|
دروس من انتفاضة آذار المجيدة
أبو ناهض
الحوار المتمدن-العدد: 6 - 2001 / 12 / 14 - 09:05
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لماذا أجهضت الانتفاضة ؟ عندما قامت الانتفاضة في الأول من آذار 1991، كانت كل الظروف الموضوعية ناضجة لانتشارها في كافة المدن العراقية ، بعد سنوات طوال من الحكم الدكتاتوري الاستبدادي ، والجرائم التي ارتكبها النظام الصدامي بحق الشعب العراقي ، بكل فئاته وقومياته وطوائفه .
لقد أنتشر لهيب الثورة بأسرع مما كان يتصوره الكثير من الناس ، ليغطي العراق من شماله حتى جنوبه ومما زاد في اندفاع الجماهير الشعبية للمشاركة في الانتفاضة ، هو اشتراك عناصر واسعة من الجيش في إشعال لهيبها ، وانضمام أعداد غفيرة من العسكريين إلى صفوف الانتفاضة ، مما سهل كسر حاجز الخوف الذي أشاعه إرهاب النظام لسنين طويلة ، وظهر لأول مرة أن الجهاز الذي اعتمد عليه صدام حسين في حماية نظامه ، قد بدأ بالتداعي ، بعد الهزائم التي ألحقها النظام بالجيش العراقي ، في معركة غير متكافئة مع الولايات المتحدة وحلفائها ، وتسبب ذلك في إذلال الجيش العراقي الباسل .
لقد بان للشعب العراقي أن النظام الصدامي بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط ، ولم يشك أحد في نهاية صدام حسين وعصابته المجرمة بحق الشعب والوطن .
لكن الأمور تغيرت بشكل مفاجئ ، بعد أن وضعت الولايات المتحدة وحلفائها ثقلهم إلى جانب النظام الصدامي ، ومهدوا السبيل لقوات الحرس الجمهوري لاستعادة المبادرة ، وسهلوا لقواته المحاصرة جنوب الناصرية ، للعبور ومهاجمة المدن المحررة ، واستعادة السيطرة عليها ، مستخدمة شتى أنواع الأسلحة ، من دبابات ، ومدفعية ، وصواريخ ، وطائرات مروحية . وهكذا بدأ الحلم الجميل بإسقاط النظام يتلاشى شيئاً فشيئاً فلماذا حدث ذلك وما هي الأسباب التي أدت إلى فشل الانتفاضة
إن أهم أسباب فشل الانتفاضة :
1 ـ فشل قيادات الانتفاضة في استثمارها ، وتوجيهها ، وقيادتها ، وبُعد هذه القيادات عن ساحة المعركة ، وتواجدها خارج البلاد ، فقد كان الأجدى بقيادات المعارضة التي اجتمعت في مؤتمر بيروت أن تتوجه إلى المناطق المحررة من العراق ، لتنشئ قيادة ميدانية مشتركة لكافة القوى والأحزاب السياسية المنضوية تحت لواء ميثاق دمشق ، وتوجيه الانتفاضة نحو تحقيق المبادئ التي أقرها الميثاق ، فيما يخص إسقاط النظام الصدامي ، وإقامة النظام الديمقراطي التعددي، والعمل على تحقيق الأهداف العامة التي نص عليها الميثاق .
إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث ، وتُركت الانتفاضة لتوجيهات بعض القيادات الإسلامية ، وعلى رأسها قيادة السيد ( محمد باقر الحكيم ) ، الذي دخلت قواته المسماة ( قوات بدر ) من إيران إلى جنوب العراق ، مما جعل الشعارات الطائفية تطغي على الانتفاضة . وسرت شائعات مفبركة من قبل السلطةغير موثقة، حول دخول قوات من حرس الثورة الإيرانية بصحبة قوات بدر التابعة لباقر الحكيم ، ليثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها ، وحكام الخليج وعلى رأسهم السعودية ، حيث وجدوا أن سيطرة قوى إسلامية موالية لإيران سوف يسبب مخاطر كبيرة على مصالحهم ، وعلى أنظمة الحكم في دول الخليج . وهكذا اتخذت الولايات المتحدة قرارها بالوقوف ضد الانتفاضة ، وإجهاضها ، واستمرار النظام الصدامي في حكم العراق .
