أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطا درغام - الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4















المزيد.....


الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 5 - 09:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ أوائل القرن العشرين ، وكرد فعل النشاطات الثورية الأرمنية ، سعت الصفوة الأرمنية المصرية إلي القبض علي زمام القضية الأرمنية وزعامة أرمن المهجر . وتطلعت هذه الصفوة إلي توحيد صفوف الأحزاب الثورية التي تعمل كل منها في انفصال تام عن بعضها . وقد عبر مفكرو هذا الاتجاه عن هذه الفكرة بقولهم : " إن الحالة الخطيرة التي يعيشها أرمن الأناضول تستدعي أن تتضافر جهود الأحزاب الثورية التي تأسست من اجل قضية هؤلاء الأرمن ويتعاونوا في العمليات التي يقومون بها " .
وفعلا ، نجح أرمن مصر خلال منتصف سبتمبر 1908 بفضل مؤازرتهم المادية في توحيد صفوف الأحزاب الثورية الأرمنية وتأسيس منظمة الاتحاد الفكري الأرمني من بعض أعضاء حزب الأرميناجان السابقين والهنشاكيين الجدد والثوريين الوطنيين . وقد ارتكزت سياسة هذا الاتحاد علي تحرير أرمينية الخاضعة للحكم العثماني وتأسيس حكومة مستقلة بها ذات دستور يخول حريات واسعة ويضمن لكافة عناصر المنطقة المعيشة الكريمة وتنمية ثقافاتهم بحرية وسلام طبقا لإمكانياتهم. هنا ، يلاحظ بان الاتحاد يرمي إلي حل القضية الأرمنية عن طريق استقلال أرمينية، وليس عن طريق تنفيذ المادة "61" . كما كان الاتحاد يؤيد فكرة التضامن مع الشعوب التي تسعي للاستقلال عن الكم العثماني في مقدونيا وألبانيا والشام.
بيد أن هذا الاتحاد قد أجهض مبكرا ، فقد كان اتحادا ظاهريا فقط سادته الانشقاقات والانقسامات . ناهيك عن أن برنامجه السياسي لم يتفق مع مسار الصفوة الأرمنية.
ولكن ثمة تطور جديد طرا علي الحياة السياسية الأرمنية المصرية . فبعد شهور قلائل من نجاح ثورة تركيا الفتاة وبوحي من الدستور العثماني (24 يولية 1908)، قامت مجموعة من الليبراليين وأبناء الطبقة الوسطي الأرمنية بتأسيس نمط مختلف من التنظيم السياسي المغاير لتكتيكات العنف السياسي.
وجديربالذكر هنا أن الجالية الأرمنية المصرية تعد المهجر الأرمني القوي الوحيد الذي مارس حياته السياسية بحرية تامة. فقد هيأت الأوضاع السياسية والاقتصادية- الاجتماعية لهذا المهجر في وجود البريطانيين مناخا فكريا لتكوين حزب سياسي جديد في 31 أكتوبر 1908 بالإسكندرية يسمي "ساهماناتير رامجافار" ( الحزب الديمقراطي الدستوري) الذي أيد التقاليد الليبرالية الأوربية ومثل الطبقات الوسطي الأرمنية في المهجر . وقد تشكل هذا الحزب من أشتات الأرميناجان وفئة ضئيلة من أعضاء حزبي الهنشاك والطاشناق – الذين ارتابوا في حماس زعمائهم- والأرمن المهنيين.
ويعد حزب الرامجافار من أهم الاحزاب السياسية الأرمنية الرئيسية التي تأسست في المهجر الأرمني بعامة والمصري بخاصة . وقد دارت فلسفته حول محورين أساسين متكاملين ؛ أولهما عثماني وثانيهما أرمني خاص.
بالنسبة لمحور العثماني ، تفاءل زعماء الحزب بخصوص مستقبل ثورة تركيا الفتاة وأعلنوا أنه بعد انهيار الاستبداد الحميدي وتأسيس الحكم الدستوري، بدأت مرحلة جديدة من التقدم والازدهار لكافة العناصر التي تتألف منها الدولة العثمانية .
