|
حياة ماو تسي تونغ- الجزء الأول
عسو الخطابي
الحوار المتمدن-العدد: 1301 - 2005 / 8 / 29 - 12:00
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
حياة ماو تسي تونغ* قائد الثورة الصينية و قاهر التحريفية المعاصرة.
"إن معرفة الرجال الذين تكوًن تفكيرهم و إرادتهم إبان الانقلابات الكبيرة ترفعنا"[1] الجــــزء الأول: الشاب ماو ثائر في عالم هائج.
1 – ولد ماو تسي تونغ في 26 دجنبر 1893 في شاوشان، وهي قرية صغيرة في إقليم خونان. وقد كانت الصين في تلك الفترة مجتمعا قاسيا بالنسبة للجماهير الشعبية إذ كانت خاضعة للقوى الامبريالية الأجنبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى، التي تستغل الشعب، جانية الأرباح من التجارة، وباعثة إليها بجيوشها لحماية بنوكها وشركاتها وتدجين الجماهير. فالبريطانيون خصوصا، أغرقوا الصين بالأفيون وتحدوا الصينيين خلال حربي الأفيون( 1840-1842 و1856-1860) حيث خضع الملايين من الصينيات والصينيين لتأثير هذا المخدر، الذي أغنت تجارته الرأسماليين البريطانيين والأمريكيين. إذ استوردت الصين سنة 1838 أكثر من مليوني كيلوغرام من الأفيون في السنة مما يعادل ما لا يقل عن%57 من مجموع الواردات الصينية.
إن كُل من بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا القيصرية و ألمانيا واليابان قد سيطرت الواحدة بعد الأخرى على الصين، ماسة بذلك مصالح الصينيات والصينيين، بحيث تحكمت في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلد، ضاربة الثقافة الوطنية. كما استعمل الإمبرياليون قوة عمل الملايين من الصينيات والصينيين الذين جُنّدوا ونقلوا ليستغلوا بشدة في المناجم والمزارع الكبرى عبر العالم. كما وقَّعت الحكومات الصينية في العديد من المرات معاهدات غير متكافئة تسلم من خلالها مواقع كاملة من التراب الوطني والتزمت بعدم المس بمصالح القوى الإمبريالية عندما تسن قوانين لا تخدمها. وفي نهاية القرن19، كانت الصين في الواقع مجزأة إلى عدة قطع تخضع لمختلف القوى الأجنبية. لتعلن الولايات المتحدة سنة 1899 سياستها المسماة ب " الأبواب المفتوحة" تعترف من خلالها بوجود "مناطق نفوذ" مختلفة في الصين، وتدعي منح "فرص متساوية" لكل القوى الامبريالية التي ترغب في الاستحواذ عليها. وقد استولى الجنود الأجانب بصورة خيالية على كل المدن الصينية الكبرى، عندما كان ماو لا يزال طفلا، بما فيها شانغشا shangsha)) عاصمة خونان. حيث سيطرت السفن الحربية البريطانية والأمريكية بالتدريج على الطرق الملاحية، وتحكمت القوى الأجنبية في المطارات والنظام البريدي والملاحة والسكك الحديدية و التيليغراف.
2– في العقود التي تلت ولادة ماو تسي تونغ، حصلت انتفاضات عدة ضد السيطرة الأجنبية. وقد درس ماو منذ بداية شبابه مسألة انتفاضة الفلاحين، مثل حرب التايبينغ التي جرت بين 1850 و 1864. حيث حملت الفلاحات والفلاحون آنذاك السلاح وأقاموا حكومة ثورية في نانكينغ. ودك المشرَّدون النظام الإقطاعي للملكية، وبدأوا يعارضون أسس الثقافة الرجعية السائدة آنذاك. لكن حكومة مانشو (Mancho) ( من السلالة الحاكمة لشينغ، التي يتزعمها الامبراطور) وبمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا/ وفرنسا أرسلت الجيوش لقمع الانتفاضة. وقد كان تدخل الحكومة سريعا وعنيفا: خلف أكثر من 20 مليون قتيل قبل أن يتم وضع حد لـ "انتفاضة تايبينغ".
