عادل شكيب محسن
الحوار المتمدن-العدد: 4633 - 2014 / 11 / 14 - 12:46
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يعدّ قطاع النفط في سوريا من أهم الركائز الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد السوري لدعم مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وتقع معظم احتياطيات النفط السوري في شرق وشمال شرقي البلاد, بالإضافة إلى وجود بعض الحقول في وسط البلاد, علماً بان أول اكتشاف للنفط في سوريا كان في عام 1956. وينقسم النفط في سوريا إلى نوعين رئيسيين, نفط خفيف تم اكتشافه عام 1984 ونفط ثقيل يحتوي على نسبة عالية من الكبريت وتوجد منه كميات كبيرة. كما يتمّ تكرير أكثر من نصف إنتاج النفط السوري في مصفاتين مملوكتين للدولة، هما مصفاة بانياس بمعدل 133 ألف برميل يومياً، ومصفاة حمص بمعدل 107 آلاف برميل يوميا. وتعتمد سوريا على ثلاثة موانئ بحرية تقع على البحر الأبيض المتوسط لاستيراد وتصدير النفط.
أما أهمية هذا القطاع فتأتي من كونه يعد من أهم مصادر تمويل الميزانية العامة ويشكل جزءاً هاماً من الدخل الوطني. إذ يتم تصدير ثلثي ما يتم إنتاجه من النفط الخفيف و 55% من ما يتم إنتاجه من النفط الثقيل ويستهلك الباقي محلياً. وبحسب تقرير للطاقة العالمية أصدرته شركة (BP), بلغ إنتاج سوريا من النفط عام 2010 حوالي 0.5% من إنتاج النفط العالمي، كما قدرت احتياطيات سوريا من النفط بحوالي 2.5 مليار برميل، والتي تمثل حوالي 0.2% من إجمالي الاحتياطيات العالمية. أما بالنسبة للغاز, فقد بلغ احتياطي الغاز الطبيعي ما يقارب 0.3 مليار متر مكعب في نهاية 2010، والذي يمثل 0.1% من إجمالي الاحتياطي العالمي.
وبإلقاء نظرة سريعة على تاريخ السياسة النفطية في سوريا, فقد مرت هذه السياسة في ثلاث مراحل أساسية. مرحلة ما قبل التأميم والتي انتهت عام 1974, مرحلة التأميم 1946-1974, ومرحلة فتح المجال أمام الشركات الأجنبية للاستثمار في القطاع النفطي في سوريا, وتمتد هذه المرحلة منذ منتصف السبعينات حتى الآن. إذ بدء البحث عن النفط في سوريا في نهاية القرن التاسع عشر, لكن لم يتم اكتشاف النفط حتى حصلت شركة منهل الأمريكية على حق التنقيب عام 1933. فحفرت هذه الشركة 6 أبار في كراتشوك في شمال شرقي سوريا. وتم الحصول على أول تدفق للنفط في سوريا من كراتشوك عام 1956. كما قامت شركة كونكورديا الالمانية بحفر 12 بئر. وبين عامي 1958 و 1961 تم وضع خريطة جيولوجية لسوريا بمساعدة مؤسسة اكسبورت السوفيتية. وتم حفر عدة تراكيب استكشافية في شمال شرقي البلاد, مع تأكيد وجود النفط والغاز فيها. ومن بعد نجاح ثورة الثامن من آذار عام 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي, صدر القانون رقم 133 عام 1964 ليُمنع بموجبه إعطاء أي امتياز لاستثمار الثروات المعدنية والنفطية لأي شخص طبيعي أو اعتباري, لتكون سوريا بذلك أول بلد عربي يؤمم القطاع النفطي. كما استعانت الحكومة السورية في وقتها بدول المنظومة الاشتراكية لاستثمار الثروة النفطية من خلال عقود المساعدة الفنية والتي تحصل من خلالها