وأراد الرامجافار إعادة النظر في الدستور العثماني بمعناه الواسع وتحويله إلي دستور ديمقراطي يكفل اللامركزية في إدارة الدولة العثمانية بما في ذلك الولايات ذوات الأغلبية الأرمنية. ورفض الحزب أن تنصهر أقليات الدولة العثمانية أو تنسلخ من أجل الاستقلال ، كما رفض كل أوجه الروح الوطنية الأصولية أو أية روح دخيلة علي تفكير الشعب.
أما المحور الأرمني ، فيمكن تحديد معالمه في النقاط الآتية :
أولا : احترام الفرمانات العثمانية التي نصت علي حماية حقوق الأرمن وعدم انتهاك حرية العبادة والتنمية التربوية والتقدم الثقافي
ثانيا : إعادة النظر في الدستور الملي بحيث يتناسب مع الاحتياجات الآنية.
ثالثا : فصل النشاط الديني عمن النشاط الإداري داخل الملة الأرمنية.
رابعا : الحفاظ علي اللغة الأرمنية والعمل علي نشرها في خط متواز مع التاريخ والآداب ، والمحافظة علي الشواهد القومية حتي لا تضمر أو تزول
وبمرور الوقت، اكتسب حزب الرامجافار الدستوري شعبية ليس بين أبناء الطبقة الوسطي وحدها، بل امتدت إلي أبناء الصفوة الذين أعلنوا بأنهم قد نبذوا أية أفكار راديكالية أو سياسية جدلية وانضموا إلي حزب الرامجافار حيث يتماشي برنامجه مع آرائهم ورؤيتهم السياسية والاقتصادية- الاجتماعية.
ورغم أن معظم أعضاء حزب الهنشاك المعاد تكوينه لم ينصهروا لا في الاتحاد الفكري ولا في حزب الرامجافار الدستوري وظلوا يعملون لفترة وجيزة بصفتهم منظمة مستقلة إلا أنهم انتهجوا سياسة تلاءمت مع المجري العام لحزب الرامجافار حسبما أكد بيانهم الصادر في 12 سبتمبر 1908 الذي نص علي أن حزب الهنشاك المعاد تكوينه يوقف برامجه الثورية المسلحة ويؤيد وحدة أراض الدولة العثمانية ولا ينتهج أية سياسة استقلالية . ويرفض الحزب أي شعور بالعداوة أو الأخذ بالثأر بين الأرمن والأتراك وسائر عناصر الدولة العثمانية بحيث تتسبب هذه الصراعات في تصدع الاتحاد. وبما أن أرمن الأناضول يعدون أنفسهم جزءا من الشعب العثماني ، فغنهم يرغبون في الحفاظ علي هويتهم دون الاندماج التام في الحسد العثماني ، ويرغبون في الحفاظ علي امتيازاتهم الدينية والثقافية ، ويأملون ممارسة دورهم في السياسة العثمانية بشكل نشيط ورئيسي.
ولم يكن لحزب الطاشناق أية فعاليات تذكر في مصر حتي عم 1908، فقد اتسمت لجانه الفرعية المنبثقة في مصر بضعف التنظيم وقلة الأعضاء حتي أنهم فشلوا في تأسيس لجنة مركزية تمثل الحزب، علاوة علي ذلك ن لم يكن الحزب يمتلك جريدة خاصة ، واقترح أعضاؤه استئجار عمود في جريدة آزاد بم ( المنبر الحر) للدفاع عن وجهة نظرهم.
ويرجع ضعف حزب الطاشناق في مصر إلي المجادلات والمشاحنات التي اندلعت بين أعضائه بسبب برنامج الحزب. فقد سمي الحزب في عام 1907 بالاشتراكي دون أن يمت بصلة مباشرة للآراء الماركسية، وانضم إلي مؤتمر الاشتراكيين الثاني.