كما تعرف ماو كذلك على حركة ييهوتوان (Yihotouan ) أو انتفاضة الملاكمينBoxers)) مع بداية القرن العشرين. هذه الحركة التي انطلقت بمبادرة "جمعية القبضات الباسلة و المتناسقة" ،التي كانت تعارض السيطرة الأجنبية على الصين وخصوصا المبشرين المسيحيين الذين يلعبون دورا مركزيا في تقوية سيطرة القوى الكبرى ،تحت حماية الحكومات الأجنبية والمعاهدات والامتيازات التي أعطيت لهم. وقد تم القضاء على انتفاضة الملاكمين من طرف التحالف المشكل من طرف الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا و الامبراطورية الاسترو-هنغارية، وروسيا واليابان وإيطاليا وألمانيا. التي تدخلت لدعم السلطات الصينية.
«إن الانتفاضات الفلاحية والحروب الفلاحية التي شهدها تاريخ الصين كانت ذات نطاق واسع لا مثيل له في تاريخ العالم. عن هذه الصراعات الطبقية وهذه الانتفاضات والحروب التي خاضها الفلاحون وهي وحدها القوى المحركة لتطور التاريخ والمجتمع الصيني الإقطاعي. ذلك أن كل انتفاضة أو حرب فلاحية كبيرة قد انتهت بأن وجهت ضربة للحكم الإقطاعي القائم في زمنها، وبالتالي دفعت إلى درجة ما، نمو القوى المنتجة الاجتماعية. ولكن نظرا لانعدام قوى منتجة جديدة وعلاقات إنتاج جديدة وقوى طبقية جديدة وحزب سياسي طليعي في تلك الأيام، لم يكن في إمكان تلك الانتفاضات والحروب الفلاحية أن تحصل على قيادة صحيحة كالقيادة التي تقدمها اليوم البروليتاريا والحزب الشيوعي، ولذلك فقد انتهت جميع الثورات الفلاحية إذ ذاك بالفشل، واستطاع الملاكون العقاريون والارستقراطيون استخدامها في كل مرة، في مجرى الثورة أو بَعدها كأداة لاستبدال أسرة ملكية بأخرى، وهكذا فعلى الرغم من حصول المجتمع على كثير أو قليل من التقدم في أعقاب كل صراع ثوري واسع النطاق يخوضه الفلاحون، فإن العلاقات الاقتصادية الإقطاعية والنظام السياسي الإقطاعي بقيت على حالها في الأساس." [2]
3 – شكلت الصين عند بداية القرن العشرين، المكان الذي ساد فيه الفقر المدقع، الأزمة الأكثر دناءة و كذلك الأمراض. ففي المدن، كانت الجماهير تصارع ضد الأفيون، و الكوليرا، و الزهري و السيفيليس كما أن العديد من الفضلات كانت تٌُلقى دون معالجة، و كذلك نظام القنوات. لكن الحياة في البوادي كانت أكثر سوءًا. فالساكنة القروية كانت في معظمها من الفلاحين الفقراء و العمال الزراعيين الذين لا يستلمون إلا أجرا زهيدا من طرف الملاكين العقاريين، و الفلاحين الأغنياء، والموظفين الذين يمتلكون أغلبية الأراضي و يكرسون فقر الفلاحين و جوعهم و ديونهم. مما دفع العديد من العائلات إلى بيع أبنائها نظرا لعجزها عن ضمان شروط عيشهم.