الشركات المساعدة على تعويض نقدي أو كمية من النفط المنتج مقابل خدماتها المقدمة. حيث تم وضع برنامج استثماري لتطوير الحقول النفطية الموجودة, وإنشاء شبكة أنابيب تربط حقل كراتشوك بمرفأ طرطوس, كما تم تجهيز مصفاة حمص وبدأ إنتاج النفط في عام 1968 بـ 20 ألف برميل باليوم. إلا أن نقص التكنولوجيا المستخدمة ورؤوس الأموال والخبرة المطلوبة وعجز الميزان التجاري النفطي, بالإضافة إلى عدم مقدرة الدولة على استكشاف أكثر من 8% من المناطق المتاحة للتنقيب, لجأت الحكومة على دعوة الشركات الأجنبية عام 1974 للاستثمار في القطاع النفطي من خلال عقود تقاسم الإنتاج مع هذه الشركات, على أن تتحمل هذه الشركات مخاطر التنقيب ونفقات الإنتاج, مقابل حصة من النفط (عيناً أو نقداً) تعويضاً لخدماتها. واحتفظت الشركة السورية للنفط بالتراكيب التي تحتوي على أعلى درجة من الاحتمال, وفتحت المناطق الأخرى أمام الشركات الأجنبية. ففي عام 1974 تم التعاقد مع شركة رومبيترول الرومانية, ومع نهاية عام 1992 كان قد تم توقيع 27 عقد مع شركات مختلفة. إلا انه منذ 1992 حتى عام 2000 لم يتم التعاقد مع أي شركة جديدة للتنقيب عن النفط في سوريا. ومع بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين, حصلت شركة مول البلغارية وشركة اينا الكرواتية على الحق بالتنقيب وإنتاج النفط في سوريا. كما تم التوقيع على 14 عقد جديد مع شركات مختلفة, بما فيها شركات غربية, ما بين عامي 2003 ونهاية عام 2006. وتعمل حالياً في سوريا عدة شركات أجنبية في الاستكشاف والتنقيب وتنمية الإنتاج من النفط والغاز، فهناك شركات روسية وصينية وأمريكية وبريطانية وهولندية وكندية ونرويجية وهندية وكويتية وكرواتية.
وفيما يلي لمحة عن بعض أهم شركات النفط التي عملت في الحقول السورية:
1- شركة الفرات للنفط: تأسست عام 1985 بغية القيام بأعمال التنقيب والتنمية والتطوير في حقول دير الزور. وهي مشتركة بين الشركة السورية للنفط التي تديرها الدولة وشركة شل وشركة النفط الوطنية الصينية (CNBC) وشركة بيرغومو الهندية الصينية، والتي حلّت محل شركة بتروكندا الكندية، وتدير الفرات عدة عقود وتنفذ عمليات اتفاقيات الحفر العميق والجانبي.
2- شركة دير الزور: تأسست عام 1990 وهي مشتركة بين الشركة السورية للنفط وشركة توتال الفرنسية، بغية تنفيذ أعمال التنقيب والتنمية والتطوير في حقول الشركة في دير الزور.
3- شركة شل سورية: تأسست في 1977 بين الشركة السورية للنفط وائتلاف ثلاث شركات هي بكتن الأميركية وشل الهولندية وديمينكس الألمانية، لاستكشاف وتطوير وإنتاج النفط في منطقة دير الزور، حيث استطاعت الشركة اكتشاف النفط بكميات تجارية في عدة حقول.
4- شركة حيان للنفط: تأسست في 2004 بين الشركة السورية للنفط وشركة أينا الكرواتية، حيث باشرت عملها في تشرين الأول من 2005، ومهمتها تطوير حقول غازية وإنشاء معمل لمعالجة الغاز.
5- شركة كوكب المشتركة: تأسست في 2004 بين الشركة السورية للنفط وشركة CNPC الصينية، بغية تطوير حقل كبيبة وتطبيق طرق إنتاج مدعم لرفع مردود النفط والإنتاج.
