أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مؤسسة روزا لكسمبورج - اليسار المغربي ... واقع الأزمة ومخاض التغيير بقلم: عماد استيتو















المزيد.....



اليسار المغربي ... واقع الأزمة ومخاض التغيير بقلم: عماد استيتو


مؤسسة روزا لكسمبورج

الحوار المتمدن-العدد: 4624 - 2014 / 11 / 4 - 23:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


اليسار المغربي ... واقع الأزمة ومخاض التغيير
بقلم: عماد استيتو
تقديم
يحكم المغرب نظام ملكي منذ جلاء الحماية الفرنسية عن المغرب(1)، مباشرة بعد توقيع معاهدة إلغاء الحماية بين الحكومة الائتلافية بقيادة مبارك البكاي والسلطات الفرنسية بتاريخ 2 مارس 1956. وحظيت الملكية المغربية بمكانة مركزية خلال جُلّ الوثائق الدستورية التي عرفها المغرب منذ صدور الدستور التأسيسي بتاريخ 14 دجنبر 1962 وصولا إلى آخر تعديل دستوري في يوليوز/يوليو 2011، وظل المطلب الدستوري قضية مفصلية في جدلية التقارب والتباعد بين مكونات الحقل السياسي المغربي، وشكل أحد أبرز مصادر الاختلاف لحظة وضع أسس بناء الدولة الوطنية الحديثة بعد الاستقلال، كما ظل مكمن التوتر بين المؤسسة الملكية والأحزاب سليلة الحركة الوطنية طوال فترة تجاوزت ثلاثة عقود من الزمن(2).
وعلى المستوى السياسي، زكَّى دستور 2011 الملكية في المغرب كمؤسسة حاكمة رغم بعض الإيجابيات التي حملها على مستوى تعزيز دور الحكومة ورئيسها، حيث حافظ الملك على عصب الاختصاصات التي درجت الدساتير السابقة على إسنادها إليه، وهو ما يعني استمرار الملكية التنفيذية وتجاهل مطلب الانتقال إلى ملكية برلمانية وهو المطلب الذي رفعته قوى سياسية عديدة خلال حراك الشارع الذي تمثل في حركة 20 فبراير. ذلك أن الدستور المغربي الحالي كرس المكانة الدينية للملك رغم الانتقادات والاعتراضات التي طالت الأحكام الدستورية ذات الصلة ب"المشروعية الدينية"، كما استمر الملك رغم تفويضه بعض الصلاحيات لرئيس الحكومة في ممارسة عدد من الصلاحيات المهمة: كرئاسة المجلس الوزاري، المكلف بالتداول في النصوص والقضايا الإستراتيجية، من قبيل: مشاريع القوانين التنظيمية، مشاريع مراجعة الدستور، التوجهات الإستراتيجية للدولة، التوجهات العامة لمشروع قانون المالية، مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري، مشروع قانون العفو العام.
غير أن هذه الوثيقة الدستورية الجديدة (على علاتها) لم يجر احترام مضمونها، إذ تمت العودة بسرعة البرق إلى إعمال الدستور العرفي. ذلك أن السلطة لم تعد ترى أن دستور 2011 يشكل بكامل بنوده مرجعا ملزما بل رأت فيه مجرد وثيقة معلقة التنفيذ في انتظار ظهور ميزان قوى جديد، في حين أن ميزان القوى الحالي لا يرقى إلى مستوى الدستور الجديد الذي جاء كجواب استثنائي على ظرفية استثنائية(3).
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يعيش المغرب أوضاعا صعبة باعتراف المؤسسات الرسمية للبلاد نفسها، حيث رسم تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي لسنة 2012 صورة قاتمة عن الاقتصاد المغربي الذي اعتبره هشا، ومتميزا ببطء ملحوظ في معدّل النمو الاقتصادي وانخفاض عدد مناصب الشغل المستحدثة وتراجع في احتياطي المغرب من العملة الصعبة. يأتي هذا في الوقت الذي يساهم فيه تراجع المحصول الزراعي الناتج عن عدم انتظام تساقط المطر في تأزيم الأوضاع المعيشية لفئات عريضة من المغاربة يرتبط دخلهم في شكل مباشر أو غير مباشر بالقطاع الزراعي(4).
وتنهج الحكومة المغربية سياسة تقشفية منذ أكتوبر 2012 تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي، أي بعد حصولها على خط الوقاية والسيولة الذي تم تجديده في فبراير من السنة الحالية، وهو ما يجعل السياسات الاقتصادية المغربية خاضعة لمراكز القرار الخارجية. وهي سياسات دفع المواطنون المغاربة ثمنها غاليا منذ أوائل الثمانينات مع تطبيق برنامج التقويم الهيكلي. وتقوم هذه الإصلاحات الاقتصادية التي تتم بتوجيه من صندوق النقد الدولي على تفكيك نظام دعم المنتوجات الغدائية والبترولية (صندوق المقاصة) واستبدالها مساعدات مباشرة بها، ورفع سن التقاعد إلى 65 سنة وغيرها من الإجراءات التي شرعت الحكومة التي يقودها الإسلاميون في تنفيذ بعضها من خلال: تفعيل نظام المقايسة على أسعار الديزل والبنزين والوقود الصناعي حسب تقلبات أسعار السلع في الأسواق العالمية وهو ما يعني تحميل المستهلك أي زيادة في الأسعار، حذف 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار، ووضع قانون تقشفي للمالية في 2014(5).
وجاء التعديل الدستوري الأخير كمحاولة لاحتواء شرارة الربيع الديمقراطي الذي عرفته المنطقة مع بداية 2011، والتي مثلت حركة 20 فبراير نسختها المغربية برفعها شعارات تطالب بإسقاط الفساد والاستبداد وبالعيش بكرامة وفي ظل العدالة الاجتماعية. غير أن الحركة الشبابية لم تحظ بالجماهيرية الكافية وانفرط عقدها بشكل سريع، لعدة عوامل من بينها: اختلاف الرؤى السياسية لدى عدد من مكوناتها، غموض بعض شعاراتها، غياب المساندة الإعلامية والنقابية، ضعف التغلغل الشعبي لبعض القوى المكونة للحركة، مناورات النظام السياسي. كما أسهمت المآلات الدرامية والسيئة التي انتهت إليها عدة دول شهدت شرارات الانتفاضات فيها انحسار التعاطف الشعبي مع الحراك المغربي في مقابل الانتصار لخطاب الحفاظ على الأمن والاستقرار.
وبعد مرور ثلاث سنوات على الحراك الشعبي المغربي الذي شاركت فيه مكونات متعددة من يسار وإسلاميين، يبدو الوضع المغربي متسما بالضبابية بعد انتصاف مدة الولاية الحكومية الجديدة التي وصل فيها إسلاميو حزب العدالة والتنمية لأول مرة إلى رئاسة الحكومة وشكلوا ائتلافا حكوميا يعجُّ بالمتناقضات ويغيب عنه الوضوح، وكان حزب العدالة والتنمية قد اضطر إلى ترميم أغلبيته الحكومية حينما قرر حزب الاستقلال المحسوب على اليمين الانسحاب من الحكومة بتاريخ 9 من يوليوز 2013، وحلّ محله حزب التجمع الوطني للأحرار (حزب إداري)، وحملت النسخة الثانية من الحكومة ضم وزراء غير منتمين حزبيا، وهو مؤشر على التراجع عن فكرة الحكومة السياسية المنبثقة من الصناديق.
كما أن الممارسة الحكومية كشفت تراجعا عن الهامش الذي يتيحه دستور 2011 من خلال تفادي الاحتكاك أو الاقتراب من مراكز النفوذ الاقتصادي المهيمنة على المشاريع الكبرى في البلاد، ويبدو أن الموقف يتجه إلى الحسم نحو عودة الوضع إلى النقطة التي كان عليها قبل الحراك الشعبي وترسيخ تحكم الدولة في العملية السياسية، وهو ما أكده رئيس الحكومة بنفسه في تصريح له حينما قال بشكل واضح: "الصلاحيات الأساسية للحكم توجد بيد المؤسسة الملكية. نحن نترأس الحكومة ولدينا صلاحيات محددة في الدولة"(6).
ويتسم المشهد السياسي المغربي على العموم بشيوع مظاهر من البلقنة والتشتت والميوعة في العمل السياسي، وقد أدى هذا بدوره إلى نفور متكرر من الانتماء الحزبي، وحالة من الانكسار وفقدان الأمل في إنجاز الانتقال إلى الديمقراطية. فإذا كانت أحزاب اليسار التي شاركت في التجربة التي أطلق عليها "التناوب التوافقي" قد عجزت عن القيام بمراجعة نقدية لتجربة المشاركة الحكومية واستخلاص العبر والدروس منها، فإن أحزاب اليمين ما زالت وفية لارتهانها إلى دعم الإدارة، بينما لا تزال أحزاب اليسار الديمقراطي تعيش في أفلاطونية مفرطة ولا تزال عاجزة عن التحول إلى قوة سياسية جماهيرية ومنظمة تستطيع أن تُحدث خلخلة في المشهد السياسي المغربي، وأن تُحدث بالتالي تغييرا في موازين القوى المائل لصالح الأحزاب المحافظة وتلك التي تحظى بدعم الدولة.
التحولات في مفهوم اليسار المغربي
لا يمكن أن يختلف اثنان على أن انهيار الاتحاد السوفياتي أحدث أثرا عميقا في مفهوم اليسار اليوم، غير أن بوسعنا أن نعود إلى المفهوم الأساسي لليسار والذي اقترحته الثورة الفرنسية باعتبار اليسار معبرا عن القوى التي تدافع عن الفقراء وتطلعاتهم وتسعى إلى إقامة مجتمع العدالة الاجتماعية. وخضع اليسار المغربي بدوره لهذه التحولات التي بدأت حتى قبل انفراط عقد المعسكر الاشتراكي الشيوعي، أي مع فشل المشروع التحرري العربي فتم إنتاج يسار متعدد هو في النهاية محصلة للصراع السياسي الممتد منذ مرحلة ما بعد الحماية وصولا إلى سنوات الرصاص.