و قد لجأ النظام الإقطاعي المتوحش السائد آنذاك إلى الايديولوجيا الأكثر تسلطا المبنية على تعاليم كونفوشيوس لإيجاد شرعيته. هذه الايدولوجيا التي تهدف قبل كل شيء إلى قمع ظهور أية فكرة جديدة و دفع الشعب إلى القبول بوضعه، إذ تعتبر أن العائلة و كل العلاقات الاجتماعية ينبغي أن تتلاءم مع تراتب دقيق. لكن ماو تسي تونغ كان قد حسم مبكرا مع التقاليد و تمرد عليها، و هكذا عارض الممارسة الكونفوشيوسية التي تتيح للآباء أن يختاروا الأزواج لبناتهم، لتتحولن مذ ذاك إلى إماء لأزواجهن و آبائهم. و منذ أن كان ماو لم يتجاوز بعد سن الثالثة عشرة، رتب له والده زواجا بفتاة عمرها تسعة عشرة سنة لتعمل كخادمة له، حتى يصبح هذا الزواج تاما، لكن ماو رفض نهائيا قرار والده.
4- إن الفلاحين الصينيين يمتلكون إرثا طويلا من التمردات، و قد كبر ماو في سياق تتابعت فيه الإنتفاضات الواحدة بعد الأخرى. فمن سنة 1901 إلى سنة 1910 اشتعلت الصين بما يقارب ألف انتفاضة، استنهضت عشرات الملايين من الأشخاص. و في سنة 1906 ، تعرضت الصين بما فيها خونان للحرب و المجاعة و الدم. و لم يكن ماو سوى تلميذا في المدرسة الإبتدائية عندما حصل حدث قال عنه فيما بعد :« أثَّر على بقية حياتي» ألا و هو انتفاضة خونان. هذه الإنتفاضة التي انطلقت من مناجم الفحم في منطقة كانت المجاعة فيها أشد قسوة، حيث نظَّم الآلاف من المنجميين و الفلاحين و الجنود مسيرة حتى تشانغشا shangsha)) ، حيث استولوا على المستودعات التي يخزن فيها الملاكون العقاريون المحاصيل الزراعية. و عندما ذهب ممثلوهم لملاقاة الحاكم للمطالبة بشيء يأكلونه، أجابهم بسخرية :" كيف يعقل ألا يكون لديكم ما يكفي من القمح؟ أنا، كنت أتوفر عليه بالشكل الكافي!" و قد أغضب هذا الجواب الناس فانتفض عمال المناجم و الفلاحون و الجنود الذين جاؤوا إلى المدينة فحاصروا منزل الحاكم و نهبوا المستودعات التي كان الأغنياء يجمعون فيها ذخائرهم. و اتسعت الإنتفاضة كثيرا، حيث تجمع أكثر من 6000 من عمال المناجم القادمين من مناجم فحم أنيوان (anyauan ) ، أمام مكاتب المقاطعة، و التحق بهم الفلاحون حاملين ألوية ، مطالبين باقتسام الأرض.
و قد أُرسلت الجيوش لقمع الإنتفاضة، و كان الجنود يقومون بقطع رؤوس الناس الذين يتغلبون عليهم و يعلقونهم على الأسوار في الأماكن العامة ليرى الكل ما سيحصل له إذا ما رغب في الإلتحاق بالتمرد. و قد سمع ماو- الذي كان يبلغ من العمر 12 سنة- طبعا، بهذه الانتفاضة و ناقشها مع الطلاب الآخرين. لكنه وجد أن زملاءه كانوا بعيدين عما يحصل، في حين أنه هو تموقع إلى جانب الثوار. و قد شرح فيما بعد : « لقد ناقشت الأحداث طيلة أيام في المدرسة. و قد كنت متأثرا بما يقع. و العديد من الطلاب تعاطفوا مع المتمردين، لكنهم كانوا يظلون في وضعية الملاحظين للأحداث. إذ لم يكونوا يفهمون أن التمرد له أيضا علاقة بحياتهم الخاصة. لم يكونوا في النهاية سوى متفرجين، معنيين فقط بالمظهر المثير للأحداث الجارية. لن أنسى هذا أبدا. كنت أعي أن المتمردين كانوا أناسا عاديين، مثلما كانت عائلتي. و كنت أشعر بالظلم الذي تعرضوا له.»
