|
مواقف غير محايدة
محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 5 - 19:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
* ليبيا .. إلى أين ؟ علمانيون بلا علمانية ، وليبراليون بلا ليبرالية ، واشتراكيون بلا اشتراكية ، ويساريون بلا يسار ، وإسلاميون بلا إسلام ! تلك هي - بنظري على الأقل - حقيقة من يسمون أنفسهم نُخَباً ، في بلاد الليبو . والمضحك المبكي أن كل فريق منهم يسفّه كل الفرقاء الآخرين ، ويحاول إلغاءهم معنويا ونفيهم من الوجود ، بسيل من البروباغندا الأيديولوجية ، المصاغة بلغة خشبية لا صلة لها بالواقع البائس المعاش على الأرض الليبية . (نموذجا لواقع كل الكيانات الناطقة بالعربية) . ولا أظنني أتجنى على (النُخب الليبية) عندما أذهب إلى القول بأنها تمثل ما أسميه حالةً (سايكوسوسيو ثقافية) قلقة - حتى لا أقول عُصابية - بمنظور علم النفس الاجتماعي و علم اجتماع المعرفة ، وهي حالة ربما تكون انعكاسا لواقع مجتمع فسيفسائي البنى الاجتماعية والاقتصادية والإثنية ، لا زال في مرحلة من التشكل بين البداوة وبدايات التحضر ؛ أو تعبيرا ظاهراتيّا يحيل إلى عدم اكتمال نضج الشخصية الوطنية لـ (الأمة الليبية) ، أكثر من كون الأمر صراعا فكريا محكوما بالدوغما ، تخوضه نُخب ثقافية (متشنجة) ، تعبر عن مصالح أو مواقف قوى اجتماعية متمايزة أو فرز طبقي أو سياسي حاد (رغم واقع التمايز الطبقي لمجتمع الاقتصاد الطفيلي التابع) . على انه سواء كان الأمر هذا أو ذاك ، فالحالة موجودة فعلا .. وبصورة ملحوظة جدا ، ولعل النظر إليها من زاوية التقييم هذه ، يفي بحاجة الدعوة إلى إجراء عملية رفع مساحيّ أوليّ لجانب من جغرافيا الواقع الثقافي والسياسي الليبي ، ولعل ذلك يشجع على إجراء دراسات علمية تتناول الموضوع بالتحليل وتقصي الجذور واستخلاص النتائج والمؤشرات ، بحثا عن جواب لسؤال : ليبيا .. إلى اين ؟
* اليسار الليبي و تغير المواقع و سقوط الأقنعة يساريون و أنصاف يساريات سابقون ، كانوا قد بدوا ظاهرة ثقافية إيجابية و طليعة نضالية تقدمية ، لفترة من التاريخ الاجتماعي و السياسي - لهذا البلد - خلال ستينيات و سبعينيات القرن الفائت . غير أن متغيرات علاقات القوى الدولية ، و انعكاساتها المحلية السالبة ، خلال العقدين الأخيرين من القرن ؛ قد نالت منهم بدرجات متفاوتة في العمق ، فتكشّفوا بعد انتفاضة فبراير - المنحرفة إلى أقصى اليمين - إما عن شخوص ينشدون الخلاص الشخصي .. يأسا من الجماهير المغيبة ، أو يعانون من الأمية السياسية و تشوّش الرؤية ، نتيجة لقصور التكوين الفكري ، إلى درجة التقاطع - بل التطابق - مع الإخوان المسلمين و الليبراليين الجدد ؛ و إما عن مجموعة من الانتهازيين و المرتزقة ، لا يقِلون استعدادا للفساد وخراب الذمم - سطْواً على المال العام وارتشاءً وتحايلاً للتكسّب غير المشروع - عن أحط تجار السوق السوداء و أحقر النخّاسين . النوع الأول منهم (الطوباويون و الأميون سياسيا) ، تحايلوا على أنفسهم و على الواقع بكل معطياته السالبة ، فساوموا على (النظرية و المنهج) طمعاً بالسلطة ، و راهنوا على التحالف مع أحزاب التوكيلات السياسية و التجارية .. التي ما كانت لترى أبعد من حدود مصالحها الفئوية الخاصة ، و التقوا - على برنامج ملتبس الأهداف - مع عملاء الطابور الخامس ، العائدين من مهجر الخمسة نجوم الاختياري في البلاد (الامبريالية) ؛ فلم يحصدوا من وراء اللعبة القطرية الأميركية سوى الريح ، و هم الآن يعضون أصابع الندم .. يتقلبون فوق الخازوق . و لعل التجربة النوعية المعاشة لحظة بلحظة في المجال العيني للصراع - الخفي و الظاهر - بين المتناقضات في الواقع الاجتماعي الليبي ، تكون قد أمدتهم بمفاتيح فك مفردات الخصوصية التاريخية (المحلية) للدرس الذي لم يستوعبوه من جوهر النظرية الاشتراكية العلمية . أما النوع الثاني (الارتزاقي) الأقل همة و طموحا ، فقد كان حظه أفضل مع الوضع الجديد الناشئ بعد انتفاضة فبراير المجهضة : وظائف قيادية في الإدارة العليا لأجهزة الدولة .. ما كانت لتخطر لهم حتى في الأحلام ، و رئاسة هيئات عامة تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة ، يتصرفون - على مزاجهم - بميزانياتها التسييرية فلكية الأرقام ، و وظائف دبلوماسية رفيعة و ملحقيّات ثقافية وإعلامية في السفارات الليبية ، تفوق مسؤولياتُها الدقيقة و الهامة إمكاناتِهم المحدودة ، يقضون أوقاتهم الرسمية و الحرة بلا عمل - سوى السياحة - مقابل ما يقبضونه من آلاف الدولارات . فكم هي الكذبة قصيرة العمر .. و كم هي دعاوى النضال والتقدمية زائفة .. و كم هي الذمم رخيصة و عاهرة !
* قانون مكافحة الإرهاب .. بين الليبرالية الشائخة و اليسار المدجّن الأصل في أي قانون ردعي ، هو التصدي لظاهرة سلبية ما ، تشكل تهديدا للأمن الوطني و السلم الاجتماعي . و العالم كله يعرف أن ليبيا - دولة و شعبا و مجتمعا - تتعرض اليوم لتهديد وجودي خطير ، جرّاء تغوّل الإرهاب التكفيري ، الذي يحتكر الدين و ينصّب نفسه و كيلا حصريّاً لله . و الغريب - المريب - أنه عندما يبادر البرلمان بالاستجابة لتحديات المرحلة ، فيصدر قانونا لمكافحة الإرهاب ، نجد بعضا ممن يحسبون أنفسهم على الليبرالية وقوى المجتمع المدني ، يعترضون على القانون .. و يلتقون على أرضية واحدة مع الإرهابيين ، بل و نجد من كانوا محسوبين على اليسار ، يتقاطعون بالكامل مع تنظيم أنصار الشريعة ، فيستبِقون صدور القانون - كما قرأنا لبعضم مؤخرا - ليعترضوا على صدوره من حيث المبدأ ، بدعوى أن الوقت غير مناسب لإصدار قانون لمكافحة الإرهاب ، و أن مفهوم الإرهاب غير محدد التعريف . والأسئلة الموجهة إلى الببغاوات الليبراليين الأدعياء ، و إلى المزايدون من اليسار المدجن (الظرفاء) : إذا لم تكن الضرورة تستوجب إصدار قانون لمكافحة الإرهاب .. أمس قبل اليوم ، فمتى إذن يكون ذلك ضروريا ؟ و إذا لم يكن الوقت - الآن - مناسبا لوضع إطار تشريعي لمكافحة الإرهاب ، الذي حول ليبيا إلى أخطر بؤرة لاستقطاب الإرهابيين ، و صناعة الإرهاب ، و تصديره إلى الخارج .. و ممارسته في الداخل ؛ فمتى إذن يحين الوقت المناسب لتقنين مكافحة الإرهاب في ليبيا (الدولة التي يختطفها و يحكمها الإرهابيون) ؟ و يا أيها البقالون الليبراليون في بازار ثورات الربيع الرقيع .. و يا فلول اليسار المدجن المتراجعون إلى زرائب القطيع ، لماذا تصرون على افتضاح إفلاسكم الفكري و هشاشتكم التنظيمية و أميتكم السياسية و تطلعاتكم الانتهازية ؟ لماذا لا تصمتون عندما توجِب معطيات الواقع أن تصمتوا .. و تؤجلوا لجاجاتكم الجوفاء إلى حين ؟ ألا فاعلموا أن أعضاء مجلس النواب (رغم تحفظاتي عليه في مقال سابق) ليسوا قصّرا ، و لا هم بمعزل عما يجري في ليبيا ، بل إن استيعابهم له ، هو ما أكسبهم ثقة الناخبين . و هم - في تقديري على الأقل - ليسوا جهلة يعانون (مجتمعين) من سوء الفهم و الأمية السياسية ، إلى تلك الدرجة التي يفوتهم معها أن يتضمن قانون مكافحة الإرهاب (في ليبيا) نصا يعرّف الإرهاب و يحدد ماهية العمل الإرهابي . و إن البرلمان ليس بحاجة إلى مشورة أرباب الأجندات الخاصة و الأيدي المرتعشة . فليكف أصحاب الأصوات المرتفعة و العزائم المنخفضة عن وضع العصي في الدواليب ، و ليكف أصحاب الطموحات الكبيرة و العقول الصغيرة عن المزايدات و الجعجعات الحزبية و شراء الرياح لأشرعة مراكبهم الممزقة . و قولا واضحا صريحا : نحن لسنا في مجتمع من الملائكة ، و ما من قانون - أو تعديل قانون - محايد في أي زمان أو أي مكان .