لقد أخطأت القوى الإسلامية في محاولة الاستئثار بالانتفاضة ، متجاهلة بقية القوى السياسية الوطنية التي انضوت تحت راية ميثاق دمشق ، وتصورت تلك القوى أنها باتت على وشك الوصول إلى الحكم ، ولم تدرِ أنها بسلوكها ذاك قد استفزت قوى التحالف الغربي ، وأنظمة الخليج ، ودفعتها إلى الوقوف ضد الانتفاضة ، وإجهاضها .
2 ـ توقف زحف القوات الكردستانية نحو مدينتي الموصل ، وبغداد ، بعد أن تم لها السيطرة الكاملة على كردستان ، وبدا وكأن المسألة هي مسالة كردستان والأكراد فقط، وليست مسألة العراق وشعبه وهكذا ففي الوقت الذي كانت قوات الانتفاضة في الجنوب ، والفرات الأوسط تخوض المعارك الباسلة ضد القوات الصدامية ، كانت قوات الانتفاضة في كردستان في حالة الاسترخاء ، واتخذت موقفاً فيه الكثير من قصر النظر السياسي والعسكري ، فصدام حسين لا يمكن أن يترك القوات الكردية تسيطر على كردستان بهذه البساطة .
لقد أتاحت القوات الكردية الفرصة للنظام الصدامي للاستفراد بقوى الانتفاضة في الجنوب والفرات الأوسط ،وتوجيه جهده العسكري لقمعها وتصفيتها ، ومن ثم التحول نحو منطقة كردستان . لقد كان الأجدى بقوات الانتفاضة في كردستان أن تنسق مع قوات الانتفاضة في الجنوب والفرات الأوسط ، والضغط على القوات الصدامية المتواجدة حول الموصل وصلاح الدين ، وليجبرها على القتال على جبهتين ، بدلاً من جبهة واحدة ،مما يخفف العبء عن قوات الانتفاضة في الجنوب .
3 ـ بسبب من ضعف قيادة قوات الانتفاضة ،وسيطرة القوى الإسلامية عليها ، واستبعاد القوى السياسية الأخرى ، وقعت قوات الانتفاضة بأخطاء جسيمة ، فقد اتخذت قيادة الانتفاضة في الجنوب والفرات الأوسط سياسة التصفية الجسدية ضد العناصر البعثية ،وحتى ضد العديد من العناصر السنية في بعض الأحيان ،وربما كان للسلطة الصدامية يد في ذلك ، في حين كان المفروض الابتعاد عن مثل هذه السياسة ،ومحاولة جر جانب كبير من العناصر التي ارتبطت بحزب البعث لأسباب عديدة إلى جانبها، فمعلوم أن النظام العراقي عمل بكل الوسائل والسبل على إجبار أبناء الشعب للانخراط في صفوف الحزب ، سواء عن طريق التهديد والوعيد ، أو عن طريق الإغراء المادي ،والمكاسب الوظيفية وغير الوظيفية ، مما جعل الكثيرين من أبناء الشعب ينتمون لحزب البعث ، رغم عدم إيمانهم به وبقيادته وتوجهاته ، ولكن سياسة التصفية الجسدية للعديد من عناصر الحزب ، جعلت البعثيين يقفون ضد الانتفاضة مرغمين . بينما وجدنا القوات الكردستانية سلكت طريقاً آخر ، استطاعت فيه جر جميع العناصر الكردية التي سخرها النظام الصدامي لمحاربة الحركة الكردية لسنين عديدة إلى صفوفها ، وبكامل أسلحتها ، مما أسقط في يد النظام الصدامي . وحتى عناصر الجيش العراقي الذين استسلموا للقوات الكردستانية ،فقد جرى نزع سلاحها ،إلا أنها لم تتعرض لأي اعتداء ، غير أن القوات الكردستانية أخطأت في عدم محاولتها الاستفادة من قدرات تلك القوات التي استسلمت ،وألقت سلاحها ،وهي بالتأكيد أعداد كبيرة جداً،وكان الأجدر أن تحاول كسب تلك القوات ،وتعبئتها ضد النظام الصدامي ،ولاسيما وأنها كانت على درجة كبيرة من الضخامة ،وتمتلك خبرات قتالية جيدة جداً ،وقادرة على استخدام الأسلحة الحديثة التي كانت بحوزتها ، ولو تم ذلك لكانت قوات الانتفاضة قد أصبحت في موقف أحسن بكثير ، وربما استطاعت جر تشكيلات عسكرية أخرى إلى جانبها .
