أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - تعريفات التصوف : التمهيد لكتاب ( التصوف ... )















المزيد.....


تعريفات التصوف : التمهيد لكتاب ( التصوف ... )


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 4639 - 2014 / 11 / 20 - 22:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التمهيد لكتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
التمهيد : التصوف عقيدة وتاريخاً
أولاً: لمحة عن التصوف عقيدة : ماهية التصوف . تعريفات التصوف . -اشتقاقات التصوف. مصادر التصوف .- هل يمكن أن يكون .الإسلام مصدراً للتصوف عند المسلمين ؟ ثانياً :لمحة عن التصوف تاريخا : بداية التصوف وانتشاره في الدولة الإسلامية ــ بين الزهد والتصوف . - بداية التصوف . انتشار التصوف في العالم (الإسلامي). سيطرة التصوف علي العصر المملوكي .
التصوف عقيدة أولاً: ماهية التصوف :. * تعريفات التصوف : 1- يقول القشيري ( تكلم الناس في التصوف ، ما معناه، وفى الصوفي من هو، فكل عبر عما وقع له ، واستقصاء جميعه يخرجنا عن المقصود من الإيجاز وسنذكر بعض مقالاتهم فيه على التلويح .. سئل أبو محمد الحريري عن التصوف فقال : الدخول في كل خلق سني و الخروج من كل خلق دني، وقال أحدهم سمعت الجنيدي وقد سئل عنه فقال : هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به ، وقال الحسين بن منصور عن الصوفي : وحداني الذات لا يقبله أحد، ولا يقبل أحداً) إلخ (1) .
فالقشيري يرى أن كل صوفي عرف التصوف تعريفاً ذاتياً ، أو بتعبيره ( فكل عبر بما وقع له) ، ومعنى ذلك أن تتعدد تعريفات التصوف ، وتتكاثر بتكاثر الداخلين في ميدان التصوف ، حتى أن القشيري أراح نفسه من ذكر تعريفات التصوف التي ذكرها الصوفية حتى العصر الذي عاشه فقال (واستقصاء جميعه يخرجنا عن المقصود من الإيجاز )، وقد مات القشيري سنة 465 هجرية .
ومن الطبيعي أن تتعاظم تعريفات التصوف كثرة بعد زمن القشيري، وقد دخل التصوف في دور الانتشار، فيقول الحلبي في القرن الحادي عشر ( في كلام بعض المشايخ في بيان ماهية التصوف أقوال تزيد عن ألف قول)(2). أي بلغت تعريفاته عند بعض المشايخ أكثر من ألف .. فكيف تبلغ عند كل المشايخ ، وردد د./ عبد الحليم محمود قول الحلبي في تعريفات التصوف ، وأنها (أربت عن الألف ، كما يقول مؤرخو التصوف القدماء )(3). وأورد نيكلسون قائمة بتعريفات التصوف مرتبة ترتيباً زمنياً ، وذكر بعضها بالعربية والفارسية (4) . ولا يزال الباب مفتوحاً على مصراعيه لتعريف التصوف عند الصوفية فيقول صوفي معاصر هو أبو الوفا التفتازاني (التصوف فلسفة حياة تهدف إلى الترقي بالنفس أخلاقياً ، وتتحقق بواسطة رياضيات عملية تؤدى إلى الشعور في بعض الأحيان بالفناء في الحقيقة الأسمى. والعرفان بها ذوقاً لا عقلاً، وثمرتها السعادة الروحية ، ويصعب التعبير عن حقيقتها بألفاظ اللغة العادية لأنها وجدانية الطابع والذاتية)(5). 2ـ وحاول دارسو التصوف أن يجدوا تعليلاً وتفسيراً لهذه الكثرة الكاثرة من التعريفات الصوفية للتصوف ، والقشيري أسبق في الإشارة إلى أن كل صوفي يعبر عن ذاته في تعريفه للتصوف . وقد أوضح أبو العلا عفيفي ما أجمله القشيري ، فيقول عن تعريفات التصوف : ( قد يكون للصوفي الواحد أكثر من تعريف للتصوف من غير أن يربط بينها رابط وذلك لأن الصوفي " ابن وقته " فهو ينطق في كل وقت بما يغلب عليه الحال في ذلك الوقت . نعم قد يقال إن الغالب على تصوف ذي النون المصري الكلام في المعرفة ، وفى تصوف أبى يزيد البسطامي الكلام في الفناء، وفى تصوف رابعة العدوية الكلام في المحبة ، وفى تصوف شقيق البلخي الكلام في التوكل ، وفى تصوف الجنيد الكلام في التوحيد، ولكن ليس معنى هذا إن تصوف كل من هؤلاء كان منحصراً في المعرفة أو الفناء أو المحبة أو التواكل إلخ . زد على ذلك إن بين التعريفات تداخلاً جزئياً أو كلياً وبعضها يكرر معاني البعض الآخر بعبارات مختلفة ، وهو ما يجعل خضوعها للتصنيف العلمي أمراً عسيراً)(6) .
