أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال اللبواني - أسئلة الليبرالية ( 7 ) الدين والدولة















المزيد.....

أسئلة الليبرالية ( 7 ) الدين والدولة


كمال اللبواني

الحوار المتمدن-العدد: 1302 - 2005 / 8 / 30 - 10:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين ما دان له الناس بمحض إرادتهم ، أي هو ذلك الانضباط الطوعي النابع من الإيمان والقناعة التي ترسخت في الضمير ، فالضمير يحاكم السلوك ويضبطه ويعطيه صفة الخير والشر ، وهو الذي يتكون نتيجة التجربة الحياتية ، والتربية والتعلم ، ونتيجة تبني منظومة معرفية - قيمية معينة ( عقيدة دينية ) تنظم المعارف ( فلسفة ) ثم تبني موقفاً قيمياً منها ، وتقترح نمطا سلوكياً وضوابط ومعايير يفترض بالمؤمن أن يتقيد بها , فتحكمه ويدين لها , بحيث يصبح متدينا : أي صاحب ديانة ولديه ضوابط داخلية تضبطه ومنظومة قيمية معروفة تحركه ، فالدين علاقة قائمة بين الإنسان وبين سلطة أعلى يتحكم إليها ويتصل بها عبر دواخل نفسه ، لأنها تحتجب عن عالمه المادي الفيزيائي ، لكنها موجودة في عالمه المعنوي التصوري الميتافيزيائي , وتؤثر في سلوكه وتهيج ضميره ، وما يعذبنا ضميرنا لأجله هو ديننا ومعبودنا الحقيقي ، وليس ما ندعي ونتظاهر ، فالدين هو حاكم حقيقي داخلي يسكن الضمير , وهو سلطة داخلية تعطي للأفعال والسلوك صفة الخير والشر .
في حين أن الدولة ( أي السلطة السياسية ) هي سلطة مادية قانونية خارجية تنفذها أجهزة المراقبة والمعاقبة والتي تفرض احترامها بالقوة الفيزيائية ، بغض النظر عن ضمائر وإرادة الناس وقناعاتهم .
والعلمانية تعني تحديداً فصل تلك السلطتين عن بعضهما . وليس الغاء أي منهما , لأنه هناك فرق كبير وهام بين سلطة الدين وسلطة القانون ، وعقاب الدين وعقاب الدنيا . مع العلم أنه وجد على الدوام أيضا ، أناس يحلمون في مطابقة القانون مع الضمير ، فيتحقق تنفيذ القانون بشكل طوعي ، لكن هذا الحلم كان يصطدم بحقيقة أساسية قاسية لا مهرب منها : ماذا يحدث لو رفض القلة الامتثال لصوت الضمير ونداء الحق ؟، ثم من له حق ادعاء تمثيل الضمير والنطق باسمه وتحديد قانونه ؟ أي تمثيل الضمير الذي يحاول أن يتقمص السلطة العليا التي نحتكم إليها ويتمثلها في ذاته ( أي الله : الاله الكلي الواحد المرمز في مفهوم الإله كممثل للكائن الاجتماعي في الضمير ، والمتحد مع مفهوم الرب : الرمز الممثل للقوى التي تتحكم بالطبيعة ، والتي دمجت فلسفة التوحيد بينهما أقصد بين ترميز الطبيعة وترميز المجتمع في عنصر واحد متحد ومنسجم ) ،
من يستطيع أن يكتب ذلك القانون المعبر عن سلطة الضمير ، من هو المؤهل ليصوغ القانون المطابق لإرادة الحق ( الله ) ، من هو الذي يتصل بمنبع الضمير والدين ويسأله عن الشريعة ، هل هذا المنبع يتراءى للجميع بشكل واحد ، هل هو مستقل عنهم ، أم يوجد بهم ومن خلالهم ، وهل كل الضمائر موحدة ، وهل سنة الكون هي التوحد وفق نمط واحد ، أم هي الاختلاف والتفاعل و التلاقح ، والتطور نحو المزيد من الرقي ، وهل الكون متغير ومتطور أم أنه ثابت لا يتبدل ولا يتحول ، ومن ثم هل هناك نص أو نظام قانوني متكامل حرفي واضح مطابق للسلطة العليا الإلهية على الدوام ، يجب علينا إتباعه دوماً وكما هو من دون تغيير ، أم أن كل النصوص والشرائع الدينية ، التي هي محاولات في ذلك الطريق ، هي نصوص عمومية تفهم بمقاصدها واتجاهها وليس بحرفيتها ، وأن الحكم النهائي يعود لما تقوله ضمائرنا الحرة في هدي تلك الدعوات ؟؟؟ .
