|
مكاييل الأردنيين شارعاً وإعلاماً
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1299 - 2005 / 8 / 27 - 11:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
-1- لم يتحمس ويتضامن إعلام عربي مع صدام حسين كما تحمس وتضامن الإعلام الأردني منذ فجر التاسع من نيسان 2003 وإلى الآن. والسبب في ذلك واضح وبائن. فإعلام الأردن، تتحكم فيه فئتان: الجماعات الإسلامية المتمثلة بـ"جبهة العمل الإسلامية" وحزب البعث بجناحيه القطري والقومي. ويشارك هؤلاء وأولئك مجموعات كبيرة من المثقفين الفلسطينيين الذين يكرهون أمريكا كره العمى لما فعلته في فلسطين . كما أن هؤلاء وأولئك يكرهون الغرب وأمريكا على السكين. ومن هنا كانت مساندتهم لصدام حسين، ولما يسمى بالمقاومة في العراق ليس كله حباً بصدام، وإن كان بعضه حباً فعلياً لصدام، لما كان لصدام من أيدٍ بيضاء على الإعلاميين الأردنيين. فهو من بنى مساكن نقابة الصحافيين الأردنيين في عمان. وهو من خصص رواتب شهرية لمعظم الإعلاميين. وهو من أهدى سيارات المرسيدس لكبارهم. وهو من ابتعث أبناءهم إلى الجامعات العراقية. وهو من وزع عليهم كوبونات النفط التي فضحتها جريدة "المدى" عام 2004.. الخ. ولهذا وقف الشاعر الأردني خالد محادين أحد المنتفعين الكبار بهدايا ومطايا وعطايا صدام في مهرجان جرش الأخير، وأهدى قصيدة عصماء إلى الطاغية صدام حسين، معنوناً إياها بـ "برقية إلى صديقي صدام حسين"، مبتدئا حديثه بالقول:
تبدو وحيدا إلا مني
أنت الجالس فوق مئذنة النخلة.
-2-
إذن، لو تنكر الإعلام الأردني والشارع الأردني لصدام وحكمه، لكان منكراً للجميل، وناكراً لمن أطعم وسقى ووهب وتبرع وأهدى وأضاء وأفاض. فالأردنيون أوفياء دائماً لمن يطعمهم ويسقيهم، ولا ينكرون ذلك إلا في مناسبات قليلة، كان منها موقفهم المشين من غزو الكويت، الذي رجّح كفة صدام بالطبع الذي أطعم وسقى، أكثر مما فعلت الكويت مع الأردنيين.
وموقف الأردنيين هذا شارعاً وإعلاماً، انساق على ما سُمّي بالمقاومة العراقية، أو كما أطلقنا عليها "المقاولة" العراقية باعتبارها من مجموعات مرتزقة مرتهنة لمختلف دول الجوار العلمانية والدينية والأصولية. فلم يمجد إعلام عربي المقاومة بالعراق كما مجدها الإعلام الأردني طيلة أكثر من سنتين ماضيتين وإلى الآن. ولعل شكوى الأخوة العراقيين الأحرار من ظلم الإعلام الأردني للعراق ولشعب العراق، كانت الشكوى المريرة الحقة، التي تركت آثاراً سيئة للغاية في الوجدان العراقي من الصعب أن تمحوها الأيام.
-3-
وفجأة، والبارحة عندما اقتربت نار الارهاب المجنونة من البيت الأردني في العقبة، أصبح الارهابيون برأي الإعلام الأردني جريمة نكراء مستنكرة.
فالشارع الأردني كان يحمل قبل صواريخ العقبة صور ابن لادن ويطلق عليه الشيخ المناضل. لكن بعد صواريخ العقبة اختلف الأمر في المزاج الشعبي. وبعيدا عن استطلاعات الرأي الأمريكية التي اعتبرت الشعب الأردني من أكثر شعوب المنطقة تعاطفاً مع الارهابيين في العراق وأفغانستان، يمكن القول ان الشعب الأردني برمته ومن مختلف الأصول والمنابت كان في الاتجاه المضاد لما حصل في العقبة. وعبر عن الاستنكار الشديد لتعريض حياة الأردنيين ومؤسساتهم للخطر حتى وان كانت الذريعة ضرب قطاعات بحرية أمريكية. ومثل هذا الموقف ورد على لسان عبد المجيد الذنيبات زعيم جماعة الأخوان المسلمين الذي أدان محاولات المس بالأردن ومؤسساته عندما ظهر علي شاشة التلفزيون وفي النشرة الاخبارية بعد ساعات فقط من انتقاد رئيس الحكومة لبيان صدر عن "جبهة العمل الإسلامي" لم تكن جرعة الاستنكار كافية فيه وفقاً لما لاحظته الحكومة. (بسام البدارين، القدس العربي، 26/8/2005). وكذلك فعلت النقابات الأردنية التي استنكرت ما قامت به "القاعدة" من اطلاق صواريخ العقبة. -4-
ويقول المراقبون، أنه بعد صواريخ العقبة انحسرت تدريجيا مشاعر التفهم لتنظيم "القاعدة"، وثبت قطعاً أن الشارع الأردني يمكن أن يتفهم "القاعدة" ويؤيدها ما دامت بعيدة عن الساحة الأردنية. ولهذا قام الشارع الأردني لأول مرة بمظاهرات تنديد بالإرهاب بعد صواريخ العقبة، وبعد أن وصلت نار الإرهاب إلى البيت الأردني . فقد نظم مئات الطلبة في الجامعة الأردنية مسيرة احتجاجية على الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة العقبة الأسبوع الماضي. (جريدة "الغد"، 25/8/2005) فالإرهابيون قبل صواريخ العقبة، كانوا من المجاهدين الأبطال الذين سيحررون العراق من الاحتلال.