وما ذكره أبو العلا عفيفي يلخصه الباحث الإيراني "قاسم غني" القائل (التصوف أمر قلبي، وهو من مقولة الأحاسيس الشخصية ، وكل واحد يعتبر التصوف هو ذلك الشيء الذي أدركه وأحس به ، ولا يمكن وصف حقيقة التصوف بتعريف عام جامع مانع يتفق عليه الجميع ) (7).
ويخرج أبو الوفا التفتازاني بتعليل جديد لاختلاف الصوفية في تعريف مذهبهم الصوفي يقول ( .. على أن كلمة تصوف ـ وإن كانت من الكلمات الشائعة ـ إلا أنها في نفس الوقت من الكلمات الغامضة ، والتي تتعدد مفهوماتها وتتباين أحياناً ، والسبب في ذلك أن التصوف خط مشترك بين ديانات وفلسفات وحضارات متباينة في عصور مختلفة ، ومن الطبيعي أن يعبر كل صوفي عن تجربته في إطار ما يسود مجتمعه من عقائد وأفكار، ويخضع أيضاً لما يسود حضارة عصره من اضمحلال وازدهار، وتبدو التجربة الصوفية واحدة من جوهرها، ولكن الاختلاف بين صوفي وآخر راجع أساساً إلى تفسير التجربة ذاتها المتأثرة بالحضارة التي ينتمي إليها كل واحد منهما ) (8).
واستعراض شتى تعريفات التصوف وتحليلها يخرج بنا عن الالتزام بالاختصار، إذ أنها جميعا لا تخرج عن الإطار الذي عرضنا له ، ثم أن القائلين في تعريفات التصوف وشرحها إما صوفية (يعتقدون شيئاً لا يتفقون على مجرد التعريف به )، وإما فلاسفة علمانيون كأبي العلا عفيفي ، وقاسم غنى ـ لا يفهمون الإسلام كما ينبغي، ويخلطون بين الإسلام والمسلمين على نحو ما سنوضحه في مفهوم التصوف وحقيقة علاقته بالإسلام . المفهوم الحقيقي
1ـ وضح من العرض السابق أن تعريفات التصوف لا تنتهي كثرة وتناقضاً واختلافاً . وأن كل صوفي يأتي لا يلتزم بتعريف من سبقه للتصوف فيأتي بتعريف جديد حتى أن (أبو الوفا التفتازاني ) ( وهو حىٌّ يرزق ) ، خرج بمفهوم يرى أنه ( أكثر انطباقاً إلى مختلف أنواع التصوف )(9)، مما جعله يعدل في تعريفه المبدئي للتصوف(10). ويأتي بالمفهوم الجديد الذي ذكرناه.
ويقيناً فان أشياخ التصوف الآخرين المعاصرين لن يوافقوا على تعريفه للتصوف حتى وإن كانوا أقل ثقافة ( أو تصوفاً) منه ، ذلك أن لكل صوفي ( تجربته الخاصة )التي يعبر عنها كما يقول التفتازاني نفسه . أو بتعبير الصوفية لكل صوفي (ذوقه ) أو بتعبيرنا ( لكل منهم هواه ) .
