أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - كمال شاهين - التحليل الماركسي للمجتمع السوري















المزيد.....



التحليل الماركسي للمجتمع السوري


كمال شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 1301 - 2005 / 8 / 29 - 10:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


التحليل الطبقي للمجتمع السوري
الحقيقة في من اغتال الدجاجة !!!
المهندس كمال شاهين
كان الدكتور عارف دليلة قد بدأ حواراً حول المجتمع السوري منذ سنوات وترك أسئلة طلب الحوار حولها ، ولأن الأسئلة لا تزال راهنة جداً فإن الدراسة التالية هي محاولة حوار مع الرجل البعيد القريب حتى آخر نقطة وجع في القلب .

من حكايات جدتي : للمرة الألف !
تقول جدتي نقلاً عن جدتها نقلاً عن أحد ما اكتشفت فيما بعد أنه الكاتب العالمي إيسوب أن فلاحاً في مكان من الأرض دخل حظيرة حيواناته فوجد تحت دجاجة ( تقول رواية أخرى أنها كانت إوزة ولكن لا فرق جوهري ) لديه بيضة ذهبية ، استغرب الفلاح الأمر وأخذ البيضة ليتأكد من كونها حقيقية وكان الأمر ، كانت البيضة حقيقية ، فباعها الرجل لصائغ يهودي على الأرجح ، وعاد لمنزله يحِّسن فيه فابتاع لنفسه وعائلته ما كان ينقصه من أغراض وأشياء للمنزل والعائلة ، في اليوم التالي أعاد الرجل دخوله وبحثه فوجد بيضة ذهبية ثانية ، ففعل كما فعل في المرة السابقة وعاد هذه المرة إلى بيته فحسن فيه كثيراً وسوره وجدده كلياً، في اليوم الثالث باع الرجل البيضة واشترى سيارة،في اليوم الرابع استطاع إقناع مسؤول الحزب الحاكم بالترشح للانتخابات البلدية في الموسم الحالي وكان الأمر، في اليوم الخامس عرفت المنطقة كلها بوجوده بعد أن قام بقتل رئيس البلدية والحلول محله بطريقة غير شرعية حيث أنه ألبس التهمة لشاب كان يريد الزواج بابنته ، في اليوم السادس زوَّج ابنته لشيخ تجار البلدية الأصولي الوهابي.... في مساء اليوم السابع فكر الرجل الفلاح للمرة الأولى أن لماذا لا يفتح بطن الدجاجة ويستخرج كل البيض المخبأ في داخلها ؟؟
هرع الرجل للحظيرة وأيقظ الدجاجة وحملها لصالونه وفتح لها بطنها ـ دون أن يذبحها على الطريقة الإسلامية ـ فوجد أن ما في بطنها مجرد أمعاء وسودة وقلب وسفن !!
هل تريدون معرفة التتمة ؟؟ ركض الرجل بالدجاجة إلى المشفى الوطني ولكنها ماتت تحت تأثير المخدر بعد أن لم يجد الأطباء خيوطاً جراحية مناسبة لبطن الدجاجة .. ماتت الدجاجة ، و توتي توتي بدأت الحدوتة !!! حدوتة عربية ....
المطلوب الآن أن نحدد من المسؤول عن اغتيال الدجاجة : هل هو رغبة الفلاح بمزيد من البيضات الذهبيات ؟؟ أم أن الدجاجة نفسها مسؤولة لكونها تنتج بيض ذهبي ؟؟ أم أنه الوضع المستجد للفلاح وحاجته لمزيد من البيض ؟؟ أم أن ترشح الرجل للانتخابات أوحى إليه بضرورة الرشوة لمسؤولي الحزب الحاكم ؟؟ أسئلة كثيرة لم يجب أحد عليها للآن وقد مضت آلاف السنوات ولما تظهر الحقيقة بعد .. اليوم نريد الحقيقة في من اغتال الدجاجة .. الحقيقة فقط !
شرح المفردات :
الدجاجة : القطاع العام أو الدولة ، الفلاح : أي مسؤول في هذا البلد أو ذاك ، رئيس البلدية المقتول : الديمقراطية التي كانت شبه سائدة أيام الخمسينات وبداية الستينات عربياً ، شيخ التجار : أي رجل دين حالي أو سابق .
شرح المفردات فلسفياً :
لماذا باضت الدجاجة ذهباً ؟؟؟ ما دافعها الفكري والفلسفي لتبيض ذهباً ؟؟ ما الذي تغير في بيولوجيتها الدجاجية حتى صارت تبيض ذهباً؟ ولماذا قرر الرجل قتلها بعد أن كانت تقدم له كل يوم بيضة ذهبية استطاع بها أن يرتقي السلم الاجتماعي ويصبح ( شيخ غفر ) ؟
الدجاجة بالمفهوم الاقتصادي ( منتج ) والفلاح ( مستهلك و سلطة ) معاً ، الدجاجة كانت تؤدي مهمتها على خير قيام فالرجل لم يكن يطعمها حنطة ذهبية و لا شعير ذهبي ، حنطتها وطنية على الأرجح وإذا كانت مستوردة فلازال المورد يرغب بأن يستورد الفلاح منه حنطته ، نتكلم هنا عن القطع التبديلية للدجاجة كما عن استهلاك الدجاجة المالي والاقتصادي .
