|
إنتفاضة تونس و النموذج الروماني إيون إليسكو يطل من وراء هضبة قرطاج
محمد ذويب
الحوار المتمدن-العدد: 4624 - 2014 / 11 / 4 - 12:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنتفاضة تونس و النموذج الروماني إيون إليسكو يطل من وراء هضبة قرطاج
فى السادس عشر من شهر ديسمبر 1989 بدأت سلسة من التظاهرات شديدة الوطئة على النظام الديكتاتوري في رومانيا وعلى رأسه نيكولا شاوشيسكو وزوجته إيلينا، إستمرت التظاهرات حتى يوم 22 ديسمبر حينما حاول شاوشيسكو الهروب من القصر الرئاسي وتم القبض عليه تمهيدا لمحاكمته يوم 25 ديسمبر، حيث حكم عليه وعلى زوجته بالاعدام رميا بالرصاص وتم تنفيذ الحكم فورا و في الساحات العامة و أمام الجماهير الثائرة . أسباب الثورة على الديكتاتور لا تحتاج إلى تفسير كبير ، فهي تتلخص فهي أوضاع اقتصاديه و إجتماعية سيئة وإدارة غبية لموارد البلاد و فى مشاريع فاشلة أو غير ذات جدوى تعود على الشعب بالخير والأهم من ذلك جيش من القوات الأمنيه تقبض على مقدرات الأمور فى البلاد وإتهامات الخيانة والعمالة تطال كل من لا يتعاون معها فى ظل حكم شمولي لحزب أوحد هو الحزب الإشتراكي الروماني. كل هذا جيد ويبشر بالخير بخصوص المسار الثوري في البلاد ولكن تعالوا لنعرف بقية الأحداث وتبعاتها، أمسكت بالحكم بعد شاوشيسكو و حكومته جهة سياسية جديده إسمها "جبهة الخلاص الوطني" ، هذه الجبهة تكونت أو بمعنى أصح " إنبثقت " من قيادات الصف الثاني في الحزب الروماني الحاكم بمساعدة من جنرالات الجيش، قائد تلك الجبهة هو إيون إيليسكو، العضو السابق بحزب شاوسيسكو و أحد حلفاء الديكتاتور المعدوم، بدأت سلسة من الاحداث التى وصفت بالإرهابية و إتهمت فيها القوات الموالية لإلسكو التي ترفض الإعتراف بالوضع الجديد للبلاد، وتم إجهاض معظم تلك الهجمات، قام إيون وجبهته بالسيطرة على التليفزيون والراديو وباقي وسائل الإعلام في الدولة، و إستخدمها في الدعاية المضادة وتشويه صورة المعارضة الديمقراطية التي خرجت أخيرا للعلن بعد أكثر من 50 عاما من العمل السري خوفا من النظام حديدي القبضة.
في أفريل 1990 قام عمال المناجم بمساعدة رجال الشرطة بالهجوم على الطلبة والمثقفين أثناء تظاهرهم إحتجاجا على ما وصفوه بإختطاف الثورة الرومانية على يد أعضاء الحزب المنحل تحت اسم جديد " جبهة الخلاص الوطني " في محاولة لقمع أي معارضة سياسية حقيقية في البلاد، جدير بالذكر أن إيليسكو هو من حرض العمال ورجال الشرطة على هذا الهجوم. في ماي من نفس العام نجحت جبهة الخلاص بالفعل في إسكات المعارضة الديمقراطية و ذلك بإستخدام الإعلام الموجه وتم إنتخاب إيون إيليسكو رئيسا للبلاد بنسبة 85% من الأصوات، وهي الإنتخابات التي وصمت بعدم النزاهة من قبل الأحزاب الديموقراطية والإعلام الغربي، أعيد إنتخاب نفس الرجل ثلاث مرات حتى العام 2000 . الجدير بالذكر حينما نتحدث عن ثمن تلك الثورة المجهضة هو عدد الضحايا : العدد الكلى لمن ماتوا كان 1,104 رومانيا منهم 162 فقط قبل تنحية شاشيسكو والباقون فى فترة الإنفلات الأمني المدبرة على يد جبهة الخلاص الوطني أصيب 3,352 رومانيا منهم 1,107 قبل القبض على الديكتاتور، إذن نحن نتكلم عن حرية مجهضة دفع ثمنها عدد كبير من الثوار لمن إدعوا أنهم حماتها وأنهم سوف يحمون الثورة وأبنائها، نتكلم عن 942 قتيل و 2,245 جريح بعد أن أمسكت جبهة الخلاص الوطني بزمام الأمور.
