|
جامعة بيرزيت الليبرالية: التنافس والريادية والإبداع أساس التنمية في فلسطين
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 11:21
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لا بد أن عظام آدم سميث تطلب الرحمة. ها هم يصرون في بيرزيت على العودة بنا إلى القرن الثامن عشر من أجل أن تقلع فلسطين، وتدخل عصر الصناعة والنانو تكنولوجي من أوسع أبوابه عن طريق الريادية والتنافس الحر في السوق الرأسمالية صانعة المعجزات. رجل آخر يقتحم المشهد بمنتهى القوة منذ أن اقتحمه في العام 1974 بمداخلة نظرية ما تزال راهنة على الرغم من العقود الثلاثة التي انصرمت منذ ذلك الوقت. إنه مهدي عامل وكتابه العبقري: "أزمة الحضارة أم أزمة البرجوازيات العربية." يمكن لي أن أنصح الذين ينظمون المؤتمر العتيد في بيرزيت تحت العنوان أعلاه أن يعودوا لمهدي عامل، إذ أن لديه الكثير ليقوله لهم. لكن رئيس الجامعة خليل الهندي الذي سيفتتح المؤتمر العلمي (الممول على الأغلب من جهات أجنبية عديدة) يعرف بالتأكيد مهدي وإنتاجه. ويعرف هو وأقرانه من أساتذة و "علماء" بيرزيت، أن محاولة التماهي بالبرجوازية الامبريالية الصناعية القائمة منذ ثلاثة قرون في أوروبا وشمال أمريكا هي محاولة عبثية لا تقود إلا إلى إعادة إنتاج الواقع القائم على أسس أكثر رسوخاً. بحسب مهدي عامل: تولد البرجوازية الكولونيالية بعملية تاريخية قيصرية على يد الاستعمار. ويقوم المستعمر بصياغتها بدئياً على قياس احتياجاته، فهي مزرعة للقطن مثلما فكر المندوب السامي كرومر في حالة مصر، أو هي مصدر للمواد الخام مثل الخليج العربي وأفريقيا، أو هي سوق عملاقة للبضائع المصنعة في لندن مثلما هي حال الهند وغيرها، أو هي مزارع للموز في أمريكا اللاتينية...الخ وتكتفي هذه البرجوازية الكولونيالية بدورها المقرر، وترتبط بمصلحة الاستيراد والتصدير مع الشمال، ولا تحتاج إلى ثورة صناعية أو غيرها لأنها تعيش على هامش النشاط الاقتصادي الذي تمارسه البرجوازية الامبريالية في شمال العالم. في هذا الباب على الرغم من الكلام الكثير عن الإبداع والعلم، وعلى الرغم من تعليم اللغة الإنجليزية لأبناء الوطن كلهم بوصفها لغة العلم، فإن النتيجة تظل واحدة: لن يتم إنتاج العلم والمعرفة والعلماء، لأن بنية الإنتاج التبعي لا تستلزم ذلك. ولهذا السبب نجد أن جامعات الجنوب الكولونيالي، ومنها بيرزيت تتضخم من ناحية برامج الجندر وحقوق الإنسان والدراسات الممولة كلها، بينما يتقلص فيها العلم من فيزياء وكيمياء وتخصصات صناعية وزراعية إلى درجة مثيرة للسخرية. مثلاً لا يوجد في بيرزيت كلية زراعة على الرغم من أن النشاط الإنتاجي الأوضح في بلادنا هو الزراعة، بينما تغص الجامعة بطلبة يدرسون تخصصات ممولة ويتيهون وسط أكوام من المقالات المنتجة في شمال أمريكا حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وما بعد الحداثة والبنيوية دون أن يفقهوا منها شيئاً. والنتيجة بالطبع أن هؤلاء الخريجين لن يقودوا "تحركاً" صناعياً، ولا زراعياً، ولا تكنولوجياً، وإنما سيجدون وظيفة براتب مجزي في منظمات الأنجزة الصديقة للجامعة ويعيدوا الكلام الليبرالي القديم، والنيوليبرالي الراهن على مسامعنا دون أن يكون لذلك صلة بهذا البلد. لكن له بالطبع صلة وطيدة بخلق شريحة مرتزقة مشوهة التكوين تتبنى الفكر الليبرالي بطبعاته المختلفة. وتغني أغاني بعيدة كل البعد عن هموم أهل البلد وأعراسهم، وأفراحهم وأتراحهم. لسنا بالطبع مصدومين من مؤتمر بيرزيت الذي يأتي في سياق تقريظ الليبرالية، ذلك أن بينة الإنتاج التبعي لا تحتاج علماً، ولا أصالة فكرية، ولا مقاربة للهموم الاقتصادية والسياسية والفكرية المحلية. بنية الإنتاج التبعي تتطلب ثقافة وايديولوجية وفكراً يدور في فلك المتبوع في شمال العالم. بالنسبة لعنوان المؤتمر، ومقاربته المبتذلة منذ نصف قرن أو يزيد لهموم التزريع والتصنيع، والاستقلال والاعتماد على الذات، لسنا في حاجة إلى الإيضاح بأن ذلك أمر يفوق قدرات البرجوازية الكولونيالية وأدواتها الأيديولوجية من قبيل الجامعات ومراكز الأبحاث المحلية. إن تجربة واحدة من "الإقلاع" في مستوى الكون، منذ الصعود التلقائي القديم للرأسمالية في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، لا تشهد لعلماء