|
قبل الزايدي..هكذا -يتصيّد- الموت السياسيين المغاربة!
حميد هيمة
الحوار المتمدن-العدد: 4631 - 2014 / 11 / 12 - 08:28
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في الكثير من الحالات "يتصيّد" الموت الشخصيات الفكرية والسياسية في حوادث لا توقف الحياة بمعناها البيولوجي فقط، بل تتجاوزها إلى إنهاء الحياة بأبعادها السياسية والنضالية وفي لحظات "زمنية"/ سياسية دقيقة، يتموضع فيها الموت كجواب على متطلب سياسي حارق أكثر منه استجابة لما هو مُعد سلفا في كنانيش القضاء والقدر الخارج عن الإرادة، يظهر الموت، في الكثير من الحالات المتواترة، كمحصلة لعنف انتقائي بتعبير المؤرخ عبد الأحد السبتي في دراسته لعنف الدولة.
لا يتعلق الأمر، هنا، بحالات وفاة/ استشهاد فاعل سياسي بقناعات فكرية معارضة تحت سياط التعذيب، بل يرتبط الموضوع، فقط، بالموت على خلفية حوادث متتالية لشخصيات سياسية وفكرية وفي سياق مغربي عُرف بسنوات الجمر والرصاص، أو للتدقيق في زمن "سيبة" الدولة في تعاملها مع النخب للقضاء على الجاهلية أو الفتنة أو لتأديب الخارجين عن الطاعة، حسب متن الأدب السلطاني!
ولأن المناسبة شرط، فإن سياق هذه الإطلالة المقتضبة، المرتبط بوفاة الراحل أحمد الزايدي، ليس إثارة تاريخ عنف السلطة إزاء معارضيها كنخب سياسية منحدرة من بنية السلطة ذاتها أو كنخب اجتماعية ودينية متمردة، بل سنكتفي بتسليط الضوء فقط على حالات من حوادث وفاة رموز سياسية وفكرية كانت متعطشة لمغرب آخر، غير أن المنية فاجأتها/ ترصدتها واحدا واحدا لتنهي الحياة البيولوجية والسياسية في الآن نفسه!
فإذا كان أحمد الزايدي، أحد رموز الصراع السياسي في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عقب المؤتمر التاسع، قضى غريقا في وادي الشراط، فإن الحادث، في ارتباط بأبعاده التنظيمية والسياسية، يستفز ذاكرتنا الجماعية لإعادة تسليط الضوء على ظروف وفاة العديد من السياسيين المغاربة في فترات سياسية وزمنية مختلفة. فكيف يتموضع زمن موت السياسيين المغاربة في سياق اللحظات المفصلية؟
في استحضار لتاريخ الموت البيولوجي للفاعل السياسي المغربي، في زمن "المسلسل الديموقراطي"، يظهر أن تاريخ الوفاة يُرفق، غالبا، بحوادث مفجعة وغير منتظرة كسبب لفقدان المغرب لبعض السياسيين المنتمين لطيف المعارضة اليسارية بخلفياتها الفكرية والسياسية. فالراحل علي يعتة، قائد حزب التقدم والاشتراكية، سقط ضحية حادثة سير مؤلمة أمام مقر جريدته في سنة 1997 ذات صيف حار سياسيا في أعقاب المعارك الانتحابية الجماعية والتشريعية، وفي سياق تنظيمي/ حزبي حارق مرتبط بالحركة الانشقاقية التي قادها بعض أعضاء الديوان السياسي في الحزب ذاته. الغريب في الواقعة، التي تزامنت مع الاستحقاقات السياسية- الانتخابية والتشريعية واللحظات التنظيمية الخاصة (في ارتباط بالصراع الحزبي)، هو أن السيارة التي دهست الراحل، الذي لم يكن قد وضع رجليه بعد في الشارع حيث يركن سيارته، امتدت إليه وهو على الرصيف المقابل لمقر جريدة الحزب!
