أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد الخميسي - جغرافيا الفكر والثقافة














المزيد.....

جغرافيا الفكر والثقافة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1301 - 2005 / 8 / 29 - 06:55
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


حاول الكاتب الأمريكي ريتشارد نيسبت في كتابه " جغرافية الفكر " (عالم المعرفة) تأكيد شبح الافتراض القديم بأن للفكر جغرافيا ، وكانت نقاط الانطلاق التي بدأ منها أشد سخافة من النقاط التي انتهى إليها . فهو يبدأ بأسئلة وفرضيات مثل : " لماذا يتعلم الأطفال في الغرب الأسماء أسرع من الأفعال ، بينما يتعلم أطفال شرق آسيا الأفعال أسرع من الأسماء ؟ ". فهل كانت لدي المؤلف وسيلة يتحقق بها من طبيعة عقول أطفال شرق آسيا ثم أطفال الغرب في ذلك المجال ؟ . فرضيات كهذه تقود الكاتب إلي القول بأن هناك : " منظومات للإدراك والفكر ، مختلفة أشد الاختلاف ، وأنها كذلك منذ آلاف السنين ". وإذن فإن منظومة الإدراك والفكر هي عنده حالة مستقرة ، مثل الهرم الأكبر ومعابد بوذا ، وهي كذلك منذ آلاف السنين . وبناء عليه يدعو الكاتب إلي : " فهم متبادل للفوارق الذهنية " . وخلال ذلك تعجز هذه النظرة عن تتبع حالة التطور الفكري باعتبارها حالة متصلة تنهل من بعضها البعض وتصب روافدها في بحر واحد . وبداهة فإن " جغرافيا الفكر " هذه لم تجرؤ على الاقتراب بمنطقها من مجال العلوم ، التي توضح شيئا مختلفا تماما هو وحدة تطور الفكر البشري . في السياق ذاته يأتي كتاب " الجغرافيا الثقافية " (عالم المعرفة ) لمؤلفه البريطاني مايك كرانج الذي ينجح في التوصل لبعض النتائج الهامة ، وإن عانى من نقص في الإطلاع على ثقافات الشرق ، مما أضعف مقارناته الثقافية الجغرافية. وبداية فإن مايك كرانج ، يرفض ما تذهب إليه مدرسة " حتمية البيئة " التي فسرت الفوارق الاجتماعية بين الشعوب بوضع البيئة ، وينطلق من : " أهمية المكان في بلورة الثقافة ، وأهمية الثقافة في تشكيل المكان " ، ومن ثم يتجه إلي الجغرافيا باعتبارها قادرة على تقديم جانب من التفسير للظواهر الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والأدبية . وعلى هذا الدرب يميز الكاتب بدقة بين " الأشكال العليا من الثقافة " أي : الأدب والشعر والمسرح والموسيقى والرسم ، وبين الثقافة التي تتخلل كل جزء من حياتنا ومجتمعنا وتتبدى في الطقوس الشعبية ، والمعتقدات ، والقيم ، والمؤسسات التي تصون الثقافة كالمكتبات ، والمدارس وطقوس افتتاح البرلمان والأعياد وغير ذلك ، وكلها أشكال وممارسات تعمل على إعادة إنتاج ثقافة بعينها . وفي هذا السياق فإن " الجغرافيا " ، و الأماكن ، والأفضية ، والشوارع ، والمنازل ، والحدائق ، والأروقة ، تعمل بعمق على حفظ الثقافات المختلفة بطرق متعددة . والثقافة هنا جزء لا يتجزأ من الجغرافيا . ويشرح مايك كرانج كيف أن الطرق التي تحددت بها فضاءات البيوت تكشف عبر تطورها عن تطور أو اختلاف ثقافي . فقد كان منزل التاجر في العصور الوسطى يتألف من فضاء متكامل تجتمع فيه وسائل الإنتاج والحياة العائلية معا ، واختلاف بناء المنازل فيما بعد كان إشارة إلي انصراف الإنتاج إلي المصانع ، نتيجة