طبعاً حاول السلاطين عبر العصور المزج بين سلطانهم و سلطة الدين ، ومن ثم لي عنق الدين ليضم بين ثناياه ما يرسخ تسلطهم ، و كانوا حريصين على تدبيج نصوص فقهية تشريعية تقولب الضمائر وتجبرها على قبول الانقياد الأعمى لنظام يدعي أنه ينطق باسم الحق ( الله الخالق ) لكنه في النهاية يخدم مصالح جزئية وأنانية واستبدادية ، وكانوا على الدوام يجدون الفقهاء المستعدين لأداء ذلك الواجب الشرعي ، والذين هم قادرين على أن ينتجوا الفقه المناسب لاستمرار السلطة بيد المستبدين ( حتى لو جاهروا بكفرهم ) ، وأن ينتجوا الفقه الذي يبعد الناس عن حقهم في اختيار سلطتهم ومحاسبة حاكمهم الذي ينحرف عن قانونهم الذي يرتضوه بحرية ، فتختلط العبودية لله التي تمر عبر الضمير ، في العبودية للسلطان التي تتم عبر الشرطة ، فيجبر الناس على السجود في المساجد ( لله شكلا وللسلطان فعلا او كلاهما معاً ) بما يتضمنه ذلك من شرك بالله وخضوع للطاغوت ، تحت سطوة مطوعي الحاكم وجلاديه ، الذين يجبرون الناس على الخنوع والطاعة و الرقص في الشوارع في أعياد القائد الامام ، أو البكاء والنحيب واللطم عليه في حال وفاته ..
المشكلة إذا هي أن يفرض على الناس إتباع دين لم يختاروه بحرية ، واتباع شيء أخر غير ضمائرهم باسم الشريعة التي أرسلها الرب وارتضاها لعباده ، عبر خدعة تقول : أنه لا يملك تأويلها إلا رجال الدين أصحاب الحق الحصري في النطق باسمه ، وتفسير نصه ، وتوجيه عباده ، ثم بالتالي فرض طاعة نظام قانوني لم يختاروه ويرتضوه بملء إرادتهم ( وكأنه شريعة الله الخالدة ) بما يتضمنه من مصالح وغايات أنانية ودنيوية تخص المتحكمين بالبشر الراغبين في استبعادهم بأبسط السبل وأعقدها . .
أي أن المسألة هي مسألة حرية ، فهل الإنسان حر أم لا ؟ هنا نتوقف عند سؤال : كيف تكون مؤمناً بالله الخالق المسير للكون الذي أرسل الرسالات بالهدى والحق ، ثم تكون حراً في اختيار ما ترى أنه ضميرك ومسؤوليتك التي لا يمكن تجييرها ولا تفويض أحد بها . وهل هذه الحرية جزئية ومشروطة بما ورد في نص ما أو تفسير ما .. أم هي محدودة فقط بأمرين هما سلطة الضمير ومشيئة الله . التي تسمح أو تمنع تنفيذ إرادتنا رغماً عنا بتحكمها بالكون ، وبالتالي نستطيع أن نعتبر كل سلطة سياسية مادية بشرية على أنها سلطة غير مقدسة مهما كانت ، بل يتوجب أن يتم التوافق والتعاقد عليها برضا الناس الأحرار ، وليس لها أي مصدر آخر للشرعية ، لا من النص ولا من الفتوى .
لم يكن صعباً حتى في باكورة انتشار الدين تدبيج نظام من الفقه والتفسير والشرح يتعامل مع شكل ومنطوق النص ، بغض النظر عن روحه ، وينتهي بدين سلبي اتكالي يبرر انسحاب العامة من ساحة السياسة , التي تركت لكل فاسد ومجرم , حيث أن الحكام لم يكونوا أبدا يتبعون ابسط قيم وأخلاق الدين , مع أنهم يقدمون أنفسهم كتجسيد للشريعة ( خلفاء لله ) ، ويلعنون كل من يعارض سلطانهم المقدس ، وقد تكرر ذلك بصور وأشكال مختلفة وبشكل يندى له الجبين ، حتى زماننا هذا .. مما استوجب التفكير الجدي في ضرورة فصل سلطة الضمير عن سلطة السياسة والشرطة ، ثم استوجب جعل سلطة الشرطة خاضعة لإرادة الناس الحرة ، التي يفترض بها أن تعكس صورة ضمائرهم لكن من دون وصاية ، وهذا هو الجوهر العميق لليبرالية والديمقراطية والعلمانية ( عدل ) ومحتوى ترابطهم وتلازمهم معاً ضمن أي نظام سياسي حقوقي يحترم إرادة الناس ، وهذا ما يوضح لماذا تكون العلمانية هي التعبير الأفضل عن قيم الدين وغاياته ، والضمانة الأرقى لعدم تشويهه وتوظيفه في مشروع تسلطي شمولي قهري ، يخالف كل قيم وأخلاق الدين باعتباره دعوة للحرية والحق والمحبة والعدالة ، وباعتباره سلطة طوعية ذاتية تكمن داخل النفس التي تتصل بالخالق وتعيش حضوره الدائم عبر الإيمان .

