أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عسو الخطابي - حياة ماو تسي تونغ- الجزء الثاني: بدايات الثورة الصينية















المزيد.....


حياة ماو تسي تونغ- الجزء الثاني: بدايات الثورة الصينية


عسو الخطابي

الحوار المتمدن-العدد: 1302 - 2005 / 8 / 30 - 10:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


1- في يوليوز 1921، و مباشرة بعد تأسيس الحزب الشيوعي الصيني عاد ماوتسي تونغ إلى خونان حيث عمل على خلق أول نقابة عمالية شيوعية. و باعتباره رئيسا لفرع خونان للحزب الشيوعي الصيني بهذا الإقليم اهتم بتجميع العمال. فالتجأ إلى مناجم الفحم بأنيوان anyuan . جنوب الإقليم، حيث تتوفر تقاليد عريقة من الإضرابات و النضالات. فعمال المناجم مرغمون على العمل مدة 14 حتى 15 ساعة في اليوم، مقابل أجرة ثمانية سنتات (أجرة هزيلة). وقد شكل ماو مدرسة ثورية من أجلهم بحيث أنه طيلة سنوات عديدة أعطت مناجم أنيوان أعدادا هامة من الكوادر للحزب. كما نزل ماو إلى الآبار للتحدث إلى العمال حول أوضاعهم المعيشية و و حول ضرورة الثورة، كما زحف عبر الأنفاق الضيقة التي يدفع عبرها أطفال صغار العربات المليئة بالفحم. كما ذهب لزيارة الأكواخ القذرة التي يُرغَم العمال على السكن فيها، مسجلا بعناية كل ما يقولونه له بخصوص أوضاعهم المعيشية. و يستغل ذلك لإقناعهم ليسعوا لتملك مصيرهم. إذ يقول لهم دائما:« التاريخ بين أيديكم، فلتصنعوا التاريخ».

لقد سافر ماو كمناضل شاب عبر الإقليم كله لتنظيم النقابات و خلق خلايا الحزب في المعامل الرئيسية. إلى أن انتُخب رئيسا لفرع "الفيدرالية العمالية للصين" بخونان سنة 1922 بعد أن اندمجت 20 نقابة. حيث شكل العمال مجالس ثورية، تهتم بالحياة الثقافية، بالتربية، بالرفاهية و الأمن. فأصبح شعار "السلطة للطبقة العاملة" شعارا شعبيا. إذ بينما لم يكن الحزب في سنة 1924 يضم سوى 500 عضوا، وصل العدد ثلاث سنوات بعد ذلك إلى 58000 شخصا. أما الفيدرالية العمالية للصين فقد كان عدد أعضائها، في سنة 1925 حوالي 450.000 عضوا و بعد سنتين أصبحت تضم مليونين و نصف المليون من الأشخاص.