5-غادر ماو بيت العائلة في سنة 1903 و هو إبن 16 سنة لمتابعة دراسته في هسيانغ هسيانغ، وقد عرفت الصين آنذاك فترة صاخبة من الإنتفاضات في كل مكان. وفي سنة 1905 أسس صان يات صين "التانغ مينغ هاي ( العصبة الثورية) التي كانت تهدف إلى إنهاء السيطرة الأجنبية و بناء الجمهورية الديمقراطية البرجوازية، كما انتشرت حركة التحرر الوطني عبر ربوع الصين، مؤدية بذلك إلى تنامي الإنتفاضة المسلحة. إلى أن أرغم صان يات صين على مغادرة البلاد سنة 1895 ، لكنه واصل تنظيم الحركة الثورية إنطلاقا من الخارج. وفي سنة 1911 اندلعت الثورة ضد سلالة مانشو، و قد وصل ماو إلى شانغشا في شتنبر، أي شهرا قبل اندلاع الثورة. حيث التحق بالجيش الجمهوري الجديد لفترة ستة أشهر قصد الإطاحة بحكومة مانشو. فانتُخب صان يات صين رئيسا مؤقتا للجمهورية الصينية الجديدة. لكنه سرعان ما أُرغم على الإستقالة و ترك الرئاسة لـيان شيه كاي، أحد أمراء الحرب الذي ساهم في إسقاط الإمبراطور. و قد أسس صان يات صين الكيومنتانغ لمعارضة يان شيه كاي و تراجع إلى كانتون. لكن الدول الإمبريالية تحالفت مع يان، حيث زودته بالمال و السلاح. و قد تم دحر التمرد الذي قام ضد يان من طرف عسكر حسن التجهيز، بفضل المال المحصل عليه من الخارج. فظلت الصين مقسمة إلى "ممالك" عديدة، يحكمها أمراء الحرب و جيوشهم الخاصة، طيلة العشر سنوات المتتالية. حيث حاولت مختلف القوى الإمبريالية أن تجعل منهم عملاء لها، بهدف بسط و توطيد نفوذها في الصين. مما سيلائمهم أخيرا، لأنهم هم أيضا كانوا يسعون إلى الاستناد إلى القوى الكبرى للحفاظ و مناطق نفوذهم وتوسيعها.
6- تابع ماو دراسته من 1911 إلى 1918 في تشانغشا إلى أن حصل على إجازته التعليمية، و قد صرح بخصوص هذه الفترة أنه :« لأول مرة في حياتي، رأيت خريطة العالم فدرستها باهتمام بالغ»، فقد درس تاريخ البلدان الأخرى. كما درس كتابات مختلف الفلاسفة مثل آدام سميث، و داروين، و جون ستيوارت ميل، و روسو بالإضافة إلى الفلاسفة اليونانيين، كما تابع بانتظام الصحف التي تأتي من الصين كلها. و لأول مرة قرأ البيان الشيوعي لماركس و انجلس.
و في سنة 1917 أسس ماو "الجمعية الجديدة للدراسات الشعبية"، و هي جماعة من الشباب تعارض استهلاك الأفيون و القمار و استهلاك الكحول و الدعارة و الفساد. و قد ساندت هذه الجماعة "إصلاحا للصين و للعالم أجمع" و من القضايا التي اهتمت بها، ينبغي الإشارة إلى اضطهاد النساء، حيث أن ماو آمن منذ تلك الفترة بأن النساء ينبغي أن يعتبرن و يعاملن كـ"أشخاص مستقلين". و آمن أن الرجال لن يتحرروا أبدا ما لم تتحرر النساء أيضا. فشرعت الجماعة في تنظيم دروس مسائية للعمال، أعطى من خلالها ماو دروسا في التاريخ، ونشَّط مناقشات حول الأوضاع الإقتصادية الراهنة، كما كان يقرأ الجرائد للعمال الأميين. و قد انتقد اللغة المتعجرفة المستعملة في الغالب من طرف الموظفين و المدرسين؛ وأكد على أن الدروس ينبغي أن تعطى بلغة الشعب. إذ نستطيع قراءة هذا في أحد الملصقات التي تخبر بأنشطة الجماعة :" تعالوا لسماع خطابات سهلة و واضحة ...يمكنكم ارتداء ما تشاءون".