وتجد الأحزاب والتنظيمات التي تعبر عن انتمائها لليسار في المغرب جذورها في مرحلة الحماية، ذلك أن جميع التنظيمات اليسارية الموجودة في الساحة المغربية هي وليدة "الحزب الشيوعي المغربي" و"حزب الاستقلال". حيث يعتبر الحزب الشيوعي المغربي أقدم تنظيم يساري في المغرب بظهوره في 1936 كفرع للحزب الشيوعي الفرنسي في المغرب(7)، فيما أدى الصراع بين التيار اليميني المحافظ الذي كان يتزعمه علال الفاسي السلفي النزعة والتيار التقدمي اليساري داخل حزب الاستقلال، إلى ميلاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 1959 بقيادة الزعيم اليساري المغربي الشهير المهدي بنبركة.
ومع انشقاق الجناح اليساري لحزب الاستقلال وتأسيسه حزبا، ستبدأ ملامح تشكُّل قوى سياسية معارضة للسلطة تحمل سقفا أعلى من المطالب في مغرب ما بعد الحماية، حيث التقى موقفا الحزب الشيوعي المغربي والاتحاد الوطني للقوات الشعبية من الدستور التأسيسي للبلاد في 1962. وتوافق الحزبان اليساريان على رفض هذا الدستور مطالبين بمجلس تأسيسي رغم الاختلافات العميقة بينهما في الأفكار والمرجعيات(8)، فالحزب الشيوعي المغربي كان يتبنى المرجعية الماركسية اللينينية منذ مؤتمره الثالث المنعقد في 1966 كما كان يعتمد مبدأ الديمقراطية المركزية وعدم السماح بظهور تيارات ونزعات متعارضة داخل التنظيم متأثرا بنموذج الاتحاد السوفياتي، أما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فقد جمع في صفوفه خليطا من الآراء والمواقف المختلفة من قومية وناصرية واشتراكية وماركسية(9).
ويمكن تسمية هذه المرحلة من التاريخ المغربي مرحلة الصراع بين "اليسار" و"الحكم"، لأن مواقف ومطالب الحزبين جرَّتْ على أعضائهما عددا من المحاكمات السياسية التي خضع لها على الخصوص الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان يراهن على إقامة نظام حكم برلماني يحتفظ فيه الملك بسلطات رمزية، فيما دفع الشيوعيون المغاربة ثمن التبعية لسياسات موسكو باعتقال عدد من قياداتهم البارزة.
وسيفرز لنا هذا الصراع السياسي المحتدم بين السلطة واليسار نشوء تيارات أكثر راديكالية من داخل التنظيمين اليساريين نفسهما، إذ ستظهر منظمتا 23 مارس وإلى الأمام كتعبير عن نزعة تمردية لعدد من أعضاء الحزبين على توجهات القيادة التي بدأت تُظهر نوعا من التخاذل والانحراف عن الخط الأساسي للحزبين بحسب هذه العناصر. وتبنت الحركتان معا مطالب ثورية راديكالية وانتهجت العمل السري متأثرة بأفكار تشي غيفارا وماوتسي تونغ وسعت إلى قلب النظام القائم عبر تحريض الجماهير ضده.
وفي هذه الأثناء بدأ اليسار التقليدي المغربي، في زمن ما بعد دستوريْ 1970 و 1972 اللذين رفضهما الحزبان، عملية شبه تهدئة مع النظام القائم بعد سنوات طويلة من الصراع بين الطرفين. وجاء هذا التغير الملحوظ في مواقف اليسار التقليدي في مناخ المخاوف من استقلال "الصحراء الغربية" بعد تلويح إسباني بمنحها وضع دولة ذات سيادة، حيث أذعنت المؤسسة الملكية بدورها لحتمية توحيد جهود جميع القوى السياسية حول ما عرف ب" قضية الوحدة الترابية" واستدعى الملك زعيميْ حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي سابقا) والاتحاد الاشتراكي (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سابقا) وكلفهما كما هو الشأن بالنسبة لبقية قادة الأحزاب الأخرى بالترافع عن الطرح المغربي أمام العالم.
وفي ظل هذه الظروف التي تخللها انقلابان عسكريان فاشلان على نظام الحسن الثاني، توصلت أحزاب اليسار التقليدي إلى استنتاج يفضي إلى ضرورة مراجعة قناعاتها، خصوصا مع تصاعد المد الماركسي لدى القوى اليسارية الأخرى التي كانت تطمح إلى تغيير شامل يشمل البنية الطبقية عن طريق القيام بالثورة.
إذ سيتبنى حزبا الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية شعار "المسلسل الديمقراطي" وهو خيار يحسم بشكل نهائي مع الغموض والتذبذب الحاصلين في اختيارات الحزبين اللذين سيقطعان بشكل نهائي مع الخيار الثوري رغم استمرار ميول لدى بعض عناصره المؤيدة للعمل الثوري، وسيتبنيان شعار "المسلسل الديمقراطي" إذ سيسطر على حزب الاتحاد الاشتراكي ما عرف ب"إستراتيجية النضال الديمقراطي" في 1975 فيما سيتبني حزب التقدم والاشتراكية برنامجا مماثلا يحمل عنوان "برنامج الديمقراطية الوطنية"(10).
غير أنه ستبدأ بالظهور تناقضات داخل حزب الاتحاد الاشتراكي بين جناح يميل إلى التفاوض مع السلطة وقبول اللعبة السياسية (المكتب السياسي) وجناح راديكالي متشبت بالخط الرئيسي للحزب منذ 1979 وستؤدي هذه التناقضات إلى حدوث صدامات قوية داخل الحزب انتهت بالزج بعدد من مناضلي الحزب في السجن بتاريخ 8 ماي/مايو 1983، وقبِل الجناح المسيطر والمتشكل من عناصر المكتب السياسي المشاركة في الانتخابات التي أجريت خلال نفس السنة واتُّهِم هذا الجناح الذي سيستمر فيما بعد كحامل لاسم "الاتحاد الاشتراكي" بالسطو على الحزب وعقد صفقة مع السلطة(11).
ولم يكن الصراع بين الجناح النقدي داخل الاتحاد الاشتراكي والخط الآخر ينحصر فحسب حول "المسلسل الديمقراطي" والانتخابات، بل كان صراعا على الخط الإيديولوجي والهوية والمبادىء الأساسية للحزب في تلك الفترة، وسيستمر الجناح النقدي باعتبار نفسه الممثل الحقيقي لفكرة الاتحاد الاشتراكي معتبرا الجناح الآخر غير شرعي واستمر الحال على ما هو عليه إلى أن اتخذ اسم "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" في 6 أكتوبر 1991.
وفي صلب النقاش السياسي والإيديولوجي الذي كانت تعيشه الحركة الماركسية اللينينية المغربية في المعتقلات، ستنبثق مجموعة تنتمي إلى حركة "23 مارس" وستتبنى خيار العمل الشرعي لتؤسس في مطلع الثمانينات حزبا يساريا سيحمل اسم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي (ستندمج في 2002 مع مكونات يسارية أخرى)، ورفض الحزب المشاركة في أي من الحكومات أو التصويت ب"نعم" على الدساتير التي عرضت عليه، غير أن جناحا داخل المنظمة عبَّر عن موقف إيجابي من التعديلات الدستورية في 1996 وتناغم موقفه مع موقف حزب الاتحاد الاشتراكي فتعرضت المنظمة للانشقاق. ومن جهة ثانية ستتشكل مجموعة من الأطر اليسارية المنحدرة من تجربة منظمة "إلى الأمام" والتي ظل حزب النهج الديمقراطي في 1995 يحتفظ بروحها الثورية.
وأمام دخول اليسار الإصلاحي المغربي في تجربة ما عرف في المغرب ب"التناوب التوافقي" ستبرز تشظيات داخل هذه الأحزاب فإذا كانت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي قد شهدت انشقاق مجموعة أسست فيما بعد "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" الذي انصهر لاحقا في الاتحاد الاشتراكي، فإن الاتحاد الاشتراكي قد شهد بدوره سلسلة من الانشقاقات أفرزت حزبي "المؤتمر الوطني الاتحادي" ومجموعة "الوفاء للديمقراطية".
وفي ضوء ما سبق، عرف اليسار المغربي عدة حوارات كانت تهدف إلى إعادة النظر في غايات وأدوار اليسار وكذا إعادة صياغة لهويته حيث شكل الموقف من تجربة "التناوب التوافقي" وإفرازاتها أهم معيار، وهكذا انتهت عملية تجميع اليسار الماركسي اللينيني إلى اندماج عدد من المجموعات اليسارية المستقلة مثل: "الديمقراطيين المستقلين" و "الحركة من أجل الديمقراطية" و "فعاليات يسارية" مع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في حزب اليسار الاشتراكي الموحد في 2002(12)، وجاء هذا الاندماج كرد فعل على نزوع الأحزاب اليسارية التقليدية إلى تبنِّي شعارات ليبرالية، وفي 2005 ستندمج "مجموعة الوفاء للديمقراطية" الخارجة من حزب الاتحاد الاشتراكي مع "اليسار الاشتراكي الموحد" لتأسيس "الحزب الاشتراكي الموحد" في محاولة لتحقيق فكرة الحزب الاشتراكي الكبير من أجل تسريع وتيرة خلق الشروط الضرورية لفرض الخيار الديمقراطي وتجسيده تاريخيا وبمداخله الكبرى السياسية والدستورية والاجتماعية والثقافية(13).
ويمكن أن نخلص إلى وجوب التمييز بين ثلاثة اتجاهات يسارية عرفها التاريخ المغربي وهي: المدرسة الشيوعية، المدرسة الاتحادية، واليسار السبعيني(14).