وبسبب سلوكه هذا الطريق الاشتراكي، تولدت أصوات معارضة من بين صفوفه .ففي مصر ، اعترض المفكرون الطاشناقيون ( سارحات ، آغاسير، آرانسار) علي السياسة التي اتبعتها لجنة الحزب العليا وطالبوها باتباع سياسة قومية بحتة. بيد أن معارضتهم لاقت الفشل ، وطردوا من صفوف الحزب لأنهم تجرءوا ورفعوا صوت المعارضة ضد اللجنة المركزية العليا.
وقد أسفر نجاح ثورة تركيا الفتاة عن دعم تواجد حزب الطاشناق- المتعاون مع الاتحاديين – في الحياة السياسية الأرمنية المصرية. وحتذاك كان الطاشناق لا يتحدث عن استقلال أرمينية ، بل كان يطلب تحسين أوضاع الأرمن في الولايات الأرمنية العثمانية شرقي الأناضول. وانخدعت شبيبة الحزب وخلاياه بان الاتحاديين يعملون علي نشر العدالة والمساواة والحرية بين كافة أبناء الدولة العثمانية وعناصرها المتباينة. وظل الحزب يسير في ركاب سياسة الاتحاديين حتي بعد تنفيذ الأخيرين مذبحة أضنة ضد الأرمن في أبريل 1909.
وهكذا ، يلاحظ أن الحياة السياسية لأرمن في مصر خلال العقد الأول من القرن العشرين لم تكن مقصورة علي تمثيل الأحزاب السياسية الأرمنية ( الهنشاك، الطاشناق) ، بل تخطتها إلي تشكيل أحزاب أخري بمصر( الهنشاك المعاد تكوينه، الرامجافار الدستوري) . كما يلاحظ أن جميع هذه الاحزاب قد اتبعت نهج السياسة الأوربية والصفوة الأرمنية في حل القضية الأرمنية ( المادة 61).
أكثر من هذا ،انساقت هذه الأحزاب وراء دعايات الاتحاديين الكاذبة بمنح عناصر الدولة العثمانية مزيدا من الحريات والعدالة.
ولذا ، نسجوا تصورات غير واقعية عن القضية الأرمنية وحلها؛ فلم يركزوا علي استقلال أرمينية واكتفوا بالمطالبة بحكم ذاتي علي هيئة الرب الحميدي ذاته بشان القضية الأرمنية . عندئذ ، أصابت الأحزاب خيبة أمل ومرارة قاسية.
ولكن تطورات القضية الأرمنية بين عامي 1912-1914 ، أي منذ اندلاع حرب البلقان حتي قيام الحرب العالمية الأولي، قد نقلتها إلي طور جديد ازدادت خلاله فعالية أرمن مصر إزاء القضية الأرمنية وزعامتهم لها.
عندما اندلعت حرب البلقان في أكتوبر 1902 وتأزم موقف الدولة العثمانية إبانها، تحرك الأرمن المصريون بحرية نسبية ضد الدولة العلية خاصة وان لهم علاقات وثيقة بالرأسمال البريطاني – الفرنسي . ففي 2 نوفمبر 1912 بعث ممثلو الجالية الأرمنية في مصر برسالة إلي الجاثليق الأرمني كيفورك الخامس (1912-1930) المقيم بإيتشميادزين في أرمينية الروسية ( الشرقية) يخبرونه فيها : " أن كل الشكاوي الرسمية إلي الحكومة العثمانية مصيرها اللامبالاة وبما أن موقف البطريركية الأرمنية في الأستانة لا يشجع علي مطالبة الحكومات الأوربية بحماية الأرمن في الأناضول، وبما أن هذا الإجراء ذاته يعد خيانة في المنظور العثماني لأنه بمثابة دعوة لتدخل حكومات أجنبية في شئون البلاد الداخلية، فلهذه الاعتبارات كلها ، تقع مسئولية حماية أرمن الدولة العثمانية علي عواتق الأرمن الموجودين خارجها ليرفعوا التماسات إلي الدول الكبري وحكومات البلقان يطلعونهم فيها علي الموقف المتردي والمؤسف للأرمن، ويناشدونهم العمل بكل الوسائل الممكنة كي تنضم الولايات الأرمنية إلي ما سيتخذ من إجراءات تنفيذية تخص الأقاليم الأوربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية في مؤتمر التسوية المرتقب.
