|
محاولة في مفهوم البركة
ياسين بوشوار
الحوار المتمدن-العدد: 4638 - 2014 / 11 / 19 - 19:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الإسلام نسق قدسي له ضوابطه الصارمة و له أحدات تاريخية خاصة به و هو جدل عميق بين العقيدة و المعيارية المقدسة و ظواهر وجودها التاريخي و الأشكال الملموسة لجملة من الممارسات الدينية المعايشة و المادية المنطلقة من ذات المقدس الديني إذ لا بد الإشارة إلى أن الدراسات الانتروبولوجيا التي اهتمت بالإسلام لا تهتم بالعقيدة القدسية و لا بالنصوص المكتوبة بقدر ما تهتم بمظاهر التدين الشعبي أو ما يسمى بالمتخيل الشعبي من قبيل العين و السحر و البركة وغير ذلك من العناصر المنتمية إلى المدونة الشفهية المؤلفة من جملة العقائد المنحرفة عن الدين الرسمي و من الممارسات المرفوضة من طرف النص الديني
فالاشتغال على المقدس الديني له ما يبرره واقعيا فبرغم من كل التحول التي شهدها المجتمع المغربي فان الاعتقاد في البركة لازال مترسخا بكل قوة في المتخيل ومؤثر أيضا في بناء وتوسيغ كثير من الاستراتجيات الفردية والجماعية محاولة في مفهوم البركة... إن البركة من بين المفاهيم التي تتسم بحدود تأويلية متعددة لأنها من المفاهيم التي تستند إلي الكثير من التدقيق النظري و التأويلي خصوصا و أنها تتحول من بعدها السحري الخارق إلى بعدها البراتكي المادي الذي يتجلى بالأساس في الممارسات الاجتماعية و على سبيل التعريف نستدعي قول روجي كايوا الذي اعتبر البركة هبة إلهية وقوة خارقة يختص فيها أناس دون غيرهم أي أنها قوة مضاف يمتاز بها فرد معين عن باقي الأفراد وتجعله يحتل مكانة سامية في المجتمع الذي ينتمي له حامل هذه البركة و يشير روجي باستيد إلي تعريف أكثر عمق من كايوا فشبها البركة بسائل مقدس تفيض من المرابط و يمتد إلى كل ما لمسه حامل البركة من ثياب و ماء و بعد موته تبقى جثته تحفظ البركة و تظل عالقة بقبره ويتمحور الضريح هنا كموسسة حول قبر الولي الدفين إذ تعتبر الأضرحة في الغالب الأعم قبور الأولياء والصلحاء أو السادة و الشرفاء وكلها أسماء متعددة لمعنى واحد (الرجل النساء) من البشر و الجن و حتى الحيوان في بعض الحالات إذ هم يعتقدون أنهم يملكون قوة قادرة على قهر الأرواح الشريرة و جلب الخير لمن يرضاهم و إلحاق الشر بمن يسخطهم من الناس و ذلك بما لديهم من بركات وعليه فان البركة هي النماء و الزيادة و العفو و اليمن كما تحيل إلى العطاء و قدرة استثنائية ذات مصدر الهي يحوزها بعض الأشخاص ( الأولياء ..)