Ø 2-و في فبراير 1925: كان ماو ينتقل من قرية إلى أخرى، و يعيش مع الفلاحين و يعمل معهم، منصتا إلى شكاويهم، و مجريا تحقيقات مباشرة حول وضعيتهم الحقيقية. و كان يؤسس إتحادات الفلاحين و يختار أيضا فلاحين للحزب. و خلال هذا الوقت بينما كانت الإضرابات و المظاهرات تندلع في المدن ضد السيطرة الأجنبية ، كانت نضالات الفلاحين و الفلاحات في الأرياف أيضا في أوجها. ففي عدة مناطق رفض الفلاحون أداء الأكرية الباهظة التي تُطلب منهم و هاجموا الجُباة. و قد صادروا الأراضي و شكلوا ميليشيات لمقاومة الملاكين العقاريين و جيوشهم. و في إحدى المدن، عندما تم سجن المكترين لعجزهم عن دفع أكريتهم، اجتمع 6000 من الفلاحين و الفلاحات، أمام محلات الإدارة العامة. إلى أن تم اطلاق سراح رفاقهم أخيرا. و قد شكات هذه الحادثة عبرة في الإقليم كله. و في شهر غشت أسس ماو أول فرع فلاحي للحزب، اجتمع في مخزن والديه في شاوشان, .لقد اهتم ماو حقا بعمل الحزب وسط الفلاحين، حيث أكد على القول بأن قلب الحركة الثورية هو الريف، الذي يشكل الفلاحون الفقراء 70% من ساكنته. وفي يونيو 1926، أصبح عدد أعضاء الجمعيات الفلاحية عبر الصين كلها ما يقارب ملين شخص و بعد عام من ذلك بلغ العدد أكثر من عشر (10) ملايين فلاح و فلاحة. و قد كان بعض قادة الحزب يعارضون العمل التنظيمي وسط الفلاحين، فـ"تشين توسيو"، الذي كان يمثل الجناح اليميني، كان يعتقد أن الفلاحين " محافظون ومتخلفون " عن الإنضمام إلى الشيوعية. أما آخرون مثل شانغ كيو طو و لي لي سان فقد كانوا يعتبرون، انطلاقا من وجهة نظر "يسراوية" أن الطبقة العاملة قوية بما فيه الكفاية للقيام بالثورة لوحدها، و أن الحزب الشيوعي ينبغي أن يتخلى عن العمل وسط الفلاحين، لكن ماو من جانبه كان يؤكد على أنه بما أن الفلاحين يشكلون الأغلبية الكبرى من ساكنة الصين، فإن الطبقة العاملة ينبغي أن تتخذهم حلفاء لها، و أن هذا شرط من أجل تحقيق الثورة. فقد أدرك ماو الدور المركزي للفلاحين و للحركة الفلاحية في الثورة الصينية، فكان يقول أنه:«بدون الفلاحين الفقراء، لن تكون هناك ثورة. و نفي دور الفلاحين هو نفي للثورة. و مهاجمتهم مهاجمة للثورة» و قد استمر الصراع داخل الحزب حول مسألة دور الفلاحين و أهمية المسألة الزراعية لوقت طويل.



Ø 3-و في يونيو 1923 ، بمناسبة انعقاد المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الصيني ، انتخب ماو عضوا في اللجنة المركزية. واتخذ الحزب قرار تشكيل جبهة موحدة مع حكومة الكيومنتانغ التي يتزعمها صان يات صين، و مساعدة الوطنيين على تشكيل جيش لمواجهة أمراء الحرب و القوى الإمبريالية. و قد كان الإتحاد السوفياتي أيضا يدعم الكيومنتانغ، مساعدا إياه خصوصا على خلق أكاديمية عسكرية في وامباو (wampao ) مخصصة لتعليم و تدريب الجنود و الضباط. لكن على عكس البعض من داخل الحزب مثل تشين توسيو، الذي كان يعتبر أن "الوحدة أهم من أي شيء"، كان ماو يدافع عن فكرة مفادها أنه ينبغي للحزب أن يحافظ على استقلاليته المطلقة حتى داخل الجبهة الموحدة، و أن يؤَمّن قيادة الطبقة العاملة و الفلاحين. لقد نبه الشيوعيين إلى أن الثورة ينبغي أن ألا تترك في أيدي الكيومنتانغ. و تنفيذا لخط الحزب انضم ماو إلى الكيومنتانغ و اعطيته مهمهة الربط بين المنظمتين.

و في سنة 1925 ، يعد وفاة صان يات صين، تولى الحكم على رأس الكيومنتانغ شخص يعادي الشيوعية و الثورة و هو تشانغ كاي تشيك. إذ أعلن مجلسه التنفيذي المركزي، في مايو من نفس السنة، أنه قرر خطة عسكرية في اتجاه شمال البلاد يهدف دحر أمراء الحرب هناك و توحيد الصين. لكن تشانغ كاي تشيك حتى في سعيه إلى إزاحة أمراء الحرب عن مواقعهم لم يكن يهدف إلى وضع حد للإضطهاد و الإستغلال الذي كان يتعرض له العمال و الفلاحون. إذ كان مدعما من طرف الدول الإمبريالية الأكثر قوة التي كانت تريد من خلال تدخلها الحفاظ على الصين كبلد شبه مستعمر. إن تشان كاي تشيك رغم زعمه الرغبة في الحفاظ على الجبهة المتحدة مع الشيوعيين – فقد كان يردد شعارات من قبيل "عاشت الثورة العالمية" و أيضا "فليسقط الإمبرياليون!"-، لكنه لا يقوم إلا بإعداد هجوم دموي ضد الحركة الشيوعية.