ولما كانت روسيا القيصرية حليفة بريطانيا وفرنسا، فقد تجاسر أرمن مصر وطلبوا مساعدتها : " نؤمن بان تحقيق أماني الشعب الأرمني سوف يتوقف كثيرا علي الشعور الإنساني النبيل للقيصر" أكثر من هذا ، ناشدوا الجاثليق بان يضمن حماية الحكومة القيصرية لأرمن الدولة العثمانية.
وردا علي رسالة أرمن مصر ، بعث الجاثليق في 8 نوفمبر 1912 خطابا إلي مطرا نيتي الأرمن الكاثوليك بالقاهرة والإسكندرية أعرب فيها انه " بعد الهزائم التي تتكبدها الدولة العثمانية، سوف تظهر المسألة الشرقية برمتها وسوف ينعقد مؤتمر في المدي القريب لحلها من ممثلي الدول الكبري. ولا يمكن أن يظل الأرمن مكتوفي الأيدي في لحظة التطور التاريخية الكبري حيث عن الأرمن تكبدوا عذابات واضطهادات ومذابح غير محتملة ولا يمكن وصفها علي أيدي السلطات العثمانية. وهم اليوم محرومون من حقوق الإنسان الأساسية ومن أمان أموالهم وأعراضهم ، وتتكرر مذابحهم في أماكن مختلفة . ولذا ، كلف الجاثليق أرمن مصر بإرسال التماسات رسمية إلي الحكومات الأوربية والولايات المتحدة لتحسين أحوال الشعب الأرمني الشهيد في الدولة العثمانية ، كما كلفهم بإرسال برقيات تدعو إلي حل القضية الأرمنية عند انعقاد مؤتمر التسوية.
وبناء علي هذا ، عقدت المطرانيتان اجتماعات متكررة لمناقشة المسألة الحيوية الواردة في الخطاب الجاثليقي واتفقتا علي تنفيذ تعليمات الجاثليق حرفيا.
وفعلا ، أعدت المطرانيتان برقية واحدة باسم أرمن مصر وأرسلوها في 13 ديسمبر 1912 إلي الحكومات البريطانية والفرنسية والروسية والإيطالية والنمسوية والأمريكية كل عام علي حده. وقد ركزت البرقية علي الحالة المأساوية التي يعيشها الأرمن العثمانيون وعدم أمان حيواتهم وأموالهم وأعراضهم في ظروف الحرب البلقانية. وناشدوا هذه الحكومات بمعاملة إنسانية تجاه شعب مسيحي حي وشهيد طالما مثل الحضارة في الشرق وناضل من أجلها في معارك كثيرة . كما لفتت البرقية الأنظار إلي المادة "61" من معاهدة برلين وضرورة إنشاء نظام إداري في الولايات الأرمنية وقيليقية يمكن الأرمن من حياة آمنة تليق بالبشر وضمان مقتنياتهم وأغراضهم.
ويرتبط بالخطاب الجاثليقي ، مسألة جد مهمة في الحياة السياسية الأرمنية المصرية مؤداها تكليف الجاثليق لبوغوص نوبار باشا كي يكون نائبا عنه وزعيما لأرمن المهجر فيما يخص القضية الأرمنية منذ أوائل عام 1913 . وقد تمخض عن هذا تشكيل الوفد القومي الأرمني الذي اتخذ من باريس مقرا له لمتابعة القضية الأرمنية حتي انتهاء مؤتمر لوزان 1923 .
هذا ، وقد اقتصر دور هذا الوفد حتي نشوب الحرب العالمية الأولي علي تقديم الالتماسات والتقارير لممثلي وقناصل ووزراء الدول الأوربية وبيان مدي الظلم الواقع علي الأرمن العثمانيين وتذكيرهم بالمادتين "61" من معاهدة سان إستيفانو و"61" من معاهدة برلين 1878 ، وشرح الخطط الخاصة بإصلاح الولايات الأرمنية التي أهملتها دوما الدولة العثمانية.