فتناول الوظيفيون البركة في شخصية ادوارد فاسترماك الذي يعتبر أول انتربولوجي وضع في قسم اهتماماته مفهوم البركة و ذلك من خلال أبحاثه و دراسته المتقدمة في هذا المجال حيث حدد مفهوم البركة باعتبارها هبة إلهية في تفاصيل الحياة اليومية للإفراد و تمس بدرجات متفاوتة بين كل الكائنات الحية و الجامدة وذهب فاسترماك إلى استعراض لائحة مفصلة من العناصر الحاملة للبركة و يعد النبي النموذج المطلق و الأسمى الذي تتركز فيه البركة كما تملك إمكانية الانتقال وتركز من جهة كما قد تلوث و تدنس هذه البركة مما يستوجب الكثير من الحزم واخذ الكثير من الاحتياطات شعائرية ... ويثير فاسترماك مسالة جد دقيقة داخل المجتمع التقليدي المغربي إذ يؤكد على أن المغاربة يرون أن جميع الناس يحملون البركة لكن بأشكال متفاوتة ولا تصبح جديرة بالاهتمام إلا إذا كبر حجمها(الله اعطنا بركة فلان ... داك سيد ببراكتوا الخ... ) ويقدم اڤ-;-نز برتشارد نموذج البركة من خلال وضيفتها السياسية انطلاقا من دراسته لطريقة الصوفية السنوسية حيث أشار إلى مسالة تركز السلطة في يد رجل واحد يدعي الانتماء إلى نسب النبوي الشريف مما يخول له الطريق إلى استغلال السلطة الموكلة لاعتباره حاملا لبركة و أي تجاوز أو انقلاب على هذا الرجل سيصب البلاد بسنوات عجاف ومصائب لن يتحملها أصحاب هذا المعتقد فكانت إذن البركة عامل أساسيا و حاسما في شرعنة السلطة السياسية و إلحاق تغيرات سوسيوسياسية على عدة دول الدينية النموذج الليبي المتجسد في شخصية السنوسي وتشكيل الدولة السنوسية بليبيا استنادا من مبدأ حيازة البركة مع تقديم العقلية البدوية لمساعدة هامة في تحقيق و تشكيل هذا النوع من الدول ....
ويذهب ارنست غلنير إلى تحليل الوظائف العملية لنفوذ الروحي و السياسي للزاوية الحنصالية كنموذج حي يبرز هذا التداخل الحاصل بين ثنائية البركة و السياسي ... ألح على ترابط الو ضيفي بين البركة و القداسة وذلك من خلال ثنائية الامغار كسيد العالم المادي و اڭ-;-رام كسيد للعالم الروحي كما أشار أيضا إلى شخصية المجذوب الذي يحوز نوعا من البركة دون الانتماء إلي سلالة المحمدية الشريفة لكن بارتباطه مع الغيب بكونه يمتلك ملكات غيبية خارقة ... و تبقى هذه المقاربة تلوح إلى التساؤل حول الكيفية التي تشتغل بها البركة دون الاهتمام بتأويلاتها الثقافية و انشغالاتها الرمزية و دلالتها العميقة إنما ركزت على الوظيفة التي تقدمها البركة عمليا ... أما مع النظرية التأويلية الأمريكية و التي يمثلها الانتربولوجي كليفور غيرتز إذ ينطلق من منهجية مغايرة و ذلك من خلال تصوره للإفراد حول العالم من خلال الأشكال الدلالية التي يؤولونها في ممارساتهم الثقافية وهذا ما أمكنه من تحليل ملموس لمفهوم البركة من خلال تركيز على بعدها و مضمونها الاجتماعي و دلالتها الرمزية في حياة اليومية للإفراد و حدد البركة بكونها كيفية ملموسة لفهم الأشكال الحسية التي يتجلى فيها الإلهي أو المقدس في الحياة اليومية للإفراد و ينطلق عيرتز من مقارنته هذه من منظور منهجي يعتبر الرمز المقدس إطارا مرجعيا لازما لتوجيه الفعل الاجتماعي و التأويل العالم و تنظيمه تنظيما دلاليا و من هنا يلح غيرتز تناول مسالة البركة من وجهتها الدلالية الرمزية بينما يذهب بول رابينو إلى اعتبار البركة بمثابة الرمز المرجعي للطاقة الحيوية في الثقافية المغربية و لذلك حددها بأنها