يسار مغربي متنوع
يمكن القول إذن إن اليسار المغربي تتجاذبه اليوم ثلاثة اتجاهات، يسار تاريخي لم يحتفظ من اليسار إلا بالاسم والجذور ذلك أن معظم اختياراته تصب في مياه النيوليبرالية فكانت مشاركة هذا اليسار خلال الحراك المغربي متحفظة ولا تتعدى مشاركة شخصية لعدد من أعضائه، ويسار راديكالي كان فاعلا خلال تظاهرات حركة 20 فبراير ينقسم بدوره إلى قسمين: يسار يحمل سقفا سياسيا واضحا للإصلاح الجذري للنظام من خلال إقامة نظام ملكية برلمانية يكون فيها للملك دور رمزي وتمثل هذا التوجه أحزاب شكلت مؤخرا تحالفا أطلقت عليه "فيدرالية اليسار الديمقراطي": الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الحزب الاشتراكي الموحد، حزب المؤتمر الوطني الاتحادي. وكان هناك توجُّه أكثر راديكالية يمثله حزب النهج الديمقراطي الذي يرفض تحديد سقف نضاله بمطلب الملكية البرلمانية.
الحزب الاشتراكي الموحد
يمثل تأسيس الحزب الاشتراكي الموحد 2005 تلاقيا تنظيميا بين فكرتين سياسيتين متقاربتين، ذلك أن تصورات أحد أبرز الأقطاب المكوِّنة لليسار الاشتراكي الموحد، أيْ منظمة العمل الديمقراطي الشعبي كانت تتطابق إلى حد كبير مع الاستنتاجات التي توصلت إليها مجموعة"الوفاء للديمقراطية" التي أغلقت وراءها قوس الاتحاد الاشتراكي واعتبر حينها التحالف بين اليسار الاشتراكي الموحد بمكوناته الأربعة بالوفاء للديمقراطية بأنه تحالف ضد أعداء الديمقراطية(15). ويقدم الحزب الاشتراكي الموحد نفسه على أنه حزب يساري مستقل يتبنى الخيار الاشتراكي بكل اجتهاداته وأبعاده التحررية والديمقراطية والإنسانية ويتبنى إستراتيجية النضال الديمقراطي، ويعتمد التعبئة والنضال الجماهيريين للدفاع عن مشروعه المجتمعي الديمقراطي وبرنامجه السياسي، وينحاز إلى مصالح الوطن العليا وإلى حقوق الكادحات والكادحين وكافة المتضررين من أوضاع الظلم المستمرة.
جسد الحزب الاشتراكي الموحد مثل سلفه (اليسار الاشتراكي الموحد) فكرة الوحدة، غير أن العقبات أمام هذه الوحدة كانت عسيرة جدا ولا يزال الحزب يعيش مخاضاتها حتى اللحظة، وبدا أن الحزب قد استغرقته عملية تدبير الوحدة أكثر من تطبيق وتنزيل برنامجه، ذلك أن نقاطا عديدة كانت دائما ما تعمق الفجوة بين أولئك الذين يقومون بمراجعة قناعاتهم إزاء بعض القضايا وفق التغيرات والتحولات التي عرفها العالم وأولئك الذين ظلت هذه القناعات تراوح مكانها لديهم(16)، إذ ظلت المشاركة في الانتخابات نقطة خلافية دائمة بين المكونات المختلفة للحزب (آخرها انتخابات 25 نونبر 2011 البرلمانية). على أنه يُحسب للحزب أنه استطاع الحفاظ على وحدته، ومختلف التصورات والأفكار داخله عن طريق تنظيم التيارات ومنحها إطارا تنظيميا ممثلا داخل الحزب للتعبير عن آرائها ومواقفها رغم ما يعتري التجربة من انتكاسات في بعض الأحيان، ولا تزال هذه التجربة مستمرة إذ أسفر المؤتمر الوطني الثالث للحزب عن تيارين هما: "الديمقراطية هنا والآن" و"تيار اليسار المواطن".
ورغم مشاركة الحزب الاشتراكي الموحد في عدد من الاستحقاقات الانتخابية (الانتخابات البرلمانية في 2007، والانتخابات الجماعية في 2009)، ظلت المكاسب التى تحققت ضعيفة، وقد اعترف الحزب في مؤتمره الثالث بوجود أزمة حينما تصور أن تحقيق تقدم انتخابي ملموس سيفتح أمامهم مجال تحصيل تقدم سياسي وسيطلق بالتالي شرارة دينامية جديدة. واتخذ الحزب قرار مقاطعة الانتخابات المبكرة في نونبر (نوفمبر) 2011 لأسباب عديدة من بينها أنه جرى الإعداد لها بنفس التصور السابق وبنفس الأساليب السابقة وفي ظل الشروط الماضية، فضلا عن اعتبار الحزب أن العملية الانتخابية قد صارت على هامش المجتمع لأن أربعة أخماس الناخبين المفترضين لا يشاركون عمليا في التصويت كما أن الكتلة الناخبة لليسار تتخذ هي الأخرى موقفا سلبيا من المشاركة، وقد رأى الحزب بالتالي أن مشاركته لن تكون منتجة ديمقراطيا وضرورية لأنه لم يكن بوسعها أن تحقق الأهداف التي كان اليسار يحققها عبر الانتخابات أي أن تسمح له بتحويلها إلى معركة سياسية حقيقية(17).
غير أن إفرازات المؤتمر الأخير للحزب رسخت الهوة والخلافات بين التيارات داخله، وإذا كانت التيارات السابقة التي عرفتها المؤتمرات السابقة قد توارت لصالح الانصهار في البرنامج العام لأرضية "الديمقراطية هنا والآن"، فإن تيار "اليسار المواطن" قد عبر منذ اليوم الأول عن اختلافه مع التوجهات العامة للحزب، واعتبر التيار في أكثر من مناسبة، كما عبَّر عن ذلك عدد من بياناته، أن الحزب يعيش حالة من الفراغ في الخط والخطة السياسية.
ويرى التيار أن الحزب يتخذ مواقف جيدة ومن قضايا متفرقة ولكنها تبقى من دون خيط ناظم وفي الغالب لا تنزل إلى الواقع، وذلك بسبب غياب خطة سياسية واضحة وكذا الآليات التنظيمية لتنفيذها. ويسجل التيار وجود نوع من العودة إلى التخندق والتمترس في مرحلة ما قبل اندماج الحزب وعلى حساب وحدته وعلى حساب المسؤولية السياسية والتاريخية الملقاة على حزب في مهمة بناء اليسار وإعادة تأسيس المشروع الديمقراطي المجتمعي الشامل(18)، وتفجرت هذه الخلافات بشكل كبير غداة قرار اتخذه الحزب بالدخول في تحالف كبير حمل شكل الفيدرالية مع أحزاب الطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي، ورغم أن مكونات عديدة داخل الحزب انتقدت اتخاذ قرار متسرع لم تنضج الشروط الموضوعية له غير أنها قبلت على مضض بالقرار في حين عبر "اليسار المواطن" بشكل علني عن رفضه للمشروع الذي رأت أوساط عديدة داخل هذه الأحزاب أنه رفْعٌ لمستوى التنسيق تحسُّبا لإمكانية المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
ويشمل برنامج الحزب المسطر خلال محطة المؤتمر الوطني الثالث خارطة طريق تتضمن عدة مهام يمكن أن نذكر منها: إعادة الاعتبار لفكرة التعاقد في السياسة، مواصلة النضال من أجل دستور الملكية البرلمانية، إعداد أرضية للانتقال إلى الملكية البرلمانية، تعزيز عمل الفضاء اليساري، النضال من أجل تحقيق الشروط العامة للانتخابات الديمقراطية والحرة، تكثيف النضال الفكري والثقافي، إنجاز تغيير حزبي داخلي عميق، فتح فضاءات جديدة للفعل الشبابي(19).
ويعاني الحزب، بحسب ما يراه كثير من المراقبين، من تناقض حاد بين جناح ثوري وآخر إصلاحي، ويرى أن هذا التناقض في حالة عدم معالجته قد يعرِّض الحزب لانشقاق مستقبلي، كما يعاني الحزب من ضعف انضباط عدد من مناضليه فبينما يوجد أعضاء يناضلون ويضحون بشكل مستمر لأنهم مؤمنون بالحزب يستمر آخرون في التغيب باستمرار. فضلا عن إشكالية المنظمات الجماهيرية والنقابية التي يمارس من خلالها أعضاء الحزب نضالاتهم، حيث يتوزع نقابيو الحزب على حوالي أربع مركزيات نقابية، وهو وضع موروث عن مرحلة ما قبل الاندماج.
حزب النهج الديمقراطي
يعتبر حزب النهج الديمقراطي أكثر الأحزاب اليسارية المغربية راديكالية، فالحزب الذي أسسه في 1995 عدد من الأطر السابقة في منظمة "إلى الأمام" ذات التوجهات الماركسية-اللينينية لا يزال يرفض تحديد أي سقف لنضاله ضد النظام القائم، وهو ما يشكل نقطة خلافية بينه وبين مكونات "فيدرالية اليسار" التي تدعو إلى تغيير جذري يحتفظ للملكية بصلاحيات رمزية. ورغم ذلك يواجه حزب النهج الديمقراطي انتقادات من تيارات يسارية محدودة أكثر تشددا خاصة داخل الجامعات تتهمه بالتخلي عن خطه الماركسي وتبني تصورات تحريفية لأفكار منظمة إلى الأمام.