نتجه في التالي من التحقيق صوب القطاع العام السوري ومنه إلى المجتمع السوري بشكل خاص والسبب هو أن القطاع العام السوري هو أكبر بنية واقعية يمكن اكتشاف المجتمع السوري فيها بتفاصيله الأخلاقية والفكرية والسياسية وغيرها من العوامل .
الكلام السابق عن الدجاجة والفلاح ليس مجرد تخريف و لا تجديف على الحدث ، فالتشابه المطلق بين قتل الدجاجة وقتل القطاع العام أكثر من يتم تجاهله ، واحد من أعضاء مجلس الشعب السوريين قال بالحرف أن القطاع العام السوري لا يعيل أكثر من نصف مليون شخص فلماذا الإصرار على الحفاظ عليه بدل بيعه وتأمين فرص عمل لأكثر من مليون شخص ـ بالحرف نقلاً عن جريدة سورية محلية ـ هذا النائب ( كاسمه نائب ) كان في زمن ما من المدراء العامين في القطاع العام لا بل يشهد له الكثيرون بأفضاله على شركته تلك ( نعم شركته ) بدءاً بشراء لجان المناقصات وانتهاء بتوريد قطع تبديليه لن تحتاجها شركته حتى للتصليح يوم القيامة من صواعق الله التي ستنزل على المعمل ، ومروراً بقبض مبالغ تصل إلى أكثر من (200 ألف ليرة سورية = 4000 دولار حكومي ) لقاء توظيف من يرغب ، اليوم هذا الفلاح يرغب ببيع القطاع العام .
المجتمع العربي عامة والسوري خاصة : أفكار أولية :
النقطة الأولى التي يجب التأكيد عليها هو الفارق الكبير بين البرجوازية الوطنية قبل وصول العسكر إلى الحكم مطلع الستينات والتي تم تدميرها بفضل إجراءات التأميم في كل البلدان العربية الثورجية والتي كانت رأسمالية شبه حقيقية بسبب تاريخها الإقطاعي القديم ، منذ العهد العثماني وما قبل حتى وتحولها بفعل العلاقة مع أوربا إلى رأسمالية تحاول تقليد الغرب في أهم وأكثر صفاته نفعاً للمجتمع العربي وهي التي أفرزت حتى مطالع الستينات والسبعينات من القرن الماضي دعوات الحداثة والعلمانية والديمقراطية في المجتمعات العربية والانقلاب على التيارات السلفية والتقليدية والغيبية لصالح مجتمع أكثر انفتاحاً تؤكد على ذلك ديمقراطية الخمسينات ( مابعد مرحلة التحرر الوطني من الاستعمار )، وبين البرجوازية التي نشأت على أنقاضها من السبعينات حتى الآن والتي هي بمنشئها الطبقي بمجملها فلاحي ريفي قدم إلى المدينة كرد فعل على التغييب الطويل الأمد الذي مورس ضدها من قبل المدينة وبرجوازيتها فاختار الجيش كمؤسسة يصل منها لما يريد ( ثورات كل من مصر وسورية واليمن والجزائر والعراق وليبيا والسودان كلها متشابهة في البلاغ رقم واحد ) . ولأن منشأها فلاحي فهي لا تملك الثراء الاقتصادي ولا الإرث الفكري ولا السياسي الذي يجعلها تحافظ على ما يمكننا تسميته هيكلية الدولة إلا بما يحقق لها أهدافها الخاصة ، بمعنى استباحة كل ما يمكن للوصول إلى الثراء الاقتصادي والسياسي ، واللذان أصبح مظهرهما واضحاً على امتداد ديار العروبة من الفيلات الفخمة التي تغمر الريف العربي إلى مظاهر المواكب السياسية والعسكرية لأشخاص عسكريين أو مدنيين يجرون ورائهم أفخم سيارات المرسيدس في العالم (جمهوريات موز عربي ) وممارسات هذه الطبقة الناشئة أكثر من أن تحصى بدءاً بتجارة المخدرات والسلاح وانتهاء باغتصاب الأراضي والممتلكات من أصحابها الشرعيين وتسجيلها بقوة السلاح بأسمائهم .. إلى آخر هذه القائمة ، وليس غريباً عجز هذه الطبقة عبر سنوات حكمها عن تحقيق نصر واحد في الصراع المركزي العربي مع الصهيونية رغم أطنان الشعارات التي جعلتها علكة دائمة في إعلامها الموجه لأناس فقدوا كل ارتباط لهم إن كان بالوطن أو بالأرض أو بالله حتى .
هذه الممارسات العلنية التي قامت بها هذه البرجوازيات الناشئة ساعد عليها الوضع الامبريالي الذي استخدمها أتم استخدام لتحقيق غاياته وعلى رأسها الحفاظ على استقرار دولة إسرائيل من كل أنواع الاعتداء العربي عليها فكانت تصفية المقاومة العسكرية عبر الحدود مع إسرائيل هي الرغبة الأولى وقد تحققت من زمان تلاها رغبات كثيرة حققتها البرجوازية على أتم وجه منها مثلاً القضاء على كل أنواع المعارضات الحقيقية وتفسيخ المجتمع وغيرها .
إذاً لقد قادت البرجوازية الجديدة السياسات الحاكمة عبر السنوات العشرين الأخيرة المجتمعات العربية من الإنتاج الحقيقي والقدرة على الحركة إلى وضع مهلهل سكوني عفن يستجدي فيه جميع الناس حقوقهم ويترجون من السلطة أن لا تبيع معاملهم وشركاتهم وأراضيهم التي قضوا فيها عمرهم وتعرضها للاستثمار في سوق النخاسة العالمي الجديد .