4 ـ إن إهمال ميثاق دمشق ، ومحاولة القوى الإسلامية الطائفية ، قطف ثمار الانتفاضة لنفسها ومحاولة إقامة نظام طائفي في العراق ،قد أقلق الطائفة السنية بالغ القلق ،ولاسيما وأن معظم قيادات الجيش هم من الطائفة السنية .
لقد كان الأجدى بتلك القوى أن تتجنب ذلك السلوك ،وتؤكد على الشعارات الداعية للوحدة الوطنية ،والنظام الديمقراطي التعددي ،ومحاولة كسب وجر العناصر السنية في صفوف الجيش إلى جانبها ، لكن تلك النظرة الضيقة للقوى الإسلامية الطائفية جعلت جانباً كبيراً من الطائفة السنية تفضل بقاء السلطة الصدامية على قيام نظام حكم شيعي طائفي في العراق .
5 ـ اعتماد قوات الانتفاضة على نظرية الدفاع المحلي ،سواء في المنطقة الكردية أم في المنطقة الجنوبية والفرات الأوسط ،وطبيعي أن هذه النظرية قد كلفت قوى الانتفاضة تضحيات جسيمة في مواجهة جيش منظم،ومجهز بمختلف الأسلحة الثقيلة .
لقد كان الأجدر بقوات الانتفاضة تشكيل قيادة موحدة للانتفاضة ،في عموم العراق وأن تكون هذه القيادة جماعية ،لسائر قوى الانتفاضة ،وأن تلتزم القيادة الموحدة بمقررات مؤتمر دمشق وتعمل على تطبيقه.
هذه هي أهم العوامل التي أدت إلى إجهاض الانتفاضة ، التي دفع الشعب العراقي خلالها تضحيات جسام ، دون أن يحقق ما كان يصبو إليه في التخلص من النظام الصدامي ، وإقامة البديل الديمقراطي التعددي . وبات على الشعب العراقي أن يتحمل لسنين عديدة أخرى المآسي والويلات من هذا النظام الفاشي ، ومن الحصار الظالم المفروض على الشعب منذُ 2 آب 1990 ، والذي أدى إلى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يعرف الشعب له مثيلاً من قبل .
ويحقلنا أن نتساءل : ماذا قدمت أحزاب المعارضة للانتفاضة ؟
إتسمت مواقف القيادات السياسية لقوى المعارضة العراقية بكونها دون مستوى الأحداث التي ألمّت بالعراق وشعبه ، رغم أن النظام الصدامي قد اضطهد كل القوى ، ونكل بها ، دون استثناء ، إلا أن ذلك الاضطهاد والتنكيل لم يحفز تلك القوى لتجميع قواها ، وتعبئتها حول قواسم مشتركة تناضل جميعها من أجلها ، وفي المقدمة من ذلك إسقاط النظام الدكتاتوري الصدامي ، وإقامة البديل الديمقراطي التعددي ،الذي يضمن الحريات العامة للشعب ، ويقيم المؤسسات الدستورية في البلاد .
لقد استمرت تلك القوى في تباعدها عن بعضها ، وحتى احترابها ، الى وقت متأخر جداً ، بعد أن غزا النظام العراقي الكويت ، وبعد إقدام الولايات المتحدة وحليفاتها على حشد قواتهم العسكرية في الخليج ، بدعوى إخراج القوات العراقية من الكويت ، وظهر فيما بعد أهداف الولايات المتحدة وحليفاتها الدول الغربية لا تنحصر في تحرير الكويت ، بل أساساً في تدمير البنية العسكرية والاقتصادية والاجتماعية للعراق ،عند ذلك أدركت تلك القوى السياسية المعارضة للنظام الصدامي ،ماذا يحيق بالعراق وشعبه ،وتسارعت الدعوة إلى اللقاء ، والاتفاق فيما بينها على قواسم مشتركة ، فكان لقاء دمشق ، الذي ضم 17 حزباً ، وتنظيماً سياسياً ، في 27 كانون الأول 1990 ، وقد تدارس ممثلو تلك الأحزاب والتنظيمات الأوضاع الخطيرة في العراق ، قبيل بداية الحرب ، وتم في هذا اللقاء الإنفاق على برنامج للعمل المشترك ، وعلى تشكيل لجنة تمثل تلك القوى ، دُعيت ب ( لجنه العمل الوطني المشترك )، تقوم بالتحضير لعقد مؤتمر عام لكافة القوى والعناصر الوطنية الفاعلة . واصدر اللقاء في نهاية اجتماعاته الميثاق التالي ، الذي وقعته جميع الأحزاب والتنظيمات التي حضرت اللقاء ، وفيما يلي نص الميثاق :