وجاء الحسم في تأسيس حزب النهج الديمقراطي بعد فشل المحاولات الأولى في تجميع اليسار الجديد إثر الإفراج على النسخة الأخيرة من معتقلي منظمة إلى الأمام في 1994، وظل الحزب خلال سنواته الأولى يستثمر في تراث المنظمة، رغم انفراط عقد عدد من الشعارات التي كانت ترفعها المنظمة من قبيل "حرب التحرير الشعبية" و"العنف الثوري"، وظل الحزب يرفض الانخراط في العملية السياسية ولو بشكل تكتيكي من أجل كسب مكانته وسط الجماهير والدعوة إلى برنامجه السياسي ومشروعه الاشتراكي معتبرا أن ذلك لن تكون له أهمية كبيرة في غياب حزب جماهيري قوي له تواجد قوي في مختلف المناطق ويتوفر على لوجستيك وإعلام قادرين على التعبئة الجماهيرية(20). ولا يرى حزب النهج الديمقراطي أنه لا يمكن استعمال أداة الانتخابات للانعتاق من القهر والاستبداد إلا بعد بناء قوة ديمقراطية جذرية تعبر عن جبهة الطبقات الشعبية(21).
رفع الحزب خلال مؤتمره الأخير قبل سنتين شعار "جبهة موحدة للنضال الشعبي ضد المخزن من أجل بناء نظام ديمقراطي"، يحمل هذا الشعار رغبة في الالتقاء ببقية المكونات اليسارية من أجل بناء قطب يساري سياسي واجتماعي، لأن الحزب يعتقد أن الحراك الذي شهده المغرب متمثلا في حركة 20 فبراير أظهر أن الجماهير التي كانت منخرطة فيه بحاجة إلى تأطير سياسي، وأن الطريق إلى ذلك يمر عبر تأسيس جبهة تقود النضال الديمقراطي في المغرب، وتلعب دور المعارضة الحقيقية.
وقد ظل رفْض الحزب تحديد طبيعة النظام السياسي الذي يريده يمثل النقطة الخلافية الدائمة له مع الأحزاب التي شكلت "فيدرالية اليسار"، ورغم أن الاعتقاد كان قد ساد مع وصول مصطفى البراهمة إلى قيادة الحزب خلفا لعبد الله الحريف بأن مواقف الحزب قد تتغير إلا أن الغموض وعدم الوضوح في موقف النهج الديمقراطي استمر. إذ يرفض التنظيم طرح أي شكل معين من الأنظمة سواء النظام الملكي أو الجمهوري، ويرى الحزب أن الشعب هو المخول للحسم في اختيار شكل النظام الذي سيحكمه وأن نضاله سيظل مُنصبا على تحقيق نظام ديمقراطي يحتكم إلى الإرادة الشعبية، والقواعد الدستورية المتوافق عليها والمصوت عليها من طرف الشعب المغربي بكل حرية، ويبرر الحزب ممارسته السياسية من خارج المؤسسات القائمة بكونه يؤدي مهمة تأطير جزء من المجتمع يرفض الانخراط في اللعبة السياسية بقواعدها الحالية، وأن انخراطه في المؤسسات القائمة يعاكس توجهه نحو إصلاحها وتغييرها لتصبح مفتوحة في وجه الجماهير(22).
ولا يعتقد النهج الديمقراطي أن إعادة بناء اليسار يمكن أن تحدُث دون بناء جبهة ميدانية نضالية من أجل الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، لذلك رأى في مشروع "فيدرالية اليسار الديمقراطي" انزياحا نحو اليمين سيزيد من ضعف وعزلة اليسار جماهيريا، بل واتهمت قيادات في الحزب في كتاباتها قيادات أحزاب الفيدرالية بالخوف من التغيير الحقيقي والعمل على تكريس شرعية السلطة القائمة والتنفيس عنها. كما أن الحزب يرفض المنطلقات التي تقول بأن ضعف اليسار المغربي يجب أن يدفعه إلى جعل الانصراف لبناء الذات مع الجماهير أولوية الأولويات ويرى أن الاكتفاء ببناء الذات والعمل وسط الجماهير الكادحة بدون انخراط قوي وفاعل في الصراع العام في المجتمع من أجل بناء نظام ديمقراطي يعتبر خطأ إما أن يقوِّي النظام أو أن يجعل قوى الإسلام السياسي تخوض وحدها معركة النضال من أجل التغيير(23).
وشكلت محطة المؤتمر الوطني الثالث للحزب (يوليوز 2012) استمرار تشبت الحزب بهويته الماركسية في أوراقه، واستمرار رهانه على الدور الطليعي الذي يجب أن تلعبه الطبقة العاملة في سبيل الوصول إلى التغيير المنشود، لذلك فقد حملت توصيات المؤتمر دعوة لمناضلي الحزب ومناضلي باقي الأحزاب اليسارية إلى الارتباط العضوي مع العمال فكريا وسياسيا وتنظيميا. كما يشدد على ضرورة عزل "النظام المخزني" كشرط ضروري لإقامة نظام ديمقراطي، كما احتفظ النهج الديمقراطي بمطمح بناء التنظيم السياسي للطبقة العاملة الذي سيتبوأ النضال من أجل الديمقراطية وفي أفق التغيير الاشتراكي(24).
ويمكن القول إن شروط تشكُّل النهج الديمقراطي قد طبعت بطابعها البناء التنظيمي الذي اعتمده، ذلك أن عملية المرور من تنظيم سري يتطلب استمراره مستويا عاليا من الصرامة والانضباط والالتزام والمركزية إلى تنظيم علني على قاعدة انتقاد لهذه المركزية التي بصمت مرحلة السرية، أفرزت تنظيما يتميز بغياب الصرامة وبتحديد فضفاض ل"ماهية العضو"، كما أن التحاق العديد من المناضلين الجماهيريين الذين كانت تربطهم بالحركة الماركسية-اللينينية المغربية علاقة تعاطف فكري وسياسي في غياب علاقة تنظيمية، سيؤدي إلى عدم إعطاء التنظيم الأهمية التي يستحق، بحيث يغدو التنظيم مجرد إطار لتنسيق العمل الجماهيري وليس موجها له. وهذا ما جعل قلة من المنتسبين إلى الحزب هي التي تمارس العمل السياسي بينما الأغلبية الساحقة مستنزفة في العمل الجماهيري(25).
ويعاني حزب النهج الديمقراطي كما هو الحال بالنسبة لعدد من الأحزاب اليسارية عجزا على إنتاج نخب سياسية جديدة بنفس المستوى الفكري للنخب الحالية والمنحدرة من التجربة الماركسية اللينينية، ذلك أن شيوع بعض مظاهر الولاء والإخلاص التام للقيادة داخل التنظيم لا يشجع على ظهور روح الاستقلالية والنزعة النقدية لدى شباب الحزب الذين يعوزهم التكوين السياسي المعمق في مقابل سيادة الارتباط الحماسي والعاطفي والشعاراتي.
حزب المؤتمر الوطني الاتحادي
يمثل حزب المؤتمر الوطني الاتحادي امتدادا للحركة الاتحادية المغربية، واستمرارا لحركة الانشقاقات التي عرفتها. حيث انبثق الحزب عن تفاعلات المؤتمر الوطني السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (مارس 2001) والصراع على المواقع بين مختلف الأجنحة داخل الحزب، إذ قرر الاتحاديون الملتفون حول الجناح النقابي للحزب (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل) الانسحاب احتجاجا على نتائج المؤتمر السادس على المستوى التنظيمي، بعد أن حملت هذه النتائج تحجيما لدور النقابة داخل الحزب وبدا أن التوجه العام يسير نحو فك هذا الارتباط باعتبار أن التوازي الشديد بين التحرك النقابي والدينامية السياسية قد أصبح يشكل عبئا ثقيلا على انتظامية الصراع السياسي وتوافقاته المرحلية والإستراتيجية(26).
وستدفع نتائج المؤتمر الوطني السادس الجناح النقابي للحزب بقيادة نوبير الأموي وعدد من برلمانيي الحزب إلى تشكيل "حركة تصحيحية" تطالب بعقد مؤتمر استثنائي كما تنص على ذلك اللوائح الداخلية للمؤتمر والقانون الداخلي للحزب في حالة وقوع أشياء خطيرة تمس سلامة المؤتمر، وقام المحتجون بتنظيم تظاهرات في مدينة الدار البيضاء وبعث الأموي برسالة إلى عبد الرحمن اليوسفي يطالبه فيه بمؤتمر جديد مبني على الشفافية والنزاهة، معبرا عن استعداد المنسحبين للعودة إلى بيتهم الأم غير أن الرسالة لم تلق تجاوبا من القيادة، فأعلن المنسحبون ولادة حزب جديد في أكتوبر من نفس السنة يضم النقابيين الغاضبين فيما عاد عدد من البرلمانيين الذين كانوا داخل الحركة التصحيحية إلى الحزب الأم، بينما تحفظت "مجموعة الوفاء للديمقراطية" (ستنضم للحزب الاشتراكي الموحد لاحقا) على الانخراط في الحزب الجديد بسبب عدم ضمان حقهم في الانتظام كتيار داخل الحزب.
وحملت الوثيقة السياسية للحزب نقدا للتجديد الفكري الذي جاء به المؤتمر الوطني السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي نقلا عن الأممية الاشتراكية، باعتبار أن الجهاز المفاهيمي للأممية الاشتراكية غير قابل للاستيراد لاختلاف السياقات في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويتبنى الحزب نفس الخط الاشتراكي الوارد في التقرير الإيديولوجي لمؤتمر سنة 1975 لحزب الاتحاد الاشتراكي، ويعتمد إستراتيجية "النضال الديمقراطي" كطريق للوصول إلى هذه الاشتراكية وجاء في الوثيقة ذاتها أن إستراتيجية النضال الديمقراطي تعتبر ملاذ كل الاتحاديين بينما الخلاف مرده هو الانزياح الأدائي الاختزالي في ترجمة هذه الإستراتيجية. وحددت وثيقة مؤتمر التأسيس الطبيعة الاجتماعية للحزب كما يلي: الطبقة العاملة والفلاحون الصغار والمتوسطون والتجار والحرفيون الصغار والمتوسطون والتلاميذ والطلاب والنساء والعاطلون والمتقاعدون وأصحاب المهن الحرة(27).
