|
بولس - 1
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4627 - 2014 / 11 / 8 - 17:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من هو بولس هذا؟
حتى نفهم بولس، وبالتالي نحاول أن نعرف من هو، يجب أن نعي أولاً أن الكتاب المقدس المسيحي، المسمى بـ (العهد الجديد)، يحتوي على رسائل (مزورة) تحت اسم بولس وهو لم يكتبها إطلاقاً. تلك الرسائل كُتبت باستخدام اسمه بعد وفاته ومن ثم نُسبت إليه. هذا (ما لا يختلف عليه باحثوا العهد الجديد حتى بعض اللاهوتيين منهم). كما أن بعض المعلومات الواردة عنه في سفر (أعمال الرسل) تناقض ما كتبه بولس نفسه عن نفسه في رسائله المقطوع بصحة نسبتها إليه [سنتطرق لهذه الجزئية في مقالات قادمة]، وبالتالي فإن هذا السفر، أي سفر (أعمال الرسل)، هو مصدر (غير موثوق به) فيما يتعلق بالمعلومات التي ينفرد بها عن بولس. أما الرسائل (المزورة) باسم بولس في العهد الجديد، والتي كتبت بعد موته، فهي:
1- الرساله الى اهل كولوسى. 2- الرسالة إلى أهل افسس. 3- الرسالة الثانيه إلى أهل تسالونيكى. 4- الرسالة الأولى إلى تيموثاوس. 5- الرساله الثانيه ألى تيموثاوس. 6- الرسالة إلى تيطس.
هذه كلها (رسائل مزورة) لم يكتبها بولس ولم يعرفها، وإنما نُسبت إليه في تاريخ لاحق بعد موته، وما تبقى من الرسائل، وهي سبعة [الرسالة إلى العبرانيين ليست معهم]، يتفق أغلب الباحثين على أنها بقلمه. وبالتالي، حتى نعرف شيئاً ما عن بولس، فيجب علينا أن نركز انتباهنا على الرسائل المقطوع بصحة نسبتها إليه.
أهم ما يثير انتباهنا في رسائل بولس المقطوع بصحة نسبتها له، عندما يتكلم عن نفسه، هو هذا النص:
(ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني، لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني. فقال [أي الرب] لي: تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تكمل) [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 7-9]
بالطبع، الترجمة العربية غامضة لسبب وجيه جداً. فحتى نفهم ما كتبه بولس عن نفسه يجب أن نرجع للنص اليوناني مباشرة أو للترجمات الغربية الحديثة التي تخلصت من تأثير العقيدة المسيحية عليها. سوف أستخدم هنا ترجمة (The New Oxford Annotated Bible) ونسختي الشخصية هي النسخة المنقحة للطبعة الرابعة لسنة 2010. يقول بولس (حرفياً) في ذلك النص أعلاه، مع ملاحظة أن ما بين [ ] هي ترجمة مرادفة للكلمة وتحتمل إحداهما:
(أخذاً بالاعتبار الصفات الاستثنائية لذلك الوحي الذي أتلقاه، وحتى يتم منعي من أن أكون فخوراً، أُعطيت شوكة في جسدي، رسول [ملاك] الشيطان حتى يعذبني بشدة [torment]، حتى يمنعني من أن أكون فخوراً. ثلاث مرات تضرعت إلى الرب بخصوص هذا، بخصوص أن يفارقني هذا، ولكنه قال لي: "نعمتي كافية لك، لأن القوة تُصنع كاملة في الضعف"). [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 7-9]
الشروح الدينية المسيحية أصابت في شيء واحد، وهو أن كلمة (ليلطمني) في الترجمة الرسمية، أو (يعذبني بشدة) كما في الترجمة الحرفية، قد "وردت في صيغة المضارع، إشارة إلى أن عملية اللطم كانت تحدث على الدوام" [انظر شرح القس أنطونيوس فكري، على سبيل المثال]. إذن، هذا العذاب الشديد من جانب رسول أو ملاك الشيطان لبولس (كان يحدث بصورة ذات استمرارية لا تتوقف). كما يجب أن نلاحظ أن كلمة (عذاب شديد) لا تُعطي المعنى الحرفي للكلمة اليونانية بدقة. إذ المرادف الإنجليزي للكلمة اليونانية هو (torment) يعني حرفياً (التعذيب الهائل جسدياً أو ذهنياً).