ه صدام على خوض معركة غير متكافئة ، ودون أي مبرر ، مما سبب ذلك في إشعال شراره الانتفاضة في مدينة البصرة ، وانتشارها السريع والمذهل إلى كافة المدن العراقية ، في 1 آذار 1991 ، وفاجأت القوى السياسية المعارضة ، التي لم تكن مستعدة لقيادة الانتفاضة ، والسير بها نحو النصر ، فقد كانت قيادات قوى المعارضة في المنافي ، بعيدة عن ساحة المعركة التي خاضها الشعب ، كما أن العديد منها قد وقع تحت تأثير الدول الإقليمية والولايات المتحدة ، وكل ما استطاعت عمله ، هو إصدار بيان سياسيي حول الانتفاضة ، وعقد مؤتمر بيروت في 11 آذار 1991
فقد دعت لجنة العمل المشترك لقوى المعارضة العراقية إلى عقد مؤتمر لها في بيروت ، في 11 آذار 1991 ، لمتابعة تطورات الانتفاضة ، وقد حضر المؤتمر بالإضافة إلى ممثلي 17 حزباً ، المنظمين إلى لجنة العمل المشترك ، كل من (المجلس العراقي الحر) و(الوفاق الوطني العراقي ) و(الحركة الإسلامية في كردستان ) و(المجلس الأعلى لعشائر العراق ) وعدد من الشخصيات السياسية المستقلة ، من مختلف التيارات الفكرية والدينية ، وعدد من ممثلي النقابات .
كما حضر المؤتمر ممثلين عن الجمهورية اللبنانية ، والجمهورية العربية السورية ، وجمهورية إيران الإسلامية ، ودولة الكويت ، وممثلي حركات التحرر الوطني العربية ، وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية ، وممثلي الهيئات الدبلوماسية المعتمدين في بيروت ، والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان ، إضافة إلى مجموعة كبيرة من ممثلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية .
واستمع المؤتمر إلى التقرير الذي قدمته لجنة العمل المشترك ، عن الأوضاع الراهنة ، ومواقفها ونشاطاتها ، ثم استمعت إلى كلمات الضيوف والمشاركين في المؤتمر ، والذين أجمعوا على دعم الانتفاضة الشعبية والدعوة إلى توفير كل الإمكانيات والظروف المناسبة لتطويرها ، وتحقيق أهدافها.
وبعد إجراء مناقشات مستفيضة طيلة أيام 11 ، و12 ، و13 آذار ، حول مستلزمات دعم الانتفاضة وتطويرها ،خرج المؤتمر بالتوصيات التالية :
1 ـ يوصي المؤتمر بالعمل على تشكيل هيئة للإنقاذ الوطني ، ومعالجة الطوارئ التي تفرزها الانتفاضة .
2 ـ يوصي المؤتمر ببذل الجهود الضرورية ، من أجل تجميد عضوية الحكومة العراقية الحالية في الأمم المتحدة ، ووكالتها المتخصصة ، والجامعة العربية ، ومجموعة عدم الانحياز ، والمؤتمر الإسلامي ، استناداً إلى خرق هذه الحكومة لميثاق الأمم المتحدة ، وقراراته ولوائحها المختلفة
3 ـ يوصي المؤتمر بتشكيل اللجان اللازمة لدعم العمل الميداني للانتفاضة ، وتوفير متطلباته .
4 ـ يوصي المؤتمر بالسعي الحثيث للحصول على اعتراف عربي،وإسلامي ،ودولي بالمعارضة العراقية كممثل للشعب العراقي ،إلى أن يتم إسقاط النظام ،وإقامة حكومة انتقالية ائتلافية تلتزم بأجراء انتخابات حرة .
5 ـ نظراً للأهمية الاستثنائية التي يجسدها مؤتمر المعارضة العراقية ،وما توصل إليه في بيانه السياسي يوصي المؤتمر بإرسال وفود إلى مختلف دول العالم ،والمنظمات الدولية، ومؤسسات الرأي العام ،لإبلاغها بنتائج المؤتمر ،وطلب دعم الانتفاضة ،ولتسهيل عمل هذه الوفود ، وتوفير أفضل الفرص لنجاح هذا النشاط ،يوصي المؤتمر بضم الأخوة أعضاء المؤتمر القادمين من البلدان المختلفة ،إلى وفد المعارضة ،عند زيارة البلدان التي يقيمون فيها ،والاستفادة من إمكانياتهم وتجاربهم .