ويتبنى الحزب كباقي الأحزاب المشكلة لفيدرالية اليسار الديمقراطي مطلب إقامة نظام الملكية البرلمانية في المغرب، إذ ينظر الحزب إلى هذا النظام على أنه أكثر تقدما من النظام الرئاسي الجمهوري، لأنه يسمح بانتقال سلمي بدون عنف، ويعزز الحزب وجهة نظره بكون الانتفاضات والثورات التي شهدتها عدد من بلدان المنطقة خلفت ضحايا كثر وكان ثمنها الاقتصادي باهظا، بدون ضمانة نحو التحول الديمقراطي. ومن شروط هذا التحول الديمقراطي كما يتصوره المؤتمر الوطني الاتحادي: حماية الحقوق الخاصة والعامة، وإجراء انتخابات حرة ومفتوحة، وفتح المجال أمام تنافس سياسي حقيقي(28).
وعبر الحزب في مؤتمره الثامن (دجنبر 2012) بوضوح عن سقفه السياسي وتصوره لشكل النظام الديمقراطي المرجو الوصول إليه، إذ اعتبر الحزب أن المدخل الحقيقي للتغيير الديمقراطي يبدأ بدستور يقر نظاما ديمقراطيا يؤسس لملكية برلمانية يتم فيها الانتقال من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع، يسود فيها الملك ولا يحكم، ويضع حدا لكل أشكال رعاية الفساد ونهب المال العام وخيرات البلاد والريع بشتى أشكاله، كما لم يستبعد الحزب خيار العودة إلى الشارع للدفاع عن حقوق الشعب ومكتسباته والنضال من أجل إقرار دستور ديمقراطي قوامه الملكية البرلمانية يضمن فصلا حقيقيا بين السلطات، ويعطي الشعب الحق في حكم نفسه عبر صناديق الاقتراع في إطار انتخابات شفافة ونزيهة تنبثق عنها حكومة مسؤولة أمام الشعب وتمتلك كافة الصلاحيات في اتخاذ القرارات وتطبيق برنامجها، وتضمن للشعب حقه في محاسبتها(29).
وعلى عكس حليفيه في الفيدرالية، قرر الحزب المشاركة في محطة الانتخابات البرلمانية في 2011، ودعا المواطنين إلى التسجيل المكثف في اللوائح الانتخابية وبرر الحزب خياره الذي كان مفاجئا لحلفائه في ذلك الوقت بضرورة: التعبير العملي عن حاجة المغرب إلى التغيير الديمقراطي الحقيقي، المحاسبة الحقيقية للمسؤولين الذين دبروا الشأن العام وتلاعبوا بمصالح الشعب ودمروا القطاعات الاجتماعية من شغل وتعليم وصحة وكرسوا الفساد والرشوة والفقر، ومواجهة الذين يتاجرون بأصوات المغاربة للحفاظ على مناصبهم المزورة ولحماية مصالحهم وثرواتهم اللامشروعة والمواجهة القوية لكل أشكال إذلال وإهانة المغاربة بشراء الذمم والأصوات ومقاومة اللوبيات السياسية والانتخابية والمالية. واعتبر الحزب المشاركة في الانتخابات واجبا وطنيا لإيقاف كل أنواع التزوير والإفساد الانتخابي وفبركة مؤسسات مغشوشة لا مصداقية لها(30).
غير أن الحزب سرعان ما عاد ليقدم نقدا ذاتيا في مؤتمره الثامن، ويقر بشكل غير مباشر بأن اختياره المشاركة الانتخابية في هذا السياق لم تكن صائبة، ووصف الحزب هذه الانتخابات بأنها فاسدة وموجهة بغاية احتواء اللحظة السياسية المرتبطة بالحراك الاجتماعي والسياسي، وضمان استمرار واقع التحكم والفساد والردة والبؤس الفكريين، والحفاظ على نفس الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي أدخلت المغرب في الأفق المسدود. معتبرا أن الحكومة الحالية حكومة ضعيفة، مرتبكة، تائهة وغير قادرة على الاستجابة لانتظارات المغاربة في محاربة الفساد والاستبداد الذي رفعته كشعار لحملتها الانتخابية.
ويعيش حزب المؤتمر الوطني الاتحادي وضعا خاصا يكاد ينعدم في بقية التنظيمات اليسارية الأخرى، ذلك أن العلاقة بين الحزب والنقابة تصل إلى درجة التماهي المطلق، بل إن النقابة تؤثر في الحزب وتكاد تهيمن عليه. ذلك أن الحزب يراهن في قوته الجماهيرية على الجماهير التابعة لنقابته وتبقى معظم قراراته مرتهنة على خيارات وحسابات المركزية النقابية المرتبطة موضوعيا به، وهو ما شكل محل جدل كبير في القواعد الحزبية لحليفيه في "الفيدرالية" حينما عبرت أصوات عديدة داخل حزبي الطليعة والاشتراكي الموحد عن رفضهما التحالف مع حزب يقع تحت رحمة النقابة وخياراتها المتذبذبة.
حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي
سيتشكل حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي كامتداد للجناح اليساري النقدي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي ظهرت في وسطه التناقضات الداخلية بين تيار راديكالي وآخر يميل إلى نهج مسار سقفه منخفض جدا يتجه يمينا منذ 1979 حينما رفضت قيادة الحزب تطبيق قرار اللجنة المركزية للحزب بالانسحاب من البرلمان والمجالس المحلية، وشهدت الفترة الممتدة بين المؤتمر الوطني الثالث للحزب وماي 1983 اشتداد الصراع بين قيادة الحزب والتيار النقدي، إذ وجه الأخير انتقادات كبيرة للاندماج المتزايد للحزب في جهاز الدولة وممارسات عدد من مسؤوليه الفاسدة فضلا عن الموقف من استفتاء 23 ماي 1980 ( لتحديد سن رشد الملك ب 16 سنة)، إلى أن تم حسم هذا الصراع في ماي 1983 حينما تم الزج بعدد من مناضلي هذا الجناح في السجن، واستمر الجناح النقدي في التواجد خارج الاتحاد الاشتراكي باعتبار نفسه الممثل الحقيقي لفكرة الاتحاد الاشتراكي معتبرا الجناح الآخر انقلابيا وغير شرعي، إلى أن استقل هذا الجناح عنه في الاسم وشكل "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" في 6 أكتوبر 1991. ويعتبر الحزب نفسه امتدادا لتراث الحركة الاتحادية الأصيلة.
وتبنى الحزب شعار "الملكية البرلمانية" خلال مؤتمره الوطني السابع (أبريل 2012) وأكد انخراطه في فيدرالية اليسار ميله نحو هذا الخيار، وترجم المؤتمر الأخير استمرار تردد وجهتي نظر داخل الحزب بين الموالين لخط الاعتماد الصريح لمطلب "الملكية البرلمانية" والمعارضين لتحديد سقف المطالب وترك الأمور عند نقطة: نظام تكون فيه السلطة للشعب. ويطالب الحزب بإقامة نظام ملكية برلمانية شبيهة بما هو متعارف عليه في بريطانيا وإسبانيا يسود فيها الملك ولا يحكم وتضمن فصلا حقيقيا بين السلطات، ويعتبر الحزب أن النظام ينهج اختيارات ليبرالية بينما يطالب الحزب بالتوزيع العادل للثروة. كما قرر الحزب مقاطعة دستور 2011 بعد أن اعتبره غير ديمقراطي من حيث طريقة إعداده بعد أن تم تكليف لجنة عينها الملك بإعدادها، ومن حيث مضمونه إذ رأى الحزب أن هذا الدستور يضع كل السلطات في يد الملك(31).
وظل حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي يرفض المشاركة في العملية الانتخابية إلى حين تغيير موقفه ومشاركته في انتخابات 2007 إلى جانب اليسار الاشتراكي الموحد والمؤتمر الوطني الاتحادي، وبقي الحزب طيلة عقود يرفض الانخراط في أي مسلسل انتخابي ويبرر ذلك بعدم تحقق الشروط السياسية والقانونية لانطلاق ديمقراطية حقيقية بإصلاحات دستورية ديمقراطية وانتخابات حرة(32). غير أنه انتقل الآن من مرحلة "المقاطعة المطلقة" إلى منطق اعتبار الانتخابات وسيلة لتحقيق الديمقراطية، يمكن مقاطعتها أو المشاركة فيها حسب المعطيات.
ويرى الحزب كما خلص البيان الصادر عن مؤتمره السابع غياب الإرادة للإصلاح الشامل لدى الطبقة الحاكمة بتمرير دستور لا يستجيب لتوقعات الشعب المغربي وتطلعاته المشروعة إلى إقامة ديمقراطية حقيقية، وتحويل النظام السياسي من ملكية تنفيذية مخزنية إلى ملكية برلمانية يملك فيها الملك ولا يحكم، وبإجراء انتخابات نيابية متحكم في نتائجها وفاقدة لشروط المصداقية والمشروعية الشعبية نظرا لإقصاء ما لا يقل عن ثلث الهيئة الناخبة من المشاركة فيها.
حزب التقدم والاشتراكية
يعتبر حزب التقدم والاشتراكية وريثا شرعيا للحزب الشيوعي المغربي الذي تأسس في 1943، ولا يمكن الحديث عن مسار تطور الحزب المشارك اليوم في ائتلاف حكومي يقوده الإسلاميون دون العودة إلى جذور ظهور المد الشيوعي في المغرب، حيث ظهرت الأنوية الأولى لخلايا شيوعية في المغرب مع بداية 1935 قبل أن يؤسس الحزب الشيوعي الفرنسي فرعا له في المغرب متكونا في البداية من الفرنسيين المقيمين في المغرب والجزائر ومن عناصر إيطالية وإسبانية. لكن الشيوعيين وجدوا صعوبة كبيرة في إطلاق عملهم بسبب محاربة سلطات الحماية لهم وبسبب الخلافات حول فك الارتباط بالحزب الأم في فرنسا فكانت عملية استقطاب عناصر مغربية محدودة جدا، وفي 1939 تم اعتقال قادة الحزب وحله بناء على قرار فرنسي بحل الحزب الأم في فرنسا، لكن الحزب عاد مجددا إلى الشرعية تحت مسمى "الحزب الشيوعي المغربي" وازدادت عملية استقطاب المغاربة الذين بلغ عددهم في 1945 حوالي 2000 عضو ليتولى علي يعتة قيادة الحزب ابتداء من 1945 لتبدأ عملية مغربة الحزب وتواري العناصر الأوروبية تدريجيا(33).
