|
رأي في أضحية العيد
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 13:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(رأى النبي إبراهيم في المنام - ومرة واحدة - انه يذبح ابنه..وعندما هم بذبح ابنه فعلا حين سطعت شمس النهار افتدى الله الإبن بذبح عظيم ، كان حسب الشائع كبشا.. ماذا لو أن فقهاءنا كانوا أكثر رحمة بالمسلمين، والفقراء منهم خاصة، واقتدوا بما حدث لإبراهيم فجعلوا أضحية المسلم مرة واحدة في كل عمره؟.. . ماذا لو جعلوا لكل واحد وواحدة من أبناء الرجل أضحية واحدة، حيث يضحي من له اثنان من الأبناء مرتين في حياته، ومن له ثلاثة يضحي ثلاث مرات ..وهكذا..تماما كما حدث مع ابن إبراهيم حيث افتداه الله مرة واحدة..؟ أكيد أن ذلك سيخفف الكثير من العناء عن معظم المسلمين الذين يجدون انفسهم في واقع اليوم، ولأسباب كثيرة، مضطرين إلى شراء أضحية العيد متألمين ، وعلى حساب حاجات أخرى ضرورية.. ألا تقول القاعدة الفقهية: حيث تكون المصلحة فثم شرع الله؟.. أليست مصلحة المسلمين في حاضرهم اكثر بروزا في ما اقترحته من هذه الطريقة التي تعودوا عليها ، والتي تلزم كل متزوج بان يقتني أضحية العيد، حتى ولو كان يقيم مع أبيه في نفس المسكن؟.. هل نجد فقهاء متنورين يتبنون ما اقترحته؟.. مؤكد اننا لن نجد..سيقول الجميع: هذا ما وجدنا عليه آباءنا..).. حين نشرت هذا الرأي على صفحتي في الفايسبوك ، تلقيت مجموعة من الردود الرافضة في أغلبها.. قال البعض: الأضحية فرح في الأساس..فلماذا نحرم الناس من فرحهم؟..دعهم يضحون ويفرحون ويفرح صغارهم.. وكان ردي: لا اتصور انني اقف ضد الفرح، خاصة في عالمنا العربي الإسلامي الذي يعمه اليأس بشكل كبير..لست ضد الفرح ،بالتأكيد أقول ذلك..لكن حالة الأضحية في بلادنا لم تعد فرحا حقيقيا..لقد صارت فرحا مرتبطا بالكثير من الألم الناتج عن تحويل أضحية العيد إلى عادة ترتبط بالكثير من التكلف والمعاندة والتظاهر ..لقد صار الكل مضطرا بحكم ذلك إلى شراء الأضحية، الأمر الذي جعل أسعارها ترتفع بشكل جنوني، وجعل ما يرتبط بها من خضر وفواكه ترتفع اسعاره بشكل جنوني ايضا..لقد تحولت إلى ظاهرة استغلال بشعة يمارسها تجار المواشي الذين يكثرون في هذه المناسبة على عموم الناس..والمتضررون اكثر هم الموظفون البسطاء والفقراء عموما ، والذين يجدون انفسهم نتيجة الضغط الاجتماعي والنفسي المباشرين وغير المباشرين ، وما يتولد لديهم من تأنيب ضمير وخجل إن هم لم يضحوا ،مضطرين إلى شراء تلك الأضحية.. آخرون قالوا :إن كثرة الذبح تحرك سوق بيع وشراء الماشية، وهو ما يعني تنافس الفلاحين على تربية الحيوانات والاستثمار فيها، ومن ثمة المساهمة في خدمة الاقتصاد الوطني بشكل او بآخر .. وأجبت: إن ما يعتبره البعض استثمارا هو في واقع الأمر استغلال بشع ، ذلك ان الكثير من الذين لا علاقة لهم بتربية الماشية وتجارتها طوال العام يلجأون بمناسبة العيد إلى التجارة بها..إنهم سماسرة يستغلون الفرصة لرفع الأسعار والاغتناء على حساب بسطاء الناس..لقد صارت العملية احتيالا وغشا ايضا..عملية التسمين المفبركة ظاهرة تنتشر بشكل كبير بمناسبة عيد الأضحى ، وهو ما يتسبب في ظهور بعض الأمراض التي ترتبط بذلك التسمين غير الطبيعي..ثم، هل يدفع هؤلاء السماسرة شيئا للخزينة العمومية كضرائب على ما يبيعونه مثلا؟..واقع الحال يقول: لا.. ألا يلاحظ أيضا توقف البيع والذبح بعد ذلك ولا عودة سوقهما إلى طبيعتها المعتادة إلا بعد أيام طويلة؟ ..ألا نرى معظم الناس يمتنعون عن شراء اللحم لمدد طويلة، محاولين تعويض ما أنفقوه من مال على الأضحية ؟.. قال آخرون: دعواالفقير يتذوق اللحم ولو مرة في العام.. فقلت: حبذا لو أن الفقير يتذوق اللحم كأخيه الغني طوال العام بدل المرة الواحدة في العام كما قلتم.. أضفت: المشكلة أن تذوق هذا الفقير للحم يكون بثمن باهظ..أسعار الأضاحي كما ترون معي ترتفع بشكل جنوني..والأضحية تؤكل في بضعة أيام وبشكل مفرط لدى اغلب الناس عندنا..وبعدها يحرم هذا الفقير من اللحم طوال ايام العام الأخرى..هل تعتبرون ذلك امرا طبيعيا؟..بالنسبة لي الأمر ليس طبيعيا بالمرة..علينا ان نحارب استغلال مناسبة العيد من قبل السماسرة الاستغلاليين..