اختطف الموت علي يعتة من الرصيف في ظرفية سياسية كان المغرب يتهيأ فيها لولوج "التناوب التوافقي". وكأن "القدر" السياسي يأبى مشاركة صاحب "البيان" في الحكومة التي قادها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بدعم من قطاع واسع من تنظيمات الكتلة الديموقراطية. بالسبب نفسه، تقول الرواية الرسمية، سيُقتل عبد السلام المؤذن، أحد أعمدة اليسار المغربي، والوجه الفكري والسياسي البارز في منظمة العمل الديموقراطي الشعبي، المندمجة في الحزب الاشتراكي الموحد، في حادثة سير مروعة ببوقنادل في نونبر من سنة 1992. وتُفيد الرواية الرسمية، دائما، أن المُؤذن، المعتقل السياسي السابق عن حركة 23 مارس، "نزل" من سيارة الاسعاف، بعدما اختار سائقها، الذي يحمل شخص في حالة مرض، ارتشاف القهوة في مدخل مدينة سلا، غير ان الفقيد المؤذن عبد السلام "نزل" من سيارة الإسعاف التي تقله إلى المستشفى ليستطلع هذا التوقف فصدمته فجأة سيارة كانت تمر من الطريق!
هكذا، إذن، انتهت حياة "مريض" كان على متن سيارة الإسعاف، فإذا به ينتهي "قتيلا" في حادثة سير مروعة، حسب الرواية الرسمية.
رواية رفاق المؤذن، الذي جعلت منه جريدة المنظمة شهيدها طيلة مدة الصدور، تُشكك في المتن الرسمي للقصة، كما ان اللجنة التي واكبت ملف "الحادث" لم تقدم نتائج عملها كما كان منتظرا. اختطفت الموت، مرة اخرى، أحد أبرز الشخصيات اليسارية التي زواجت بين النضال الميداني والتأمل النظري في قضايا الوطن واليسار وتحرر الكادحين. لقد كان الفقيد، بشهادة رفاق دربه، الشخصية الأكثر خصوبة في الإنتاج الفكري والتحرير الإعلامي على صدر صفحات جريدة أنوال المغتالة، هي الأخرى، في حادثة سير سياسي تمهيدا لحكومة "التناوب التوافقي"!
وكأن حوادث الطرق تترصد الشخصيات السياسية والفكرية المناضلة، فقد أودت حادثة سير، حسب المتداول رسميا، بأحد أعمدة السوسيولوجيا المغربية، الفقيد بول باسكون، في أبريل من سنة 1985. بول باسكون، الحاصل على الجنسية المغربية، انتسب للحزب الشيوعي المغربي، وقدم سلسلة من الدراسات التي تتناسب أطروحاتها العامة مع القيم التي كان يناضل من أجلها في مغرب ما عُرف بسنوات الجمر والرصاص. لا يمكن استيعاب هذا الموت اللغز خارج سياق اندفاع السلطوية إلى حل معهد السوسيولوجيا والتضييق على تدريس الفلسفة كمصادر قلق فكري وسياسي للسلطة، وكموارد غذت باستمرار المعارضة بالمعرفة والأطر الملتزمة بقضايا العدالة والمتطلعة لمغرب الديموقراطية الكونية. لقد كان الفقيد يغوص بمعول البحث والتنقيب في ديناميات المغرب العميق، غير أن احتراق سيارته في الصحراء، بأحد مناطق موريطانيا، أنهت حياة مؤسس علم الاجتماع القروي في المغرب، وبالتالي أسدل الستار على إحدى حلقات إعدام السوسيولوجيا بمغرب الجمر والرصاص. قبل الحادث المأساوي، بأبعاده الإنسانية والسياسية، كانت عائلة باسكون قد تعرضت لعدة محن لا تطاق، انتهت بوفاة أبنائه في ظروف غامضة!
هكذا، غادرنا باسكون عن طريق الخطأ، كما كتب أحد الباحثين، لكن هذا الموت أفقد العالم القروي، الذي كانت السلطة تسعى إلى تهدئته بإبعاده عن تأثير المعارضة الحضرية/ الديموقراطية، (أفقد العالم القروي) أحد أبرز الشخصيات العلمية وفاء للقضايا الاجتماعية والأكثر انشغالا بتأصيل طريق التنمية والتقدم.
بين بول باسكون و عبد السلام المؤذن وعلي يعتة، تختلف الانشغالات وتتقاطع الأفق، لكن تتوحد مآلات تلك الشخصيات، في صدفة لا تخلو من غرابة، في وسائل التحاقها بالرفيق الأعلى!