اليوم تغير العالم ، وبدأت هذه البرجوازية بنقل ملكياتها من الآباء إلى الأبناء الذين تربوا وسط ظروف مختلفة وتلقوا تحصيلاً علمياً مختلفاً عن آبائهم ، فاختفت النزعة لعسكرة المجتمع بفضل الانتشار العالمي لدعوة الديمقراطية من جهة ، ومن ثانية لارتباط مصالح الأبناء بالخارج الذي يتبنى الدعوة لدمقرطة المجتمع- من خلال الشركات المغسولة الأموال في قطاعات خدمية شبه حصرية ، ومن ثالثة حاجة الأبناء إلى الاستقرار في مجتمعات تعاني من القمع والتفقير جعل من الضرورة إطلاق مسيرات التطوير والتحديث في البلدان العربية وبأشكال متعددة فخف القمع وتحسنت شروط المعيشة ولو بشكل ضئيل حتى الآن ( الفكرة من منذر بدر حلوم – الأوليغاركية السورية والإعداد لمرحلة المابعد – السفير اللبنانية 18/11/2004 بتصرف) .
إن من أهم ما تسعى إليه البرجوازية في التالي من الأيام هو الحفاظ على موقعها في قيادة المجتمع كي تتمكن من إدارة شركاتها الكثيرة العدد والعابرة للحدود الوطنية في أحد أشكال العولمة المحلية لهذه الطبقة التي يعول عليها خارجياً في الالتحاق بالعولمة العالمية خاصة وأن من سياسات هذه الطبقة الأساسية زيادة تصدير رؤوس الأموال للخارج وعدم محاولة إنعاش القطاع العام بأي شكل كان تمهيداً للانتقال إلى تخصيصه .
إن نظرة موضوعية لتاريخ الممارسات التي نفذت على القطاع العام توضح وبجلاء الرغبة الشنيعة لدى هذه الطبقة في نسفه كما يتضح من القراءة التاريخية التالية :
مطلع الثمانينات وخلال المعركة التاريخية التي قادتها السلطة ضد الإرهاب الإخوان مسلمي المبكر المتعاون مع الأنظمة العربية المجاورة ، تعرضت البلاد لحصار اقتصادي كبير من قبل الغرب والعرب أجمعين لأسباب سياسية أولها وقوف سورية مع إيران في حربها ضد العراق ووقوفها ضد الغزو الإسرائيلي للبنان ، يومها كان المجتمع السوري بكافة صنوفه وأطيافه مع السلطة بمعنى أن التضامن العام للمجتمع السوري كان مع السلطة السورية لأسباب قومية وفكرية وتاريخية وغيرها . استطاع القطاع العام طيلة تلك السنوات التي امتدت حتى مطلع التسعينات أن يقدم للناس المأكل والمشرب واللباس ، قدمت مثلاً شركة الكرنك للنقل زهوة باصاتها على طرقات سورية وبأجور رمزية ( مثلاً 80 ل س أجرة دمشق اللاذقية ومثلها لحلب (360 كم ) ، كما قدمت مؤسسات النسيج والغزل بكافة صنوفها النسيج الخام والغزول للقطاع الخاص الذي لليوم يرغب بالتصدير للغرب وبجودة عالية مقابل بيع نوعية متدنية للسوق السوري المحلي ( وهو فكرالقطاع الخاص لهذه اللحظة ) ، كما قدمت مؤسسات الكونسروة العديد العديد من المعلبات للمواطنين السوريين وبجودة تشهد عليها الأيام التي لم يكن فيها الحديث ممكناً عن الرشاوى والفساد .
بدأت مؤسسات القطاع العام بالتراجع في الأداء بدء من منتصف الثمانينات لأسباب أولها خارجي يتعلق بعدم توفر القطع التبديلية الكافية وهو سبب ليس كافياً لأن التهريب من لبنان كان قائماً على قدم وساق وكان ممكناً توريد أي قطعة عن طريقه وهو ما حصل في عدد كبير من الحالات ، وثانيها داخلي تمثل في تراجع مستوى الدخل الفردي حيث كان متوسط الدخل وبالدولار عام 1980 حوالي ( 900 ل . س / 5 سعر الصرف الرسمي والمجاور للدولار = 180 دولار) ليصبح منتصف الثمانينات ( 1800/20=90 دولار ) وهو هبوط مريع أدى لظاهرة الكساد وعدم الحراك الاقتصادي ، وثالثها ظهور حالة سلطوية في المعامل والمؤسسات والمجتمع فانتصار السلطة وعدم إجراء حوار مجتمعي ساهم في خلق حالة من الشك الاجتماعي وعدم اليقين بالآخر بسبب انتفاخ الدولة الأمنية وعدم تفعيل أي مؤسسة تشريعية أو قانونية أو نقابية أو حزبية بحيث صار البلد يقاد بالتوكل وبعقول المدراء العامين الذين كان أكثرهم مرتبط أمنياً ، وتحت شعار الحفاظ على الثورة بدأت موجة من النهب المنظم والقانوني للقطاع العام قادها أولئك المدراء ومن ورائهم أسيادهم الأمنيين ، علماً أن هؤلاء المدراء لم يكونوا يملكون أي كفاءة إدارية أو علمية حتى ( تم تعيين مدير عام لكونسروة جبلة يحمل شهادة ابتدائية وظل مديراً حتى عام 2000 ، والأمر ليس غريباً غرابة أن يكون وزير الصناعة ما قبل الأخير يحمل شهادة دكتوراه فخرية في التاريخ من جامعة دمشق ) وعلى الصعيد ذاته فتغييب العمل النقابي والحزبي و تحويله لمجرد احتفالات و خطابات و لعي حكي جعل من وعي الطبقة العاملة أكثر من مجرد وعي مسطح لدرجة ظهرت معها محاولات أي كان لقيادة العمال باتجاه الإضراب محاولة للحراثة في البحر وكان التفسير الفكري ـ العملي للأمر هو أن الإضراب بمجمله مغامرة غير محسومة النتائج حيث سيتعرض العمال للفصل أولاً والملاحقة الأمنية ثانياً وثالثاً وهو الأهم ستتعرض عوائلهم إلى الإزعاجات المستمرة من قبل مختلف أنواع الأجهزة والإدارات .