Ø 4- في 20 مارس 1926، ألقى تشانغ كاي تشيك القبض على 25 شيوعيا و سَجَنهم في الأكاديمية العسكرية في "وامباو". و في كانتون، كما تمت مباغتة المقر المركزي للنقابات العمالية، حيث جرى اعتقال القادة أيضا. و تم تفكيك لجنة الإضراب و صودرت أسلحتها و مؤونتها من طرف السلطات القمعية. كما قامت فرق الكيومنتانغ، و الشرطة و الفصائل الخاصة المسلحة المشَكَّلة لهذا الغرض بدوريات في الشوارع. وأعلن الكيومنتانغ في 14 ماي القانون العرفي. و في هذا الظرف الصعب، أخفق الحزب الشيوعي في انجاز المهمة التي كان مفترضا أن يقوم بها و هي تنظيم هجوم مضاد كبير. و تحت تأثير تشين توسيو و خطه "الوحدة بأي ثمن" و بالخضوع للكيومنتانغ، أمر الحزب قادته بـ"ضبط" العمال و اتقاء أي "تجاوز"، فظل العمال إذن عزلا في مواجهة القمع. و في الأرياف، بدأ الملاكون العقاريون الكبار و جيوشهم في التقتيل الممنهج لزعماء إتحادات الفلاحين.

و في 15 ماي، اقترح تشان كاي تشيك حلا خاصا يقلص دور الشيوعيين داخل الكيومنتانغ. إذ طالب بالحصول على لائحة الشيوعيين أعضاء الكيومنتانغ، كما اشترط مصادقته المُسبَقة على التعليمات التي يصدرها الحزب الشيوعي إلى أعضائه قبل أن توزع! و قد قبل تشين توسيو و الحزب الشيوعي هذه الإجراءات التي أملاها تشيانغ كاي تشيك. لكن ماو اعترض عليها بشدة. إذ كان يعتقد عن صواب أن الشيوعيين قد أُرغموا على الإنكشاف للعموم، ليتم اعتقال العديد منهم و يعدموا في الحال. و قد تحول الكيومنتانغ باتخاذه لهذه الإجراءات بالفعل،-دائما حسب ماو- من حزب وطني يضم عناصر ثورية إلى أداة للثورة المضادة في خدمة ديكتاتورية عسكرية جديدة.

و في يوليوز من نفس السنة، شن الجيش الوطني، تحت قيادة تشيانغ كاي تشيك حملته على الشمال (المعروفة باسم "حملة الشمال" "l expédition du nord" )، شارك فيها عدد من الشيوعيين ضد أمراء الحرب، فحققت هذه الحملة نجاحا ملحوظا. وذلك في جزء كبير نتيجة المشاركة الواسعة للعمال، الذين أشعلوا الإضراب في المدن، و الفلاحين الذين انتفضوا في الأرياف. و قد شكل العمال جيوشا شعبية (ميليشيات) و باغتوا مواقع أمراء الحرب. كما استولى الفلاحون على مراكز الشرطة ليعطوا دعما لوجيستسكيا مهما للجيش الوطني، إذ عملوا كمرشدين، كسعاة بريد، و كناقلي جرحى و مزودين الجيش الوطني بالماء و المؤونة، و قد تكلفت ميليشيا الفلاحين يإدارة القرى بعد انصراف أمراء الحرب، و في أقل من شهرين سقطت كل من أقاليم كيانسي، و خونان، و هوبي في أيدي الجيش الوطني.