وفي 13 يناير 1913 ، شكل المجلس الملي الأرمني بالقاهرة لجنة للتباحث في الموضوع الحيوي..أمان حيوات وأموال وأعراض إخواننا الأرمن في الدولة العثمانية ..." واقترحوا أيضا تشكيل لجنة مماثلة في الأماكن التي يقطنها الأرمن بهدف تقديم المساعدات لوفد باريس الجاثليقي شريطة أن تسير هذه اللجان جميعا في اتجاه واحد، وألا تحدث في بعض الأماكن حركات وعمليات متناقضة أو حتي مضرة بالقضية.
بيد أن الأحزاب السياسية وإدارة مطرانيتي الأرمن الكاثوليك والبروتستانت قد احتجوا علي هذا الاقتراح مما دعا المجلس الملي في 20 فبراير 1913 إلي تكوين فريق مساعد من أرمن مصر لوفد باريس اقتصر انتخاب أعضائه من بين إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة. وتمثل دور هذا الفريق في الاتصال بوفد باريس الجاثليقي ، تقديم مقترحات ومعلومات إليه، تنفيذ تعليماته.
لم يقتصر حماس أرمن مصر لصالح القضية الأرمنية- والذي تزايد خلال الحرب البلقانية – علي اتباع الوسائل السلمية فقط، بل تعدتها إلي الممارسة المسلحة . فقد أسس لفيف من الشباب الأرمني في مصر لجنة بزعامة الثوري مهران دامايان (1863-1945) أطلقوا عليها " اللجنة الوطنية للدفاع عن النفس" . وينتمي هؤلاء الشباب إلي حزبي الهنشاك المعاد تكوينه والرامجافار الدستوري ممن خرجوا عن الخط العام لحزبيهما .
سعت لجنة الدفاع عن النفس إلي تنظيم مسلحة ضد الحكومة العثمانية في قيليقية . والحقيقة أن هذه الفكرة الجريئة قد تولدت لديهم قبيل اندلاع الحرب البلقانية عندما جاء إلي مصر أحد أغاوات زيتون بقليقية لجمع تبرعات من أجل انتفاضة مرتقبة في مدينتهم.
بيد أن أغنياء أرمن مصر قد أشاحوا بوجوههم عن هذا الأغا بناء علي توجيهات بوغوص نوبار باشا الذي بعثها إلي مجلس مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة في 7 فبراير 1913 وحذرهم بأن هذا الموضوع سوف ينكشف بلا محالة . ويمكن أن يشعل المشاعر المتطرفة لدي العناصر المعادية للأرمن . كما أوضح الباشا للقائمين علي جمع التبرعات مدي الخطورة التي يمكن أن يتعرض لها الأرمن إذا قاموا بأعمال متهورة ، حتي ولو كانت نواياهم حسنة ، إذ يمكن استغلالها ذرائع سهلة للهجوم عليهم.
ورغم أن أغنياء الأرمن في مصر لم يشجعوا الأغا الأرمني "حامع التبرعات" وعاد خالي اليدين ، إلا انه استطاع إشعال روح الوطنية بين بعض الشباب، وتمخض عنها ميلاد لجنة الدفاع عن النفس الأرمنية مع استعار نيران الحرب البلقانية.
استغل اليونانيون هذا الجو الأرمني المشبع بالانتقام ضد الحكومة العثمانية كي يضربوا عدوهم من الداخل. فقد وعد وزير الخارجية اليونانية جاروميليس أعضاء لجنة الدفاع بمساعدتهم في تنظيم انتفاضة مسلحة. وفعلا ، أوكل إلي بعض الشباب الأرمني بالقاهرة والإسكندرية مسئولية نقل العتاد الذي سيحصلون عليه من اليونانيين إلي قيليقية بحرا.ونجح دامايان في اجتياز الأراضي العثمانية حتي وصل إلي منطقة تشورك مارزفان ( دورت بول بالتركية) لتنظيم الفدائيين الذين سيصلون هناك.
وجدير بالذكر أن لجنة الدفاع قد خططت انتفاضات مسلحة في مناطق زيتون وهاجن ومارزفان في آن واحد.
