|
سياسة - دستور
جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 1302 - 2005 / 8 / 30 - 07:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الرسالة الخامسة إلى : الدكتور حاجم الحسني رئيس الجمعية الوطنية العراقية . الشيخ همام حمودي رئيس لجنة صياغة الدستور . أعضاء الجمعية الوطنية . أحييكم جميعا على جهودكم المضنية التي أوكلت لكم في الأسابيع الأخيرة لكي تبنى الدولة العراقية الجديدة على الأسس و المؤسسات الدستورية . واسمحوا لي متفضلين بوضع بعض المقترحات أمامكم . * * * * * * * * * عن سيادة القانون جاء في المادة الخامسة من مسودة الدستور التي أعدتها لجنة صياغة الدستور ما يلي (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها ، يمارسها بالاقتراع السري المباشر وعبر مؤسساته الدستورية..) . لو نظرنا إلى هذه المادة لوجدناها في جوهرها تتكون من مادتين بدلا من مادة واحدة : ( أ ) السيادة للقانون . ( 2 ) الشعب مصدر السلطات والتشريع . سأتناول في هذه الرسالة النقطة الأولى فقط عن سيادة القانون . طيلة تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 وحتى الآن لا توجد في العراق أية ممارسات حقيقية لمبادئ ( سيادة القانون ) رغم أن جميع الدساتير العراقية ، المؤقتة والدائمة ، احتوت على هذا النص أو أشباهه ، ورغم أن جميع الحكومات السابقة كانت تتغنى كثيراً في برامجها بمبدأ " سيادة القانون " وقد تكون فيها سيادة للقانون فعلا لكن على الشرائح الضعيفة وعلى الطبقات الفقيرة في المجتمع ، أو على كل الشرائح ، إلا الشريحة العليا المتنفذة في الحكم والمالكة لزمام السلطة والثروة ، والتي تعتبر أنها " فوق القانون " لأن القانون يصدر بموافقتها ليسري على الآخرين ، وهو لا يسري عليها وعلى من هم في محيطها السلطوي والحزبي والقبلي . . وقد كان هذا هو الواقع البين خلال العقود الخمسة الماضية وحين كان صدام حسين يقول ويعمل بمبدأ " أنا القانون " . ويبدو وكأن مثل هذا الفهم القاصر هو السمة الغالبة في المجتمعات والأنظمة المتخلفة، وفي هذا الفهم الصدامي إجهاض لمبدأ سيادة القانون، أو مسخ له، أو تشويه لغاياته ومراميه التي تصب في تحقيق العدالة والمساواة والمساءلة والشفافية. إن أهم مقياس لمدى مصداقية مبدأ سيادة القانون، هو مدى خضوع " الحكام " أنفسهم للقانون، شأنهم شأن أي فرد في المجتمع. فهل خضع أي حاكم ومن في معيته ومن في محيطه للقانون مثلما يخضع أي فرد اعتيادي من أبناء المجتمع؟ إن الواقع العراقي هو نقيض ذلك تماماً. فأمر " سيادة القانون " لم يكن يسري على أية حكومة من حكومات العراق السابقة أو أي فرد من أفرادها ولم يشهد تاريخ القانون في الدولة العراقية أية محاكمة لوزير أو رئيس وزراء أو مدير انتهك القانون وما أكثرهم لسبب رئيسي واضح هو عدم وجود ديمقراطية حقيقية تعمل من أجل سيادة القانون لأن من مرتكزات سيادة القانون الأساسية هي في توفر العدالة والمساواة والمساءلة والشفافية، التي يتساوى فيها أفراد المجتمع جميعاً أمام القانون . لذلك تأتي الانقلابات العسكرية بالكثير من المحاكمات غير العادلة للمسيئين للحكام المسيئين للقانون وتطبيقاته لأنها تجري بالأساس وفقا للثأر والانتقام السياسيين وليس على أسس احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها دوليا الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي أعلنتها الأمم المتحدة بعد انهيار الفاشية في أعقاب انتصار القوى الديمقراطية بنهاية الحرب العالمية الثانية . وبذلك، سلّمت الشعوب بأن التحرر من الفاقة والخوف ضروري لكنه غير كاف. فكل إنسان له الحق في أن يعامل بكرامة واحترام. أعتقد بقوة أن على عدم الاكتفاء بالإعلان في الدستور على نص " سيادة القانون " بل على النص أيضا بشمول أحترام هذا المبدأ من قبل الحاكمين والمحكومة ، من قبل أفراد الحكومة وأفراد الشعب . وأن على الدستور أن يشدد على الحكام أولا بتطبيق هذا المبدأ بالقول مثلا ( على جميع أعضاء الحكومة أن يلتزموا بتنفيذ مبادئ سيادة القانون التزاما فائقا بما يحقق أمن أفراد الشعب العراقي ورفاهم وحرياتهم ) . أو النص على ( أن من ينتهك مبدأ سيادة القانون من الوزراء ومن رجال الدولة تترتب عليه عواقب في الغالب ) .. أن مبدأ سيادة القانون يعتبر من أساسيات المجتمعات الديمقراطية على أن يكون القانون خادماً للجميع، وأن يكون جميع أفراد الشعب سواسية أمامه. على أن يكون للجميع نفس الحقوق والحريات التي تمنحهم الحماية القانونية، لذلك يجب أن يدرك المواطنين بأن هذه القوانين وضعت من أجل الحفاظ على حقوقهم. لذلك فإن مبدأ سيادة القانون كمفهوم مجرد ليس كافيا. ويجب وضع قوانين جديدة تضع مبدأ سيادة القانون موضع التطبيق العملي وتجهيز مؤسسات الدولة جميعها بالوسائل والأدوات والإمكانيات القادرة فعليا و بشكل أفضل لتعزيز مبدأ سيادة القانون. ويعتبر وجود مؤسسات قانونية وقضائية وطنية فعالة أمرا ضروريا لكفالة نجاح كافة الجهود التي تضمن سيادة القانون في المرحلة القادمة من الحياة الدستورية المفترضة لمساعدة المجتمع العراقي على الخروج من ماض طويل تميز بالعنف والقهر وانتهاك القوانين .. وهذا ما أكدته الكثير من الدساتير في البلدان المحلية عندما أكدت أن الجميع أمام القانون سواء، فقد أصبح القانون هو الناظم في العلاقة ما بين المواطنين المتساوين الأحرار، وأبعدت بذلك منطق توازنات القوى أو محاولة أخذ القانون باليد، التي كانت سائدة بالاستناد إلى وجود البنى العشائرية والقبلية، فأصبح الذي يخالف القانون يجازى أمام القضاء الذي يفترض به النزاهة والعدالة والاستقلالية بغض النظر عن موقعه الوظيفي، أو مكانته الاجتماعية، أو أصوله الطبقية. وأصبحت هناك أجهزة للدولة مثل "الشرطة والجيش" تقوم وظيفتها الأساسية على حماية المواطن وأمن واستقرار وسيادة البلاد "الوطن" أيضا؛ ومثل تلك الأدوات "الشرطة والجيش" تكون في خدمة الدولة، والوطن، والمواطن وذلك بغض النظر عن طبيعة الحزب السياسي الذي يحكم الدولة فالمواطن لا يخضع لهذا الحزب الذي يتربع على سدة الحكم اليوم لأنه سيتغير غداً عن طريق مبدأ الانتخابات الدورية والتداول السلمي للسلطة، في إطار التعددية الحزبية والسياسية التي أخذت مكانها بدلاً من التعددية القبلية والعشائرية، بوصف الأحزاب السياسية تعبيراً راقياً عن قوى اجتماعية فاعلة في المجتمع ولكن بلغة سياسية؛ وهكذا وجد المواطن نفسه، بوصفه ذاتاً حقوقية مستقلة، يرتبط بعلاقة قانونية وتبادلية بينه وبين الدولة ، بينه وبين المجتمع ، بينه وبين الآخر ، بينه وبين الحق العام حيث تضمن حقوقه وتفرض عليه واجبات، مستنداً إلى مضمون الحماية من أجهزة الدولة ومن القانون؛ فهو ليس بحاجة إلى الانضواء في بناء قبلي أو عشائري للاحتماء الذاتي ، أو الانضواء تحت ظلال