نماذج قيد التحقيق :
بعد مؤتمر البعث الحاكم في سورية ، تجري في البلد اليوم ( ممارسات غريبة عجيبة) تتعلق بالعمال بالدرجة الأولى فالانتخابات الحزبية جرت على ( قدم مكسورة وساق مبتورة ) والأسماء شبه الجاهزة من الجيل الجديد ، أما ما يتعلق بالعمال فهو أن المدراء العامين في كل وزارات الدولة الميمونة قد حرموا العمال من الحوافز والإضافي وهي المنجزات التي نالها العمال قبل الثورة واليوم يراد أن تذهب في خبر كان الثورة ، المؤسسات النسيجية أنزلت العلامة الإنتاجية إلى النصف تقريباً ( تقشف الدولة لتقليل الهدر في القطاع العام ) في الوقت الذي تعاقدت فيه أغلب الشركات على تنفيذ عقود بملايين الليرات والدولارات على مشاريع استثمارية أغلبها لن يضر ولن ينفع فلا مزيد من اليد العاملة ولا مزيد من التغيير في الخطوط الإنتاجية لتحديث الإنتاج ، أما القرار الأغرب فهو قرار إحدى المؤسسات النفطية اعتبار الحوافز من حق المهندسين والإداريين وإلغاءها للعمال ( لم ينشر القرار رسمياً بعد ولكن بدء بتنفيذه اعتباراً من هذا الشهر) أما محاولات بعض العمال التظاهر فقد أفضت منذ بضعة شهور إلى اعتقال أكثر المتظاهرين أمام قيادة فرع حزب البعث في مدينة اللاذقية ( المتظاهرين كانوا من عمال مؤسسة الإسكان العسكرية التابعة لوزارة الدفاع حيث يحظر التنظيم النقابي وأي مطالبة بأية حقوق مع العلم أن العمال المذكورين ومنذ أكثر من عامين لم يقبضوا رواتبهم المتراكمة إلا بمعدل راتب كل سبعة أشهر مع العلم كذلك أن هناك نية حكومية لتصفية هذه المؤسسة التي كانت مثلاً نموذجياً عن قدرة القطاع العام على المنافسة والعمل المتقدم فقد نفذت مثلاً إستاد رياضي في جنوب لبنان ومنشآت في السودان وكثير من المنشآت في سورية ، ويصر مدير عام المؤسسة المذكورة الذي بقي في منصبه لأكثر من عشرين عاماً على عدم دفع الرواتب في حين أن سياراته الخاصة التي تربو على المائة تعمل وبشكل جيد جداً وقد أزيح هذا الرجل من منصبه ولكنه عاد قبل أن يسخن الكرسي تحت مؤخرة المدير العام الجديد ) .
مؤسسة حلج وتكرير الأقطان هي أيضاً مثال صارخ على التخريب الذي يلحق بمؤسسات القطاع العام وبمنهجية فلاحية برجوازية حقيرة ، فالقطن يشكل ثاني محصول استيتراتيجي في سورية بعد النفط ، و لا تحتاج عملية تنقية القطن وحلجه إلى تقنيات متطورة ومعقدة إلا أن المؤسسة المذكورة مدينة للمصارف الحكومية بمبلغ تجاوز الـ 60 مليار ليرة سورية ، لماذا ؟؟ تحتج المؤسسة المذكورة أن لا أحد من المؤسسات التي تصدر لها قطنها المحلوج يدفع لها وهو عذر يشابه عذر وزارة الكهرباء مع الاتحاد الرياضي العام الذي بلغت فاتورة كهربائه ما يتجاوز المائة وعشرين مليون ليرة سورية ( المصدر : الصحافة المحلية ـ الانترنيت )
آخر الأمثلة هنا شركة حديد حماة ، وهي شركة رائدة استطاعت لليوم أن ترفد السوق السورية بالكثير من منتجات الحديد بأنواعه وهي مؤسسة كانت مخسرة كذلك ولكن إدارتها الجديدة (منذ ثلاث سنوات ) عملت على نقل الشركة من الخسارة إلى الربح بنجاح قلل من أهميته المسؤولين باعتبار ارتفاع أسعار الحديد عالمياً ،ولو أن الكلام فيه جزء من الصحة إلا أن الحقيقة كانت أن الإدارة الجيدة كما في القطاع الخاص تلعب على كل الظروف وتنتقل من طور لآخر وبنجاح ، اليوم أعلنت الحكومة السورية عن وضع المعمل في الاستثمار لشركة تركية والمفاوضات جارية لبيعه نهائياً ، علماً أن هناك معمل من معامل الشركة الأربعة موقف عن الإنتاج بقرار من مجلس الوزراء وهو ينتج نوعية حديد لا تتوافر في السوق السورية وإنما يتم استيرادها ، لماذا ستربح الشركة التركية ونخسر نحن ؟؟؟
نستطيع أن نقدم الكثير من الأمثلة على السياسات التي ارتكبت بحق القطاع العام السوري والتي أدت مجملها إلى نفوق هذا القطاع وتحوله إلى قاعدة " لنظام فاسد وطفيلي عاجز عن تبريز وجوده بتحقيق التقدم الاقتصادي و الرفاه الاجتماعي للطبقات الكادحة ولمجموع الشعب ( د عارف دليلة ـ محاضرات الثلاثاء الاقتصادي ) .