7- بعد الحرب العالمية الأولى، اعتقد الكثير من الناس في الصين، أنها ستعامل بإنصاف و ستعاد إليها الأراضي التي انتزعت منها، بعد انتصار "الديمقراطيات الغربية". لكن، عندما اجتمعت القوى الظافرة لإعادة اقتسام العالم في مؤتمر فيرساي، تم تحويل الحقوق و الامتيازات حول الأراضي الصينية التي كانت تطالب بها ألمانيا إلى اليابان. فتظاهر 3000 طالب في بكين يوم 4 ماي 1919 احتجاجا على هذا القرار. فأعلن القانون العرفي و لجأت الشرطة و الجيش إلى اعتقالات عديدة. لكن المظاهرات تواصلت، و أدت إلى تشكيل جبهة موحدة ضد الإمبريالية و أيضا ضد أمراء الحرب الذين يخونون و يبيعون الشعب الصيني تماما. و في العاشر من ماي عرفت المدارس إضرابا عاما، و في 2 و4 يونيو اعتقل العديد من الطلاب و المدرسين. و في 6 يونيو امتد الإضراب الذي اندلع في شنغهاي إلى جهات أخرى أكثر بعدا. و قد تأثرت بالإضراب مئات الشركات التي تضم حوالي 90000 عامل و عاملة (و قد كانت العاملات مشاركات بكثرة في هذه الحركة). و عندما علم ماو و أعضاء جماعته الآخرون بوجود هذه الحركة (التي تسمى باسم "حركة 4 ماي" ) أصدروا نداءً هم أيضا إلى الإضراب، و شكلوا جمعية للطلبة و الطالبات في خونان. هذه الحركة التي كانت أساسا موجهة ضد الإمبريالية. امتدت عبر الصين كلها طيلة سنة 1919. مؤدية إلى تسييس ملايين الأشخاص. لكنها و مثل ما حصل سنة 1911 ، كانت تفتقد إلى قيادة عمالية و ظلت محدودة من حيث أهدافها.
« للقيام بالثورة ينبغي حزب ثوري، بدون حزب ثوري مؤسس على النظرية الماركسية اللينينية و الأسلوب الثوري الماركسي اللينيني، يستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير الشعبية الغفيرة إلى النصر في صراعها ضد الإمبريالية و عملائها»[3] .
8- في سنة 1917، أطاحت الطبقة العاملة الروسية بالقيصربة و بنت لأول مرة في التاريخ دولة اشتراكية جديدة مبنية على ديكتاتورية البروليتاريا. و قد أعاد هذا النصر الدفئ إلى قلوب المضطَهَدين(ات) عبر ربوع العالم، فبلغ "دروس" الثورة الروسية للصين. فتحول المناضلون و المناضلات الذين كانوا نشيطين في التمردات التي تتابعت فيها إلى الاشتراكية، كما قال ماو:«شرارات الثورة الروسية ...حملت إلينا الماركسية اللينينية». و قد كان لي تاشاو أول اختصاصي صيني ينشر الثورة الروسية و الماركسية في الصين. و في 1918 أصبح ماو مساعدا له في مكتبة جامعة بكين و أُدمج ماو في "جماعة الدراسات الماركسية" من طرف لي؛ و هنا بدأ في مطالعة ترجمات مؤلفات ماركس و لينين قائد الثورة الروسية. وقد صرح ماو أنه:«بتوجيه من لي تاشاو، تعودت بسرعة على الماركسية».
