عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4632 - 2014 / 11 / 13 - 21:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
توافق نظرية دارون مع النص القرآني
الفهم العلمي لسيرورة للخليقة وقصة التكوين لو أبعدنا الجانب التأملي منها الذي لم يكتسب اليقينية العلمية الصارمة والمطلوبة ليكون حقيقة علمية مجرده يقودنا إلى فهم مشترك مع الفهم الديني الرسالي للحياة, دون أن يكون هناك تعارض حقيقي بينهما إلا في بعض الجزئيات الناتجة من التصورات العلمية المسبقة والتي أحتلت مكان البديهية العلمية بدون وجه حق.
بالرغم من أن بعض الجزء لمهمة من لنظرية والتي تشكل بتفصيلاتها الجزئية تعارض حقيقي مع مفهوم وتصور الدين لقصة الخليقة وما يمكن أن نعتبره العمود لفقري للنظرية ,لكن هناك مسألة مهمة يجب أن نقر بها أن هناك أيضا مشتركات ولو كانت في الإطار العام تمثل جسر تواصل بينهما ,وهذا ليس إقرار بصحية النظرية ولا إقرار أيضا بضعف حجة الدليل الديني ولكن إقرار علمي بواقعية منطق النظرية فيما يخص أن كل شيء حي لا بد أن يكون للماء دورا في نشأته وخلقه بعيدا عن الأطلاق اللا مقيد بفهم دور الماء كلا أو جزءا خاصة وأن النص يقول (جعلنا من الماء) ولم يجزم بخلقنا من الماء.
كل العلوم الطبيعية تتشارك بدرجة أو أخرى مع الفهم الرباني والتصور الديني في بعض الجزئيات وتختلف في أخرى وهذا لا يعني التناقض بين العلم والدين ولا يعني القول بالقطع بينهما ,ولكن العلم الحقيقي والبحث فيه لا بد أن يمتحن ويدقق كل الحقائق وأشباه الحقائق أبتدأ من فرضيته ومنهج البرهنة ووسائلها وصولا للنتائج النهائية ثم يحكم بتجرد عما فيها, وهذ بالطبع يقودنا إلى توسيع قاعدتي العلم والمعرفة به ويقرب من نقاط الاشتراك كثيرا ويقلل من موارد التناقض.
الفيزياء الحديثة مثلا هي كما فسرها العالم (شرودنجر) هو علم ظني ليس بالوسائل ولكن بالنتائج التي يمنحها البرهان العلمي وهذه الظنية تبقى نسبية كم قلنا طالما أن حركة العلم مستمرة وإمكانية التطور صالحة للجزم بحدوثيه ما لا يمكن أن نتوقعه الآن بعدما كانت الفيزياء الكلاسيكية تجسد اليقين الكامل بالنتائج حتى أطيح بكل مفاهيمها اليقينية بولادة العلم الجديد.
قام هذا العالم بتجربة علمية ليبرهن مبدأ الظنية كسلسلة مترابطة من مجموعة مفاهيم علمية تقود لنتائج متعددة بالرغم من سلوك طريق ومنهج لعلم المجرد تلخصت تجربته حينما وضع القطة في صندوق مغلق ووضع معها سماً وطعاماً ثم بدأ يفكر هل هي حية أم ميتة, فهي بالنسبة لوضعه الظني حية كما هي ميتة لكنه لا يستطيع أن يجزم جزماً صحيحاً إلا بأن يزيل الصندوق وينظر إليها, أو أن يتابع هذا الظن أو ذاك بالحسيات المتوفرة عنده ولكون القطة في صندوق مغلق ومحجوب فقد تعذر أن يبرهن على شيء حتى يرفع الصندوق.
وهذه للأسف مشكلة يصعب على العلم الحديث أن يحلها بل إنه في بعض الأحيان يرفض التعامل معها ويرفض اعتبارها مشكلة وذلك يتضح بنبذه للتفلسف العلمي والنظر بأكثر من وجهة.. دارون هنا مثلا له تخبطات حينما يركز على إنكار الخالق سبحانه وتعالى ذلك أنه ركز نظريته على المشاهدة الحسية المتفرقة بربط اجزاء من مسلمات عديدة قد تتناقض وقد لا يصلح ان تكون جسم نظرية علمية متكاملة فهي حقيقة مجموع افتراضات اكثر منها نظرية مبرهنة فهي من هذا الجانب ضعيفة وهو في هذا الميدان أضعف عشرات المرات من العلم الموضوعي..
يرجع العلم إلى نقطة قديمة وهي "الظنية" بشتى أنواعها وأشكالها هذه التي كانت في السابق ترهات أو ضرب من ضروب الجنون وهذا الظن هو بناء متين من سلاسل النظريات التي تبدأ بالتجربة أو البديهيات وتلتحم بالمثبتات ومنها إلى الافتراضات وصولاً إلى الظنيات وهنا تكمن المشكلة حيث أنه بعد كل هذا يتم التعامل مع هذا الشيء الظني كحقيقة مطلقة بل ومجردة عن كل قديم مما يجعلها أشبه بضرورة عقلية يمكن للإنسان أن يتكلم بها دون الخوض في تفصيلاتها وطرق إثباتها.
