رشيد عوبدة
الحوار المتمدن-العدد: 4633 - 2014 / 11 / 14 - 08:44
المحور:
الصحافة والاعلام
"إننا نحبّ الحياة لأننا نحبّ الحريّة، ونحبّ الموت متى كان الموت طريقا إلى الحياة."
أنطون سعادة
إن فداحة الموت و رهبته لا تكتسب إلا عندما نستحضر علاقتنا بالغير (الاخر)، و لئن كان الموت عند بعض الحضارات الضاربة في التاريخ كالسومريين و الاغريقيين قد اكتسى طابعا اسطوريا خصوصا و ان هذه الشعوب كانت تحتمي باساطيرها فانه (أي الموت) كان ايضا يراهن على تجدد الحياة، فتكرار الموت و تعدده يجعل من الميت إلها يضحي بدمه من اجل ان ينعم اهل الارض بالحياة.
قيل "إننا لم نولد احرارا و أننا محكوم علينا بالحياة قبل ان يكون محكوما علينا بالموت"، قد تبدو لاول وهلة ان هذه الصياغة بسيطة لكن التأمل في دلالاتها الفلسفية يجعل منها ذات معاني عميقة، انها توحي الى معاني الشعور باغتراب الانسان الذي لم يختر ولادته ليجد نفسه مورطا في هذه الكينونة المفترضة ، انه اغتراب الانسان المحكوم عليه بالموت منذ صرخته الوجودية الاولى، و مع ذلك يحاول الانسان ان ينسى الموت لحظة الحياة فتراه يواجه الفناء و الموت بالاكثار من النسل معتبرا ان الجسد يخلف الجسد و يعوضه، كما ان تراكم الاجساد يعوض حالات النقص التي يتسبب فيها الموت.
ان الموت و ان كان طبيعيا له حمولات ثقافية، فالموت كمفهوم رمزي يتجاوز فكرة موت الجسد، لا ينبغي دائما النظر الى الموت كحدث يفقدنا نشوة الحياة و بهجتها . ان الموت مكمل لدورة الحياة، انه فعلا انبعاث للحياة ، فعندما يموت الشخص تنتقل حركية الحياة الى من يرتبط شرط استمرارهم في الحياة بما يلي حدث الوفاة من انفاق و ارث و...و الديكتاتور تخف بموته ايقاعات الهلاك ايضا .. و هذا ما دفع بالبعض لتأمل "الموت" باعتباره صيرورة غير متوقفة و هو لا يتضمن اي شر لأننا في الاصل كائنات تاريخية . لهذا بادر نيتشه الى ايجاد حل للموت كمأزق وجودي بابتكاره لنظرية العود الابدي ، و تأكيده على ان كل شيء يمضي و كل شيء يعود ايضا، لتبدأ عجلة الوجود ، فكل شيء يموت و كل شيء يتفتح من جديد ، ليستمر الخلود ، ورغم تعارض ما جاء به نيتشه مع ما اتت به الاديان السماوية التي كفلت حق الوجود الذاتي و اختيار المصير الذي لا ينتهي بفناء الجسد بل يستمر الى ما بعد الموت ، اي الى حين بلوغ العالم الاخر، قلت و رغم هذا التعارض الا ان المشترك ان الحياة تنبعث مجددا من الموت كما ينبعث طائر الفينيق من رماده .
رشيد عوبدة
#رشيد_عوبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