|
مشروع قانون تأسيس الاحزا ب : قانون حزب التسبيح بحمد النظام السياسي والاقتصادي –الاجتماعي
رفيق الرامي
الحوار المتمدن-العدد: 1300 - 2005 / 8 / 28 - 06:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
بعد ان تم تكريس الطابع القاتل للحريات في قوانين تاسيس الجمعيات والتجمع والصحافة، وبعد تكريس مدونة الشغل لحق نقابي لا وسيلة لممارسته حيث يجب ان يمارس، اماكن العمل. وبعد ما جاء به قانون الارهاب من تضييقات اضافية، اعدت مراكز القرار قانونين اضافين لاستكمال عملية احكام القبضة على مجتمع يفور بالمشاكل الاجتماعية وبحاجة من جراء ذلك آلي اشكال تعبير وممارسة سياسية. عنينا مشروعي قانون الاضراب وقانون تاسيس الاحزاب .
-------------------------------------------------------------------------------- لماذا قانون الاحزاب الآن
جلي ان الظرف الدي اختاره الحاكمون لتمرير هذه القوانين مناسب لهم بشكل غير مسبوق في علاقتهم بالمجتمع . فالميزة الاساسية للظرف السياسي متمثلة في استكمال القوى المسماة "وطنية ديمقراطية" استسلاما بدأته بقبول دستور 1996 الذي لا يجادل احد في تخلفه حتى عن سابقيه.
فبعد ان جربت تلك القوى استجداءاتها في بداية سنوات 1990 ، انهت هذا الاخير بقبول السمو بالثلث غير المباشر في مجلس النواب، المنتقد طيلة سنوات، الى مرتبة غرفة ثانية ذات صلاحيات موازنة لصلاحيات الغرفة الاولى .هذا دون نسيان قبول تلك القوى نتائج استفتاء لا يجرأ على الدفاع عن نزاهتها الا كذاب. واتبعت ذلك كله بالاضطلاع بتسيير الازمة الاقتصادية –الاجتماعية وتنفيذ سياسات معادية لغالبية الشعب على طول الخط.
وكما قبلت أُم القوانين عام 1996 ، ستعمل لتمرير المشاريع الحالية دون خجل من ادعاء انها ديمقراطية ومطابقة لـ" حقوق الانسان المتعارف عليها دوليا". ومما يسهل مأموريتها أن سياسة القمع المنهجي ابادت اجيالا من الديمقراطيين الحقيقيين، وان قسما كبيرا مما يسمى "المجتمع المدني" ليس غير قنوات شبه رسمية تعج بالمتملقين، بينما الجمعيات الحقوقية ليست في غالبيتها غير قنوات لنفس التيارات الليبرالية المباركة لسياسة الدولة، او هي ضحية قمع ومضايقة وتعثر في بلوغ الطريق الى بناء نفسها كقوة شعبية تناضل ميدانيا بالارادة الجماعية والواعية لأوسع الشرائح المتضررة من تغييب الحريات والحقوق الانسانية الاساسية.
اما القيادات النقابية العمالية فمنها من اعلن الهدنة مع الحاكمين مند عقود مقابل استمرار فرص تنمية المصالح والامتيازات، او تائهة بعد تأزم العلاقة مع " الحلفاء الديمقراطيين" واستمرار نهج التعاون الطبقي، او سائرة بصراحة في ذيل الساسة البرجوازيين. وهي لحد الآن لم تبد أي استعداد للتصدي لقوانين اعدام الحريات.
تحمل تلك القوانين جوهر سياسة الدولة: الخوف من طاقة التمرد الشعبي في مغرب ما حبَل في تاريخه المعاصر بالقدر الحالي من السخط الكامن وعناصر التفجر التي ما من قادر على التنبؤ بمفاعيلها. فهذا الخوف هو الدافع الى احكام القبضة وسد كل المسام التي قد ينفذ منها الاحتجاج وتقويض كل امكانية لبناء ادوات نضال الجماهير الشعبية.