إذن بولس، ربما يكون مدفوعاً بملاحظة جمهوره بأن شيئاً ما غير طبيعي هو يعانيه، أو كما يسميه بولس نفسه على أنه شيء لا يدعو للفخر، كان يعتقد أن (ملاك أو رسول الشيطان قد أصابه في جسده بشيء ينتج عنه عذاب هائل ذو استمرارية لا تنقطع، جسدياً أو ذهنياً، وأنه تضرع لربه ثلاث مرات بخصوص ملاك الشيطان هذا إلا أن ربه لم يستجب لتضرعه هذا). إلا أن السؤال المهم الذي يقفز إلى الذهن مباشرة هو هذا:
ما هو نوعية هذا "العذاب" الذي كان يعتقد بولس أن رسول أو ملاك الشيطان مسؤول عنه في جسده؟
حتى نجيب على السؤال يجب أن نرجع إلى نصوص العهد الجديد نفسه، ولنختار (إنجيل مرقس) على سبيل المثال لأنه أول الأناجيل كتابة وأتى مباشرة بعد رسائل بولس، ولنعرف منها (ماذا كان يعتقد المسيحيون الأوائل عن الأمراض التي يتسبب بها الشيطان، أو بالتعبير الإنجيلي: "الروح النجس"، للإنسان). فلنقرأ ماذا يقول إنجيل مرقس:
المثال الأول: (وأما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا: إن معه [أي مع يسوع] بعلزبول [اسم للشيطان من العهد القديم] وإنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين. فدعاهم [أي يسوع] وقال لهم بأمثال: كيف يقدر شيطان أن يخرج شيطاناً؟) [مرقس 3: 22-23]
المثال الثاني: (امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به فأتت وخرت عند قدميه. وكانت الامرأة أممية، وفي جنسها فينيقية سورية. فسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها. وأما يسوع فقال لها: دعي البنين أولا يشبعون، لأنه ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فأجابت وقالت له: نعم، يا سيد والكلاب أيضا تحت المائدة تأكل من فتات البنين. فقال لها: لأجل هذه الكلمة، اذهبي، قد خرج الشيطان من ابنتك. فذهبت إلى بيتها ووجدت الشيطان قد خرج، والابنة مطروحة على الفراش) [مرقس 7: 25-30]
المثال الثالث: (وكان في مجمعهم رجل به روح نجس، فصرخ قائلا: آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري؟ أتيت لتهلكنا أنا أعرفك من أنت: قدوس الله. فانتهره يسوع قائلا : اخرس واخرج منه. فصرعه الروح النجس وصاح بصوت عظيم وخرج منه) [مرقس 1: 23-26]
المثال الرابع: (ولما خرج [أي يسوع] من السفينة للوقت استقبله من القبور إنسان به روح نجس. كان مسكنه في القبور ، ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل. لأنه قد ربط كثيرا بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود، فلم يقدر أحد أن يذلله. وكان دائما ليلا ونهارا في الجبال وفي القبور، يصيح ويجرح نفسه بالحجارة. فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له. وصرخ بصوت عظيم وقال : ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي؟ أستحلفك بالله أن لا تعذبني. لأنه قال [أي يسوع] له: اخرج من الإنسان يا أيها الروح النجس) [مرقس 5: 2-8]
المثال الخامس: (فأجاب واحد من الجمع وقال: يا معلم، قد قدمت إليك ابني به روح أخرس. وحيثما أدركه يمزقه فيزبد ويصر بأسنانه وييبس. فقلت لتلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا) [مرقس 9: 17-18]
إذن، النصوص أعلاه تعكس (عقيدة المسيحيون الأوائل في الأمراض التي يتسبب بها الشياطين في جسد الإنسان). وبالتالي، فإن بولس (كان يعكس تلك العقيدة تماماً عندما كان يتحدث عن نفسه).
