أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - الدين لله والوطن للجميع.. أمس واليوم وغدًا















المزيد.....

الدين لله والوطن للجميع.. أمس واليوم وغدًا


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1301 - 2005 / 8 / 29 - 06:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فوجئت بالصدي المدوي - والاستثنائي - للفكرة الرئيسية التي انطوي عليها المقال المنشور في نفس هذا المكان يوم الاثنين الماضي، والتي طالبت بإعادة النظر في المادة الثانية من الدستور في سياق الاصلاحات السياسية والدستورية المنشودة.
وتراوحت ردود الافعال - التي وصلتني بالبريد الالكتروني والفاكس - بين تأييد البعض ورفض البعض الآخر للفصل بين الدين والدولة.
لكنني لاحظت أن الحماس الشديد الكامن خلف كل من التأييد والرفض يخفي قدرا كبيراً من الالتباس حول هذه القضية.
أول هذه الالتباسات أن خصوم فصل الدين عن الدولة يتجاهلون أن مصر تضم إلي جانب الأغلبية المسلمة، أقلية مسيحية كبيرة تشكل جزءا لا يتجزأ من الهوية المصرية والنسيج الوطني المصري.
ومهما قيل عن تسامح الشريعة الإسلامية، والموقف الايجابي من »أهل الكتاب«، تظل الحقيقة التي لا يمكن أن يختلف حولها أحد هي أن التشبث بفرض الشريعة الاسلامية لن يكون مبعث ارتياح كثير من المواطنين المصريين المسيحيين، خاصة وأن هذا التطبيق لن يقوم به أنبياء أو ملائكة وإنما بشر لهم أهواؤهم ومصالحهم، وارتباطاتهم الاقليمية والدولية.
وهذا معناه فتح باب يمكن أن تهب منه في أي لحظة، ولاتفه الأسباب، رياح عاتية تهدد الوحدة الوطنية وقد تعصف بالسلم الأهلي لا قدر الله.. وهو ما حدث بالفعل في السودان الشقيق عندما أصر حكام الخرطوم علي فرض الشريعة الاسلامية وكانت النتيجة تعريض وحدة التراب السوداني لخطر الانفصال.
وليست المسألة مقتصرة علي الأقلية الكبيرة غير المسلمة، بل إن التمسك بإلباس العمامة الإسلامية للدولة المصرية يفتح أبوابا يمكن أن تهب منها عواصف أكثر خطورة تأتي علي الأخضر واليابس بسبب التنازع علي من الأحق بالمرجعية الاسلامية: هل هي المؤسسة الدينية الرسمية الممثلة في الأزهر، أم هي جماعة الاخوان المسلمين التي تنتحل هذه الصفة المرجعية منذ زمن الامام حسن البنا حتي الآن، أم هي جماعات الاسلام السياسي المحلية الأخري المتمردة علي الجميع أي علي مشايخ الحكومة ومشايخ الاخوان، أم هي جماعات الاسلام السياسي »الاممية« التي تحتمي رءوسها بكهوف جبال أفغانستان وغيرها من الفيافي والقفار وتعطي لنفسها الحق في الوصاية علي كل مسلمي العالم وتقسيم خلق الله إلي فسطاطين، فسطاط للكفر وفسطاط للإيمان بناء علي معايير هي التي تضعها وتسبغ عليها صفات إلهية استنادا إلي تفسير خاص جدا للقرآن والسنة.
كل هؤلاء تظهر معهم مشكلة المرجعية الدينية التي يستندون إليها.. فمن الذي أعطي الحق لأي منهم بأن يكونوا هم المتحدثين باسم الإسلام ناهيك عن القضية الأصلية والبسيطة المتمثلة في المعضلة التي يواجهها اكثر هؤلاء اعتدالا وهم أولئك الذين يعترفون بالديمقراطية لكنهم يضعون هذا الاعتراف بين قوسين، اي في اطار المرجعية الاسلامية.