بالعودة للحديث عن ممارسات البرجوازية الطفيلية على المجتمع وتأثيراتها الشديدة على كل شيء فيه بدءً من المدرسة وانتهاء بالمعامل ، نقرأ في البداية عن الطبقة العاملة .
• المجتمع العام للعمال : بروليتاريا ضائعة
يصعب استخدام المصطلح اليوناني ـ الروماني القديم ( الماركسي تالياً) البروليتاريا على هؤلاء الناس ( العمال ) الذين ترجع أصولهم إلى منابت فلاحية أولاً وحرفية تالياً وعمالية في آخر العنقود ، وهم على جانب آخر من مشارب دينية متنوعة تختلف طريقة تعاطيها مع موضوعة )العمل( والغالب عليها جميعاً السمات الإسلامية ونعني بالسمات حالة التواكل ( بالمصطلح الإسلامي ) و التهرب من المسؤولية وعدم القدرة على الانضباط الخلقي والدوام والنفاق والغش والتزوير في كل شيء بدءاً من التزوير في العمل الإضافي وانتهاء بدفتر الدوام ، أي اللاأخلاقية في العمل ، يضاف إليها السياسة الحزبية في التعاطي مع مختلف الأمور بمنطق التجاهل و( تغميض العيون ) و( تنفيخ الجيوب) إلى آخر السياسات ،فتكون طريقة التفكير هذه خارج أي نمط إنتاج أو نمط فكري وهذا ليس غريباً فالناس على دين ملوكهم . أما الضحايا الأبرز لهذه الطريقة في التفكير فهم أصحاب الخبرة والمتميزين في العمل وهؤلاء قلة تخرج تدريجياً بقرار إداري إلى خارج المعمل وسوق البطالة أو العمل المياوم ( فصل تعسفي تساعد عليه المادة 137 من قانون العاملين الأخير وهي المادة التي استند إليها المدير العام السابق لمعمل غزل جبلة الجديد في فصل أكثر من سبعة وثلاثين عامل من العمل ) .
ليس هناك ارتباط بين العامل وموضوع العمل ( الإنتاج ) أو المعمل ، فالمعمل للعامل هو مكان يقضي فيه ثماني ساعات يومياً لا أكثر ولا أقل ، ليس المهم كمية الإنتاج طالما أن مسجلي كميات الإنتاج يمكن رشوتهم ولا بأس في اليوم الطويل من تشغيل الآلات وإنتاج كمية من الإنتاج أو حتى تحقيق الكمية الحقيقية للإنتاج طالما سيتم تخزين الإنتاج في النهاية . لا نريد من هذا الكلام ممارسة التنظير واتهام العمال فقط بسوء النوايا، فهناك دون شك من ينتج بكل ضمير وكله إيمان بعمله ووطنه رغم أن وطنه لا يؤمن له حتى كفاف يومه فرواتب العمال هي في أدنى السلم الرواتبي ( العمال من الفئة الرابعة رواتبهم لا تصل إلى خمسة آلاف ل س = 5000/50= 100 دولار بالسعر السائد ) وهي تعادل 500 سندويشة فلافل و 10 كغ قهوة و 100 كغ بندورة ، وهي بالمجمل تكفي لعيش فرد في حد الكفاف .
بالمختصر إن هناك حالة اغتراب حقيقي بين العامل وعمله أو بين العامل والحياة أصلاً ، وليس من هدف للحياة أو الوجود سوى تمضية الأيام ( تمريكها ) كما أن الوجود في المعمل في وجه آخر احتمال للسرقة والنهب ، ومرة أخرى ليس الاتهام جزافاً بقدر ما هو حقيقة أصَّـلتها السنوات الثلاثين الماضية فكل يكذب ، على نفسه وعلى مؤسسته و مديره الذي يكذب بدوره على من هم أعلى منه .
ليس هناك تجمع يمكن أن تطلق عليه اسم أو مصطلح ( الطبقة العاملة ) عربياً أو سورياً بمعنى حقيقي وفعلي ، فالبيئات التي خرج منها هؤلاء لا تمتلك ولو جزءاً بسيطاً من مواصفات البيئة العمالية والتي تورث أصحابها في المقام الأول أصالة عمالية تبرز في الشدائد والمواقف ، كما تورثهم عزيمة تقف في وجه المحي والإزالة وتجعلهم يدافعون عن مكتسباتهم ، ربما تاريخياً كان هناك مشروع لطبقة عاملة عربية مطلع القرن وحتى أواخر الستينات ولكن ما ابتليت به المجتمعات من سلطة عسكرية أشد قمعاً من كل أنواع الاحتلالات التي مرت على الوطن استطاع تحويل الجميع من عمال وفلاحين إلى مجرد ( صغار كسبة ) يظلون صغاراً في كل حياتهم وأعمالهم .
