيقية في الاستراتيجية الامريكية (
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|