ماذا يؤسس القانون الجديد: احزاب ام وكالات سياسية للدولة ؟
يطابق جوهر قانون الاحزاب الجديد منطق الفصل الثالث من الدستور الذي ينص على أن "الاحزاب السياسية والنقابات والجماعات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم". تساهم مع من ؟
يضع هذا الفصل الاحزاب في خانة واحدة مع مؤسسات أخرى للدولة: أي ان الاحزاب أداة من ادوات تحكم الدولة في المواطنين. فليس المواطنون هم من ينظمون انفسهم وفقا لقناعاتهم الفكرية واختياراتهم السياسية، المعبرة في آخر المطاف عن مصالح مادية اساسا، ومتعارضة حتما في المجتمع الطبقي، بل الدولة هي التي تنظمهم في وكالات محددة الادوار ومراقبة.
وظيفة الاحزاب، وفق هذا المنطق، هي التدجين السياسي للمواطنين وفق المصالح الطبقية لأولي الامر: ينص القانون على ان دور الاحزاب هو تأطير المواطنين في اطار عدد من الثوابث التي اضفي عليها طابع المطلق الذي لا يقبل نقاشا. والحال ان الاحزاب ما ظهرت اصلا في طور من تاريخ المجتمع البشري الا نتيجة لتباين المواقف من تلك القضايا الاساسية في كل حياة سياسية: حرية الاعتقاد، وحرية اختيار النظام السياسي والنظام الاقتصادي –الاجتماعي، أي الاختيار بين حكم الفرد ام حكم الجماعة، حكم منتخب او حكم متوارث، ديمقراطية بالتفويض أو ديمقراطية مباشرة. واختيارأي ملكية لوسائل الانتاج؟ خاصة او اجتماعية، واي نمط لتسيير الاقتصاد: قوانين السوق او تخطيط، وأي اولويات في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية؟ قانون احزاب المملكة المغربية في 2004 لا يعرف غير احزاب مؤيدة لطريقة الحكم السارية وللنظام الاقتصادي- الاجتماعي الليبرالي. ومن لا يحترم هذه التوابث فلن يؤسس ابدا حزبا. ومع ذلك يسمون هذا ديمقراطية. أليست الديمقراطية هي حكم الشعب، وان قسما كبيرا من شعب المغرب سيرفض النظام الاقتصادي-الاجتماعي القائم لانه متضرر منه، فهو سبب البؤس والبطالة والموت قبل الاوان. قانون الاحزاب الجديد يلغي امكانية قيام أي معارضة، فهو سيعمم الوكالات السياسية التي سماها ليبراليو المغرب " احزاب الادارة". وهو قانون رجعي سيعود بالحياة السياسية الى نظير ما تعرض له الحزب الشيوعي المغربي في خريف 1959 لما اُعتبرت عقيدته غير مطابقة للملكية والدين، وحين رأت المحكمة الابتدائية التي ُعرض عليها الامر ان المبررلا سند له، اعتمدت محكمة الاستئناف على خطاب ملكي يدين الايديولوجيات المادية لتبرر منع الحزب . فتم حله في بداية 1960 . و لما عبر نوبير الاموي عن رأيه في النظام السياسي في فبراير 1992 ، متمنيا نظاما يسود فيه الملك ولا يحكم، اقتيد آلي سجن سلا ليكف عن التمني خارج الحدود المرسومة.