6- شركة سيترول للتسويق الحكومية: وتمتلك الحق الحصري لإنتاج الخام الثقيل وتسويقه خارج سوريا، حيث كانت تبيع شركة سيترول نحو 150 ألف برميل يومياً, معظمها من الخام الثقيل.
7- شركة IPR الأميركية: عملت شمال مدينة دير الزور مع شركة ONVL، وكان عملها يتضمن حفر بئرين استكشافين، وإجراء المسح السايزمي ثنائي الأبعاد أو ثلاثي الأبعاد.
8- شركة H.B.S التونسية: والتي وقعت عقداً مع الشركة السورية للنفط عام 2005 على إحدى المناطق الواقعة شمال غرب سورية، وتضمن عملها إجراء مسح جيولوجي وجيوفيزيائي يغطي 400 كم2 من المسح ثنائي الأبعاد وحفر بئرين تنقيبين.
9- عدد من شركات النفط الوطنية الأسيوية بقيادة شركة سينوكيم الصينية وشركات مستقلة أصغر مثل جلفساندز وهي الأكثر نشاطا في مزادات التنقيب، حيث ساعدت شركتا CNBC وسينوكيم الصينيتان في إحياء الإنتاج من حقول أصغر حجماً مسندة بموجب عقود لإعادة التأهيل تشمل التنقيب على أعماق أكبر في الحقول القائمة.
فيشكّل النفط ثروة وطنية لا يمكن الاستهانة بها, واكتسب صفة المادة الإستراتيجية بسبب المكانة الهامة التي احتلها في الاقتصاد السوري ككل. فاهتمت الحكومات السورية المتعاقبة بتطوير الصناعة النفطية في سوريا لما تحمله هذه الصناعة من عوائد كبيرة لدعم الاقتصاد المحلي. فمن خلال الشركة السورية للنفط يتم إدارة صناعة أعلى البئر, وتم إنشاء مصفاة بانياس في النصف الثاني من السبعينات لتتولى مهمة تكرير النفط الخام مع مصفاة حمص لإمداد البلاد بالمشتقات النفطية. كما أدى اهتمام الدولة بالصناعة النفطية إلى نجاح هذه الصناعة في تطوير حقل الجبسة عام 1975 بالإضافة إلى تطوير العديد من الحقول النفطية. كما تم إحداث فرق جيوفيزيائية وطنية عام 1976 ساهمت في إثبات وجود النفط في جنوب مدينة الرقة, وتم العمل على تطوير خبرة تقنيي الصناعة النفطية السورية والاعتماد على القدرات والخبرات الوطنية في عمليات الاستكشاف بعد أن كانت تتم بالاعتماد على الخبرات الأجنبية.
يمكن تلخيص عمليات الصناعة النفطية السورية في أربع مستويات رئيسية كالتالي:
1- صناعة أعلى البئر: وتتولاها الشركة السورية للنفط التي تقوم بإدارة عمليات استكشاف النفط وتطوير الحقول والإنتاج، إضافة إلى إشرافها على نشاطات الشركات الأجنبية المشتركة معها بعقود مخاطرة وخدمة.
2- صناعة أدنى البئر: تتولاها شركتا مصفاة حمص (5.4 مليون طن سنوياً)، ومصفاة بانياس (6 مليون طن سنوياً)، بإمكانية تكرير إجمالية لا تزيد عن 250 ألف برميل باليوم، منذ منتصف التسعينات وحتى اليوم.
3- نقل النفط الخام: تقوم به ثلاث شركات مستقلة هي: شركة نقل النفط الخام السوري، والشركة السورية لنقل النفط, والشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد النفطية (المحروقات).
4- مكتب تسويق النفط: وهو كيان تسويقي خاضع لرئاسة مجلس الوزراء بشكل مباشر، تتركز مهمته في تسويق ما تنتجه شركات وزارة النفط والثروة المعدنية، من نفط وغاز ومنتجات نفطية، وشراء ما يحتاجه الطلب المحلي من هذه المواد.