فالهوى هو الأساس في اختلاف الصوفية في تعريف أهم الأشياء لديهم . وهو التصوف الذي به يدينون ويوصفون . وقد يسمون الهوى (ذوقاً) عند الأقدمين أو ( تجربة ) كما عند المحدثين ، إلا أن الهوى هو المعيار الذي نفسر به حقيقة التصوف ، ولنا في ذلك دليلنا العقلي و النقلي :
أولاً : فالتصوف ( عاطفة ووجدان ، وليس من قبيل المعرفة البرهانية ، وهو حالة سريعة الزوال ) ، وتلك سمات التصوف عند التفتازانى"11"، وقد أدخلها في مفهومه للتصوف حيث قال (.. والعرفان بها ذوقاً لا عقلاً .. لأنها وجدانية وذاتية ) . فالعقل خارج دائرة التصوف . وعداء الصوفية للعقل أمر مقرر .. وإذا غلبت العاطفة ( والوجدان والذوق والإحساس )، وحورب العقل تسلط الهوى وتناقض الإنسان مع نفسه حتى ( يكون للصوفي الواحد أكثر من تعريف للتصوف ، من غير أن يربط بينهما رابط ، وذلك لأن الصوفي ابن وقته ، فهو ينطق في كل وقت بما يغلب عليه الحال في ذلك الوقت ) ، على حد قول أبى العلا عفيفي الذي أوردناه . ولأنه "هوى" فكل صوفي يتعصب لهواه الذي يحس به في قلبه ، أو بتعبير قاسم غنى فالتصوف (أمر قلبي وهو من مقولة الأحاسيس الشخصية، وكل واحد يعتبر التصوف هو ذلك الشيء الذي أدركه وأحس به ، ولا يمكن وصف حقيقة التصوف بتعريف عام جامع مانع يتفق عليه الجميع ). ثانياً : وقد جعل القرآن الكريم ( الهوى) نقيضاً للعقل ، ودعا لاستعمال العقل للوصول به للإيمان الخالص بالله وحده ، وتكرر في القرآن الكريم (أفلا تعقلون ) (لعلكم تعقلون )، ووصف المشركين بأنهم (لا يعقلون ) وبأنهم يتبعون الهوى بلا عقل ({أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ؟. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }الفرقان 43 ،44 . ولأن كل منهم يعبد هواه وينكر عقله فقد تفرقوا شيعاً وأحزاباً وطرقاً ، ومن الملاحظ أن الاختلاف سمة أساسية للتصوف يشمل كل شيء من تعريفه إلى اشتقاقاته ورسومه وشكلياته ، حتى يحتسب عمر الشقاق بين الصوفية بعمر التصوف نفسه ، بل ومرتبطاً بعقيدة التصوف نفسها، حتى أن رويم الصوفي يقول ما تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا فلا خير فيهم )"12".
2 ـ وما معنى سيطرة الهوى( أو الذوق أو الحال ) على فكرة الصوفي وعقيدته ؟ إن التصوف كما يقول التفتازاني : ( نوعان أحدهما ديني والأخر فلسفي ، فالتصوف الديني ظاهرة مشتركة بين الأديان جميعا)"13".. ومعناه أن التصوف الديني إذا سيطر عليه الهوى خالف الإسلام تبعاً لمفهوم القرآن الذي لا تقديس فيه إلا لله وحده ، ولا مكان فيه للاعتقاد في الخرافات و الآلهة الأخرى وأنصاف الآلة . فالقرآن يجعل الدين إما إخلاصاً في الإيمان بالله وحده على أساس من العقل والعلم ، وإما شركاً قائماً على الهوى والتقليد والجهل والعمى ، ولا وسطية هنا ، والعاقل بعد أن يصل بعقله وهداية ربه إلى الإيمان الخالص بالله وحده ولياً وشفيعاً ومشرعاً . فلن يكون هناك مجال للاختلاف بينه وبين إخوانه المؤمنين ،طالما يتحاكمون إلى كتاب الله ، ويرتضون حكم الله { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) الشورى10 )، أما أصحاب الهوى فهم في اختلاف وشقاق يتكاثر بتكاثر الآلهة والأولياء والمشرعين الذين يشرعون ذلك الدين بالهوى والعاطفة فتتشابك الأهواء ويكون الاختلاف والتنازع هو الخير عند أصحاب ذلك الدين ، كما يقول رويم ( ما تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا فلا خير فيهم ).