دائما في بكين، أحب ماو يانغ كاي هوي و تزوجها. و كانت يانغ ثورية، و بقيت كذلك إلى أن اعتقلت و قتلت من طرف الحكومة سنة 1930، بعد أن رفضت التخلي عن أفكارها و نشاطاتها و زواجها من ماو. و في أبريل من العام 1919، عاد ماو إلى شنغشا للتدريس و قد عمل هناك خصوصا على تنظيم العمال في المعامل و السكك الحديدية. و كان أول من حمل الماركسية إلى خونان، و شكل في شنغشا أول جماعة لدراسة الماركسية في الإقليم. و قد كتب عددا من المقالات حول الوضع العالمي تختلف عن العادات القديمة، و تنادي بالثورة. كما كان أول الدروس التي ألقاها تحت عنوان "الماركسية و الثورة" خُتم بخلاصة مفادها أنه فقط بدراسة الماركسية يستطيع الشعب الصيني التخلص من الورطة.
«في صيف 1920، أصبحت ماركسيا في النظرية، و أيضا، إلى حد ما، في الممارسة. و انطلاقا من هذا الوقت اقتنعت بأن الماركسية تقدم تفسيرا صحيحا للتاريخ، فلم أتردد أبدا بعد ذلك» ماو تسي تونغ.
9- تدخل ماو باكرا لفضح العلاقات الإقطاعية و الكونفوشية التي تضطهد النساء في الصين، فانضمت العديد من النساء إلى الحركة الثورية، و في 14 نونبر 1919، قطعت امرأة حنجرتها عندما حاولوا إرغامها على الزواج بالقوة، و اعتبر ماو أن« النساء يمتلكن طاقة ثورية هائلة» باعتبار أنهن «ينبغي أن يحملن على أكتافهن عبء اضطهاد أكثر من الرجال، إذ بينما يواجه هؤلاء "ثلاثة جبال"من الإستغلال ، تواجه النساء أربعة لأن الرجال يستغلونهن أيضا».
و في سنة 1920، أصبح واضحا بالنسبة لماو أن حلقات دراسة الماركسية لم تعد كافية في حد ذاتها و أن الشعب الصيني في حاجة إلى حزب طليعي حقيقي. و قد كلف لي تاشاو، ماو ، نظرا لإدراكه لكفاءته التنظيمية، بالبدء في اختيار أعضاء من أجل بناء حزب شيوعي جديد. و في فبراير 1920، قدم ممثلان عن الأممية الشيوعية إلى بكين للنقاش مع لي تاشاو حول العمل الذي ينبغي القيام به لبناء الحزب. منذ ذاك خصص ماو مجمل وقته للَمّ الناس لتنفيذ هذه المهمة. و قد قال أنه ينبغي :« أن نختار بدقة أناسا متسمين بالصلابة، و رفاقا مخلصين». و قد قام ماو، بمعية رفاق آخرين، بتشكيل حلقة دراسية حول روسيا، و نظم حلقات طلاب كانوا قد ذهبوا للعمل و الدراسة في هذا البلد. و في نهاية نفس السنة شكل ماو في خونان فرعا لـ"مركز الشبيبة الإشتراكية"، الذي أصبح بعد سنتين أكبر منظمة من هذا الصنف في الصين، حيث ضمت أكثر من 2000 عضو. و انتشرت المنظمة و الصحافة الشيوعية بصورة مذهلة في جهات عديدة أخرى. فكان الشباب الشيوعي ينظمون الدروس المسائية لفائدة العمال و العاملات و يساعدون على خلق النقابات في المدن الكبرى. و في أبريل 1920، كانت حلقات دراسة الماركسية تشتغل في أغلبية المدن الصينية، و كذلك في باريس و و برلين و موسكو و اليابان، التي نجد فيها جالية صينية مهمة.