وحينما انتهت لجنة الدفاع من الترتيبات الأولية اللازمة للقيام بالانتفاضات ، أرسلت مبعوثها موشيغ سيروبيان إلي أثينا للحصول علي ما وعد به اليونانيون من عتاد. وفعلا، وضع الأخيرون تحت تصرف اللجنة ثلاثة آلاف بندقية من طراز "جرا" لتنفيذ مهمتهم بسرعة.
عندئذ ، أرسلت اللجنة هذه الأسلحة علي متن مركب شراعي إلي منطقة تشورك مارزفان، ولكنها لم تستطع إنزال الأسلحة لان الحكومة العثمانية قد اكتشفت أمر الانتفاضة فأرسلت بارجة ألمانية مدرعة تسمي "ستراسبورج" لمراقبة الشاطئ ومنع وصول العتاد القادم من الأرمن إلي المنطقة . وعندما رأي دامايان ورفاقه البارجة المدرعة ، اضطروا إلي العودة لمصر .
أحدثت مجازفة دامايان ارتباكا وقلقا في الأوساط السياسية العثمانية والدوائر الأرمنية بالأستانة ومصر. فقد أثبتت التحقيقات العثمانية أن ثمة محاولات فعلية قام بها بعض الأرمن الثوريين من مصر في أبريل 1913 لترتيب انتفاضة مسلحة ب قيليقية. وأكدت التحريات أن جاثليق قيليقية ساهاج الثاني وبطريرك الأستانة زافين يغيايان (1913-1922) والقيادات الحزبية والصفوة الأرمنية كانوا رافضين بشدة لهذه التحركات الخطيرة وناشدوا الثوار بألا ينزلقوا في تطرف.
وهكذا ، فشلت عملية تنظيم انتفاضة مسلحة بقيليقية فشلا ذريعا لأنها لم تلق الدعمين المادي والمعنوي من القيادات الأرمنية.إذ اعتقدت القاعدة العريضة من الأرمن المصريين بخطورة القيام بمثل هذه الانتفاضة لأنها تعد مجازفة تعطي الأتراك حجة كافية لتنظيم المزيد من المذابح. ومن ناحية أخري ، أسفرت عن مذابح قيليقية ( أبريل 1909) عن خلخلة المنطقة سكانيا بدرجة أدت إلي غياب الكثافة الأرمنية التي تعضد الانتفاضة.
ورغم أن بعض الشباب الثوريين الحزبيين قد انشقوا علي أحزابهم وشكلوا اللجنة الوطنية للدفاع عن النفس ، إلا أن أغلبية الحزبيين قد سلكوا مسلكا مغايرا آنذاك. فثمة ظاهرة ميزت الحياة السياسية الأرمنية المصرية عشية انتهاء الحرب البلقانية تمثلت في تكوين ائتلاف من الاحزاب للعمل معا عند انعقاد مؤتمر الصلح.
اجتمعت لجان أحزاب الهنشاك والطاشناق والرامجافار الدستوري لتشكيل جبهة واحدة ، واقترحوا تقديم كافة المساعدات المالية لحماية الحقوق الشرعية للشعب الأرمني وضمان حقوقه المدنية والقومية وتقديم العون له لمواجهة الأخطار المستقبلية. ولم تقتصر نشاطات هذه الحركة علي الحزبيين فقط ، بل شملت كافة طبقات الأرمن في مصر. وأصدرت الجبهة الموحدة منشورا عاما وأعلنوا فيه: " أن هدف نشاط الجبهة ليس حزبيا ، بل يهدف إلي تحقيق مصالح كافة الأرمن بما في ذلك الثوريين والحزبيين ومن لا ينتمي إلي أي حزب. فلتكن الجبهة الموحدة سببا لإحياء الأمل ونقطة دافعة لأرمن مصر ومقبرة للأعمال القبيحة التي تسببها العصبية المدمرة للحزبية الضيقة.
أحدثت دعوة الجبهة الموحدة أصداء سريعة . ففي 4 يونية 1913 اجتمع نحو "60" أرمنيا من الأعيان في فناء كنيسة الأرمن الأرثوذكس ( بين السورين ) وأعلنوا أن كافة طبقات الجالية الأرمنية في مصر يجب أن تتوحد لنصرة القضية الأرمنية. ليس هذا فحسب ، بل قرروا ضرورة تنظيم برنامج دفاعي واضح المعالم للزود عن الشعب الأرمني. وفي ختام اجتماعهم انتخبوا لجنة اختصت بالتنسيق مع جبهة الأحزاب الموحدة فيما يتعلق بطبيعة دورهم ومدي إسهاماتهم.