فهنا نجد انفسنا امام تناقض ذاتي حيث الديمقراطية -بحكم التعريف- تفترض ان الأمة هي مصدر السلطات وان الانسان هومصدر القانون بينما وضع الديمقراطية في إطار المرجعية الإسلامية يعيدنا الي المربع رقم واحد، ألا وهوالشريعة باعتبارها مصدر القانون وبالتالي إسباغ سمات »دينية« علي أوضاع وسياسات هي من حيث طبيعتها »دنيوية«.
فضلا عن مشكلة أخري محلولة لدي المذهب الشيعي الذي توجد له »مرجعيات« و»آيات الله« بمراتب مختلفة، بينما لا يوجد لدي المذهب السني مثل هذه المرجعية ولا تلك التراتبية.
كل هذا يحيلنا إلي مشاكل لا أول لها ولا اَخر، تنشأ بسبب الخلط بين الدين والسياسة، وهي مشاكل تؤدي إلي وضع عقبات شديدة أمام التحول الديموقراطي وتحصر عملية الاصلاح السياسي والدستوري في حدود ضيقة تفصلها مسافات شاسعة عن ملكوت الحرية بكل أشكالها، وفي مقدمتها حرية الاعتقاد وحرية الضمير كما تبعدنا بفراسخ عن أحد المبادئ الأساسية لأي مجتمع حديث، ألا وهومبدأ »المواطنة« بصرف النظر عن الدين أوالعنصر أوالجنس أواللون أوالوضع الطبقي أوالانتماء العشائري والعرقي والمذهبي.
واللافت للنظر بهذا الصدد هوأن الدولة، وفي الوقت الذي تبدي فيه العداء لجماعات الإسلام السياسي تحقق غاية هذه الجماعات ذاتها بمنافستها في التمسح بالشريعة ووضع العمامة علي رأسها، رغم أنها أول من يعلم أن الدولة وظيفتها دنيوية ولا علاقة لها بالدين من قريب أوبعيد، فهي تأخذ الضرائب من المواطنين، مسلمين ومسيحيين، لتنفق منها علي مرافق عامة.. مستشفيات ومدارس وطرق ومصانع وجامعات.. إلخ.. وواضح لكل ذي عينين أنه لا توجد صبغة دينية لأي من هذه المرافق.. فليس هناك مستشفي إسلامي واَخر مسيحي، وليس هناك طريق اسلامي واَخر مسيحي!
لكن الدولة ـ منذ حكم الرئيس السادات ـ خضعت لابتزاز جماعات الإسلام السياسي وبدأت تلعب علي أرضها وترفع شعاراتها وتحاربها سياسيا بسلاح الأمن بالدرجة الأولي بينما تنتهج بعض أفكارها في التحليل النهائي وتستعير بعض ممارساتها في مجالات اجتماعية وثقافية شتي!
* * *
والالتباس الاَخر الذي لمسته من قراءة كثير من الرسائل التي وصلتني نابع من إساءة فهم »العلمانية«..
ورغم أن الأصوات قد بحت في شرح العلمانية لدرجة أن أنصارها قد أقسموا علي المصحف والانجيل بأنها لا تعني الترويج للإلحاد فان سوء الفهم المتعمد ظل متشبثا بمكانه.
وها نحن نقول للمرة المليون ان مفهوم الدولة العلمانية القائمة علي دستور ديمقراطي، لا يهدف بأي حال من الأحوال إلي معاداة الأديان.
ونحيل من يهمه الأمر إلي جون هوليوك الذي قدم أحد أدق التعريفات بهذا الصدد، حيث قال إن »العلمانية هي الاعتقاد الراسخ بالقدرة علي اصلاح حال الانسان عن طريق الاستخدام المادي لعقلانيته دون العداء للدين«.
وبهذا المعني فإن الخطأ الآخر - الذي لا يقل عن خطأ تديين السياسة أو تسييس الدين - هو تحويل العلمانية إلي عقيدة تسلطية أو أيديولوجية لمحاربة الدين.
وهذا يفترض ضمنا أن العلمانية بينما تنادي بفصل الدين عن الدولة، تتطلب حماية حرية الاعتقاد وحرية الضمير.