2- و في دجنبر 1926، عاد ماو إلى شانغشا، بمناسبة انعقاد أول "مؤتمر لعمال و فلاحي خونان"، حيث انتُخب رئيسا له. و أسس "الفرع الفلاحي" للحزب الشيوعي الصيني و دون عدة تقارير تقدم نتائج التحقيقات التي أجراها، هذه التقارير التي تُظهر جيدا إلى أي حد يضطهد الملاكون العقاريون الفلاحين. و قد أكد فيها ماو على أهمية انتفاضات الفلاحين، و أكد خصوصا على ضرورة تثبيت قيادة شيوعية. و قد قال في هذا السياق :«لقد قُمعت الحركة...و السبب هو أن الجماهير لم تكن منظمة بالشكل الكافي، و أنها كانت تفتقد إلى القيادة اللازمة لها...و هو ما جعل الحركة فاشلة منذ البداية». بدأ الكيومنتانغ في قمع إتحادات الفلاحين في شهر شتنبر من سنة 1926. لكن رغم هذا انتقل عد أعضائها من مليون إلى مليونين من العائلات في ظرف شهر واحد، من نونبر إلى دجنبر. و في بداية سنة1927 شُكّلَت اتحادات فلاحية في 54 إلى 75 مقاطعة في البلاد.

و بدأ الفلاحون بمبادرة منهم في مصادرة الأراضي و معاقبة (و أحيانا تصفية ) الموظفين الأكثر فسادا و فظاظة. و عندما بلغ نبأ إنتفاضات الفلاحين هذه إلى المدن، أثار ضجة كبيرة، فالعديد من الأشخاص حتى الذين يدعون بالثوريين، اعتبروا أن هذه الحركة كانت "رهيبة". لكن ماو تسي تونغ على العكس من ذلك، نظر إليها من وجهة نظر محبذة:« إذا كنتم ثوريين حقا، و إذا كنتم تعاينون ما يجري في الأرياف و ما يجري حولكم، ستكونون بدون شك أكثر تحمسا مما كنتم. فالآلاف و الآلاف من العبيد و الفلاحين ينهضون ليصرعوا أعداءهم؛ و ما يفعلونه صحيح بالطبع». و في هذه الفترة كتب ماو مقولته الشهيرة: «إن الثورة ليست مأدبة و لا كتابة مقالات و لا رسم صورة و لا تطريز ثوب، فلا يمكن أن تكون بمثل تلك اللباقة و الوداعة و الرقة، أو ذلك الهدوء و اللطف و الأدب و التسامح و ضبط النفس. إن الثورة انتفاضة و عمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى. و ثورة الريف هي ثورة تطيح بها طبقة الفلاحين بسلطة الملاكين العقاريين.

فالأعمال التي قام بها الفلاحون مشروعة و ضرورية جدا و ذات مغزى ثوري في المرحلة الراهنة...».[1]

«يستحيل على حزب يقود حركة ثورية كبيرة أن يحقق النصر إذا لم يكن مسلحا بنظرية ثورية، و لا ملما بمعرفة التاريخ ، و لم يكن لديه فهم عميق للظروف الفعلية للحركة ».



6- في مارس 1927، كتب ماو " تقرير عن تحقيقات حول حركة الفلاحين في خونان" مقدما الخلاصات التي استنتجها من السفر لمدة خمسة (5) أسابيع قضاها في قرى هذا الإقليم.وقد فرض هذا التقرير نفسه كنموذج للتحليل الثوري: إذ طبق ماو الماركسية على تحليل الأوضاع الملموسة بخونان بحيث عمل على تطوير استراتيجية و تكتيكات صحيحة لقيادة الثورة. فالتقرير المعني كان يرد بالإضافة إلى ذلك على أولائك الذين، من داخل الحزب، كانوا يعتبرون أن انتفاضات الفلاحين كان لها طابع "مفرط"، بأنه :« بعد زمن قليل سوف نرى مئات الآلاف من الفلاحين يقاومون، مندفعين،لا يقهرون/ مثل الإعصار، و لن تستطيع أية قوة إيقافهم. و سيكسرون كل أغلالهم و يرتمون في طريق التحرر. و سيحفرون قبر كل الإمبرياليين و أمراء الحرب، و الموظفين الفاسدين و المُختلسين و الطغاة المحليين و النبلاء الأشرار. و سيمتحنون كل الأحزاب الثورية و كل الرفاق الثوريين، الذين سيكون عليهم الإشتراك. هل نتزعم الفلاحين و نقودهم؟ أم نبق خلفهم مكتفين بنقدهم بقوة إشارات آمرة؟ أم نقف في وجههم و نصارعهم؟ فكل صيني حر في اختيار إحدى هذه الطرق، لكن الوقائع سترغم كل واحد أن يقوم بسرعة بهذا الإختيار؟[2].