* ذئاب سبتمبر يستثمرون في جرائم ضباع فبراير السبتمبريون - و خاصة أعضاء اللجان الثورجية الإرهابية - يستثمرون في بورصة الفوضى و الإرهاب ، التي أرسى أسسها الربيع العربي الأغبر ؛ فيملؤون الفضاء زعيقا و نعيقا ، يقيمون حججا داحضة على عدالة و إنسانية و وطنية عهد القذافي ! قياسا إلى مظالم و وحشية و عمالة عهد فورة سبعطاش فورار المشؤومة . و بصرف النظر عن كون فبراير ليس سوى ابن زنا لسبتمبر ، و بصرف النظر عن أن نظام فبراير هو مجرد امتداد لنظام سبتمبر : استبدادا ، و فسادا ، و إفقارا للشعب الليبي ، و ارتهانا للأجنبي .. فنحن لم ننس أصناف و (فنون) الإرهاب النفسي و البدني .. التي مارسها نظام القذافي ضد كل أصحاب الرأي ، لم ننس ما عانيناه في المعتقل الصغير (بسجن الحصان الأسود) تحت نير البوليس الحربي ، و لم ننس ما عانيناه في المعتقل الكبير .. من تضييق و إقصاء و إلغاء و تجويع .. نحن لم ننس فِرَق الاغتيال من اللجان الثورية ، التي صفّت كل من طالته في أوربا ممن هربوا بجلودهم من جحيم نظام (الصقر الأوحد) ، لم ننس المشانق التي نصبها القذافي في الجامعات و الميادين العامة ، و علق عليها الليبيين .. بلا جريمة سوى أنهم - سِلميّاً - قالوا : لا . نحن أيها المجرمون المتباكون على نظام القذافي .. لم ننس عمر دبوب و محمد بن سعود ، و هما معلقان في حبال مشانق القذافي في ميدان عام ببنغازي ، و انتم تتعلقون بأرجلهما لتحكموا حبل المشنقة .. هاتفين : النار النار الدم الدم ..الثوري ع الموت مصمم ، و لم ننس محمد حفاف ، و انتم تعلقونه على المشنقة التي أمر زعيمكم القذافي بنصبها لشنقه في ساحة كلية الهندسة بجامعة طرابلس ، و هتافاتكم الوحشية الإرهابية تشق عنان السماء : شنقا في الميدان .. لا نرحم من خان . و نحن لم ننس الإرهاب الفكري ، الذي فرض علينا سخافات : أنف العنزة ، و ديمومة الكراسي ، و الـبر ... بر ! . فألف تب لإرهابيي اللجان الثورجية و لـ (ثورة !) الفادح من سبتمبر ، و ألف تب للإخوان المسلمين و مشتقاتهم الداعشية و لـ (ثورة !) سبعطاش فورار . فليس من فرق بين الفريقين - في المعادلة الصفرية لحساب خسائر الشعب الليبي - سوى الفرق بين الذئاب و الضباع .
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في دولة تكبيييرستان : كش ملك ، انتهت اللعبة !
-
نحو إقامة الدولة الإسلامية في ليبيا
-
التخلف الاجتماعي و البدْوقراطية
-
التأسيس لدولة النهب القانوني
-
النبي والنساء
-
الناسخ والمنسوخ والمفقود والمرفوع
-
المارشال السيسي و سؤال الهوية
-
أم ريكا مستاءة و ريكا غاضبة
-
الأسطورة و الدين
-
انتبهو ! الشعب يمهل و لا يهمل
-
أردوغان و مسمار جحا العثمانيّ في سوريا
-
ظاهرة السيسي
-
مات الملك .. عاش الملك !
-
فصول من تراجيديا الربيع العربي
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|