بعد جلاء قوات الحماية الفرنسية، تم حظر الحزب مجددا في 1959 من طرف حكومة عبد الله إبراهيم رغم دعم الحزب لها وإبدائه نوايا حسنة تجاه النظام وكانت المبررات اتهامات بمعاداة الملكية والدين الإسلامي، وبدأ الحزب في مرحلة الحظر في الستينات يتراجع شيئا فشيئا عن نهجه الشيوعي ويتخلى عن الاستعانة بالماركسية اللينينية واستبدل بها الاشتراكية العلمية، وفي 1966 عقد الحزب الشيوعي المغربي مؤتمره الثالث بشكل سري وقرر تغيير اسمه إلى حزب "التحرر والاشتراكية" وبدأ الحزب الجديد عمله في 1968، وفي 1974 انتقل الحزب إلى مرحلة الشرعية تحت اسم جديد هو "التقدم والاشتراكية" وتبنى الحزب منذ ذلك الوقت إستراتيجية النضال الديمقراطي وسيتبنى بحسب أوراقه مفهوما اشتراكيا قائما على الوفاء والتجديد ويراعي الخصوصية المغربية(34).
وحاول الحزب في صياغة مفهومه الخاص للاشتراكية مقاربة جدلية الربط بين المرجعية الطبقية قصد انعتاق وتحرر الطبقات والفئات المستغلة والمضطهدة، من جهة، والمرجعية الوطنية في أفق تحرر الوطن من القمع الاستعماري ثم بناء الدولة الوطنية الديمقراطية في كنف الوحدة الترابية غير القابلة للتجزئة، كما كان للحزب تصوره الخاص لمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية كمرحلة تاريخية تفتح آفاق الاشتراكية من خلال علاقته بالمؤسسة الملكية والعمل داخل المؤسسات. ويقول الحزب في خطاباته الرسمية إنه لا يزال ثابتا على مرتكزاته الإيديولوجية الاشتراكية والتقدمية وإنه استطاع الصمود في وجه الهزات الملاحقة لانهيار المنظومة الاشتراكية بفضل حسن تحكمه في جدلية الثابت والمتحول(35)، وأكدت الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني التاسع للحزب (ماي 2014) أن الهوية المذهبية غير قابلة لإعادة النظر ولا يزال الحزب يزعم ارتباطه بالطبقات الكادحة والمستضعفة .
ويرفض الحزب تصنيف الحكومة التي يشارك فيها ويقودها إسلاميون بأنها حكومة محافظة يتعين على اليسار محاربتها من منطق إيديولوجي صرف، ويقول الحزب إن هذه الحكومة ليست قائمة على تموقع إيديولوجي يميني وإنما على برنامج إصلاحي اتفقت عليه قوى الأغلبية ويجد حزب التقدم والاشتراكية نفسه فيه داعيا إلى التمييز بين التحالف الإيديولوجي والائتلاف الحكومي، مشيرا إلى أن التحالفات تخضع لتموقعات مبدئية وسياسية تتطلب بطبيعتها نفس القدر من الإرادة السياسية لدى كل فرقاء الصف الديمقراطي والتقدمي على أساس أرضية توافقية متفق عليه، وإلا سيصبح التحالف المنشود مجرد ورقة شكلية لا جدوى منها(36).
غير أن أصواتا كثيرة ارتفعت من داخل الحزب تتهم قيادة الحزب بالانحراف يمينا وانتهت بعدة استقالات لقياديين بارزين مثل يوسف بلال ومحمد سعيد السعدي، وتجلت أبرز هذه الانتقادات في المعارضة القوية التي أبدتها القيادة لحركة 20 فبراير ووصفها لها بالمشبوهة وغير المسؤولة والمتحركة خارج المؤسسات، بالإضافة إلى الموقف المتذبذب للحزب من الملكية البرلمانية والتصفيق للدستور الجديد دون إبراز النواقص التي تعتريه، ثم الدخول في تحالف وصف بالهجين مع كل من "اليمين الديني" و"اليمين التقليدي" ضد مقررات المؤتمر الوطني الثامن الذي حدد بوضوح دائرة التحالفات السياسية للحزب في الكتلة الديموقراطية واليسار والصف الديموقراطي الحداثي. وترى هذه الأصوات المعارضة لتوجهات الحزب أن مواقف واختيارات القيادة الحالية قد أثرت على سمعته داخل الأوساط الشعبية، كما أثرت سلبا على مصداقيته داخل صفوف القوى الديموقراطية والتقدمية والحداثية وكذا لدى المثقفين والنخب(37) فيما رأى آخرون أن الحزب يدافع من داخل الحكومة عن مصالح القصر والاستعمار الجديد واقتصاد الريع(38).
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
يمثل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أهم الأحزاب اليسارية المغربية العتيدة، وتعود جذور الحزب إلى نهاية خمسينيات القرن الماضي حينما انشق التيار اليساري عن حزب الاستقلال ليشكل فيما بعد ما عرف ب"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" بقيادة شخصيات مثل: المهدي بنبركة، عبد الله إبراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، وسيدخل الحزب بعد ذلك في صراع مرير مع القصر خاصة بعد إسقاط الحكومة التي قادها عبد الله إبراهيم، وستطبع تلك الفترة بطابعها حملة من الاعتقالات والمحاكمات لعدد من قادته فضلا عن اغتيال الزعيم اليساري الشهير المهدي بنبركة في فرنسا في ظروف غامضة، حمل فيها الحزب مسؤوليتها للنظام الملكي.
غير أن مسار الحزب سيعرف تغيرا جذريا انطلاقا من 1975، حينما عقد الحزب مؤتمرا استثنائيا قرر خلاله تغيير اسم الحزب إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتبنِّي إستراتيجية "النضال الديمقراطي"، وشكل هذا المؤتمر نقطة تحول حاسمة في تحديد المعالم الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للحزب(39)، واستمر استهداف رموز الحزب رغم ذلك من خلال اغتيال منظر الحزب وراسم خطه الإيديولوجي عمر بنجلون واعتقال عدد من قادته خصوصا بعد انتفاضة 1981، وفي 1983 قبل الحزب المشاركة بوزيرين في حكومة انتقالية قادها محمد كريم العمراني بعد دعوة وجهها الحسن الثاني للحزب للمشاركة لتوحيد الموقف الوطني من قضية الصحراء قبل أن ينسحبوا بعد ذلك(40). واستمر الحزب في ساحات المعارضة وأصبح قوة سياسية فاعلة في المشهد المغربي في 1997، وسيفتح مناخ تحسن العلاقة مع القصر بعد التصويت الإيجابي على دستور 1996 الباب أمام تأسيس ما عرف في المغرب ب"تجربة التناوب التوافقي" في 1998 حينما قاد الكاتب الأول للحزب في تلك الفترة عبد الرحمن اليوسفي حكومة تشكَّلت من أحزاب الكتلة والتجمع الوطني للأحرار والحركة الوطنية الشعبية وجبهة القوى الديمقراطية والحزب الاشتراكي الديمقراطي، واعتبرت هذه الحكومة نتاجا لتوافقٍ بين القصر والمعارضة اليسارية التقليدية. وعاد الحزب ليشارك لاحقا في الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات 2002 رغم الانتقادات الكبيرة التي صاحبت هذه المشاركة من داخل القواعد والمتعاطفين مع تجربة التناوب، والتي اعتبرت تعيين وزير أول غير سياسي انقلابا على المنهجية الديمقراطية كان يستدعي الانسحاب من الحكومة لكن قيادة الحزب قبلت الانخراط في التجربة معللة ذلك بأهمية استكمال الأوراش التي بدأت في الحكومة السابقة، وفي 2007 تقهقر الحزب إلى المرتبة الرابعة في الانتخابات ورضي ببضعة مقاعد في حكومة عباس الفاسي، وهي مرحلة اعتبرها المراقبون والمتعاطفون مع الحزب اليساري بداية النهاية خاصة بعد الفشل في تحقيق الوعود الانتخابية والتأسيس لتجربة الانتقال الديمقراطي(41).
وظل الحزب منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي مشاركا في كل الحكومات، إلى أن جاءت محطة انتخابات 25 نونبر 2011 التي تمخضت عن فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامية، حيث قرر الاتحاد الاشتراكي العودة إلى صفوف المعارضة واعتبر المجلس الوطني للحزب أن الانتخابات التشريعية لـ 25 نونبر 2011، رغم ما شابها من خروقات، حددت بشكل واضح معالم المشهد السياسي والحزبي للمرحلة الراهنة، والموقع الطبيعي لكل مكون من مكوناته. وعليه، وجب احترام إرادة الناخبين والناخبات الذين اختاروا من يرونه معبرًا عنهم من موقع الحكومة، ومن يريدونه مجسدا لتوقعاتهم وتطلعاتهم من موقع المعارضة. كما أعلن المجلس الوطني أن عودة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى المعارضة مصلحة وطنية، وضرورة سياسية لتقدم الديمقراطية المغربية على قاعدة الفرز الواضح للتشكيلات السياسية المتنوعة المرجعيات، وفي اتجاه إرساء تناوب ديمقراطي حقيقي ومكتمل(42).