في الأماكن التي تشكلت فيها اتحادات الفلاحين، أصبحت القوة الوحيدة التي تمارس السلطة. فالناس الذين لم يكونوا يملكون أي شيء نهضوا و بدِوا في أخذ السلطة في أيديهم. و هدفهم لم يكن تدمير النظام الإقطاعي القديم و فقط، بل أيضا تنظيم القرى و وضع شيء جديد مكان المجتمع القديم. إن تقرير ماو كان يشير في هذا السياق إلى أن الأماكن التي كانت فيها اتحادات الفلاحين أكثر قوة ، زالت منها فعليا كل ألعاب القمار و قُطاع الطرق و استهلاك الأفيون. إذ شكل الفلاحون تعاونيات للإستهلاك و خلقوا شبكات جديدة للتوزيع. كما وضعوا نظاما للدفاع الذاتي خاصا بهم، و شيدوا الطرقات و وضعوا برامج للتربية الشعبية. و كل هذا –أي إزالة النظام الإقطاعي و السلطة الإقتصادية و السياسية للملاكين العقارين- كان يتم من طرف الفلاحين بالإعتماد على قواهم الذاتية و تنظيمهم الخاص؟



7- طيلة هذا الوقت، دائما في بداية سنة 1927 ، كان الكيومنتانغ يركز هجماته على الحركة الثورية في المدن. و قد قلص خصوصا بشكل كبير حرية التجمع، حرية الصحافة، الحق في التنظيم النقابي، و كذا حق الإضراب. و في مارس بدأت قوات تشانغ كاي تشيك في احتلال مدينة نانكين، للتقدم بعد ذلك صوب شانغهاي. و في 12 أبريل، قامت كتيبة جيدة التسليح و مُشَكَّلة من عصابة من الصعاليك مرتبطة بجماعة سرية بشانغهاي، باحتجاز عدد كبير من القادة العماليين، و قتلتهم. و بعد دخول جيش تشانغ كاي تشيك إلى شانغهاي، يومان بعد ذلك، واصل المجزرة . إذ قُتل آلاف العمال و اعتقل آلاف آخرون و عُذبوا. و طيلة أشهر كاملة، كانت الشاحنات العسكرية المليئة بالعمال الذين أعدموا بعد ذلك، تشق الطرقات. و في كل نهاية أسبوع، طيلة ما يقارب سنتين، تواصت الإعدامات، و في بيكين اعتقل ستون (60) من الشيوعيين و الزعماء النقابيين، و من بينهم لي تا شاو، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني الذي قُتل في أبريل. و بناء على الإنتصارات الدموية التي حققها تشانغ كاي تشيك على الشيوعيين، تمكن من إقامة حكومة في نانكين و من الحصول على اعتراف القوى الإمبريالية في الغرب بها باعتبارها الحكومة الوحيدة و الأوحد ذات الشرعية في الصين كلها.

دائما في أبريل، عقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الخامس؛ و كان الثمانون مندوبا الحاضرون يمثلون ما يناهز 57967 عضوا. و تحت تأثير تشين توسيو، أصبحت الدعوة إلى "الوحدة بأي ثمن" الشعار الرئيسي للمؤتمر و قد تم تحميل ماو، الذي انتُزع منه حق التصويت، مسؤولية "تجاوزات" الفلاحين. و لم يتخذ المؤتمر أي إجراء للتشهير بالقمع الذي يتعرض له العمال و الفلاحون أو لوضع حد له. بل بالعكس كان الخط الذي تم تبنيه ينص على التخفيف من إيقاع الثورة في الريف، و ذلك بمنح الملاكين العقاريين و النبلاء المحليين و لمسئوليهم العسكريين، التزامات.