فمن الراجح، بناءً على ما سبق، أن بولس كان مصاباً بأحد الأعراض المرضية التي تم وصفها أعلاه، ولم يستجب له إلهه في رفعها عنه. وخصوصاً إذا عرفنا أن (بولس كان يروج لطقوس تبدو بالفعل غريبة جداً). منها على سبيل المثال (الهذيان بكلام غير مفهوم) أو كما يسميها هو (التكلم بالألسنة). وقد أعطى اللاهوت المسيحي تسمية رسمية لهذا الطقس الغريب "غلوسُّولاليا (Glossolalia). فهو يقول لأهل كورنثوس صراحة: (إني أريد أن جميعكم تتكلمون بألسنة، ولكن بالأولى أن تتنبأوا. لأن من يتنبأ أعظم ممن يتكلم بألسنة) [رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 14: 5]، ويقول لهم (أيها الإخوة جدوا للتنبؤ، ولا تمنعوا التكلم بألسنة) [رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 14: 39]. بل هو يقول لهم (أشكر إلهي أني أتكلم بألسنة أكثر من جميعكم) [رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 14: 18]. وعلى عكس ما يعتقده عامة المسيحيين بسبب بعض النصوص المذكورة ضمن العهد الجديد والتي تتكلم عن (الترجمة)، مع العلم أن هذه النصوص أصلاً في ذاتها مدار شك تاريخي، فإن طقس (التكلم بالألسنة) يعني ببساطة أن (يتم التفوه بكلمات لا تُمثل في ذاته أية لغة ومن المستحيل إطلاقاً ترجمتها إلى لغة مفهومة). أي أن طقس التكلم بالألسنة المسيحي هو ليس أكثر من الرطانة بكلمات لا معنى لها مع حالة نقصان للوعي، لا أكثر من هذا ولا أقل. هذه الحقيقة كانت (موضع حرج) للكتبة والمترجمين المسيحيين إلى درجة أنهم (تعمدوا في بعض المواضع التلاعب في نصوص رسائل بولس لتمويه هذه الحقيقة) حتى بروز النقد الأكاديمي واضطرار الترجمات الحديثة إلى التراجع عن هذا (التزوير) المتعمد في نصوصهم "المقدسة"(!). ولكن، وكما هو متوقع بالطبع، لم يُصر على هذا (التزوير المتعمد) إلا الترجمات المسيحية العربية. فمثلاً، نقرأ في رسائل بولس في ترجمته العربية هذا النص: (لأن من يتكلم بلسان لا يكلم الناس بل الله، لأن ليس أحد يسمع، ولكنه بالروح يتكلم بأسرار) [رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 14: 2]. هذا النص (ترجمته مزورة وبجدارة من جانب المترجمين المسيحيين العرب) وذلك للتمويه على حقيقة أن طقس (التكلم بلسان) هو نوع من أنواع (الرطانة غير المفهومة). الترجمة الحرفية للنص السابق في رسالة بولس هو كالآتي كما في الترجمة الجديدة للملك جيمس [New King James Version]: (لأن من يتكلم بلسان لا يكلم الناس بل الله، ولذلك لا أحد يفهمه، ولكن بالروح هو يتكلم بالأسرار) [انظر أي ترجمة حديثة أنت تختارها أو ارجع للنصوص اليونانية]. إذن، (من أعراض بولس المرضية) التي حولها هو للمسيحيين الأوائل إلى (طقس إلهي)، ويالسذاجة البشر، هو التكلم برطانة غير مفهومة. انظر الهامش رقم (1) لفيلم يوضح هذا الطقس داخل أحد الكنائس.
الخلاصة، بولس كان يعاني من أمراض تُبرز نفسها، على أقل تقدير، على شكل (تشنجات ورطانة بلغة غير مفهومة). ومن المؤكد أن المسيحيون الأوائل كانوا يعتقدون أنها من أعراض تلبس شيطاني. وبسبب أن هذه الحالة التي لا يمكن إخفائها عن جمهوره الأول التي لاحظها بدون أدنى شك، جاءت شكاية بولس بولس في [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 7-9].
...... يتبع
هـــــــــامـــــــــــش:
1- فلم لطقس التكلم بالألسنة (Glossolalia) يشارك فيه الأطفال داخل إحدى الكنائس الأمريكية:
http://www.youtube.com/watch?v=cQ4114XO-Xo
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مسألة طيران بولس
-
حرام - وسيأتي
-
مغالطات يسوع المنطقية - 4
-
مغالطات يسوع المنطقية - توضيح
-
مغالطات يسوع المنطقية - 3
-
مغالطات يسوع المنطقية - 2
-
مغالطات يسوع المنطقية - 1
-
الإزدواجية العقلانية المسيحية
-
في مسألة كلبية يسوع
-
في مسألة عري يسوع
-
نصوص كذب يسوع
-
غرائب المنطق في الوطن العربي البائس
-
التعامل مع فاقدي السلطة الأخلاقية
-
الفقه اليهودي والمبادئ الإنسانية الليبرالية
-
نصوص التوحش الإسرائيلي
-
منطق السقوط المعكوس
-
جرائم الحرب الإسرائيلية يا أيها الغثاء
-
يسوع والمرأة السورية – 6
-
أكره أن أودع أحداً
-
حتى نفهم التطرف السلفي المسلح
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|