وقد كرس المؤتمر الوطني التاسع للحزب في دجنبر/ديسمبر 2012 حجم الأزمة الداخلية الخانقة التي يعيشها، بعد أن فجر الصراع مع قيادة الحزب انقساما حادا واتهامات متبادلة بين أنصار الكاتب الأول المنتخب إدريس لشكر وأنصار منافسه أحمد الزايدي، حيث قرر هذا الأخير تأسيس تيار من داخل الحزب حمل اسم "الديمقراطية والانفتاح" غير أن القيادة رفضت السماح بآلية تنظيم التيارات داخل الحزب لتدبير الاختلاف كما هو حاصل في الحزب الاشتراكي الموحد. وتفجرت هذه المحنة بشكل كبير خلال ما عرف إعلاميا بأزمة "الفريق البرلماني الاتحادي" حينما سعت القيادة الجديدة لاعتماد لائحة جديدة للفريق عوض اللائحة السابقة الموالية لتيار "الديمقراطية والانفتاح" وانعكس هذا الصراع سلبا كذلك على المركزية النقابية التابعة للحزب.
ويعتبر هذا التصدع الجديد امتدادا لما شهده الحزب منذ تأسيسه فمعظم المؤتمرات شهدت انشقاقات وانسحابات بدأت بانسحاب مجموعة "عبد الرحمن بنعمرو" و"أحمد بنجلون" التي أسست حزب الطليعة ثم القرارات التي اتخذت في حَق "عبد الرحيم بوعبيد" في المؤتمر الخامس في 1989، والأزمة التنظيمية التي عاشها الحزب خلال المؤتمر السَادس في 2001، والتي أفضت إلى انشقاق المركزية النقابية الكونفدرالية الديمقراطيٌة للشغل، وانسحاب مجموعة الوفاء الديمقراطية بقيادة "محمد الساسي" و"نجيب أقصبي"(43).
وفي 23 من ماي 2013، أعلن الحزب اندماج حزبين يساريين صغيرين انشقَّا عنه سابقا، ويتعلق الأمر بأحزاب: الحزب العمالي، الحزب الاشتراكي، وبرر الحزبان قرارها بوجوب التصدي لسياسات النكوص التي تستهدف تقويض الأمل الديمقراطي الاشتراكي، ولأن بناء مشروع حداثي قادر على مواجهة القوى المحافظة يتطلب تجميع اليسار، إضافة إلى كون وحدة اليسار تعتبر ضرورة تمليها أيضا الحاجة إلى ترشيد المشهد السياسي وعقلنته عبر الخروج به من أوضاع البلقنة إلى أوضاع التقاطبات الكبرى(44).
جبهة القوى الديمقراطية
حزب يتموقع في اليسار، تأسس في 27 من دجنبر 1997، بعد انشقاقه عن حزب التقدم والاشتراكية بقيادة التهامي الخياري بعد صراع محتدم على قيادة الحزب بعد رحيل القائد التاريخي علي يعتة، وشارك الحزب في حكومة التناوب بوزيرين غير أنه أقصي من حكومة إدريس جطو رغم إبدائه الموافقة على المشاركة، لكن الوزن الانتخابي والسياسي للحزب قد تراجع بشكل كبير حيث حصل على مقعد نيابي وحيد خلال الانتخابات الأخيرة، وشهد الحزب بدوره عدة احتجاجات وحركات تصحيحية إلى حين وفاة مؤسسه التهامي الخياري.
حزب اليسار الأخضر
حزب تأسس في 2010 من أعضاء كانوا ينشطون سابقا داخل تيارات سياسية يسارية أخرى وتحديدا داخل اليسار الاشتراكي الموحد، يقدم نفسه على أنه حزب يساري محسوب على اليسار الديمقراطي، ويتبنى الحزب الاشتراكية وينهل من خطاب الدفاع عن البيئة، غير أن هذا الحزب اتخذ موقفا غريبا بدخوله في تحالف يضم خليطا من الأحزاب الإدارية واليمينية عرف ب"جي 8" قبيل انتخابات 2011، وهو ما تسبب في انشقاقات كثيرة داخل الحزب جعلته حزبا مشلولا.

اليسار التقليدي واليسار الجديد .. الالتقاء المستحيل
لا يمكن أن يختلف اثنان، على أن اليسار المغربي اليوم بات أشبه برجل عليل وواهن، تنخره أزمة خانقة تتدحرج بين تشتت مكوناته المحتفظة بخطها اليساري الأصيل، وبين فقدان المصداقية لمكونات أخرى حادت عن الخيارات اليسارية وانخرطت تدريجيا في تبني برامج غريبة عنه. وإذا سلَّمنا بأن تاريخ اليسار المغربي هو تاريخ انشقاقاته فإنه سيكون من الوهم والسذاجة والطوباوية الاعتقاد أن حل هذه الأزمة سيكون هو الوحدة التنظيمية والتجميع العددي لأكبر عدد من مكوناته وهيئاته في كيانات موحدة، ذلك أن أزمة اليسار ليست أزمة تشرذم فحسب بل هي أزمة مركبة لا يمكن حصرها في سبب بعينه وأسبابها تاريخية بالأساس، ويزيد من تعقيدها استحالة التلاقي بين يسار تقليدي استنفدته التجربة الحكومية وفقدت قاعدته الجماهيرية والاجتماعية ثقتها فيه، ويسار غير تقليدي منهمك في النقد وغارق في "الانشغالات النظرية" دون إيجاد أي بديل فعلي يستطيع أن يعيد لليسار مكانته ودون أن يستطيع خلق عمق شعبي.
لقد تضرر اليسار المغربي كثيرا نتيجة الفشل الذي منيت به تجربة "التناوب التوافقي"، وشعرت فئته الناخبة بأنها تعرضت للخذلان بعد أن انخرط في سياسات أبعدته عن جوهر مشروعه وأخلف وعوده وقبِل بأنصاف حلول، منتهجا خيار المشاركة الحكومية من أجل المشاركة وتماهى مع "اليمين" الغريب عن بيئته مستعيرا وسائله. وانعكست هذه التجربة أيضا بالسلب على اليسار الآخر الذي لم يقبل المشاركة ودفع ثمن أخطاء الآخرين، فالجمهور لم يعد يميز بين اليسار وبقية الفاعلين المنتشرين في الحقل السياسي واتضح ذلك بشكل جلي خلال الاستحقاقات الدستورية حينما كان سقف مطالب هذه الأحزاب منخفضا جدا ورفضت المطالبة ب"ملكية برلمانية". وقد كشفت المؤتمرات الأخيرة لحزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية رغم اختلاف موقعي الحزبين في الفترة الراهنة غياب أي نظرة تصحيحية للمسار أو نقدية للتجربة الحكومية ولعدد من الممارسات السابقة، يمكن من خلالها أن نتلمَّس بوادر أمل لإمكانية إعادة بناء اليسار المغربي تقودها جميع المكونات اليسارية.
ونستنتج، مما سلف، أن الخط السياسي المرحلي لأحزاب اليسار التقليدي بعيدة كل البعد عن الآمال المرجوة من يسار يتعين عليه الدفاع عن انتقال ديمقراطي شامل يضمن فصلا واضحا بين السلطات، وليس القبول بلعبة سياسية يؤثثها النظام تقوم على بقاء مركز القرار في يد المؤسسة الملكية، ليبقى "اليسار الجديد" الحامل الوحيد لفكرة التغيير الجذري الحقيقي الذي يقود إلى إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يعيد الاعتبار لدور المؤسسات المنتخبة، لكن هذا اليسار بدوره يواجه مشاكل عديدة رغم احتفاظه برأسماله الرمزي.
التحديات الراهنة التي تواجه اليسار المناضل
أنعش ميلاد فيدرالية اليسار الديمقراطي كشكل تنظيمي متقدم وانتقالي للتحالف بين أحزاب "الاشتراكي الموحد" و "حزب الطليعة" والمؤتمر الوطني الاتحادي "آمالا كبيرا في أوساط العائلة اليسارية بتجاوز جزء من تمظهرات أزمة اليسار الجذري، غير أن هذه الخطوة لم تخلُ من تخوفات من أن تدور في نفس فلك تجارب التجميع السابقة والتي ما زالت ظلالها تخيم على الأوضاع الداخلية لهذه الأحزاب نفسها، فتجارب إعادة تجميع اليسار في المغرب كانت تفرز دائما نتائج ظرفية وانفعالية وكانت تُولي الأهمية القصوى للجانب التنظيمي على حساب أي اعتبارات أخرى ولا تخضع لنقاشات معمقة، وهو ما تكرر خلال التجربة الوليدة التي يخشى أن تعرف ذات مصير تجربتي "تحالف اليسار الديمقراطي" و "تجمع اليسار الديمقراطي".
هل ستكون الفيدرالية محض تنسيق أملته سياقات وظروف الحاجة إلى تحالف واصطفافات واضحة قبيل المحطات الانتخابية القادمة؟ أم أنها مشروع انتقالي سيشكل نواة وحدة مستقبلية؟ ولا شك في أن هذه أسئلة ملحة مطروحة على طاولة النقاش الذي افتقد خلال مراحل تشكل هذا الإطار التنسيقي، خصوصا أن التبريرات التي كانت تقدم عادة لتأجيل النقاش حول أي مشروع جبهوي أو وحدوي لا تزال قائمة إلى الآن.
ويلاحظ أن الورقة السياسية للفيدرالية لا زالت عاجزة على تقديم نقد ذاتي للأحزاب المكونة لها وتستمر في اجترار خطاب يحمِّل المسؤولية كلها لليسار الحكومي الذي أساء لصورة اليسار في المجتمع وللمضايقات التي يتعرض لها من طرف الدولة. ذلك أن هذه الأحزاب لا تزال عاجزة عن تطوير نفسها أو الرفع من مستوى فعاليتها وتبقى ممارستها حتى الآن دون المستوى المطلوب.