وليس الاتهام الظالم لأنصار العلمانية بمعاداة الأديان هو الاتهام الوحيد، فهناك اتهام آخر لا يقل ظلماً هو اتهام دعاة العلمانية بأنهم أبواق للغرب غير المسلم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وان الادارة الأمريكية علي وجه الخصوص هي التي تحرض أنصارها علي فصل الدين عن الدولة.
لكن الأيام هي التي تكفلت بتفنيد هذا الاتهام السخيف. وجاء هذا التفنيد علي يد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن لحسن الحظ.
حدث هذا عندما احتدم الخلاف بين النخب العراقية أثناء صياغة دستور جديد لبلاد الرافدين بعد أن سقطت تحت سنابك الاحتلال الأمريكي.
ورغم ما أشيع من قبل عن اصرار الادارة الأمريكية علي أن يأتي دستور »عراق أمريكا« علماني المظهر والمخبر وأن ينص صراحة علي ضرورة الفصل بين الدين والدولة، فاجأ المتحدث باسم البيت الأبيض جميع المراقبين باعلانه أن الرئيس جورج بوش لا يمانع في أن يتضمن الدستور العراقي الجديد نصاً يقرر أن الاسلام مصدر رئيسي للتشريع.
بل إن الرئيس الأمريكي جورج بوش لم يكتف بتصريح المتحدث باسم البيت الأبيض، فقام أيضا بالاتصال تليفونيا بعبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلي للثورة الإسلامية، بينما قام مسئولون أمريكيون آخرون بعدد من الاتصالات مع رجال الدين في النجف بينهم آية الله علي السيستاني.
وهكذا أصبح »آية الله جورج بوش« أحد الدعاة المتحمسين لجعل الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع!!
واذا كان لهذه المفارقات العبثية من معني فانما تعني أن الدعوة للعلمانية ليست أحد الاملاءات الأمريكية، بل العكس هو الصحيح حيث ان الادارة الأمريكية التي تمثل المحافظين الجدد، بأفكارهم وسياساتهم واستراتيجياتهم الامبراطورية والأكثر رجعية، لا ينتهكون سيادة الشعوب الأخري ويقومون باحياء الاستعمار القديم فقط وإنما يدوسون بأقدامهم أيضا المبادئ الانسانية التنويرية التي انتزعها الناس بشق الأنفس من براثن أنظمة الحكم الثيوقراطية في العصور الوسطي، وفي مقدمتها الثقافة العلمانية التي لا تعني أكثر من »أنسنة« عملية صنع القرار السياسي، أي تحويل السياسة إلي عملية صراع سلمي بين البشر دون ادعاء أحد منهم احتكار الحكمة والحقيقة، أو الحديث باسم الذات الإلهية.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المبادرة الغائبة
- المنافقون.. اخطر أعداء مبارك
- استنساخ الكهنة!
- تراجيديا الكولونيل والشيخ
- دموع في عيون استعمارية
- (1-2) الدين.. والسياسة : سؤال وقديم إجابات معاصرة
- واقع الحال في مصر.. دون مساحيق تجميل
- الأسلحة الفاسدة
- الصحافة القومية .. سقطت فى أول امتحان
- مبارك يطبق شعارات المعارضة .. برجال الحزب الوطنى
- أهميــة العلــم.. يــا نـــاس!
- شارون يطلب مساعدة مصر في مكافحة الإرهاب!
- شرم الشيخ ترتدي ملابس الحداد.. ولا عزاء للمتهاونين
- رياح التغيير تهب علي الصحافة القومية
- وزير الصحة .. مصطفى النحاس باشا!
- ! مطالبة علي الهواء باستقالة وزير الخارجية
- !من الذى شن الهجوم على لندن.... ولماذا؟
- لعنة صفر المونديال تطارد الدبلوماسية المصرية
- إيهاب الشريف : ثلاثية الحزن والسخط والدهشة
- مطلوب حوار وطني حول مستقبل صحافة تبحث عن هوية الصحافة »القوم ...


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - الدين لله والوطن للجميع.. أمس واليوم وغدًا