وهل ننسى عشرات المحاكمات السياسيةفي تاريخ المغرب نكلت بعشرات الاف المناضلين بتهمة السعي آلي استبدال نظام الحكم؟
تنص المادة 2 من مشروع القانون على حرية احداث الاحزاب وممارستها نشاطها لكن وفق هذا القانون الذي يقتل تلك الحرية. فالمادة 4 تفتح الباب واسعا لذلك القتل: ماذا يعني المس بالدين الاسلامي؟ هل المطالبة بفصل الاسلام عن الدولة مس به؟ هل رفض قيام دولة يفوق طابعها الديني ما هو قائم، كالتي يدعو اليها عبد السلام ياسين، مس بالااسلام؟ اين حرية الرأي؟اين المادتين 18 و19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان( حقوق الانسان المتعارف عليها عالميا)؟
وتمنع المادة 4 قيام حزب على اساس جهوي او لغوي! يجب في اطار تشجيع الصادرات تصدير هذا القانون الى فرنسا لتمنع الحركات السياسية الجهوية والمدافعة عن حقوق لغوية وقومية. وبالمناسبة لماذا لا تستلهم فرنسا ذات النظام الجمهوري قانوننا فتمنع الحزب المدافع هناك عن الملكية التي ازاحها الشعب منذ اكثر من قرنين ؟
وعلاوة على القيود الجوهرية التي وضعها القانون الجديد، ابدع شروطا شكلية لا شك ان الغاية منها الاحتياط من أي انفلات عملي يؤدي الى المس بالتوابث. لن يتأسس الحزب الا بوجود 1000 عضو مؤسسة و مؤتمر تاسيس بـ 1500 مؤتمر. ويجب ان يكون المؤسسون مقيمين على الاقل في نصف جهات المملكة ، بمعدل 50 على الاقل من كل جهة.
تحكم بالقانون وبالمال
الوكالات السياسية كما يحددها القانون الجديد ليس لها أي استقلال عن الدولة من حيث وظيفتها وبالتالي تفقد باقي مقومات الاستقلال و على رأسها المالية. ستمول الدولة احزابها وصحافتها مقابل التدخل في ضبط حساباتها بآلية محكمة لا تعمل بها في مؤسساتها الاخرى المنخورة بالنهب والفساد: مسك حسابات وايداع المال في بنك، كل هبة تمر من بنك او بريد، يشهد على صحة الحسابات خبير، نشر بيان الحسابات في جريديتين، والاحتفاظ ببجميع الوثائق المحاسبية مدة 10 سنوات، ضرورة اثبات صرف التمويل في اغراض منحه، لجنة برئاسة قاض بالمجلس الاعلى لفحص انفاق التمويل.
دأبت الدولة طيلة 40 سنة على صنع الخريطة السياسية بتوزيع الحصص على صنائعها والقابلين بمسخرتها ثم تعتمد تلك الحصص مقياسا لتغدق من المال العام على من تشاء من خدامها الاوفياء، وتلزمهم باثبات صرفها في اغراض منحها. ليس ثمة لحد الان حزب سيصرف تلك الاموال في مساندة عمال مضربين او تنظيم حملة شعبية من اجل جمعية تاسيسية، ومع ذلك تخشى الدولة الا تنفق الاموال في " الاغراض التي منحت من اجلها" ، انها تتوجس ان يتقاسمها مسؤولو الاحزاب رغم انها افهمتهم في المادة الاولى من قانونها ان غاية الحزب السياسي ليست توزيع الارباح.
القانون حافل بالشكليات والاجال والجزاءات التي لا نرى داعيا لتفصيل نقدها. فالدولة، بتقاليدها العريقة في خرق قوانينها نفسها، والدراية المكتسبة في التماطل ورفض تسلم ملفات تاسيس احزاب او حتى جمعيات عادية، وانتظار التعليمات الفوقية، قادرة حتى بدون تلك الشكليات والجزاءات على عرقلة ما لا يروق لها بالف حيلة ووسيلة.
تلك هي الخطوط العريضة لمشروع الدولة الرامي الى تأسيس احزاب تابعة لها – احزاب مخزنية كما يقال بالعامية. وقد أعطت المادة الاخيرة من المشروع أجل عامين للاحزاب القائمة لتتلاءم مع القانون الجديد أي ان تتمدد على سرير بروكوست [2] جادت به الديمقراطية المغربية التي لم تكف عن ادهاش الرأي العام العالمي بعجائبها.