ولكن هؤلاء الإرهابيين أنفسهم، أصبحوا بعد صواريخ العقبة "يتخفون تحت عباءة الاسلام. فهذه الشواهد تدلل على تشويه صورة الاسلام والمسلمين. ان هذه الاعمال الارهابية التي تضرب هنا وهناك ليس من أولوياتها الديمقراطية والحرية والرخاء وقبول الرأي الآخر ، واقرار حرية الفكر وتداول السلطة وأية مفاهيم انسانية تدعو اليها مختلف الشرائع السماوية والوضعية . فهذه ثقافة لا تفهم سوى الاستئصال والالغاء والعدمية والرأي الواحد. (ماجد الخوجا، جريدة "الرأي"، 26/5/2005).
وأما خالد محادين الذي قال عنه محمد العلي في مقاله (تباً لكم أيها الأعراب) : " يكاد المرء لا يصدق ضحالة الفكر المتحجر الذي يحمله بعض المحسوبين على المفكرين العرب. فتجد رجلاً يعتلي منصة مهرجان جرش الشعري ويمتدح الجرذ الملعون. ومن أمثال خالد محادين كثيرون تمتلئ بهم ساحات الأمة المنكوبة من وعاظ للسلاطين وشعراء البلاط الذين يمدحون ويذمون لأجل العطاء ". خالد محادين هذا يكتب بعد صواريخ العقبة (جريدة "الرأي"، 22/8/2005) قائلاً:
"اذا كان الذين اطلقوا الصواريخ كانوا يخططون للسفر الى الجنة من ميناء العقبة، فالجنة ليست للقتلة، وإذا كانوا يخططون لهزنا بهذه العملية الجبانة فان جذورنا الضاربة في الارض وايماننا المقيم في الصدور وصلابتنا التي تكسرت عليها كل شعارات الزيف والخداع والمتاجرة، هي مجتمعة التي تحاصر هؤلاء «الأبطال الجبناء» داخل ذعرهم، وتجعلهم يسيرون بيننا وهم يمدون أصابعهم نحو أجسادهم في اعتراف متأخر بفظاعة ما فعلوا، إنهم لن يفلتوا بعارهم ولن ينجو برغباتهم الرخيصة في القتل، غير اننا هذه المرة لا نطالب بالرحمة بهم فلا رحمة لقاتل ولا بالاشفاق عليهم، اذ لا يكون الا لناقص عقل او معاق او مجنون" .
شكراً لصواريخ العقبة التي أعادت الوعي للشارع والإعلام الأردني.
ورحم الله الشهيد الجندي الأردني أحمد النجداوي الذي راح ضحية الإرهاب، كما قضى عشرات الآلاف من العراقيين الشهداء.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يرفضُ الملكُ مصافحةَ رعاياه!
-
ما هو مستقبل الهاشميين في الأردن؟
-
هل سيصبح الأردن النموذج الديمقراطي العربي؟
-
ثقوب في -الشورت- الديمقراطي الأردني
-
لماذا لم يُفتِ أحد بقتل ابن لادن حتى الآن؟
-
الدستور العراقي ومسؤولية الليبراليين
-
وباء الديكتاتوريات يلتهم المليارات
-
كيف سيثأر العرب لقتلاهم؟
-
كفى ضحكاً على ذقون الفلسطينيين
-
العرب وصمت القبور !
-
هل يريد الأصوليون حقاً قتل القمني، ولماذا؟
-
سيّد القمني: بئس المفكر الجبان أنت!
-
الليبراليون الجُدد أبناء المستقبل
-
ذوقوا عذاب الإرهاب الذي كنتم به تستضيفون
-
هل دُودَنا مِن خَلِّنا، أَمْ مِن خَلِّ الآخرين؟!
-
-الإخوان الموحدون-، بدلاً من -الإخوان المسلمين-
-
هل ستبقى المرأةُ السعوديةُ مُكرّسةً للعَلَف والخَلَف فقط؟!
-
-الزلفيون- والمسألة النسوية السعودية
-
لماذا العفيف الأخضر ضرورة الآن؟
-
هل سيأتي الإخوان المسلمون بالطوفان الأكبر؟
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|