الميليشيات الحزبية غير القانونية ، بل الحفاظ على أمنه الشخصي من خلال القضاء ، والقانون ، والشرطة ، وغيرها من الأجهزة الرسمية التي من الضروري أن تفترض الأمن للجميع . وكشرط لازم لاستقرار مجتمعنا داخلياً وجعله يسير على طريق سليم في بناء مؤسساته العامة والخاصة وتحقيق أهدافه أصبح مبدأ "سيادة القانون " الشغل الشاغل لجميع المفكرين العراقيين والكتاب والعاملين في الحقل القانوني العام خارج الحكومة الانتقالية وخارج البرلمان الحالي ، بحيث جرت ترجمته عملياً على أنه خضوع الحاكم والمحكوم إلى القانون السائد- مبدئياً كمبدأ دستوري لا مناص منه . إلا أن مدى فاعلية مبدأ سيادة القانون في البناء الاجتماعي - السياسي ومدى القدرة على الالتزام به واحترامه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى تطور القانون العراقي نفسه ومدى ملاءمته مع تطور العصر الراهن وقدرته على استيعاب الحالات الاجتماعية المختلفة بشكل دائم. فقدرة الهيئات الاجتماعية في مجتمعنا والتزامها بالقانون ، يرتبط بمدى قدرة القانون على كسب احترام هذه الهيئات. ولا يكون ذلك إلا إذا كان القانون متطوراً بشكله ومضمونه سباقــّا ًً دائماً إلى التأسيس لدفع المجتمع نحو حالة من الارتقاء الدائم عما هو فيه و قادراً بشكل سريع ومرن على ضبط وتأطير الظواهر والنواتج التي تنجم وتنتج عن ارتقاء المجتمع. صحيح أن الكثير من العاملين في حقل القانون يصطلحون على تعريف القانون على أنه (أداة قمع). إلا أنه من الملاحظ أن هناك بعض الشطط الذي يظهر في التطبيقات العملية لهذا التعريف ، ذلك أن القانون يتحول أحياناً إلى أداة قمع بيد النظام القائم لحماية نفسه ووجوده واستمراره، فيخرج بذلك عن مفهوم التعريف الذي يجب أن يتجه دائماً إلى اعتبار القانون أداة قمع للظاهرة المجتمعية التي قد تشكل في وجودها عائقاً في وجه تطور المجتمع وعاملاً في زعزعة استقراره الحضاري. وبقدر ما يتمكن النظام ، أي نظام ، من إيجاد قانون يحمل في شكله ومضمونه المواصفات المتقدمة الذكر لجهة تطوره وعصريته ، وبقدر ما يلتزم " الحاكم " بحد ذاته بهذا القانون ويعمل على قمع ظاهرة خرقه ، بقدر ما يكرس ضرورة احترامه ويخلق شكلاً من الأخلاقيات التي تسود المجتمع على مر الزمن مؤسساً بذلك لحالة احترام مبدأ سيادة القانون من الجميع ولمصلحة الجميع . **************** جاسم محمد المطير كاتب وصحفي عراقي مقيم في هولندا بصرة لاهاي في 28 – 8 - 2005 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهاية التاريخ أم إعلاء التاريخ ..؟
-
لا تنسوا عدد الحمير في العراق يا مفوضية الانتخابات ..!!
-
يا شيعة علي تقاتلوا ..!!
-
سياسة / دستور
-
المرجعيات أشكال مثل الجفافي ..!!
-
عن افتراءات قيقو وجيجو ..!!
-
السيد رئيس الوزراء .. نحباني للو ..!!
-
مسامير جاسم المطير 981
-
مسامير جاسم المطير 978
-
ادفع تعلو.. في كردستان العراقية
-
إلى وزراء الثقافة والتعليم العالي والتربية ..!
-
السلام على ولاية الفقيه ..!!
-
كيف تصبح مليونيرا بخمسة تلفونات ..!!
-
الإسلام بالهندي الفصيح ..!!
-
خراب البصرة وحزب الفضيلة بين زمنين ..!!
-
هل تفوز امرأة عراقية بنوبل 2005 ..؟
-
مسامير جاسم المطير 958
-
النشيد الوطني العراقي بالأومليت ..!
-
عزيزتي فيلية مع التحية ..!!
-
رسالة الى توني بلير
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|