• المجتمع العام للإدارات : كيف تكون يهودياً بامتياز ؟؟
تحولت إدارات القطاع العام خلال السنوات الثلاثين الماضية إلى واحد من أهم أسباب تدمير القطاع العام بمنهجية واضحة تقاد من خلال عقلية ( مرة أخرى) فلاحية تسعى دائماً للتحول إلى برجوازية تافهة بأي طريق كان ، وتتخذ من البرجوازية السلطوية نموذجاً يقتدى به ، كما لا تتغير تركيبتها البنيوية بحال من الأحوال مهما تقدمت في السلك التعليمي أو الوظيفي ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن السياسيات العامة للبلد والتي من أبرزها غياب القانون والمحاسبة و( من أين لك هذا ؟) فعلت فعلها على خير أكمل وجه ، لدرجة أن عشرات النكات ( الحمصية ) تحدثت عن هذا المبدأ ( تقول واحدة أن الرئيس الراحل حافظ الأسد طلب خلال الحج إلى مكة من مجموعة كانت معه والذين أثروا بطريقة غير مشروعة أن يدورا حول الكعبة دورة واحدة مقابل كل عملية غير مشروعة ، فما كان من الحضور جميعاً إلا أن توجهوا إلى شركة دراجات نارية و اشتروا مجموعة منها وركبوها وبدأوا بالدوران حول الكعبة لمدة الحج بكامله ! )
وبدء من أول عملية إنتاج تتعلق بمعمل ما ، أو بشركة ما ، حتى تكون للإدارات يد طولى في عملية السمسرة فيها سواء كان الأمر يمر من خلالها أم لا ، فتطلب مواد حسب حاجة التاجر و ما يتوفر لديه مواد وإلى أن تمر عبر المناقصات والتعاقد والتنفيذ تصرف آلاف الليرات على الرشاوى على مبدأ(الله يرحم من نفـًّع واستنفع ) و هو المبدأ الذي لن تجد له نظيراً بين المبادئ و لا حتى مبادئ حزب البعث .
إن التحليل النفسي للبنى الإدارية في المؤسسات والقطاع العام السوري ( نموذجاً ) يتداخل فيه علم النفس الجنائي مع التحليلي مع الفرويدي مع غيره من العلوم حتى العلوم الإسلامية ، الفكرة الأولى أن هذه الإدارات لم تأخذ أماكنها الوظيفية لأنها تمتلك مواصفات تستحق بها مكانها الوظيفي أو خبرات أو حتى رؤى أو مشاريع أو أفكار تساهم أو قد تساهم في العمل الوظيفي أو في تطوير العمل أو البلد ، فقد تغضب الدولة على شخص ما ليكون في اليوم التالي وزيراً ، كيف ؟؟ لا أعرف ( مثال : محافظ السويداء الجديد كان مديراً للمياه في اللاذقية ، مثال ثاني : وزير الزراعة كان محامياً مغضوباً عليه في مصياف )

الفكرة الثانية أن هذه الإدارات لم تعين في أماكنها في الغالبية العظمى من الحالات إلا بفضل تدخل ( جهة ما ، عليا أو غير عليا) وطبعاً تلعب الانتماءات الحزبية والطائفية والدولية دوراً رئيسياً في العملية فتحال مرجعيتها دائماً إلى البرجوازية الأم السلطوية وهي الحامل الأساسي لكل الإدارات الفاسدة ( في عام 1985 قام مهندس شيوعي بإصلاح خط أنابيب نفطي على شاطئ مدينة بانياس كانت فاتورة إصلاحه الأجنبية بالملايين السورية آنذاك ،ولكنه اعتقل ورمي به في السجن بعد فترة قصيرة لأنه شيوعي ... فقط )

الفكرة الثالثة أن هذه الإدارات ليس لها انتماء حقيقي لأي شيء ، فهي قد تكون مسلمة مؤمنة ، مسيحية مؤمنة ، بعثية ( فقط ) لكن لديها التبرير الشرعي للسرقة فالمسروق منه ( الدولة ) وسرقتها حلال ، أو تكون الشركة ذاتها ، كذلك الأمر حلال ، أو قد يكون المسروق منه الموظف ذاته ، وهذا سرقته حلال بفعل أي أيديولوجيا أو مبدأ يمكن أن تطرحه ، فهو يسرق من الدولة ، و إذا كان ( نظيفاً ) فيجب جره للتحقيق بأي تهمة ( آلاف من مثل هذه القضايا دخلت القضاء السوري كان متهموها بريئين من تهمهم خاصة ما يتعلق بلجان الشراء مثلاً ) وقس على هذا الكثير .

الفكرة الرابعة أن مفهوم الإدارة ذاته غائب عن هذه الشريحة على الغالب ، فهي لا تفهم منه سوى تنفيذ الأوامر الواضحة جداً أما الغامضة فتبقى المراسلات بشأنها سنوات ، كما هو الحال حالياً في مناقشة أسعار القطن وانخفاضه ونزوله وضرورة عدم وضع سياسة سعرية ثابتة لبيعه ، المناقشات مستمرة للعام الثاني على التوالي والنتيجة ؟؟ تكدس آلاف الأطنان من الأقطان في المستودعات ، كما أن هذه الإدارات لا تستطيع تحمل أي نوع من المسؤولية في تطوير الإنتاج أو حتى التفكير بذلك وإن ناقشتها فهي تملك البرهان القاطع على ما تذهب إليه في النفي المطلق .