أقول على الباحث العلمي المتجرد أن لا ينكر كل معرفة ولا يبسطها كل البسط دون أن يؤمن أبتدأ (أن كل شيء) ممكن طالما ان العلم لم ولن يصل نقطة النهاية الحادة التي يعود بعدها العلم إلى الجهل المطبق وها نحن نسير في هذا الطريق عندما نكتشف كل يوم أن كل ما تحصلنا عليه من علوم لازلنا فيه على شاطئ بحره القريب من اليابسة ولم نلج غمرته لأن في الغوص في العلم تهديد حقيقي لعقولنا وعلمنا الذي نفتخر به اليوم{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85.
المشترك العلمي والإيماني
نظرية التطور الداروينية تشترك في أول أسها مع النظرية الرسالية بقاسم مشترك هو المصدرية الأولى للحياة وهو الماء, وأن الماء وحده لا يكفي لنشوء وتطور هذه الحياة فلا بد من عنصر أضافي أخر يتفاعل مع الماء ويشترك معه في البنائية الحياتية وهو العنصر الثاني بينهما وأيضا مكان الخلق التراب والماء(طبعا يستثني الفهم القرآني)الإنسان الآدمي من هذا المطلق, والحقيقة الثانية أن الماء هو العنصر الحاسم في التكوين, فهو العامل الرئيسي والأساسي وبدونه هذا العامل مع توفر العامل الثاني لا يمكن أن نشهد وجود حي ,بل أن في بعض الحالات مجرد وجود الماء ممكن ولو نظريا أن نشهد نوع من أنواع الحياة.
النقطة الثانية المشتركة بينهما المنطق الرسالي والفهم العلمي هو توافر الضوء والحرارة مع خاصية معينة للبيئة الحاضنة الاولى ونقصد فيها التربة المختلطة بالماء عوامل ساعدت على التنوع والأختلاف ناهيك عن عوامل الجغرافيا البيئية .
لقد بنت النظرية الداروينية تبريراتها على عامل خارجي واحد هو التلائم بين المعطيات فقط دون أن يكون لأي قوة خارجية تأثير على تفاعلات الايجاب في عملية الخلق ,وهذا يعني أن مجرد توافر:.
المعطيات + التلاؤم = حياة
حياة + عوامل بيئية = شكلية وتكيفية محددة
شكلية +حاجات وضرورات =بقاء أو تطور
إذن أن البقاء والتطور في نهاية السلسة الداروينية محكوم بمتناقض أولي وهو الظرف الملائم, فليس كل ظرف ملائم مشروط له أن يكون مناسب للمراحل اللاحقة لأن في هذه المراحل هناك تحديات خارج الملائم البيئي, هذه التحديات هي التي تحكم في مسألة البقاء أو التغير أو التطور فبالتالي العوامل الفيما حولية دائما تخضع الكائن الحي لأن يحترم ويتلاءم مع شروطها إن لم يكن مقاوما لها أو متأهب للتكيف معها فسيكون ممن لا يمكنه البقاء وعليه أن يتهيأ للفناء.
الى هذا الحد هناك مشترك علمي بين النص الرسالي وبين النظرية الداروينية فالنص القرآني يجزم قاطعا على النقاط التالية.
-;- تنوع الخلق{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}النور 45.
-;- وحدة النوع وتشابه في المجموعات{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38.
-;- العوامل البيئية الحولية وتسخيرها لتكملة وأستمرارية قصة الخلق الأول{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}البقرة164.
-;- الخلق غير قابل للتبدل بعد التصوير الكلي{لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30.
-;- قابلية المجموعة المخلوقة على التزايد كما ونوعا وكيفا{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فاطر1.
اعتمدت النظرية الاسلامية على مفهومين في تفسير قضية الحلق لكل مفهوم مرتبط بمجموعة محدده (النباتات) ارتبطت بمفهوم الإخراج ,والحيوانات ارتبطت بمفهوم البث, وهناك فرق كبير بين الفهمين وخاصة في موضوع النشأة والاستمرارية ففي نظرية البث التي أوردناها في بطان هذا البحث تشير إلى أصل الخلق الحيواني لكل الدواب على الأرض هو التشعب في التصوير الكيفي والكوني مع وحدة الأسس لكن المصدر هنا الماء الذي تختزنه الأرض{وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }الجاثية4.
الإخراج الذي جاء بالنصوص القدسية{فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } البقرة61,{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}الأعراف58, {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ}الزمر21,هذا الإخراج مفهوم حصري في قضية الخلق للنبات دون أن تشترك معه أي من المخلوقات الاخرى وقد خص به النبات دون أن غيرها بنفس مفهوم البث لكن القاعدة تختلف التكوينية الأرض التراب الذي يختزن الماء, عكس قاعدة البث وأقام المفهوم على نقطتين وهما:.
أ- وجود البيئة القادرة على الاستخراج بتنوع.
أ- وجود الحب القادر مع البيئة على الخروج وبتنوع.
هناك خصيصة أخرى تفرق بين البث والإخراج ومن خلال قراءة النصوص يرتكز مفهوم الإخراج على أساس تبديل حالي في كون وأصل المتناقضات, النبات الذي ينتج حبا ثم تره مصفرا لتنتهي دورة حياته بالموت يعود من خلال الحب الميت إلى دورة حياة جديدة{إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} الأنعام95,فيكون حال التجدد فيه والتطور الكمي وحفظ النوع كامن في الحب والنوى{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }الروم19,وليس في الفعل المجسد لها كما نرى في مفهوم البث عند الحيوان القائم على التكاثر أثناء الحياة والموت يعني الهلاك اللا متوقع منه العودة مرة أخرى.
بحث مستل من كتابي (الماء وأشياء أخرى)
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