اجتمعت جبهة الاحزاب الأرمنية الموحدة في 8 يونية 1913 بمسرح برينتانيا تحت رئاسة الأديب ديكران جامسراجان صاحب معمل سجائر جامسراجان. واتفق المجتمعون علي النقاط الآتية :
أولا : الترحيب بالمصالحة بين سائر طبقات الشعب الأرمني في مصر وأحزابه ومؤسساته من أجل حماية الحقوق القومية والسياسية والدستورية للأرمن.
ثانيا : تقديم شكاوي ضد الأوضاع التي تهدد سلامة الولايات الأرمنية وأمنها، وسوء حالها يوما بعد يوم بسبب إهمال الحكومة المركزية بالأستانة وسياستها الخطيرة التي تنتهجها بانتهاك هيمنة الشرعية في الدولة.
ثالثا : نشر إعلان موجه إلي المجتمع الدولي يفيد بان أرمن مصر يعلمون جيدا المتاعب التي يعاني منها الأرمن في الولايات الأرمنية العثمانية. كما يعلمون الوعود الكاذبة التي قطعتها الحكومات العثمانية علي نفسها منذ ثلاثين عاما لإصلاح أحوال الأرمن. ولذا ، يعتبرون ضمانات الحكومات الأوربية الشرط الرئيسي والأوحد لتحقيق الإصلاحات، ومن ثم حل القضية الأرمنية وتحقيق السلام في البلاد.
كما أعلن الأرمن المجتمعون في برينتانيا أن أرمن مصر مستعدون للوقوف ماليا ومعنويا بجوار الوطن لحماية حيوات الأرمن ومقتنياتهم وأعراضهم.
هذا ، وقد أرسلت الجبهة الموحدة منشورا بقراراتها وتطلعاتها إلي وزراء خارجية البلاد الأوربية وسفرائها بالأستانة والباب العالي وجاثليق الأرمن وبطريرك الأرمن بالأستانة والوفد القومي بباريس والصحف الأرمنية المصرية.
في ذلك الوقت ، نجحت القوات البلقانية المتحالفة في هزيمة القوات العثمانية وتحرير مقدونيا وأدرنة وجزر بحر الإدرياتيك وتأسست دولة ألبانيا . وفي ظل هذه الظروف، لم تلتفت الدول الأوربية إلي منشور أرمن مصر ، ولم تتحقق أحلامهم في حل القضية الأرمنية. وبالتالي ، لم يطل عمر جبهة الأحزاب الموحدة التي نخرت فيها الانشقاقات سريعا.



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-3
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
- الجمعيات الأرمنية في مصر-5
- الجمعيات الأرمنية في مصر-4
- الجمعيات الأرمنية في مصر-3
- الأرمن في مصر ( 1896- 1961 )
- الجمعيات الأرمنية في مصر-2
- الجمعيات الأرمنية في مصر
- ضبابية الموقف الأمريكي إزاء الإبادة الأرمنية
- نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 3
- نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر-2
- نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر
- الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان-2
- الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان
- الأرمن والفنون الجميلة في مصر- المبدعات الأرمنيات وخصائص الف ...
- الأرمن والفنون الجميلة في مصر- أونيج آفيديسيان والأرمن السكن ...
- الأرمن والفنون الجميلة في مصر- بوزانت جوجامانيان وسيمون سامس ...
- الأرمن والفنون الجميلة في مصر- فهرام مانفليان وديران جرابيدي ...
- الأرمن والفنون الجميلة في مصر- يرفانت دميرجيان


المزيد.....




- أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق- ...
- لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا ...
- ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب ...
- شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
- لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم ...
- السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما ...
- الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو ...
- بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي ...
- ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
- لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطا درغام - الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4