|
بولس – 2 – بولس والشيطان
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4631 - 2014 / 11 / 12 - 21:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني، لئلا أرتفع [حتى يمنعني لطم ملاك الشيطان من أن أكون فخوراً]) بولس مخاطباً أهل كورنثوس [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 7]
علاقة بولس بالشيطان تبدو بالفعل غريبة جداً عند دراستها بتأني في رسائله المقطوع بنسبتها إليه. فكما رأينا في المقالة السابقة (بولس - 1) [انظر الهامش رقم 1] بولس كان يعتقد بأنه ممسوس من ملاك أو رسول الشيطان في جسده، فهو يقول صراحة: (أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني)، وذلك حسب الترجمة الرسمية لرسالته، أما الترجمة الحرفية (أُعطيت شوكة في جسدي، رسول [ملاك] الشيطان حتى يعذبني بشدة) [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 7]. وأن هذا المس الشيطاني كان يسبب له عذاب هائل من نوع ما جسدياً وذهنياً، وهو يعي تماماً أن ما يتعرض له لا يدعو للفخر إطلاقاً أمام جمهوره. وقد تضرع ثلاث مرات لإلهه الجديد يسوع ليرفع عنه مَسّ ملاك الشيطان: (تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني)، إلا أنه، أي يسوع، رفض طلبه لسبب يبدو أيضاً غريبٌ جداً [انظر الهامش رقم 1 للتفاصيل] [لاحظ هنا أن يسوع قد مات منذ أكثر من ربع قرن عند كتابة بولس لتلك الرسالة]. إذ نرى إلهه، يسوع، يبرر له، "وحياً" كما يقول بولس [ربما وهماً وخيالاً هو الأصح، هذا إذا أحسنّا الظن ببولس]، عدم استجابته لطلبه بشفائه من هذا العذاب ورفع المس الشيطاني عنه هكذا:
(فقال [أي الرب] لي: تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تكمل) وذلك حسب الترجمة الرسمية، أما الترجمة الحرفية لِما هو موجود في رسالة بولس: (ولكنه قال لي: "نعمتي كافية لك، لأن القوة تُصنع كاملة في الضعف"). [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 9]
جواب إلهه له، وسبب رفضه لمنع ملاك الشيطان من تعذيب بولس، إذا تمعنّا فيه، (لا يبدو متماسكاً منطقياً إطلاقاً ولا علاقة له بموضوع الشكاية أصلاً)، وهو ما يدل، قطعاً، على أن ما قاله بولس في هذه الحكاية لا يملك سنداً واقعياً حقيقياً. فإله بولس الجديد، يسوع، يبدو وكأنه (يريد بالفعل أن يكون ملاك أو رسول الشيطان مرافقاً لبولس، ممسوساً منه، ذو تأثير على جسده وذهنه)(!!!). إله بولس الجديد، يسوع، يبرر تلك الرغبة الغريبة جداً بأن (نعمته، أي نعمة يسوع، على بولس، كافية جداً لبولس. ولذلك لا وجود لضرورة لرفع المس الشيطاني عنه، ولأن، كما قال له ألهه يسوع، كل قوة تكون كاملة (ليس) في حالة "الكمال الإلهي" الذي يُسبغ على الإنسان ليقهر به قوى الشر ومصادره وتأثيراته وإفرازاته كما هو متوقع ومُشاهد في (كل) الديانات والفلسفات الأخرى، ولكن (في) الضعف المستمر الذي (يتسبب به) ملاك أو رسول الشيطان، مصدر الشر ذاته، ككائن "أقوى وذو هيمنة" ويملك تأثير واضح وقوي على هذا الفرد الإنساني بالذات)(!!!). وهذا من أشد التبريرات (غرابة وسذاجة) في الكتابات اللاهوتية المسيحية على الإطلاق. بل إننا (لا نجد مُشابهاً إطلاقاً لهذا التبرير الغريب جداً في أي فلسفة أو دين). هذا التبرير الذي كتبه بولس على لسان إلهه يسوع، بدون أدنى شك، نتاج (خيال ساذج تم توجيهه لأناس محدودي التعليم والاطلاع بكل تأكيد). إلا أن هناك إشكالية (أخطر بكثير جداً) فيما قاله بولس على لسان إلهه الجديد يسوع. إذ تلك الرواية في رسالة بولس (تناقض جملة وتفصيلاً ما يقوله يسوع نفسه في الأناجيل ذاتها). ففي إنجيل مرقس، على سبيل المثال، يتم اتهام يسوع بأنه يشفي المرضى باستخدام (الشيطان) نفسه، وهذا الاتهام تسبب بردة فعل مطولة من جانب يسوع:
(أما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا: إن معه [أي مع يسوع] بعلزبول [هو اسم للشيطان مصدره وثني] وإنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين. فدعاهم وقال لهم بأمثال: كيف يقدر شيطان أن يخرج شيطاناً؟ [...] لا يستطيع أحد أن يدخل بيت قوي [يقصد الشيطان، ولاحظ أنه يدعوه "قوي"] وينهب أمتعته [أي يستولي على الأجساد التي أمرضها ويتم شفائها]، إن لم يُربط القوي أولاً [لاحظ أن يؤكد على منع الشيطان أولاً، "ربطه" كما في تعبيره]، وحينئذ ينهب بيته). [مرقس 3: 22-23 و 27] وانظر أيضاً [متى 12: 24-29]، وانظر على الخصوص إنجيل لوقا حيث نرى يسوع يقول عن الشيطان وممارسة شفاء المرضى: (لكن متى جاء من هو أقوى منه [أي أقوى من الشيطان] فإنه يغلبه وينزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه و يوزع غنائمه [يقصد شفاء المرضى الذين تلبسهم الشيطان]) [لوقا 11: 22].
يسوع يؤكد هنا أن شفاء المرضى بالشياطين [لاحظ أن يسوع أتى من ثقافة كانت تؤمن إيماناً مطلقاً أن الكثير من الأمراض الإنسانية يتسبب بها الشياطين والأرواح الشريرة من خلال تلبسهم بالجسد الإنساني. فهو، أي يسوع، ينطلق من هذه القاعدة الأسطورية في تحليله لعملية الشفاء]، يسوع يؤكد أن شفاء المرضى بالشياطين لا يتم إلا أن يأتي (من هو أقوى منه [أي أقوى من الشيطان] فإنه يغلبه وينزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه)، كما في تعبير كاتب إنجيل لوقا. ولا يتم الشفاء إلا في (حالة قوة) تتفوق على القوى الشيطانية وتتغلب عليها، وإلا فإن (حالة الضعف التي يتسبب بها الشيطان لا ينتج عنها "قوة" إطلاقاً). ما يقوله يسوع واضح جداً، وهو معاكس لِما كتبه بولس على لسان إلهه يسوع عن قضية مسّه الشيطاني بأنه أوحى له بأن (قوتي في الضعف تكمل)(!!!). بل إن الأناجيل تنقل لنا حادثة معبرة جداً (تؤكد لنا عكس ما يقوله بولس في تبريره ذلك). إذ نقرأ في الأناجيل أن مريضاً بالصرع قد تم تقديمه لتلاميذ يسوع على أنه متلبس به (روح أخرس)، فيعجز التلاميذ عن إخراج هذا الروح النجس منه، فيأتي يسوع ويُخرج هذا الروح منه، فيسأله تلاميذه عن سبب عجزهم هذا فيقول مجيباً، بعد اتهامهم بعدم الإيمان ولو بمقدار حبة خردل: (فقال [أي يسوع] لهم [أي لتلاميذه]: هذا الجنس [من الشياطين أو الأرواح الشريرة] لا يمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم) [مرقس 9: 29] [متى 17: 21] [وانظر لوقا 9: 37-43، حيث يصفهم بسبب عجزهم عن إخراج الشيطان بالجيل غير المؤمن الملتوي]. فيسوع هنا (يؤكد على حالة الكمال الإلهي الذي يسبغه الإيمان على الإنسان، بواسطة الصلاة والصوم، أي حالة القوة الإيمانية – الزهدية، حتى يستطيع أن يُخرج الشيطان من الجسد، وهذا الموقف ((هو العكس تماماً)) لِما يقوله بولس في أن حالة الضعف التي يتسبب بها لطم الشيطان، كما في تعبيره، هي التي تتجلى بها قوة المعجزات). فمن الواضح جداً أنه على الرغم من تلك التأكيدات التي نقلتها الأناجيل على لسان يسوع، نحن (نرى عكس الموقف والمفهوم تماماً مع بولس في رسالته لأهل كورنثوس، ناسباً إياها على لسان إلهه الجديد يسوع، وما قاله له "وحياً"(!)، عن سبب مرضه الواضح لهم).