الفكرة الأخيرة : إن تشعب الانتماء لعدة مشارب طبقية أولاً ودينية ثانياً واختلاف النظم التربوية التي تربت عليها في مناطقها المختلفة ثالثاًَ يخلق حالة هجينة جداً كانت لفترة من الزمن الماضي غير واضحة المعالم ( قبل السبعينات ) بسبب من وجود ما يمكن تسميته بذور حالة مواطنة أساسها في فترة الخمسينات التي لم تكن فيها الأنظمة العسكرية قد بدأت ثوراتها بعد، أما في الحاضر فهي واضحة جداً وسماتها الأبرز كما قلنا وجود عقلية تفتقد لتجانس نظري أو فكري أو حياتي أو حتى ديني أو طبقي .

• المجتمع العام للفلاحين : برجوازية غير مكتملة الصفات
يتوزع فلاحو سورية على امتدادها فهم يحيطون بالمدن جميعها ، كما أن مناطق مثل الشمال السوري ( الحسكة ودير الزور والرقة وشمال حلب و إدلب ) هي في توصيفها الجغرافي والاجتماعي بيئات فلاحية تقترب في مسحها الاجتماعي من بيئات قبل مدينية كما هو الحال مثلاً في مدينة جسر الشغور التي لا تعد قرية كما أنها ليست مدينة ، المواقع السورية الوحيدة التي يمكن اعتبارها مدناً حقيقة قليلة نسبياً كمدينة دمشق ( المظهر المديني لها يتضح من مطلع القرن ) وحلب ( التي ساهم الأرمن في تحويلها لمدينة صناعية ) واللاذقية (كمرفأ سوريا الأول على البحر في حين تخلو مدينة طرطوس بعد الثامنة مساء من الزحمة بسبب كون أغلب تجارها وصناعييها من الريف المحيط ) وحمص التي تبقى بوابة سورية على كل الجهات أما المدن الجنوبية فهي أشبه بمدينة طرطوس أغلب تجارها وصناعييها من الريف.
رقمياً تبلغ مساهمة القطاع الفلاحي في الميزانية العامة للبلد أكثر من 50% ، رغم هذا ظلت مساهمة الفلاحين في المسار العام للبلاد وتحولاته حتى منصف الستينات قليلة لأسباب تتعلق بالطبقة الفلاحية ذاتها ( قلة الوعي السياسي والفكري ) ورغم تبني البعث للفلاحين وخروجه منهم إلا أن الانفصال البنيوي تم بينهما بعد تكون الطبقة العسكرية التي قامت بكل الحركات الانقلابية في سورية ثم في العالم العربي خلال الفترة التالية وحتى نهاية القرن الماضي .
نستطيع القول أن الفلاحين الذين تغيرت بنيتهم الطبقية لتشمل جميع من يمكن أن يعمل في الأرض ( معلمين و موظفين و ضباط صغار ومهندسين وأطباء وغيرهم ) هم أيضاً أحد أدوات البرجوازية الجديدة في ترابطها مع العولمة ، والتي قد لا تبدو واضحة ما لم ننظر إلى الشروط التي توضع على تصدير أي منتج سوري إلى العالم والتي لا يمكن إلا لقلة من الفلاحين الالتزام بها بسبب غياب واضح للتقنية والتكنولوجيا عن العمل الفلاحي اليدوي بمجمله حتى الآن .
• المجتمع العام : إفساد من لم يفسد بعد !
هذه الحالات الاجتماعية تنسرب بدورها إلى المجتمع ، الذي يتحول بدوره إلى كتلة هلامية ضائعة الملامح يصعب تحديد فواصل معرفية بين عناصرها ، ليصبح الاغتراب السمة العامة لمجتمع لم يستطع بعد سنوات طويلة جداً تحديد مكون أساسي في هويته الحضارية والفكرية ونعني به التفاعلية والحراك .
إن واقع المجتمع السوري ومثله العربي يحيل بالإجمال إلى حالة اغتراب حقيقي تظهر في علاقة الجميع بالجميع ليبدو العجز وانعدام التوازن سمة لازمة لهذا المجتمع :
أولاً : بالمنحى الأفقي بين الناس أنفسهم حيث يظهر قمع الأفراد على بعضهم ( المدير على موظفيه ،الموظف يحيك الدسائس لزميله ، الرجال على النساء والأطفال ) حيث يعمل الجميع على تخريب علاقة الجميع بالجميع وباستخدام شتى صنوف الأسلحة :الدينية( الطائفية والعشائرية ) والسياسية (كتابة التقارير التي تؤدي للهلاك الفكري والجسدي ) والاقتصادية (الصراع في لجان المناقصات أو اللجان الفنية أو المالية ) ليبدو المشهد سوريالياً بامتياز فهناك فساد يكفي الجميع ، من لم يكن فاسداً نفسده وبالطريقة التي يختارها ، والجميع فاسد في بنيته الأولى يأتي إلى الدنيا ولديه كل التبرير الأيديولوجي لما سيفعله من تخريب فمثلاً إن كان مسلماً فاسداً لديه حديث نبوي يوصي بقبول الهدية ( وهو الاسم غير الشرعي للرشوة ) وإن كان مسيحياً فاسداً فلا بأس فمن ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر ، وإن كان من الأقليات الدينية فهناك من يفتى بأن سرقة الدولة حلال وسرقة غير الدولة حلال ، وهناك بالتالي ماراثون من السرقات يغمر البلاد العربية جميعها .