وفي هذا السياق لا بد أن تطرح مجموعة هامة من الأسئلة : لماذا لم تبرز مسألة العلمانية قبل العصور الحديثة ، ولماذا صارت اليوم ضرورة لكي يستمر الدين ، ولماذا لم تستطيع أوربا القفز فوقها في مسيرة تطورها ، ولماذا كانت العلمانية هي الطريق الوحيد لإنقاذ الدين من الاندثار ، ولماذا أجبر الدين على إجراء إصلاح جوهري يجعله متكيفاً مع قيم الحرية وبشكل خاص الحرية السياسية ، وهل يتوجب على الدين الإسلامي انجاز هكذا نقلة ، وما هو محتواها العقلي والفكري والفقهي ؟؟؟.. في المقالات التالية سنحاول وضع خطوط عريضة لإجابات أولية على هذه الأسئلة .





#كمال_اللبواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة الليبرالية ( 6 ) الاقتصاد - الثقافة - السياسة
- أسئلة الليبرالية ( 5 ) الليبرالية والديمقراطية
- أسئلة الليبرالية (4 ) الليبرالية والاجتماعية
- أسئلة الليبرالية (3 ) الفلسفة والأيديولوجية
- أسئلة الليبرالية 2 .... هل الليبرالية شمولية جديدة ؟
- أسئلة الليبرالية
- ماذا يريدون ؟
- أربعة محركات لليبرالية في سوريا
- سلطة الفساد : من الاشتراكية إلى الاجتماعية
- مشروع التجمع الليبرالي الديمقراطي - عدل
- الحقوق ليست بحاجة لتراخيص بمناسبة إغلاق منتدى د. جمال الأتاس ...
- الحوار لا يجري في السجون ومع رجال الأمن
- الليبرالية والديمقراطية مرة أخرى تعقيب على مقال د. برهان غلي ...
- سؤال للمجتمع السوري
- حقوق المرأة النــص - الواقــع ....


المزيد.....




- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...
- 40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال اللبواني - أسئلة الليبرالية ( 7 ) الدين والدولة