ويظهر وكأن أحزاب اليسار الجذري أو المناضل كما يصف نفسه (مكونات الفيدرالية إضافة إلى حزب النهج الديمقراطي) غارقة في نوع من الرتابة الاعتيادية، تسيطر عليها نزعة دوغمائية، وتفتقد إلى عنصر المبادرة جعلت منها أحزابا هامشية على مستوى الحجم والجماهيرية والتأثير على المستوى السياسي وجعلت أحزاب اليمين الإداري والديني أكثر قدرة على الاستقطاب. ويشير الواقع إلى أن وسائل نضال اليسار الجذري لم تتطور قيد أنملة عن الأساليب التقليدية التي أثبت الزمن قصورها ومحدوديتها في تعبئة العمال والفلاحين والمضطهدين.
ويمكن إرجاع عوامل هذا الضعف لدى قوى اليسار المناضل إلى تراجع حاد يكاد يصل إلى شبه انعدام للروح النقدية لأعضائه تجاه أحزابهم، فالصراع مع الدولة والخشية المفرطة من الاختراق جعل أعضاء هذه الأحزاب يتعاملون بنوع من التقديس مع المواقف والقرارات التي تتخذها أحزابهم اعتقادا منهم بأن ذلك قد يزيد من إضعاف أحزابهم، دون إغفال تسرب بعض أوجه التناقض بين الخطاب والممارسة داخل هذه الأحزاب فإذا كان اليسار التقليدي قد وجد في "المعضلة الانتخابية" مبررا لهذا التناقض فإن ضرورة تحصين البيت الداخلي لا يمكن أن تكون مبررا مقنعا لتفسير هذه الحالة. ومن الدلالات السلبية التي يمكن الإشارة إليها كذلك أن المؤتمرات الأخيرة لهذه الأحزاب لم تحمل أي جديد يذكر على المستوى الكيفي، لا على مستوى البرامج ولا على مستوى الإستراتيجيات وحتى على مستوى الأجهزة القيادية التي عرفت استمرارية لحضور نفس القيادات التاريخية القديمة، لترسيخ مناخ الركود والجمود وغياب التجديد على مستوى الأفكار والنخب التي لا يزال السمة البارزة التي تطبع بطابعها هذه الأحزاب.
وفي الختام، يمكن القول إن اليسار المغربي الذي لا يزال يحمل مشروع التغيير السياسي الكامل ولم يتورط في مستنقع القبول بلعبة سياسية لا تضمن شروط انتقال ديمقراطي حقيقي، يحتاج إلى التفاعل السريع مع التطورات العميقة الحاصلة في المجتمع وإبداع أفكار سياسية وأساليب نضالية متجددة كي لا يفوِّت على نفسه فرصة تأطير فئات واسعة من المجتمع بأن يؤسس اليسار لمشروع مجتمعي وسياسي منافس لمشروع الدولة ولمشروع اليمين بكافة أشكاله، فيخلق بالتالي دينامية بديلة تكون بحجم التضحيات التي قدمها اليسار المغربي من أجل الوصول إلى الديمقراطية.
وإذا سلمنا بأن الوحدة ليست شرطا ضروريا للخروج من مأزق اليسار المغربي المناضل، فإن إشاعة مناخ من الثقة وتجاوز الحسابات الضيقة الموروثة من الماضي بين هذه المكونات اليسارية تبدو أمرا ضروريا من أجل استنهاض العمل اليساري وتجاوز حالة الإحباط التي سببها فشل المشروع الإصلاحي من داخل المؤسسات الذي شارك فيه جزء من اليسار، والأمر هنا يسري على من انخرط في مشروع "الفيدرالية" أو من فضل الاستمرار في العمل من خارجه.
إشارات
1- استخدم لفظ "ملك" لأول مرة في 1956 كبديل عن لفظة "السلطان" التي كانت مستخدمة خلال عهد الحماية، كمؤشر على الانتقال إلى تصور حديث للدولة.
2- ذ. امحمد مالكي: "الدستور وتنظيم السلطات"، عن منشورات الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
3- ذ. محمد الساسي أستاذ علوم سياسية وسياسي يساري: مقال "تصفية الحساب" المنشور في يومية المساء بتاريخ 31 غشت/أغسطس 2012.
4- ذ. الحسن عاشي مركز كارنيكي لدراسات الشرق الأوسط: مقال "المغرب: ظروف حرجة وموازنة غير مقنعة" بتاريخ 29 ماي 2012.
5- مداخلة صلاح الدين لمعيزي خلال الجامعة الإفريقية الأولى للشبكة الدولية من أجل إلغاء ديون العالم الثالث التي نظمت بتونس من 21 الى 23 مارس 2014.
6- حوار رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران مع موقع "الحرة" المنشور بتاريخ 8 غشت 2014 .
7- خالد الناصري، "اليسار المغربي: الواقع والآفاق"، مجلة نوافذ العدد 4 سنة 1999 .
8_ خالد الناصري، "اليسار المغربي: الواقع والآفاق"، مجلة نوافذ العدد 4 سنة 1999 .
9- عبد القادر الشاوي، "اليسار في المغرب: تجربة الحلم والغبار"، 1992.
10- ذ. محمد ظريف، "الأحزاب المغربية: من سياق المواجهة إلى سياق التوافق 1934-1999"، المجلة المغربية لعلم الاجتماع، 2001 .
11- أحمد بنجلون، وثيقة من "الاتحاد إلى حزب الطليعة: الاستمرار".
12- يرجى مراجعة الوثيقة المرجعية لحزب "اليسار الاشتراكي الموحد"، 2002 .
13- نص مشروع الميثاق السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، 2005.
14- د. حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية وسياسي يساري، مداخلة في ندوة "اليسار المغربي .. مخاض التغيير" التي نظمتها مجلة الآداب في 2010.
15- تصريح إبراهيم ياسين في أسبوعية "لوجورنال" الناطقة بالفرنسية العدد 109 سنة 2003.
16- تصريح محمد بولعيش في جريدة المستقل، عدد مارس 2001 .
17- أرضية "الديمقراطية هنا والآن" التي تبناها الحزب الاشتراكي الموحد في مؤتمره الثالث، دجنبر 2011.
18- بيان لجنة التنسيق الوطني لتيار "اليسار المواطن" بتاريخ 21-9-2013 .
19- النقاط البرنامجية للحزب المضمنة في الوثيقة السياسية التي تبناها مؤتمره الثالث، دجنبر 2011.
20- حسن الصعيب، "مميزات الوضع السياسي"، جريدة النهج الديمقراطي عدد 71-72 سبتمبر 2002.
21- وثائق المؤتمر الأول للحزب، القسم الخاص بالانتخابات.
22- حوار مصطفى البراهمة الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي مع يومية المساء بتاريخ 19-10-2012 .
23- مقال القيادي في الحزب عبد الله الحريف "في نقد بعض الأفكار الخاطئة" المنشور في جريدة النهج الديمقراطي عدد يوليوز 2014 .
24- مقررات ووثائق المؤتمر الوطني الثالث لحزب النهج الديمقراطي ( يوليوز 2012).
25- "الوضع السياسي الراهن" من وثائق حزب النهج الديمقراطي، في 2007.
26- الوثيقة السياسية للمؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مارس 2001.
27- الوثيقة السياسية للمؤتمر التأسيسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، أكتوبر 2001 .
28- مداخلة الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي عبد السلام العزيز خلال ندوة "أزمة الانتقال الديمقراطي ووحدة اليسار المغربي" في بنجرير، فبراير 2013.
29- البيان الختامي للمؤتمر الثامن لحزب "المؤتمر الوطني الاتحادي"، دجنبر 2012.
30- بيان المكتب السياسي للحزب للدعوة للمشاركة في الانتخابات، 5 أكتوبر 2011.
31- حوار مع عبد الرحمن بنعمرو الكاتب الوطني لحزب الطليعة في أسبوعية "الأسبوع"، مارس 2014.
32- مواقف الحزب المنشورة في جريدة "الطريق"، 20 أبريل 2002.
33- ذ. جامع بيضا، "الشيوعية في المغرب خلال الفترة الكولونيالية"، أكتوبر 2010.
34- عبد السلام بورقية وآخرون: "لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي المغربي".
35- نص كلمة الأمين العام للحزب نبيل بنعبد الله خلال الذكرى 70 لتأسيس الحزب.
36- الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني التاسع للحزب، ماي 2014.
37- ذ. محمد سعيد السعدي، مقال "حزب التقدم والاشتراكية الذي نريد"، مارس 2014.
38- نص استقالة يوسف بلال من عضوية الديوان السياسي للحزب (أبريل 2012).
39- ذ. محمد ظريف، "الأحزاب السياسية المغربية".
40- فايز سارة، "الأحزاب والقوى السياسية في المغرب".
41- محمد الطائع، "عبد الرحمن اليوسفي والتناوب الديمقراطي المجهض"، 2014 .
42- من تاريخ الحزب المنشور على موقعه الرسمي.
43- ذ. محمد ظريف: الاتحاد الاشتراكي في أزمة، فبراير 2013.
44- مداخلتا عبد الكريم بنعتيق وعبد المجيد بوزوبع قائدي الحزبين المندمجين في الاتحاد الاشتراكي في ندوة الاندماج، 23 ماي 2013.



#مؤسسة_روزا_لكسمبورج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار المغربي ... واقع الأزمة ومخاض التغيير بقلم: عماد استي ...


المزيد.....




- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- «المحكمة العسكرية» تحبس 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«حق ال ...
- منظمات دولية تدعو السلطات المصرية للإفراج عن أشرف عمر
- متضامنون مع الصيادين في «البرلس» و«عزبة البرج» الممنوعون من ...
- تأييد حكم حبس الطنطاوي وأبو الديار عقابًا على منافسة السيسي ...
- متضامنون مع “رشا عزب”.. لا للتهديدات الأمنية.. لا لترهيب الص ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مؤسسة روزا لكسمبورج - اليسار المغربي ... واقع الأزمة ومخاض التغيير بقلم: عماد استيتو