إلا أنه هناك ما هو (أطرف) فيما كتبه بولس إلى أهل كورنثوس، فهو كان وسيلة لكشف (التزوير) الذي مارسه كتبة فصول (العهد الجديد) من بعده. بولس، باعترافه هو، يؤكد بأنه (أعطيتُ شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني)، وأنه قد تضرع لربه ليرفع عنه ملاك الشيطان هذا إلا أن طلبه لم يُستجب له وظل الشيطان مهيمناً على جسده وذهنه ومرافقاً له، ولكننا في نفس الوقت، نقرأ في سفر (أعمال الرسل) أن بولس يقوم بمعجزات تؤكد ثنائية التواجد (الإلهي – الشيطاني) فيه بنفس الوقت(!!!) [وهذه، بالمناسبة، من غرائب وعجائب اللاهوت المسيحي التي يتفرد بها دون سواه]، ومن جهة أخرى تؤكد للقارئ على التعارض والتناقض الواضحيين مع موقف يسوع من المعجزات الذي تطرقنا له بالشرح أعلاه في الأناجيل. فنحن نقرأ في سفر (أعمال الرسل) تلك الأمثلة على الأعمال "الخارقة"(!) التي قام بها بولس:
بولس يمتلئ تماماً من الروح القدس [أعمال رسل 13: 9] [ثنائية التواجد الإلهي – الشيطاني في نفس الشخص]. بولس يشفى مريض فيقول الناس عنه (الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا) [أعمال رسل 14: 10-11] [ثنائية التواجد الإلهي – الشيطاني في نفس الشخص]. بل (الطريف جداً) أننا نراه هو نفسه يُخرج الشياطين بأمر مباشر منه بعد أن (ضجر)(!!!) من المريضة [أعمال رسل 16: 16-18]. بل أننا نراه يفعل ما هو (أشد طرافة ومدعاة للسخرية والابتسام)، إذ نقرأ أنه كان يكفي أن يؤتى للمريض بمنديل منه أو إزاره (!!!) [الإزار هو الثوب الذي يحيط بالنصف الأسفل من الجسم ويستر العورة] حتى تهرب الأرواح الشريرة والشياطين ويشفى المرضى: (حتى كان يؤتى عن جسده بمناديل أو مآزر إلى المرضى، فتزول عنهم الأمراض، وتخرج الأرواح الشريرة منهم) [أعمال رسل 19: 12]. هذا كله، بالإضافة إلى غرائبيته المثيرة للسخرية في بعض الأحيان [يتساءل المرء أحياناً: لماذا إزاره الذي يستر العورة بالذات؟!!] هو (مناقض تماماً لِما قاله يسوع في تعاليمه) كما هو واضح ومشروح في الأناجيل الثلاثة الأولى في العهد الجديد. فلا تخرج الاحتمالات، إذن، عن (أربعة): إما قصص بولس التي قال أنها "وحي" من إلهه يسوع له هي اختراع منه، أو قصص سفر (أعمال الرسل) هي محض تزوير ساذج، أو قصة يسوع أعلاه في الأناجيل مزورة، أو كل ما سبق هو محض "خيال هيليني – روماني" مزور وهذا هو الراجح.
....يتبع
هـــــــــــوامــــــــــــــــــش:
1- بولس – 1
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=440701
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بولس - 1
-
في مسألة طيران بولس
-
حرام - وسيأتي
-
مغالطات يسوع المنطقية - 4
-
مغالطات يسوع المنطقية - توضيح
-
مغالطات يسوع المنطقية - 3
-
مغالطات يسوع المنطقية - 2
-
مغالطات يسوع المنطقية - 1
-
الإزدواجية العقلانية المسيحية
-
في مسألة كلبية يسوع
-
في مسألة عري يسوع
-
نصوص كذب يسوع
-
غرائب المنطق في الوطن العربي البائس
-
التعامل مع فاقدي السلطة الأخلاقية
-
الفقه اليهودي والمبادئ الإنسانية الليبرالية
-
نصوص التوحش الإسرائيلي
-
منطق السقوط المعكوس
-
جرائم الحرب الإسرائيلية يا أيها الغثاء
-
يسوع والمرأة السورية – 6
-
أكره أن أودع أحداً
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|