بيرزيت وإخوانهم الليبراليين في العالم كله بمثال واحد. إن اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، وماليزيا، وروسيا، وألمانيا لم "تقلع" إلا بفضل تدخل الدولة "العنيف" في الاقتصاد بفرضها خطة معينة شاملة تنفذها بنفسها مثل روسيا والصين، أو تترك للقطاع الخاص تنفيذها تحت الإشراف الحديدي للدولة، مثلما في حالة كوريا وماليزيا وغيرهما. لا مكان هنا بالطبع للانفتاح، وحرية السوق، والتنافس، وإنما الحماية والإغلاق، وفرض الاحتكارات التي تدعمها الدولة حتى تتمكن من الوقوف على قدميها بالاعتماد على الموارد المحلية. في الحالة الفلسطينية لا يوجد بلد مستقل لكي تقوم فيه برجوازية تتمتع بالشروط الأساس للعمل بحرية في ذلك السوق، بمعنى أنه حتى لو افترضنا أن هناك فرصة لأن تفكر هذه البرجوازية الكسيحة بالتصنيع، فإن الاحتلال يقف لها بالمرصاد. ويقف بالمرصاد لهذا الوهم ضعف السوق وصغرها إلى درجة لا يمكن لعاقل أن يتخيل معها إنشاء صناعة من أي نوع. ولا بد أن نضيف خضوع البلاد الصغيرة من جنين حتى الخليل لشبكات صناعة الوعي والمجتمع والاقتصاد الدولية التي تعمل في سياق وكالة التنمية الأمريكية والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. أليس مؤتمر بيرزيت العتيد ذاته جزءاً من هذا النشاط "التنموي" لهذه المؤسسات الدولية التي تكرس التبعية والعولمة والهيمنة الأمريكية والأوروبية؟ لا بد لي من أن أهمس في أذن علماء بيرزيت بشيء: إذا كانت دول أوروبا ترى نفسها أصغر من أن تقف في هذا العالم كل بمفرده، في وقت ينتصب فيه على كوكبنا عمالقة من قبيل الولايات المتحدة والصين، فكيف يمكن لهم أن يفكروا بأن نابلس والخليل وقلقيلية ستفعل ذلك؟ لا بد أن إخوتي في بيرزيت يعرفون طريق "الحق" وإن لعبوا الاستغماية لأغراض التمويل: إن الوطن العربي كله أو تكتل كبير مثل آسيا العربية مركزه بغداد أو دمشق قد يكون بإمكانه أن يبني جامعة بضخامة هارفارد أو ستانفورد، أو يبني مصنعاً بأهمية "تويوتا" أو مفاعلاً نووياً بحجم المفاعل الإيراني على تواضعه. عند ذلك سوف يتم تخريج خبراء، وفنيين، وعلماء...الخ وبانتظار ذلك سوف تقوم أحياء صغيرة في البلاد العربية مثل حي الضفة الغربية وغزة بفتح كتاتيب مثل بيرزيت تبيعنا أوهام "ثروة الأمم" وأكاذيب مدرسة شيكاغو، إما لأنها تبتلع طعم التنمية الليبرالية بسبب هيمنة تلك الأيديولوجية المذهلة هذه الأيام، وإما لأنها تبتلع أصنافاً من المكافآت التمويلية التي تجعل المرء جاهزاً لتغيير جلده ليقوم بالدور ذاته الذي تقوم به الطبقة التي يمثلها: فتلك الطبقة تقوم بدور وكيل للسلع المادية القادمة من الشمال، بينما تقوم الجامعة ومثقفيها باستيراد السلع الفكرية الليبرالية وما بعد الحداثية من المصدر ذاته ثم تقوم بترويجها في بلادنا خدمة لمصالح البرجوازية المحلية العاجزة عن الإنتاج ومصالح سادتها في أوروبا وأمريكا. الطريق إلى التنمية تبدأ بفك الارتباط بالاستعمار الكوني، وتحقيق الاستقلال القومي السياسي والاقتصادي، وبناء تكتل إقليمي يتمتع بالإمكانات الضرورية لإنشاء كيان اقتصادي سياسي قابل للنجاح في عالم المنافسة الشرسة المدعومة بالبلطجة العسكرية الصريحة.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحجاب وتدمير التفكير واحتكار الحقيقة الأخلاقية
-
بطش الاحتلال وبطش المدارس
-
فشل الدول وسقوط البرجوازية الكولونيالية في الوطن العربي
-
السويد لم تعترف بالدولة الفلسطينية
-
اليسار ليس إلحاداً ولا لبرلة ولا علمنة
-
فساد الأنجزة: سرية رواتب الموظفين فساد الأنجزة: سرية رواتب ا
...
-
هل من فروق بين حماس وداعش؟
-
المناضل مجد اعتراف الريماوي
-
رأس المال المحلي لا وطن له
-
أوباما، يصنع الدمى، يحركها، يعبث بها، ويحرقها
-
ما الذي يبقينا على قيد الحياة؟
-
أغلقوا المدارس/افتحوا بوابات الإنتاج والمقاومة
-
المقاومة الفلسطينية بين الإرهاب الإسرائيلي والإرهاب المصري
-
داعش في بيتي
-
غزة ومجتمع الفرجة وانتظار جودو إلى عادل سمارة
-
غزة ومجتمع الفرجة وانتظار جودو
-
انتصرت المقاومة
-
هاشم أبو ماريا
-
المقاومة الفلسطينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
-
غزة وشلال الدم واحتفالات التوجيهي
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|