ويقرر التفتازاني أن التصوف الديني ظاهرة مشتركة بين الأديان جميعاً سواء في ذلك الأديان السماوية أوالأديان الشرقية القديمة .. أي أن التصوف وجد إلى جانب اليهودية والنصرانية وأديان الفرس والهنود والصينيين، وتلك حقيقة تاريخية نجد صدى لها في القرآن الكريم في حديثه عن بعض أهل الكتاب ممن حادوا عن الطريق وارتدوا من بعد ما جاءتهم البينان ، فاشتد بينهم الاختلاف( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ :البينة:4) ويقول عن اليهود من بعد موسى (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ هود 110 . فصلت 45 ) ، ولمحو هذا الخلاف جاء عيسى (قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ: الزخرف63 ) ثم اختلفوا من بعد عيسى (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ: مريم 37 )، ثم جاءت الرسالة الخاتمة بالقرآن لتدعو إلى الإيمان الخالص بالله وحده وإلى نبذ الخلافات والأهواء حتى بين أصحاب الكتب السابقة ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ :النمل 76 ). ووقع المسلمون فيما وقع فيه أهل الكتاب .
والتصوف اليهودي والتصوف المسيحي كلاهما مسئول عن الزيغ الذي وقع فيه أهل الكتب ، فجاء القرآن ليوضح الطريق ، إلا إن أحفاد أهل الكتاب في العصر الإسلامي أبو إلا الرجوع إلى سنن الآباء، فعاد التصوف يطل برأسه يعززه الهوى وحب التراث والمأثورات الوطنية والشعبية. وقد تنهزم العقائد الشعبية وتنحسر مؤقتاً، إلا أن الضمير الشعبي يحافظ عليها مستورة حتى تعود إلى الظهور تحت رداء جديد لتحمل عنوان الدين السائد وتجد من يدافع عنها ويربطها بالإسلام ، وهكذا كان مولد التصوف في الشام والعراق ومصر في القرن الثالث الهجري. ولعل من المفيد أن نسترجع كلمات التفتازاني ( إن التصوف خط مشترك بين ديانات وفلسفات وحضارات متباينة في عصور مختلفة ، ومن الطبيعي أن يعبر عن تجربته في إطار ما يسود مجتمعه من أفكار).

التمهيد : إشتقاقات التصوف ومصادره. التمهيد لكتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
التمهيد : التصوف عقيدة وتاريخاً
اشتقاقات التصوف * الاختلاف قائم هنا أيضاً في اشتقاقات لفظ التصوف . يقول القشيري ( وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ، والاشتقاق والأظهر فيه أنه كاللقب ، فأما قول من قال إنه من الصوف وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص فذلك وجه ، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ،ومن قال أنهم منسبون إلى صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي، ومن قال أنه من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة ، وقول من قال أنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة من الله تعالى فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضى هذه النسبة إلى الصف . ثم أن هذه الطائفة أشهر من أن تحتاج في تعيينهم إلي قياس لفظ واستحقاق اشتقاق )(15) . القشيري أراح نفسه من الترجيح بين الآراء مع إثباته فضل الصوفية المراد بين هذه الاشتقاقات . وفى نفس الوقت نفى صحة هذه الاشتقاقات من حيث اللغة.
وناقش ابن الجوزي الآراء المختلفة في اشتقاقات التصوف ، ورجح أن تكون النسبة إلى رجل جاهلي أسمه صوفة اعتكف في البيت الحرام(16). وممن ارجع التصوف إلى الصوف ( لباس الزاهدين ) : ابن تيمية (7ا) في العصر المملوكي، ثم زكي مبارك (8ا). ونيكلسون (9ا)، و التفتازاني (20) في العصر الحديث . ويقول باحث ( لا نجد علما يشغل البحث في اشتقاق اسمه ومعناه بمثل ما يشغله التصوف . هل يرد اللفظ إلى الصفاء، أو إلى الصف ، أو أهل الصفة ، أو إلى شخص جاهلي اسمه صوفة ، أو إلى نبتة صحراوية تسمى صوفانا ، أو إلى الصوف ، أو إلى اللفظ اليوناني صوفيا الذي يعني الحكمة )(21).