امتحان جديد للمنظمات الشعبية
هذا القانون جزء من ترسانة متكاملة ومن ابرز عناصر هذا التكامل ان حق تنظيم مظاهرة جعلته تعديلات يوليوز 2002 لقانون التجمعات العمومية حكرا على الاحزاب والهيئات المؤسسة قانونيا.
ان النضال لاجل الحريات (التعبير والتنظيم والتظاهر والاضراب) نقطة رئيسية على جدول اعمال المناضلين من اجل الديمقراطية فهي شرط التمكن من النضال من اجل أي شيء اخر.
بدون حرية تعبير وتنظيم واضراب وتظاهر، ستظل جمعية المعطلين جسما نحيلا رغم ضخامة قاعدة ضحايا سياسة اللاتشغيل، وستظل نقابات العمال اجهزة بلا قاعدة كاهرام مقلوبة يدفعها ضعفها الى استبدال النضال بادوار ممأسسة أي مجرد قناة تستعين بها الدولة في تدبير المشكل الاجتماعي . بدون حريات لن تكون ثمة احزاب بل وكالات سياسية رسمية، وتظل هيئات الدفاع عن الحقوق الانسانية مجرد نواد لنخبة لا قدرة لها انتزاع أي شيء، وبدون حريات سيظل المثقف ابكما او مرتزقا.
معطلون ُيسلخون يوميا بعد 13 سنة من رفض الترخيص القانوني لجمعيتهم، قانون الصحافة براس حربته الفصل 77 يخيف الصحافيين، عمال يسجنون بالفصل 288 من القانون الجنائي، طلبة مقموعون لاجل تمهيد الطريق لدكاكة "الاصلاح"، قوى سياسية لا يعترف لها بحق الوجود، نشطاء حقوق انسانية مضطهدون، انه شعب من ضحايا اعدام الحريات: فلماذا لا تقوم جبهة نضال من اجل الحريات، تؤسس علاقات عضوية مع القاعدة الشعبية باستعمال امكانات العمل الجماهيري القائمة، وفرض المزيد، بدل العمل الفوقي النخبوي الذي كرسه من لا اردة نضال لديهم من ديمقراطيين زائفين؟ هنا محك لكل منتسب الى قضية الديمقراطية.
هذا ولا غنى عن النضال من اجل تغيير أم القوانين، الدستور، الذي فرض بالتزوير البائن في عهد ادريس البصري (99.56% نعم للدستور)، وتعرضت للقمع الاصوات الديمقراطية القليلة المطالبة بؤسسة منتخبة من الشعب لوضع الدستور. ان قانون بروكوست للاحزاب يستند على الدستور، ويسد الطريق في هذا المضمار، كغيره، بوجه أي ديمقراطية. واينما وليت وجهك ستجد الدستور سدا منيعا. ان قدرات الجماهير الشعبية اقوى من استبداد اقلية ناهبة ظالمة، ولا ينقصها غير الطليعة الواعية الحازمة.
لا ، ليست الجماهير الشعبية غير مبالية، فهي الاكثر اكتواء بالمصائب المتهاطلة، بل فقدت ثقتها في احزاب يسار جرى احتواؤها، وفي مثقفين ("نخبة الشعب الواعية") باعوا ارواحهم، الا ما ندر. الجماهير لا تقبل استغفالها بلعبة ديمقراطية سخيفة تقوم فيها احزاب طيعة بالادوار المملاة عليها. هذا سبب نفورها وهزئها من العمل السياسي.
لقد بات الجميع اليوم امام مسؤولية خطيرة لا يعفي منها التذرع بالمد الرجعي ، فليس هذا سوى ثمرة افلاس اليسار وتقاعس ما تبقى منه.
القوى المناضلة مطالبة بحملة وطنية ودولية للتشهير بالقوانين القمعية. وقد بلغ قانون بروكوست لتاسيس الاحزاب مستوى من الغاء الحرية تجعل مجرد التعريف به تشهيرا به.
#رفيق_الرامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوضع السياسي بالمغرب :المستقبل للنضال العمالي والشعبي
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|