10- و في ماي 1921: غادر ماو بمعية صديق له، شانغشا متنكرا في هيئة تاجر، قصد الذهاب إلى شانغهاي حيث سيعقد المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني (PCC ). و قد كان يوجد في الصين حوالي 57 ماركسيا؛ و كانت أكبر مجموعة تتشكل من 16 شخصا، و كانت في خونان و مان لكل إقليم نُظمت فيه حلقات الدراسة الحق في إرسال مندوبين إلى المؤتمر ليصل المجموع إلى 12 شخصا. و قد كان هؤلاء في الغالب من الشباب لا يتجاوز معدل سنهم 26 سنة. فانطلقت أشغال المؤتمر يوم 16 يوليوز في مدرسة للفتيات في ?و_آي (po-ai ). و نظرا لأن الظرف كان ظرف عطلة فلم يكن هناك أحد سوى عامل مطبخ تكلف باستقبال المندوبين(ات). و بالرغم من الإحتياطات التي تم اتخاذها، فقد علمت الشرطة بانعقاد هذا الحدث، و في اليوم الرابع من المؤتمر و في الوقت الذي كان فيه المندوبون مجتمعين لمواصلة المناقشات، انزوى شخص مشبوه في مدخل المحل الذي ينعقد فيه الحدث للإستفسار عن اجتماع آخر كان من المفترض أن ينعقد في عين المكان... و بشعورهم بالفخ سارع المندوبون إلى مغادرة المكان، و بعد دقائق وصلت الشرطة رفقة 9 أشخاص مدنيين. ففتشوا المكان، لكن المندوبون كانوا قد غادروه مصحوبين بوثائقهم. فتابع المؤتمر أشغاله على ظهر سفينة اكتراها المندوبون، على بعد 130 كلم من شنغهاي.
و قد تميز المؤتمر الذي دام ثمانية أيام، بمناقشات عدة، وصراعات خطوط و اختلافات مهمة. فبعض المندوبين دافعوا عن موقف يميني محافظ يعتبر أن الطبقة العاملة لازالت "مفرطة الصغر" و أنها "ليست مهيأة بعد" لتشكيل حزب شيوعي. و كان هؤلاء المندوبون يرغبون في استمرار حلقات النقاش الماركسية. بينما دافع مندوبون آخرون عن خط "يساري متطرف" "ultragauchiste"، يعارض كل أشكال النضال الشرعية و كذلك كل أشكال الوحدة مع أحزاب أو منظمات طبقة أخرى. و ماو لم ينضم لأي من هذين الإتجاهين. لكن بعد عدة أيام من المناقشات تمكن الإتجاه "اليسراوي" من التفوق، و قد صوت ماو ضد القرار النهائي (البيان الختامي) الذي تبناه المؤتمر لكونه يعارض بناء وحدة واسعة و يحصر الإنضمام إلى الحزب فقط في العمال و العاملات، و يحرمها على الأشخاص القادمين من طبقات أخرى و الذين يتبنون إيديولوجية البروليتاريا. و رغم ذلك فقد تم انتخابه أمينا للمؤتمر و بعد ذلك، أصبح رئيس فرع خونان للحزب الشيوعي. إذن فالفلاحون و الطبقة العاملة أصبحوا يمتلكون حزبا طليعيا و نظرية ماركسية، و هما الوسيلتان الضروريتان ليستطيع الشعب المرور من العصيان إلى الثورة، و ليستولي عند الإقتضاء على سلطة الدولة.
--------------------------------------------------------------------------------
* هذه السلسلة من خمس حلقات نُشرت في العامل الثوري (أسبوعية الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي RCP)، بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد قائد الثورة الصينية. و هي تحكي حياة ماو، منذ ميلاده سنة 1893 حتى تأسيس الجمهورية الشعبية الصينية في الصين سنة 1949.عنا نحن
[1] لينين: مقدمة الترجمة الروسية لرسائل ماركس - كوغلمان.
[2] . ماو وتسي تونغ " الثورة الصينية والحزب الشيوعي الصيني" دجنبر 1949 المؤلفات المختارة المجلد الثاني
[3] ماو تسي تونغ :"يا قوى العالم الثورية اتحدي لمواجهة العدوان الإمبريالي". نونبر 1948 .المختارات المجلد الخامس.
#عسو_الخطابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حياة ماو تسي تونغ- الجزء الخامس
المزيد.....
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|