المعيار أساسي لسلطة الكرزمية وشرعنتها السياسية و الاجتماعية و هو كذلك رمز مرجعي متعدد الأشكال يعبر عنه المغاربة عن تصورتهم للهبة الإلهية و لقوتها المتجاوزة للطبيعة كما اعتبر البركة كموضوع مزدوج لحاملها حيث يكن بين الاحتفاظ و الخضوع لشروط حملها و قد ركز جاك بيرك على دراسة فئة المعتقدات و الممارسات التي تندرج ضمن نوع الأول من المقدس حيث يقدم وصفا دقيقا لكل الممارسات و الطقوس المرتبطة بأضرحة الأولياء و بالأخص (ضريح لآلة عزيزة ) صاحبة الموسم السنوي الكبير كما ركز على مسالة التراتب الروحي في ممارسة الدين الشعبي أو الإسلام الشعبي للمغرب و حسب وجهة نظره فان هذا الأمر يحيل إلى التجلي القدسي في التدين الشعبي مما يؤكد على ضرورة تنظيمه تنظما تراتبيا فكل شيء تمسه بركة المقدس بأشكال متباينة و مختلفة (للآلة عزيزة نموذجا ) و هذا ما أدى بيرك إلى اعتبار البركة صيغة ضريبية تشرعن الموارد المالية التي تحوزها الزاوية و تلزم روادها بتقديم جملة من العطاية ( الذبحة أو صدقات المالية التي تؤدة من طرف الزوار قصد التبرك) و بهذا الصدد يقول بيرك أن الحياة الطقوسية تنحصر على الأقل فيما يخص القرية في احتفالات دورية تدعم إيقاع الفصول وتحمي السلامة القانونية و تحافظ على نظام الزراعي و الدفء الاجتماعي أي أنها تلعب هنا دورا أساسيا في تحقيق التكامل والتلاحم الاجتماعي كما تساهم بشكل كبير في تشكيل الهوية الثقافية بالإضافة إلى ما تحققه من تفريغ للعنف و الانحرافات داخل المجتمع الذي يهدد استقراره وتبقى غاية المقدس في المجتمع هي إثراء العلاقات وتقوية حظوظ المواجهة للسلطة الموزعة طولا عرضا و في رأيي المتواضع اعتبر البركة امتداد تاريخي للفرد داخل ممارسة زمكانية معينة وعلى ضوء هذا فالبركة هي التصورات و التأويلات التي يعبر عنها الأفراد من خلالها عن مفهوم القداسة و الصلاح الاجتماعي و فالبركة ليس كما يعتقد فيها البعض على أنها مرتبط أساسا بالبنية الدينية للمسلمين بل هي تتجاوز الدينية المحمدية لان البركة كقوة وجدت مند الديانات التي عرفتها البشرية لكن بأسماء مختلفة و متعددة لكن بمعنى واحد و يبقى المجال القدسي (البركة) مجالا حادا ومهما لصناعة الوضعيات و التراتبات الاجتماعية كما يحدد علاقة الناس بالإلهي عبر بعض الوسائط الحائزين لبعض الخصال و المميزات الخاصة التي تميزهم عن عموم الناس كالشرفاء و الصلحاء والأولياء و غيرهم وهكذا نجد أن المجتمع نص مفتوح لا يدرك إلى من خلال التعبيرات الرمزية و الطقوسية التي تم الاتفاق عليها انطلاقا من المقدس الذي يحوز أهمية فائقة في المجتمعات وختاما أتمنى أننا فعلا وفقنا في رصد بعض المعالم الخفية للمقدس (البركة ) وشاكلة اشتغاله في تدبير المجتمع و تنافسه بقوة مع الأطراف الأخرى رغم التحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي راجع عبد الغني منديب الدين و المجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب عبدالرحيم العطري بركة الاولياء نور الدين الزاهي المقدس و المجتمع رشيد اترحوت أنثروبولوجيا الظاهرة الدينية مدخل إلى اﻷ-;-نثروبولوجيا التأويلية من ماكس فيبر إلى كليفورد غيرتز نموذج البركة روجيه دادون طريق المقدس بين التمرد و المخلص عبد الله حمودي شيخ و المريد كليفورد غيرتز تأويل الثقافاث
#ياسين_بوشوار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|