6 ـ يوصي المؤتمر قوى المعارضة بتخصيص صندوق لدعم الانتفاضة ، ولجمع كل أشكال المساعدة المالية ، وفي المقدمة منها الدعم المالي من التجمعات العراقية في المهجر ، والمؤسسات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان ، ومن كل الداعمين لانتفاضة الشعب ، للخلاص من الدكتاتورية .
7 ـ يوصي المؤتمر بتشكيل لجنة لجمع المعلومات وتوضيحها ، حول انتهاك النظام الصدامي لحقوق الإنسان الأساسية ، ومصادرتها ، مثل الاعتقال الكيفي ، والمحاكمات الصورية ، والتعذيب ، والاختطاف والسجن والإعدامات الجماعية ، والعقاب الجماعي بحق الأحياء السكنية والمدن ، واستخدام الأسلحة الكيماوية ، وعمليات التهجير ، وحرق القرى ، وسياسة الأرض المحروقة ، ومصير المفقودين ، وجمع كل هذه المعلومات في وثيقة ، وتقديمها إلى الهيئات الدولية المختلفة ، وفي المقدمة منها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، حيث يوصي المؤتمر بإرسال وفد إليها للتحري والعمل على إطلاق سراح جميع المعتقلين والسجناء السياسيين ، والطلب من السلطات العراقية تزويدها بالمعلومات الكاملة عن كل السجناء ، وطبيعة الأحكام الصادرة بحقهم ، كما تنص عليه لوائح الأمم المتحدة حول الحقوق المدنية ، والسياسية المصادق عليها من قبل الحكومة العراقية ، والضغط عليها ، ومطالبتها بالكشف عن مصير المفقودين والمخطوفين .
8 ـ يوصي المؤتمر بتنظيم حملة عالمية واسعة ، لمنع النظام من قمع الانتفاضة الجماهيرية بالحديد والنار ، وخاصة منع استخدام الأسلحة الكيماوية ، ويطالب الأمم المتحدة اتخاذ القرار بإنزال العقوبات الرادعة إذا ما لجأ النظام إلى ذلك .
9ـ يوصي المؤتمر بتشكيل ممثليات ،ولجان للمعارضة العراقية من مختلف البلدان التي يقيم فيها العراقيون .
10 ـ أخذاً بنظر الاعتبار ، معانات شعبنا ، نتيجة الحرب المفروضة عليه من قبل النظام ، والنقص في المواد الغذائية والأدوية ، والخدمات المختلفة ، تعمل قوى المعارضة على تأمين المواد الغذائية والأدوية ، عبر حملات المساعدة ، ومطالبة هيئة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية بإرسال لجنة منها لدراسة أوضاع الشعب المعيشية ومعالجة ومساعدة ضحايا الانتفاضة ، والاتصال بجميع الدول المجاورة للعراق لفتح حدودها ، وتسهيل وصول المعونات الغذائية والأدوية ، والمساعدة على بناء المؤسسات الخدماتية .
كما اصدر المؤتمر عدد من التوصيات المتعلقة بالأعلام ، بالتركيز على عراقية وشمولية الانتفاضة ، وفضح كل محاولات التشويه التي تستهدف إيجاد المبررات لإبقاء صدام حسين في السلطة ، عن طريق إثارة المخاوف من بديل المعارضة ، والعمل على تكثيف الجهود لدعم الانتفاضة ، بكل الوسائل الممكنة ، كإصدار النشرات الدورية ، ومد وسائل الأعلام بأخبار الانتفاضة ، وتنظيم المؤتمرات الصحفية ، وتعبئة كل الجهود الممكنة في هذا السبيل .