وأقول أن اشتقاق كلمة التصوف أتى من الكلمة اليونانية ((sophy، ومن يقرأ كتاب ( آباء مدرسة الإسكندرية الأوائل ) يجد الدليل على أن تصوف المسلمين كان متأثر أشد التأثر بالتصوف اليوناني المسيحي قبل الإسلام ، وفى هذا الكتاب الذي أصدرته الكلية اللاهوتية بالإسكندرية توضيح ـــــ بدون قصد ـــــ للجذور التي استقى منها الغزالي وابن عربي والرواد الصوفية عناصر فلسفتهم ، وفي أن كلمة غنوص تعني العارف وغنوصية تعنى المعرفة ، وقد ترجمت الكلمتان وأطلقتا على الولي العارف ، وعلى ( علم التصوف) . أو المعرفة الصوفية ، بينما بقيت الكلمة اليونانية (sophy) صوفي كما هي بنفس اللفظ والمعنى القريب من غنوصي. ويعنينا من هذا كله أن التصوف منذ ظهوره في تاريخ المسلمين في القرن الثالث الهجري وحتى الآن ، لم يجد اتفاقاً حول اشتقاقه اللغوي في لغة عربية تمتاز بأنها قياسية في قواعدها النحوية والصرفية ، وهذا منطقي في دين جديد يحاول أن يصل نفسه بالدين الرسمى المعلن ، ويعانى من خلاف مستحكم بين أتباعه في الداخل، دين يقوم على الهوى وذوق الأشياخ . مصادر التصوف
انتقلت عدوى الاختلاف إلى دارسي التصوف من المستشرقين في تحديد مصادر التصوف . 1ـ فمنهم من ردّ التصوف إلي مصدر فارسي مجوسي مثل ثولك ، ودليله أن كثيراً من المجوس بقى على دينه بعد الفتح الإسلامي، وظهر من أبنائهم كبار الصوفية الأوائل مثل معروف الكرخي و البسطامي، وقد رد التفتازاني على هذا الرأى بأن ( ازدهار التصوف لم يكن ثمرة لجهود أولئك فحسب ، وإنما أعان على ازدهار التصوف كذلك عدد ليس بالقليل من الصوفية العرب ، نذكر منهم الداراني وذا النون المصري ومحيي الدين بن عربي وعمر بن الفارض وابن عطاء السكندري)(22). و التفتازاني يغالط في رده ، فالحديث هنا عن مصدر التصوف وبدايته لا عن ازدهاره وتطوره، ثم إن ذا النون المصري لم يكن عربياً وليس له نسب أو ولاء في العرب وإنما هو نوبي قبطي، أما ابن عربي وابن الفارض وابن عطاء فقد جاءوا في القرنين السابع والثامن للهجرة ، حيث اختلطت الأنساب وشاع انتساب الأولياء الصوفية لآل البيت ليكونوا أشرافا ذوى نسب يصلهم بعلي ومحمد عليه السلام ، ثم أنهم ليسوا مصدرا وروادا للتصوف فقد بدأ التصوف قبلهم بأربعة قرون . 2 - ومنهم من أرجع التصوف إلى مصدر مسيحي، بحجة وجود الصلة بين النصارى والعرب قبل وبعد ظهور الإسلام ووجود الشبه بين الصوفية والرهبان ، ومن أصحاب هذا الرأي : ( فون كريمر، و جولد زيهر، ونيكلسون وبلاتيوس ، وأوليرى)، ويقول التفتازاني معلقا ( ونحن وإن كنا لا ننكر تأثر بعض الصوفية المتفلسفين بالمسيحية ، على نحو ما نجد عند الحلاج الذي استخدم في تصوفه اصطلاحات مسيحية كالكلمة واللاهوت و الناسوت وما إليها ، ولكن هذا لم يظهر إلا في وقت متأخر، أواخر القرن الثالث الهجري) (23). ومع أن التفتازاني يسلم بالتأثر بالمسيحية إلا أنه يستمر في مغالطته ، حين يستشهد باصطلاحات الحلاج المسيحية ويقول أنها لم تظهر إلا في وقت متأخر أواخر القرن الثالث الهجري، مع أن بداية التصوف هي في القرن الثالث الهجري نفسه فكيف يعتبره وقتاً متأخراً ؟ !!.. بل إنه يقول ( شهد القرن الثالث بداية تكون علم التصوف بمعناه الدقيق )(24)!! وتكمن الطرافة في أن التفتازاني جعل أبن عربي وابن الفارض وابن عطاء مصادر للتصوف وهم عاشوا في القرنين السابع والثامن ثم يجعل الحلاج المقتول 301 هجرية يظهر في وقت متأخر وليس من متقدمي الصوفية !!
