كمال بالمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 4639 - 2014 / 11 / 20 - 15:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا, فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ, فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا, فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا, فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً, ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ, فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ, فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ, انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُد اللَّهَ مَعَهُمْ وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ, فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ, فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ, فَقَالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ, وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ, فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ, فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأََرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ, فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ, فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ, قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ
هذا ما ورد في تراثنا الإسلامي وكلنا نعرف قصة ذلك الرجل الذي قتل 100 نفس .. ثم قرر أن يتوب قبل أن يموت .... فدخل الجنة .! فهذا الرجل كما يتضح لنا قتل 100 نفس بدم بارد .... و الحديث يقول أنه لم يفعل [ خير ] قط في حياته ...و لكن لأنه قرر ان يتوب [ لم يتب بعد ] فمات و هو أقرب للمكان الذي سيتوب فيه .. و لذلك دخل الجنة .! دخل الجنة و كأنه لم يعمل شر في حياته .. رغم أن كل ما عمله شر و لم يعمل خير قط .!
أي عين ذات نظرة ثاقبة لا يمكن أن تغفل الأثر المدمر على الأخلاق و الذي تحمله هذه النظرة لكيفية التكفير عن الشر .! فإذا كان من قتل 100 نفسا قد غُفر له ذنبه و دخل الجنة فقط لأنه قرر أن يتوب .. فما بالك بذنوب أصغر كـ الكذب و الغش و التزوير و الظلم و سوء الخلق مع الناس و السرقة و الإغتصاب ..... إلخ .! ألا تغفرها التوبة أيضا؟ لماذا لا أمارس ما أستطيع منها ثم أتوب عندما أهرم و أبلغ من الكبر عتيا ؟ ثم أموت و أنا قد خُتم لي بخير .. و أدخل الجنة .! ألا تعطي هذه العقلية المبرر على فعل كل خطيئة و من ثم إصلاح الخاتمة التي تلغي كل الذنوب و كأن شيئا لم يكن ...؟
عن معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ...
مفاهيم أخرى لتكفير الذنوب بطريقة [ سحرية ] .. نجدها في [ الحج ] الذي يجعل الشخص يعود كيوم ولدته أمه .!و نجدها في [ صيام عرفة ] الذي يكفر السنة الماضية و السنة المقبلة .! و غيرها .!
هذه المشكلة الأخلاقية التي ذكرناها تنتج من طبيعة كون الإلتزام الأخلاقي ليس نابعا من ضمير الشخص .! بل هو إلتزام عبارة عن عملية [ تجارية ] تنطوي على حسابات و منافع مرتبطة بالجنة و النار .! فالالتزام الأخلاقي هنا أشبه بعملية الرشوة من أجل الفوز بالجنة و النجاة من النار .!
فذلك الرجل الذي قتل 100 نفس .. ليس أكثر من منافق أناني .. يريد أن يعقد صفقة ليدخل الجنة و ينجو من النار بعد كل الفضائع التي ارتكبها ..! و إلتزامه آخر حياته ليس مرده ندمه أو أن ضميره قد [ استيقظ ] فجأة .! بدلالة أنه قتل الرجل الذي قال أنه لا توبة له و أكمل به الـ 100 فإذا كانت الصفقة التجارية قد فشلت فلماذا يلتزم بالأخلاق الفاضلة .! ثم أين هي قيمة الـ 100 حياة التي أجهز عليها هذا المجرم بدم بارد ؟! هكذا ببساطة .. يتوب قبل الموت بلحظات و يدخل الجنة ؟! كم من مسؤول قد نهبنا و سرقنا و استغفلنا معتنقا هذه العقلية ؟ كم من مواطن لا أخلاقي و غير مخلص في عمله و الشر سمه من سماته معتنقا هذه العقلية ؟ لماذا تنتشر الهمجية في التعامل .. و سوء الخلق .. و الفوضوية في المجتمعات الاسلامية .! نحن نردد دائما أننا نجد عند الغرب مسلمين بلا إسلام .... نقول ذلك إعجابا بإخلاقياتهم و إحترامهم و أمانتهم .!
طبعا و رغم [ خرافية ] هذه الجملة و عدم واقعيتها بالمرة لأن الإسلام ليس من المصادر التى استقى الغرب منها أخلاقياته .! إلا أننا يجب أن نسأل لماذا نكرر هذه الجملة إعجابا بهم و نقدا لانفسنا .! أليست مجتمعات منحلة و بلا دين كما تدعون .! أليس عندكم الاسلام و مع ذلك نجدهم يتفوقون أخلاقيا ؟ هل عدم إمتلاك الاسلام أفضل من إمتلاكه ؟
يجب أن نبدأ بطرح الأسئلة على أنفسنا و أن نبدأ بنقد مصادرنا الأخلاقية لعلنا نصل لبعض الإجابات .!
[ للأخلاق أهمية عظمى لكن من أجلنا و ليس من أجل الله ] البرت انشتاين
#كمال_بالمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