8- يومان بعد إطلاق تشانغ كاي تشيك لحملته التقتيلية في شانغهاي، بدأ أمراء الحرب أيضا بدورهم انتقامهم و مذابحهم ضد الفلاحين الثوريين، الذين عُذبوا بشدة و تم تشويههم. و قد تعرضت النساء بشكل خاص، اللواتي لعبن دورا في حركة التمرد، لتقطيع و الإحراق و هن أحياء. و في مقاطعة هوبيي houpei، قُتل 4700 فلاح من بينهم 500 امرأة، بين شهري فبراير و يونيو 1927. و قد تم اللجوء في ذلك إلى وسائل متعددة: ضرب الأعناق، دفنهم و هم أحياء، الإحراق، التقطيع...و رغم أنه أثناء حركة التمرد شكل الفلاحون ميليشيات و حصلوا على أسلحة، إلا أنه الحزب نظرا لأنه قد قرر إيقاف "التجاوزات" و "تحقيق الأمن" فقد أمر الفلاحين و العمال بتسليم الأسلحة. و قد رفض ماو تسي تونغ التصرف بهذا الشكل، الشيء الذي شكل أحد أسباب التي جعلته يتعرض للنقد و اعتباره هو المسئول عن هذه "التجاوزات" الشهيرة. و في ماي، تظاهر في شانغشا 20000 من العمال و الفلاحين، من ضمنهم عمال مناجم أنيوان، بدعم من ماو، انتقاما للرفاق الذين قُتلوا. لكن " فيدرالية نقابات عمال الصين" و الجمعية الفلاحية التي كانت تحت قيادة الحزب الشيوعي،أمرته بالخضوع. فالقادة العماليون قُتلوا، و الأراضي التي صادرها الفلاحون أُرجعت إلى مالكيها السابقين، و أغلقت المدارس الشيوعية، و أُحرق المدرسون و الطلبة الذين كان يعرف أنهم من اليسار و هم أحياء، كما أُعدم القادة العماليون و النقابيون في الساحات العمومية. و على امتداد السنة التالية، أي سنة 1928 ، قُتل أكثر من 100000 من الفلاحين و العمال في إقليم هونان hounan . فقد فيها الحزب على الأقل 15000 عضوا. و في يوليوز، تم أخيرا إجلاء الشيوعيين صراحة من الكيومنتانغ، حيث كانت كتائب الموت قد أخذت مهمة تصفية كل المتهمين بأنهم شيوعيون الذين تتمكن من العثور عليهم. و قد غادر ماو خونان بعد أصدرت الحكومة أمر اعتقاله، للدخول في السرية في يوهان، كما دخل أعضاء آخرون من الحزب مثله في السرية.

9- بعد الحملة المناهضة للشيوعيين التي شنها تشانغ كاي تشيك، كان الحزب الشيوعي قد أبيد بشكل كامل. يمكن اعتبار أنه في سنة 1928 تمت تصفية ثمانين في المئة 80% من أعضائه. ففي المناطق الحضرية أُرغم الحزب على الدخول في السرية. لكن من هذا الهزيمة القاسية وُلدت استراتيجية ثورية جديدة. إذ بدأ الحزب ينظم العمال و الفلاحين بهدف إطلاق الكفاح المسلح. و في 15 يوليوز 1927 قام عصيان في نانشانغ. و رغم أنه كان غير مُثمر إلا أنه سمح على الأقل بتشكيل جيش أحمر جديد. و لأول مرة في تاريخ الحزب أصبح اليوم يملك قوته المسلحة الخاصة، المستقلة كليا. و في شهر غشت، تم الحسم مع الخط الإستسلامي اليميني و تمت إقالة زعيمه الرئيسي تشين توسيو.