أما فيما يتعلق بحجم الإنتاج النفطي في سوريا, فقد بدأت سوريا بإنتاج النفط عام 1968 بـ 20000 برميل باليوم, ووصل هذا الإنتاج حد الذروة عام 1996 بمقدار 600 ألف برميل باليوم, ومن ثم انخفض إلى 500 ألف برميل باليوم عام 2001 واستمر بالانخفاض حتى وصل 407 ألف برميل باليوم عام 2005 و 387 ألف برميل باليوم عام 2010. إلّا أن وضع هذا القطاع قد تدهور بشكل كبير منذ عام 2011, وذلك نتيجة الأزمة التي تمر بها البلاد والتي انعكست سلباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي بشكل عام. أما فيما يتعلق بقطاع النفط بشكل خاص, فقد تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية لهذا القطاع, كما تم استهداف خطوط الإمداد وقطعها, بالإضافة إلى خروج بعض الحقول النفطية عن سيطرة الدولة, ما أدى إلى انخفاض في حجم الإنتاج النفطي بمعدل 80% إلى 96% خلال فترة الأزمة مقارنة معه قبل الأزمة, حيث وصل حجم الإنتاج النفطي إلى 42 ألف برميل باليوم عام 2012 و 31.5 ألف برميل باليوم عام 2013, و17 ألف برميل باليوم خلال النصف الأول من عام 2014. أما قيمة خسائر قطاع النفط المباشرة والغير مباشرة منذ بدء الأزمة فوصلت إلى 23.4 مليون دولار, بحسب وزارة النفط والثروة المعدنية السورية. إذ بلغت قيمة الخسائر المباشرة ما يعادل 3.8 مليار دولار وهي قيمة كميات النفط والغاز المهدور والمسروق، والبنى التحتية ومنشآت وخطوط نقل النفط والمشتقات إلى جانب الآليات والمعدات والتجهيزات التي تعرضت للنهب والتخريب. أما الخسائر الغير مباشرة فقد بلغت قيمتها حوالي 19.6 مليار دولار تمثلت في تأجيل إنتاج وفوات منفعة. وقال السيد وزير النفط السوري (سليمان العباس) خلال اجتماع تتبع تنفيذ خطط الوزارة الإنتاجية والاستثمارية, إن معظم حقول النفط وشبكات نقل النفط الخفيف والثقيل والمشتقات النفطية تعرضت لاعتداءات أدت لتوقفها عن العمل والإنتاج، كما تعرضت شبكة نقل الغاز لتعديات كثيرة أدت لتوقفات مفاجئة.
أخيراً ونظراً لأهمية القطاع النفطي في دعم الاقتصاد السوري, يجب العمل بعد انتهاء الأزمة على إعادة تأهيل هذا القطاع بشكل أفضل وإعادة تشغيل المنشآت المتضررة وتحسين وضع البنية التحتية لهذا القطاع, كما يجب العمل على وضع إستراتيجية واضحة وذات جدوى اقتصادية جيدة لإعادة إنتاج النفط بشكل أفضل وتعويض الخسائر التي تكبدتها الدولة خلال فترة الأزمة. أضف إلى ذلك, يجب العمل على تأمين مستلزمات الإنتاج المطلوبة واستخدام التكنولوجيا الحديثة وإعداد الكوادر العلمية والخبرات الفنية وتطوير أداء منشات النفط المحلية والاستغناء تدريجيا عن الشركات الأجنبية. لكن لا بد من الإشارة إلى انه بالرغم من أهمية هذا القطاع في دعم الاقتصاد الوطني, وبالرغم من كون النفط سلعة إستراتيجية بالنسبة للاقتصاد السوري, إلّا أنه يبقى مصدر إيرادات غير متجدد, واحتياطي النفط سينضب في يوم من الأيام. لذلك يجب الاعتماد على قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات لتكون هي الأساس التي يرتكز عليها الاقتصاد السوري, مع الاستفادة من عائدات النفط في تنمية وتشغيل هذه القطاعات.
عادل شكيب محسن
2014
#عادل_شكيب_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