|
مصير الثورات الإسلامية الراهنة
خليل كلفت
الحوار المتمدن-العدد: 4638 - 2014 / 11 / 19 - 08:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يأتى الإسلام السياسى من كل فجٍّ عميق، ويمتد إلى كل مكان، وينتشر فى كل اتجاه انتشار النار فى الهشيم. وقد يبدأ بالدعوة الدينية، وقد يقتصر عليها لوقت يطول أو يقصر، ولكنه يفاجئنا بعد حين بأنه صار إسلاما سياسيا كامل النمو، يؤسس حزبا هنا، ونقابة هناك، ويتسلل إلى كل مسامّ المجتمع والسياسة والحياة، بل يُجبرنا على التعايش معه بوصفه إسلاما دعويا حينا، وإسلاما سياسيا حينا، ومعتدلا فى كل حين، وقد تظهر له امتدادات متطرفة تمارس العنف الوحشى فتُثْبِتُ اعتدال الأصل بعنف الفرع. وفى العقود الأخيرة اشتعل العنف السياسى الإسلامى فجأة فى كل مكان، وبدا العالم كله، فى أطرافه وحتى فى عواصم مراكزه، مهدَّدًا بفتح إسلامى مبين، بإعصار من العنف الوحشى. جنون أم وسيلة مجنونة للنضال فى سبيل السيطرة على الاقتصاد والسلطة؟ أما ضميرهم فإنه ينسجم ويرتاح مع الاستغلال الاقتصادى والاستبداد السياسى. وكان العنف الدينى وغير الدينى قد بدأ من الشرق القديم ولكنه تواصل مع الغرب فى أزمنة فتوحاته الإمپراطورية فى العصور القديمة والوسطى، والدروب المضللة للخروج منها. وكان الهدف هو نهب الشعوب وسلبها وتجريدها من ثروات بلادها، بوسائل القتل والحرق والتدمير والأرض المحروقة بكل وحشية. وهناك لحظة تاريخية ينسى فيها البشر تماما أنهم بشر رُحَماء بينهم، إنها لحظة الأنانية المطلقة الملائمة للانقضاض، كىْ لا تضيع فرصة مواتية "هَرِمَ" المعنيون فى انتظار مجيئها، ويمكن أن تُفلت، إنْ لم ينتهزها المنتهزون. وكل هذا للشبع مقابل جوع الآخرين. وفى القرن المنصرم أطاحت الثورة الإسلامية الشيعية الخومينية بالنظام الشاهنشاهى وأقامت جمهورية إيران الإسلامية. ويستنكر بعض السُّذَّج إقامة أىّ علاقة بين الإسلام السياسى والثورة. غير أن الإسلاميين وغيرهم يقومون باستثارة وقيادة ثورة شعبية ليس من أجل إنصاف الفقراء بل لاستغلال واضطهاد الفقراء؛ تاركين لهم اجترار شعارات الحرية والإخاء والمساواة فى فرنسا أو شعارات الحرية والعدالة والجنة فى مصر والمنطقة. ونرى أمامنا ثورات إسلامية بالوكالة تُحَرِّك جيوشا شعبية إرهابية جرّارة. نرى الإخوان وامتداداتهم وتوابعهم فى مصر وغيرها، ونرى القاعدة وامتداداتها المتمثلة فى داعش وجبهة النصرة لأهل الشام فى سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن والصومال، والقاعدة فى المغرب الإسلامى وهى التى تدرِّب وتموِّل فى فى شمال نيچيريا حركة "بوكو حرام"، أىْ "التعليم الغربى حرام"، واسمها الرسمى: "جماعة أهل السنة والجماعة للدعوة والجهاد". وهناك إيران التى تقوم بدعْم حكم الشيعة فى العراق فى اضطهاد السنة العرب والأكراد وغيرهم مما أدى إلى استفحال رد الفعل السنى الداعشى، ودعْم صمود وتصدِّى النظام العلوى لبشار الأسد، وهو ما فتح الباب أمام تطوُّر حركة إسلامية إرهابية واسعة النطاق فى سوريا، بمشاركة حزب الله التابع لإيران، فى حقن الأسد بقوة مضاعفة، ولا ننسى دور الدعم الروسى للأسد. وصارت الحركة الحوثية تحتل بدعم إيرانى مناطق واسعة من اليمن. ومع أن هذه الحركات الجهادية تحارب بالوكالة لخدمة أچندة تضعها أمريكا أو أوروپا أو إسرائيل أو تركيا وقطر والخليج أو إيران وروسيا لهذه الحركات والطوائف الإسلامية المتصارعة، فإنها تحارب للسيطرة على سلطة الدولة والاقتصاد فى المنطقة وما وراءها فى أفغانستان، وپاكستان، والهند، وأفريقيا. فهل تنجح هذه الحركات فى الوصول إلى سلطة الدولة وإقامة أنظمتها الإسلامية فى البلدان المعنية؟ وقد وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة تحت السيطرة الفعلية للجيش. ولهذا كان من المنطقى أن تتلقى ضربة قاصمة فى 30 يونيو و 3 يوليو 2013، من الشعب والجيش. وتحاول الجماعة أن تعود إلى الحكم كجزء لا يتجزأ من الحرب الإسلامية العالمية الراهنة بالوكالة. وأعتقد أن ما ألحق هزيمة سريعة بالإخوان المسلمين سيحكم عليهم وعلى غيرهم من الحركات الجهادية المحاربة بالهزيمة النهائية. وكان لا مناص من هزيمة حكم المرشد بحكم توازن القوة. ولكنْ لماذا بكل هذه السرعة؟ أعتقد أن السر يكمن فى الأخونة السريعة للغاية. وتقوم كل قوة سياسية صاعدة إلى الحكم بعملية إحلال رجال عهد جديد محل رجال العهد القديم. ويعنى الإحلال بطبيعة الحال إقصاء رجال الطبقة الحاكمة فى الاقتصاد والإدارة المدنية والعسكرية، بل إرسالهم إلى السجون والمنافى والمشانق. ولا مناص من إجراء هذه العملية البالغة الحساسية والخطورة بمنتهى الحرص والتدريج وبالأخص استنادًا إلى إنجازات كبرى. وقد أساءت الجماعة تقدير الموقف وشرعت فى أخونة بالغة السرعة بلا أىّ إنجازات. من رابعة العدوية وميدان النهضة، إلى الحرب الواسعة على الشعب والدولة فى سيناء والوادى، إلى حرب حماس مرة بالوكالة ضد إسرائيل، ومرات بالوكالة ضد مصر. وقد دفعت الأخونة، كل مؤسسات الدولة المستهدفة بالأخونة، إلى رد فعل بالغ السرعة والحسم. ولا شك فى أن سوء تقدير الموقف، وعدم إدراك توازن القوة الحقيقى، عند الحركات الإسلامية الأخرى، يقودها إلى نفس الانهيار. ولا أحد يمكن أن يبرر القمع الإجرامى الذى يقوم به نظام الأسد ضد شعب سوريا ولا الدعم الإجرامى الذى يتلقاه من روسيا وإيران وحزب الله، فهو ما طوَّر الثورة الإسلامية الإرهابية فى سوريا بدعم خليجى وإقليمى وغربى، ولا أحد يمكن أن يبرر الاضطهاد الإجرامى الذى تقوم به حكومة المالكى والشيعة ضد السنة العرب والأكراد، وكان هو ما طوَّر عنف ردّ الفعل السنى الذى وصل إلى حدّ ظهور داعش واحتضانه ودعمه فى العراق. وكما كانت الأخونة متهورة للغاية عندنا نجد نفس التهور الناشئ عن حماقة القوة المتوهمة عند كل الجماعات الأصولية الإرهابية التى ظنت أن قوة نصر الله لهم سوف تعوِّضهم عن نقص قدرتهم. ولا شك فى أن نظام الأسد سوف يلقى الهزيمة، ولكن هزيمته لن تكون لحساب الإسلام السياسى الإرهابى.
#خليل_كلفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاريخ وتحليل الثورات الشعبية فى مصر عند لويس عوض
-
المسألة الفلولية
-
العنف .. فى جوهر الإسلام؟
-
الثقافة ومستقبل مصر
-
ثورة أم ثورتان؟
-
الثورة الشعبية: داية أم احتجاج؟
-
استدراك بشأن الثورة الاجتماعية-السياسية والثورة الشعبية
-
مقدمة عن اليسار العربي والثورات العربية
-
ليس من حق رئيس الجمهورية
-
حدود الثورات الشعبية
-
داعش والداعشية
-
كفى ترويجًا لأوهام جديدة
-
عرب 48 وعرب 67 فى إسرائيل
-
الفلسطينيون بين الحصار والترحيل
-
مجلس النواب وفصل السلطات
-
مجلس النواب والشعب
-
استشراف ما بعد الانتخابات
-
ضجة حول مقال للدكتور نصار عبد الله عن ظاهرة أطفال الشوارع
-
قراءة موضوعية للانتخابات
-
من المقاطعة إلى المشاركة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|