الآن يضرب المثل بالثورة الرومانية في أنها أضحكت العالم على شعب هذا البلد، بل و بإعتراف أهلها أنفسهم لأن ما دفعوه من ثمن مبالغ فيه مقابل ما أخذوه حتى اليوم و لن يأخذوه أبدا، ففي مقابلة مع رويترز عام 2009 حكى أحد من شهدوا هذه الثورة عن إنطباعه عنها في ذكرى إشتعالها، يقول كورنيا : " خيبة الأمل هذه هي الكلمة التي يمكن أن تشرح بعد عشرين عاما ما حدث. أناس ماتوا وضحوا بحياتهم من أجل الحرية ومن أجل رفاهية آخرين إستمروا في العيش برومانيا وهناك أقوال يرددها عدد كبير من الناس بأن الثمن الذي دفع كان باهظا للغاية." ما دفعني لإستحضار النموذج الروماني و الإسهاب في التذكير بأحداثه هو المنعطف الخطير الذي شهدته إنتفاضة تونس بعد فوز حزب نداء تونس المنبثق عن حزب التجمع المنحل بغالبية الأصوات بعد إنتخابات 26 أكتوبر الفارط و هو مسار خطير تتحمل مسؤوليته الكاملة حكومة الترويكا السابقة و رأس حربتها حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي التي تنكرت لمسار 17 ديسمبر 14 جانفي و توخت سياسة عقيمة لم تستطيع إختراق الدولة العميقة فإستعانت بالحرب البنعليني القديم في إدارة دواليب البلاد و رفضت محاسبة من أجرم في حق الشعب لعقود من الزمن بل و رفضت أيضا و هي ذات الأغلبية النيابية مع حليفيها المؤتمر من أجل الجمهورية و التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات تمرير قانون تحصين الثورة والعزل السياسي . كما أنها فشلت حتى في بلورة الأدنى الثوري الذي طالب به الشعب التونسي فلم تحقق الأمن في البلاد بل ساهمت بسبب المواقف المرتبكة لوزرائها الذين وزعت عليهم المناصب وفق منطق المكافئات لا الكفاءات في إنتشار الإرهاب بكثافة بسبب تسامحهم مع التيارات الدينية المتشددة التي غضت الطرف عنهما في عديد المرات رغم التحذيرات المتكررة من تنامي خطرهم و تهديدهم للأمن العام . من الناحية الإقتصادية شهدت الأسعار خلال فترة حكم الترويكا إرتفاعا غير مسبوق بسبب تفشي التهريب و المضاربة و الإحتكار كل هذا إنعكس على الأوضاع الإجتماعية التي إزدادت سوءا مقارنة بنظام بن علي الرئيس الفار إضافة إلى إرتفاع أعداد العاطلين عن العمل خاصة في صفوف أصحاب الشهادات العليا نظرا لخضوع التشغيل طوال حكم الترويكا لمنطق المحاباة و الفرز السياسي و المحاصصة الحزبية كل هذا إضافة لدستور رديء و على مقاس رجال الأعمال و المتنفذين لا يفرض الضريبة التصاعدية على الملكيات الكبرى و لا ينص على حق الشغل و لا يعيد جدولة عقود الشركات المحتكرة و الناهبة لثروات و مقدرات أبناء القطر و لا يحاسب من أجرم في حق الوطن و المواطن لعقود من الزمن و لا يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني , كل هذا أصاب المواطن التونسي بخيبة أمل كبيرة جعلت الشعب التونسي يعاقب حركة النهضة بالصندوق في إنتخابات 26 أكتوبر الفارط بل و يقوم بتفسيخ حليفيها المؤتمر و التكتل نهائيا من الساحة السياسية و بذلك ساهم في عزلها في مستوى أي تحالف مزمع القيام به في البرلمان القادم و زاد الطين بلة على عزلتها الدولية و الأزمة الشاملة التي يتمتع بها تيار الأخوان المسلمين في العالم بعد إفتكاك الجيش للسلطة في مصر و الأزمة التي فرضها الأكراد على أردوغان في تركيا و أحداث كوباني و عين العرب مما جعل حركة النهضة في حالة لا تحسد عليها و هي على مشارف إستحقاق إنتخابي رئاسي بلا مرشح حتى حليفها الرئيس السابق منصف المرزوقي تآكلت سمعته بسبب أخطائه الفادحة خاصة في علاقة بالعلاقات الخارجية للقطر . فالحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع اليوم هي أن النظام القديم قد إستعاد عافيته بعد الإرتباك الذي أصابه خاصة في أواخر 2010 و بداية 2011 فالنظام إرتج و لم يسقط فضحى فقط بواجهته السياسية فإستبدل التجمع بترويكا بنفس الخيارات و البرامج و أبقى على بقية الأسس الأخرى ثم تخلص نهائيا من ترويكا أحرجته بسبب قلة كفاءاتها و فشلها و إستعاد ما تخلى عنه منذ ثلاث سنوات فالباجي قايد السبسي ماهو إلا حصان طروادة لإعادة التجمعيين إلى سدة الحكم مستفيدا من ممارسات ترويكا فاشلة . فهل نرى نموذجا رومانيا في تونس و نرى باجي قايد السبسي أو مرجان في شكل إيون إليسكو جديد خاصة و أن نقاط التشابه بين المسارين تبدو كبيرة ؟ أم أن الشعب سوف يصحح مساره و يستعيد زمام ثورته من التجمع و الأخوان الذين كانوا أحصنة تجمعهم بسابقيهم نفس الخيارات و سوف يذكر التاريخ غدا أن التجمع قد عاد على أحصنة أخوانية مرتبكة و عقيمة لم يكن لها حتى شرف محاولة تفكيك المنظومة القديمة و إختراق الدولة العميقة ؟
#محمد_ذويب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس في إماطة اللثام عن عودة الأزلام
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|