3- ومنهم من قال بالمصدر الهندي مثل هورتن وهارتمان وكانت لهم أسانيدهم ، يقول التفتازاني (ومما هو جدير بالذكر إنني لم أعثر على نصوص صريحة تدل على معرفة صوفية المسلمين بعقائد الهنود ورياضتهم إلا عند الصوفي المتفلسف عبد الحق ابن سبعين )(25). 4 - وقال بالمصدر اليوناني كثرة من المستشرقين ، يقول التفتازاني (ونحن لا نذكر الأثر اليوناني على التصوف الإسلامي، فقد وصلت الفلسفة اليونانية عامة والأفلاطونية المحدثة خاصة إلى صوفية الإسلام عن طريق الترجمة والنقل أو الاختلاط مع رهبان النصارى .. وليس من شك في أن فلسفة أفلوطين السكندري التي تعتبر أن المعرفة مدركة بالمشاهدة في حالة الغيبة عن النفس وعن العالم المحسوس كان لها أثرها في التصوف الإسلامي، فيما نجده من كلام متفلسفي الصوفية عن المعرفة. وكذلك كان لنظرية أفلوطين السكندري في الفيض وترتيب الموجودات، عن الواحد أو الأول أثرها على الصوفية المتفلسفين من أصحاب وحدة الوجود كالسهروردي المقتول ، ومحيى الدين بن عربي وابن الفارض وعبد الحق بن سبعين وعبد الكريم الجيلي ومن نحا نحوهم ، ونلاحظ بعد ذلك أن أولئك المتفلسفة من الصوفية نتيجة اطلاعهم علي الفلسفة اليونانية قد اصطنعوا كثيرا من مصطلحات هذه الفلسفة مثل : الكلمة ، الواحد، العقل الأول ، العقل الكلى، العلة والمعلول الكلى..(26). وحسنا إذ اعترف التفتازاني بالمصدر اليوناني بالتصوف عند المسلمين إذ أنه بذلك يثبت المصدر المسيحي الذي حاول إنكاره من قبل ، إذ أن مدرسة أفلوطين السكندري تمثل المسيحية كما تمثل اليونانية . ونقول : إنّ من الخطأ إرجاع التصوف إلي مصدر بعينه ، فكل صوفي تأثر بنشأته وثقافته ، وعليه يمكن القول بأن مصادر التصوف لدى المسلمين تتعدد بتعدد ثقافاتهم وبيئاتهم ، وعندي أنه يمكن اعتبار الفرعونية مصدرا للتصوف للمسلمين المصريين خاصة ، فقد كان لذي النون المصري اهتمامات و تطواف بالبراري والمعابد الفرعونية أشار إليها المقريزي (27) والمسعودي (28)..



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدمة كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
- فلاح وشيخ و... حمار
- خاتمة ومصادر وفهرس كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعود ...
- ق 3 ف 4 : سيكولوجيا الحركة السلفية فى السعودية
- ق 3 ف 4 : سيسيولوجيا الحركة السلفية فى السعودية
- ق 3 ف 4 :نقد الشريعة السنية المسعرية فى تحريم الفوائد البنكي ...
- ق 3 ف 4 : ( المرأة ) و( الشيعة ) فى الشريعة المسعرية
- ق 3 ف 4 : الشريعة المسعرية فى الحرية الاعلامية
- ق 3 ف 4 : تكفير الشريعة المسعرية للمنظمات الحقوقية الغربية
- ق 3 ف 4 : الرد على دعوة المسعري لإقامة الدولة الاسلامية
- قصيدة مدح لا تُعجبنى
- ق 3 ف 4 : الشريعة المسعرية فى إقامة الدولة السلفية العالمية ...
- ق 3 ف 4:الشريعة المسعرية وتكفير الأمم المتحدة والمنظمات الدو ...
- ق 3 ف 4 : بين اعجاب المسعرى بالغرب وتكفيره
- ق 3 ف 4: الرد القرآنى على العقيدة السلفية فى تقسيم العالم ال ...
- ق 3 ف 3 : اللجنة واستنكار تصرفات الاسرة السعودية
- ق 3 ف 3 : اللجنة واستنكار التدهور فى الخدمات فى الدولة السعو ...
- ق 3 ف 3 : اللجنة واستنكار التدهور الأمنى فى السعودية
- ق 3 ف 3 : استنكار التعذيب ووقف المستحقات المالية و ظلم العما ...
- رأينا فى : الانفجار الكبير ، الشذوذ الجنسى ، وقانون التطور


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - تعريفات التصوف : التمهيد لكتاب ( التصوف ... )