ولأن الموت، دائما، "تتصيد" الوجوه المناضلة، وفي ظروف غير منتظرة، فقد لقي عزيز بلال حتفه بأحد فنادق شيكاكو بعد أن شبت النيران في غرفته، تقول الرواية المتداولة.
عزيز، كما باسكون والمؤذن، كان منشغلا بالسؤال العلمي حول أزمة الاقتصاد النابعة من التعايش بين الهياكل شبه استعمارية والهياكل شبه إقطاعية، مما أقلق، حسب تحليل الفقيد بلال، " الجماهير الشعبية التي أخذت تبحث عن مخرج جديد من هذه الأزمة المستمرة والمتفاقمة للاقتصاد وللمجتمع المغربي، (غير) أن تصلب الأوليغارشية الحاكمة أمام تفاقم التناقضات الاجتماعيـــة تصلبا أخذ .. شكل اضطهاد عنيف للقوى التقدميـــة".
بهذه الرؤية/ التوجه المنتصر للجماهير الشعبية كان يتحرك عزيز بلال، الملتزم سياسيا في حزب التقدم والاشتراكية، سواء في الحقل الأكاديمي أو في الحقل السياسي الملغوم، إلى أن فاجأه "الحريق" الذي شب في جناح الفندق الذي كان يقيم فيه الراحل. النار التهمت روح باسكون ورفيقه عريف، كما التهمت روح الراحل عزيز بلال بأمريكا! والمغاربة، بذكائهم الاجتماعي، لا يتورعون في تخويف مقتحم السياسية من ثلاثي: المخزن والبحر والعافية! هكذا، إذن، تتواتر حالات الموت عند الفاعل السياسي، المنتسب للمعارضة، في زمن المسلسل الديموقراطي، بالنار حرقا أو بحوادث سير مفجعة، غير أن المثير هو تموضع الموت في سياق اللحظات المفصلية في الزمن السياسي المغربي، مما يجعلها –الموت- وكأنها متطلب سياسي أكثر منه شرط بيولوجي!
تقول الدولة في بلاغاتها الرسمية، كما العادة، أن الوفاة ناتج عن حادثة سير مفجعة أو حريق مروع، والمجتمع، بدوره، لا يتوانى في التنبيه في محكياته الشفوية من: المخزن والعافية والبحر! فالرحمة لكل الشهداء، وعزاؤنا واحد. سيدي يحيى الغرب، في 10 أكتوبر 2014 .
#حميد_هيمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد إفشال الحوار من طرف المصالح المعنية بمشكلة الماء: ممخلصي
...
-
-ممخلصينش-.. شعار انتفاضة الماء بسيدي يحيى الغرب.
-
إلى الرفاق في المجلس الأعلى للحسابات.
-
المعارضة اللامادية.
-
تحدّي الشفافية.
-
شبيبة - داعش- بالمغرب.
-
الشبيبات الحزبية -مابعد- 20 فبراير: هل تُضيّع هوية الانتماء؟
-
الفلاح المغربي المدافع عن العرش.. هل ينجح شباب القرى في تفكي
...
-
انتحار الشباب بسيدي يحيى الغرب..وهذا هو المتهم!
-
ما لم تقله جماعة العدل والإحسان في مؤتمرها الصحفي.
-
بصدد الندوة الدولية لطنجة: لا..لم يناضل الشهداء من أجل تقوية
...
-
صقور المخزن وحمائمه: أجنحة التوازن.
-
بصدد الفساد: النقد المزدوج.
-
ديغول -الأنواري- يخاطب مرسي الإخواني.
-
البيان العام للمؤتمر الوطني السادس لشبيبة الحزب الاشتراكي ال
...
-
مؤتمر حشدت بروح الربيع الديمقراطي:-ممفاكينش..على التغيير ممت
...
-
حشد التقدمية... إعادة البناء بروح حركة 20 فبراير.
-
حديث الشهداء: من ايت الجيد الى شكري بلعيد.
-
شبيبة الاشتراكي الموحد.. نهاية نفق التأزيم
-
نفاق صحابة بنكيران.... صهيوني في مؤتمر حزب رئيس الحكومة الاس
...
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|