منير شحود
الحوار المتمدن-العدد: 1302 - 2005 / 8 / 30 - 10:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قلة هم أولئك الأساتذة الذين افترضوا وجود جامعة في سوريا البعث وعملوا انطلاقاً من هذه الفرضية, فهربوا من الواقع المرير ليعيشوا حلمهم الممتع, كأساتذة في جامعة, وما يتطلبه ذلك من تفانٍ وتضحية وصبر, بغض النظر عن أي اعتبار آخر, أكان مادياً أم معنوياً, غير آبهين بزملاءٍ لهم يتراكضون خلف المناصب وممثلي أجهزة الوصاية, ليعرضوا خدماتهم غير الجليلة.
ويبدو أن الدكتورة ماري الياس, وكما سمعت عنها, هي من هذه القلة المبدعة التي تحمل مؤسسة الجامعة على كواهلها. ومع أنني لا أعرفها شخصياً فقد انتابني, عند سماع خبر الموافقة على استقالتها من العمل في كلية الآداب بجامعة دمشق, ذلك الإحساس الذي خبرته مراتٍ كثيرة: العلقم في الحلق والكآبة والحصار والإهمال وتسلط الفاسدين والطارئين والمرتبطين في الوسط التعليمي, كما في خارجه.
إن هذه القلة من الأساتذة هي التي حافظت على ما تبقى من التقاليد الجامعية, رغم ما يعشش في سراديب الجامعات من تسييس وتبعيث وفساد. وكان الكفاح المتفاني والعمل العلمي التربوي نمط حياةٍ فذٍّ لا يقابل من الجالسين على الكراسي بالتعيين السياسي سوى بالإهمال, أقله, أو بتدبير المكائد والإقصاء الكامل, أكثره.
لقد أراحتهم الدكتورة ماري, فأقصت نفسها بنفسها. هل هي على حق في ذلك؟ الجواب نعم ولا. وبالنسبة لي فإن خيارها الشخصي موضع احترامٍ وتقدير. ولكن الجانب الآخر من المسألة هو الأهم, وهو الشأن العام, أي مصلحة العملية التعليمية...الخاسر الأكبر, وهذا ليس له أدنى قيمة في الوضع الحالي المتمثل بغياب المعايير المعتمدة في هذا المجال.
لقد حضرت منذ أيام اجتماعاً في القسم لتوزبع المقررات التدريسية, وكان الأمر أشبه بتوزيع المخصصات التموينية في المؤسسات الاستهلاكية, إذ يتسلم المدرسون من مختلف الشهادات والمهارات والخبرات حصصهم المتساوية من المقررات!. وهكذا يتم إرضاء الأغلبية غير الجديرة على حساب القلة المتميزة.
عندما تجتمع التضحية والعدالة والكفاءة عند من ينبري لواجب القيام بمهمة تربوية تعليمية رفيعة, ينوجد الأستاذ الجامعي. ولكن ذلك صعب ومحفوف بالمخاطر والعقبات في مسرح يضج بأصوات الولاء والرياء... لذلك ترجلت الفارسة.
#منير_شحود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