لاختلاف العوامل الثقافية والاقتصادية . وهنا كانت الثقافة السائدة تشكل الجغرافيا ، وكانت الجغرافيا تصون تلك الثقافة داخل أماكن معدة لذلك الدور . ويتعرض الكاتب في فصل بعنوان : " المشاهد الأدبية والجغرافيا " إلي نظرة الجغرافيين للأدب في مرحلة ما باعتباره مصدرا للمعلومات عن الأمكنة ، وقد قام أدب الرحلات في هذا السياق بدور خاص . ويعتبر أن الرواية في صلبها نوع من الجغرافية ، لأن عالم الرواية يتألف من أماكن ، ومواقع ، وخلفيات ، وميادين وفضاءات متنوعة تشغلها الشخصيات . ويقول إن أشكال الكتابة المختلفة تعبر عن علاقات مختلفة مع المكان ، وأن الروايات التي اعتمدت على السرد أساسا سادت في القرن 19 تعبيرا عن علاقة معينة مع المكان ، بينما انتشرت أساليب مثل تيار الوعي وغيره في القرن العشرين باختلاف العلاقة مع المكان . ويضرب مثلا عن علاقة المكان بالبناء الفني قائلا إن أزقة الفقراء المظلمة في رواية البؤساء لفيكتور هوجو شكلت عالما يعارض حياة المجتمع الرسمية . وبوسعنا أن نلاحظ - في القصص البوليسية – كيف أن أمكنة القصة هي جزء متكامل مع البناء الفني ، لأن أمكنة مثل هذه القصص هي دائما أمكنة منتجة للجريمة ، أمكنة مهجورة، أو فضاء خرب ، أو منزل شاغر في منطقة نائية . يمكن أيضا تأمل الأمكنة في الرواية الرومانسية التي تستدعي الحدائق ، والأنهار .
في كل الأحوال قدم لنا " مايك كرانج " كتابا ممتعا حافلا بالاكتشافات الصحيحة التي يقوم بها باحث بالغ في تخيله لأهمية فكرة " الجغرافية الثقافية "، واستطاع رغم ذلك أن يضع يده على نتائج هامة .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية الصحن لسميحة خريس
- أقلام وأوراق
- جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
- كنت في شرم الشيخ
- هذه الرواية - نادي القتال
- الفساد جملة واحدة مستمرة
- الليبراليون العرب .. من يخدعون ؟
- أدباء مصريون من أجل التغيير .. موقف أم وجود ؟
- الرقابة والثقافة في مصر
- مسيحيون من أجل القرآن
- حديقة - قصة قصيرة
- المستشار محمد بك نور .. الذي برأ طه حسين
- أيام واحات صنع الله إبراهيم
- التمويل الأجنبي عمالة صريحة
- جذور للكتابـة
- المادة 76 في حياة مصر الثقافية
- معرض القاهرة والكتب
- طول لسان رياض النوايسة
- في وداع كاتب شريف
- كلمة سحرية تتحدى الزمن


المزيد.....




- رقصت بالعكاز.. تفاعل مع إصرار هبة الدري على مواصلة عرض مسرحي ...
- هل باتت فرنسا والجزائر على الطريق الصحيح لاستعادة دفء العلاق ...
- الجزائر تعلن إسقاط طائرة درون عسكرية اخترقت مجالها الجوي من ...
- من الواتساب إلى أرض الواقع.. مشاجرة بين المسؤولين العراقيين ...
- قفزة بين ناطحتي سحاب تحول ناج من زلزال تايلاند إلى بطل
- قراءة في تشكيلة الحكومة السورية الانتقالية : تحديات سياسية ...
- قناة i24 الإسرائيلية: ترامب يعتزم لقاء الشرع خلال زيارته للس ...
- إعلام أمريكي: دميترييف وويتكوف يلتقيان في البيت الأبيض
- الخارجية الألمانية تعلن إجلاء 19 مواطنا ألمانيا مع عائلاتهم ...
- الولايات المتحدة توسع قوائم عقوباتها ضد روسيا


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد الخميسي - جغرافيا الفكر والثقافة