و لمقاومة حملات التقتيل التي يشنها الكيومنتانغ ، نظم الحزب عصيانا مسلحا للعمال و الفلاحين، جرى في 11 دجنبر 1927 في كانتون. كما أعلن كذلك قيام حكومة ديمقراطية للعمال و الفلاحين، عُرفت تحت إسم "كمونة كانتون"، مكلفة بتنفيذ برنامج ثوري. لكن الثوريين كانوا يذهبوا أبعد partaient de loin . فجيوش الكيومنتانغ التي كانت تفوقهم بأكثر من ست أو سبع مرات، تلقت كذلك دعم الإمبرياليين البريطانيين و اليابانيين و الأمريكيين، الذين وضعوا مدافعهم تحت تصرفها. و قد تم إغراق العصيان في الدم. و كما شرح ماو ذلك فهذه الفترة أعطت للشيوعيين الصينيين درسا كبيرا: فالثورة المضادة كانت أشد قوة في المدن؛ حيث أنه رغم طابعها البطولي فالمحاولات التي كان يقوم بها العمال و العاملات للإستيلاء على السلطة كانت تتعرض للفشل. فالثورة الصينية لن تنتصر، كما كان يعتقد ذلك بعض قادة الحزب، عن طريق استراتيجية مرتكزة على العصيانات المدنية و الإنتصارات الخاطفة.



10- كانت جيوش الملاكين العقاريين و أمراء الحرب و الكيومنتانغ معبأة لهدف موحد ألا و هو اعتقال الشيوعيين لأجل تقتيلهم. و أمام هذه الوضعية عاد ماو إلى أنيوان لتعيين عمال مناجم لإطلاق ما سُمي "انتفاضة حصاد الخريف". إذ في هذه الفترة من السنة كان الفلاحون يكملون حصادهم و كان الملاكون العقاريون يأتون لملاقاتهم لجمع أكريتهم. لكن هذه المرة، كان ينبغي التصرف بحيث ألا يحصل أي واحد منهم، و لا أي إنسان فظ، و لا أي من الوجهاء على أية حبة أرز، و أن تتم مصادرة أراضيهم. و قد شكل ماو "أول جيش ثوري للعمال و الفلاحين"، مكلف بإطلاق العصيان. و باقتراح من ماو عوض الجيش الجديد راية الكيومنتانغ بالراية الحمراء، مع رمز المنجل و المطرقة مرسومين وسطها نجمة صفراء. لم يكن الـ 8000 من المقاتلين و المقاتلات يملكون بدلة موحدة، و لم يكونوا و يكن مسلحين(حات) سوى بالرماح و بعض المسدسات. لكنهم و لكنهن ساروا و سرن من خونان حتى إقليم كيانغشي، مقاتلين الجيوش الرجعية. و كما أعلن ذلك ماو :«لقد انطلق النضال الطويل و المفتوح من السلطة في هذا الوقت بالذات». و قد شكلت هذه الفترة مرحلة أولى نحو تطوير صنف جديد من الحرب الثورية، التي سماها ماو الحرب الشعبية الطويلة الأمد،التي تتضمن خلق مناطق ارتكاز في الأرياف، و بناء جيش أحمر، و تحقيق الإصلاح الزراعي في القرية، و مواصلة حرب طريلة الأمد لتطويق المدن و الإستيلاء على السلطة.


الترجمة و النسخ :عسو الخطابي
--------------------------------------------------------------------------------

[1] ماو : :" تقرير عن تحقيقات حول حركة الفلاحين في خونان" المختارات المجلد الأول

[2] ماو :" تقرير عن تحقيقات حول حركة الفلاحين في خونان" المختارات المجلد الأول.



#عسو_الخطابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياة ماو تسي تونغ- الجزء الأول
- حياة ماو تسي تونغ- الجزء الخامس


المزيد.....




- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عسو الخطابي - حياة ماو تسي تونغ- الجزء الثاني: بدايات الثورة الصينية