علينا ان ننمي ثروتنا الحيوانية أكثر لتصير اسعار اللحوم في متناول الجميع..علينا ان نكون عقلانيين في استهلاك اللحوم..علينا..وعلينا... البعض اعترض على فكرتي بإحالتي إلى الواقع ، إلى التبذير الذي يلاحظ في الكثير من المناسبات ،وحتى في استهلاك الكثير من الأسر في يومياتهم العادية ، ورأى من ثمة أن المشكل يعود أساسا إلى هذا المجتمع المنهك، الضائع ، الذي لا وعي له، ولا يعرف أفراده كيف يتصرفون، وان هذا الوضع السيء سيزول حتما عندما يتملك الناس وعيهم ويصيرون يتعاملون مع مختلف سلوكاتهم ، وحتى ممارساتهم الدينية ببصيرة تضع في الاعتبار دائما مصلحة الجميع المشتركة في الحاضر والمستقبل ...إلخ.. وعلقت:أتفق معكم وبشدة في رأيكم هذا،وأنتقد بشكل صارم كل تبذير مهما كان نوعه، وكل استغلال من أي طرف كان..وإذا كنت قد تحدثت هنا عن أضحية العيد،وما يصاحبها من تبذير واستغلال، فلأن المناسبة مناسبة عيد ليس إلا.. أضفت:يبين الواقع أن هذا الوضع المؤلم طال أمده، ولا يبدو في الأفق انه سيزول..لقد صرنا مجتمعا اكثر تدينا..أفرطنا في تديننا..جعلناه تعويضا لنا عما كان يجب ان نقوم به من عمل لتطوير مجتمعنا وبناء مستقبله..وأضحية العيد تندرج ضمن ذلك الإفراط التديني.. لهذا علينا حمل معول النقد الصارم لهذا السلوك وما شابهه من سلوكات مضرة بمجتمعنا، بدل البقاء لا مبالين، منتظرين زواله هكذا وحده.. رد آخرون على تعليقي فقالوا: ألا ترى المجتمعات الغربية ، وما ينفقه الناس هناك في احتفالاتهم، مما يتجاوز ربما ما ننفقه نحن في عيد أضحانا، ونخص هنا أعياد الميلاد أساسا كمثال بارز للعيان على ذلك؟.. فكان قولي: إن الأسعار في العالم الآخر تنخفض بشكل محسوس ومدروس فيشتري الجميع ويفرح الكل..أما عندنا فترتفع اكثر أكثر..هذا جانب..الجانب الثاني أن التجار هناك معتمدون فعلا ، ويدفعون الضرائب على ما يبيعون..أما عندنا فإن معظم تجار الأضحية سماسرة يبيعون وهم غير معتمدين كتجار، ومن ثمة لا يدفعون الضرائب على ما يبيعون..إنها تجارة احتيالية في الأساس، لا شرعية لها.. علق أخيرا أحدهم فقال: هل أنت في عقلك؟..كيف تنتقد أضحية العيد وهي سنة مؤكدة؟..إذا كان مسلمو اليوم يمارسونها بالشكل الذي تنتقده ، فإن ذللك يعود إلى سوء فهمهم للأسلام، لا إلى الإسلام ذاته.. وكانت إجابتي على تعليقه المتشنج هكذا: عجيب امرك يا صديقي..هل من ينتقد ظاهرة ما في مجتمعه لا عقل له؟..هل من يقدم اقتراحا ما كاجتهاد شخصي او رأي لا عقل له؟.. أضفت: يكفيني من كلامك انك تنتقد ممارسات المسلمين..فهل تراني أنتقد غير ذلك؟.. ثم..ألا ترى معي بأن كل دين في الواقع العملي هو ممارسات أتباعه؟..هل يطبق الدين الملائكة ام يطبقه الله ، أم يطبقه المؤمنون به؟..واقع الحال يقول إن من يطبق الدين هم الناس الذين يؤمنون به ..وهم يطبقونه وفق فهمهم له..وفهوم المسلمين للإسلام بالتأكيد تتعدد..وكل صاحب فهم يرى ان فهمه هو الصحيح..والقضية تعود اولا وأخيرا إلى وعي المسلمين ومستواهم المعرفي..إلخ.. أكملت:أعتقد اننا في حاجة ماسة إلى النقد ، تماما كما نحن ايضا في حاجة ماسة إلى إبداء الرأي في مختلف ممارساتنا، بدل وضع رؤوسنا في الرمال ومسايرة السائد القطيعي ( من القطيع).. والقاعدة الفقهية تقول: حيث تكون المصلحة فثم شرع الله.
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلج الحياة..نار الحب
-
واقعنا العربي الإسلامي والداعشية
-
كيف يكون الدين في الواقع ؟
-
عن الثقافي السائد..عن الثقافي البديل ..
-
رغم المتاهة..هناك أمل في الحياة
-
عميقا في البئر يغوص الحلاج
-
يرمى النار على جثته
-
في المهب هنا صخرة للصدى
-
نار فينيقية
-
من المسؤول عما حدث ويحدث في غزة؟
-
ما فعلته الغريزة الجنسية وحوريات الجنة في قطعان الذكور العرب
...
-
قصائد عربية
-
ما وقع لي في مطعم العصر
-
أعانق نارالسؤال ..أخيط المدى
-
لعمي موسى ..لكرَمه
-
هكذا حكم الجن اليهود البلاد
-
لماذا يصر العرب على البقاء في الماضي؟.. لماذا يلازمون باب ال
...
-
هكذا نحن..هكذا هم
-
انتخابات 17 أفريل الرئاسية في الجزائر
-
العرب بين رمل العقول ولفح السماء قراء
...
المزيد.....
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|