من يلقي نظرة على المجتمع السوري والعربي عامة يلحظ في القاع الاجتماعي بروز حالتين متضادتين جداً تبرزان من خلال الحامل الأكثر تبياناً لحالة المجتمع ونعني به المرأة ، فهناك اتجاه أكثر من حاد ومنشر لتحجيب وتحجب المرأة ذاتياً وهو تحجيب ليس فقط كغطاء للرأس بل لكامل الجسم وتلحظ هذا في المدن الكبرى لدرجة أن وسائل النقل العامة بدأت تفرز مقاعد خاصة للنساء المحجبات وهناك توافق عام لتنفيذ هذه الرغبة بما يشبه ردة دينية رجعية عامة، والاتجاه الثاني معاكس له تماما ً يتميز بانفلاش جسدي واضح يشي بانتشار العهر العلني وتسليع المرأة ولا يعني هذا نفي صفة العهر عن الاتجاه الأول فأكثر شبكات العهر في المدن الداخلية مصدرها المدن الكبرى حيث تقل الرقابة المجتمعية عدا عن رقابة الشكل ، الأمر الذي يسهل عملية العهر الاجتماعي وتمتلئ الصحف بقضايا العهر الاجتماعي كما تنتشر في المجتمع من جديد ثقافة تكفير لمن لا يرتدي من النساء اللباس الأسود .
ثانياً : بالمنحى العمودي بين الناس والسلطات بأنواعها ، فهناك تبرير لحالة الخضوع والانسحاق أمام أصحاب الياقات البيضاء ، سواء كان التبرير اجتماعي أم ديني وهو أكثر أنواع التبرير الذي تعتمده السلطات العربية لدرجة يبدو معها المجتمع مليئاً بالمؤمنين دون إيمان فعلي وليغلب على المشهد الشكل بدل المضمون وهو الأمر الذي له تبريراته أيضاً . إن السلطات العربية في واد والناس في آخر وجميع القوانين التي تصدر مهمتها إما تسهيل أعمال جيوش الاستثمار الخلبية التي تغزو بلاد العرب وذلك مقابل أتاوات يدفعها هؤلاء لأرباب السلطة بشكل غير شرعي وإما شرعنة أعمال النهب المنظمة التي تقوم بها هذه الطبقات للدولة ومؤسساتها وهذا الأمر ظاهر في سورية بشكل جلي فالقانون رقم 195 المتضمن نظام العقود وهو خليفة القانون رقم 51 لعام 1977 شرعن وبشكل مباشر عملية تكبيل القطاع العام بالقيود وبالمقابل قدم إعفاءات كثيرة لأصحاب رؤوس الأموال وعلى ما يبدو إن تجربة ثلاثة عشر عاماً من الإعفاءات (منذ صدور قانون الاستثمار) لم تكفي ، فجاء قانون إلغاء محاكم الأمن الاقتصادي ثم قانون السماح بإخراج العملة الصعبة خارج البلد وهكذا ...
لقد اندمجت الإدارات مع الطبقة البرجوازية تماما ًكما اندمج معها التجار الطفيليون الناشئون منهم والقدامى وأنتجت الخلطة السحرية التي ستقود البلد باتجاه اقتصاد السوق الاجتماع وما أدراك ما اقتصاد السوق الاجتماعي .
• رؤية مستقبلية : متى نصل الحافة ؟؟
كان أحد الزعماء الجزائريين يتحدث ارتجالاً مرة في خطاب جماهيري فقال : لقد خطت الجزائر خطوة كبيرة نحو الأمام : فصفق له الحضور ، ويبدو أن الرجل نسي أين كان ،فتابع : نحو الهاوية !!
في ظل هذه الأجواء يبدو الحديث عن خطوات لازمة أمراً نافلاً إلا أن ما ينغص على القلب والروح هو أنك لن تجد أذناً تصغي لكل ما يكتب ولا زال التخبط الإداري والحكومي والشعبي يسير على قدم وساق ،و للأسف لن تجد سوى رؤى غائمة ومتناقضة في أكثر البرامج التي طرحت ، والذي يستحق الدراسة والتدقيق دفن في الأدراج ، وليس هناك أي تخطيط حقيقي يستدعي للذاكرة ما يجري حولنا من تغيرات لتبدو معها حكومتنا حكومة تصريف أعمال أو تحديث لقوانين تهم البعض فقط ، ولتبدو المقارنة مع مؤتمر هرتسيليا الصهيوني الثاني الذي ضم خلاصة النخبة اليهودية أشبه بالكفر الصراح .
المؤتمر اليهودي الثاني حدد خطة لمستقبل اسرائيل تمتد حتى عام 2010 على أدنى تقدير ، ترى هل هناك في العالم العربي من يجرؤ على قراءة مقررات مؤتمر هرتسيليا بشكل كامل ؟؟؟
لا نعتقد ، لا نعتقد حقيقة !!!

Lattakia-17/8/2005



#كمال_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الستمئة والأرنب
- محمود درويش في أرض الكلام
- مستقبل المرأة بين الديانات والتشريعات والواقع
- عن موسى السوري والتيه اللبناني
- يوميات من هنا: حيث الأبد يعني اسمها
- محمود درويش في حالة حصار
- متى تتطور هذه البوكيمونات ؟؟؟؟
- ذات يوم شيوعي غامض


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - كمال شاهين - التحليل الماركسي للمجتمع السوري