ومن قراءة دقيقة لتوصيات المؤتمر نجد أن أهم واجب كان ملقى على عاتق المؤتمرين ، قد أهمل ،واقصد بذلك مسألة قيادة الانتفاضة ،فقد كان ينبغي على المؤتمرين التوجه إلى المناطق المحررة ، وتشكيل قيادة ميدانية مشتركة ، سياسية وعسكرية للأخذ بزمام الأمور ، وقيادة الانتفاضة نحو النصر النهائي ،والتأكيد على أن تكون الشعارات المرفوعة محصورة بما اُتفق عليه من قبل المؤتمرين ، وبشكل خاص ، التأكيد على عراقية الانتفاضة ،ووحدة القوى الوطنية ، وإقامة البديل الديمقراطي التعددي ،وحكومة ائتلاف وطني ،تقوم بأجراء انتخابات حرة ونزيهة بأقرب وقت ممكن ، وإقامة علاقات حسن الجوار والتعاون مع كافة الدول المجاورة .
إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث ، وتُركت الانتفاضة دون قيادة كفوءة وقديرة ، تعوزها الخبرة السياسية والعسكرية ، وبقي المجال مفتوحاً لشعارات دينية وطائفية ضيقة ، فأساءت للانتفاضة ، أرعبت دول الجوار ، وجعلتها تنادي ببقاء نظام صدام ،بدلاً من قيام نظام شيعي طائفي ، اعتبرته الولايات المتحدة يشكل خطراً كبيراً على مصالحها ومصالح الغرب ، يتجاوز أخطار صدام ونظامه ، فالولايات المتحدة لا يمكن أن ترتاح لقيام نظام من هذا النوع في العراق بأي حال من الأحوال ، ولذلك فقد رأت بقاء النظام الصدامي ،بل وتقديم كل التسهيلات له لقمع الانتفاضة وإغراقها بالدم.
لم يكد النظام الصدامي يقمع الانتفاضة ، وينكل بكل من شارك فيها ، حتى خفت صوت قيادات المعارضة ، ودبت الخلافات فيما بينهم ، وانفرط عقدهم ، وتطورت الأمور إلى حد المهاترات بين تلك القوى ، على صفحات الصحف التي يصدرونها ،وهكذا تلاشت الآمال التي كانت معقودة على لجنة العمل الوطني للمعارضة ، وقيام جبهة وطنية عريضة تقود نضال الشعب لإسقاط النظام الصدامي . وعاد الجهاز القمعي للسلطة يمارس أبشع الأساليب وحشية للانتقام من كل من يشك بأنه قد شارك ، أو ساند ، أو أيد الانتفاضة ، فكانت حملات الإعدام تجري كل يوم لمئات الوطنيين الشرفاء ، تحت سمع وبصر القوات الأمريكية والحليفة ، ودون أن تبدي أي حراك على جرائم السلطة .
لقد أخطأت القوى السياسية المعارضة عندما علقت أمالها على إمكانية دعم الولايات المتحدة لانتفاضة الشعب العراقي ، وإسقاط صدام حسين ، ذلك أن للولايات المتحدة حساباتها الخاصة التي تصب في خانة مصالحها قبل كل شيء ، فلقد وجدت الولايات المتحدة أن بقاء صدام على رأس النظام ، واستمراره في حكم البلاد ، هو خير من يستطيع تنفيذ كل ما تطلبه ،وما تضعه من شروط وقد سمحت له بالاحتفاظ بجانب كبير من قوات حرسه الجمهوري ، ليستطيع استخدامه في تثبيت حكمه ،وقمع انتفاضة الشعب .
كما أرادت الولايات المتحدة بقاء صدام على رأس السلطة في العراق ،لكي يبقى بعبعاً تهدد به دول الخليج لكي تكون لها ذريعة لبقاء قواتها وأساطيلها في المنطقة ، ولتدفع حكام تلك الدول لشراء الأسلحة ،خوفاً من تهديد النظام العراقي ، وبالإضافة إلى كل ذلك ، فإن الولايات المتحدة دائمة التفكير بإيران ، وما تشكله من تهديد على مصالحها في الخليج ، ولذلك فقد وجدت في بقاء النظام الصدامي ،كعامل توازن مع إيران في هذه المنطقة الهامة للمصالح الأمريكية أمر ضروري ، فالولايات المتحدة لا تعير أي أهمية لمصالح الشعب العراقي ومصيره ، وجلّ همها حماية مصالحها النفطية في الخليج .
لقد كان على قوى المعارضة العراقية أن تركز جهودها على الشعب العراقي ، وعلى الشرفاء من أبناء الجيش لأحداث التغير في هيكلية النظام ، دون إهمال الجانب الدولي والإقليمي ، الذي له دوره بالتأكيد ، ولكن يبقى الشعب العراقي هو العامل الحاسم والرئيسي لأحداث التغير المنشود .
#أبو_ناهض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|