|
وعد بلفور : قراءة مغايرة
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 03:01
المحور:
القضية الفلسطينية
من المفيد استحضار المناسبات والأحداث التاريخية ذات الصلة بقضيتنا الوطنية وخصوصا التي مثلت محطات او منعطفات أثّرت على مسار القضية ، ومن المعروف أن من لم يدرس أو يقرأ التاريخ لا يستطيع فهم الحاضر ولا استشراف المستقبل لأن الحاضر هو مستقبل الماضي كما انه ماضي المستقبل ، ولا توجد ظاهرة او مؤسسة اجتماعية او سياسية بنت ساعتها بل كل ما يوجد في الحاضر من دول ومؤسسات وظواهر اجتماعية هي صورة منقحة عن حالة ماضوية . ولكن التاريخ الذي نعنيه ليس كل ما كتبه ورواه المؤرخون أو تناقله الرواة ، فكثير مما يندرج تحت عنوان التاريخ إما أنه ليس من التاريخ بشيء ، أو كان وقائع تاريخية ولكن ما وصل لنا عنها تم تزيده وتضخيمه وتأويله بحيث افترقت الرواية عن الواقعة الحقيقية ، مما يستدعي أن نُخضع الروايات التاريخية للنقد أو التجريح كما قال العلامة أبن خلدون منذ القرن الثالث عشر ميلادي . وربما نحن كعرب ومسلمين من أكثر الشعوب احتفالية بتاريخنا العربي الإسلامي والذي الجزء الاكبر منه مفارِق للحقائق التاريخية . الثقافة والأيديولوجيا والسياسة عناصر ضاغطة ومؤثرة في كَتبَة وكتابة التاريخ ، كما ان العقل العربي يستريح للروايات التاريخية التي تضفي البطولة على الشخصية العربية الإسلامية ، أو التي تُحَمِل مسؤولية نكساتنا وهزائمنا إلى التآمر الخارجي أو إلى القدر . فتاريخنا كما حاضرنا كله (انتصارات) ، أما الهزائم ، في حالة الاعتراف بها ، فنحن غير مسئولين عنها ، فهي تعود للمؤامرات الخارجية أو إنها قدر وامتحان من الرب لنا . مناسبة هذه الإحالة للتاريخ هو مرور 79 سنة على ذكرى وعد بلفور وكيف فَهِم وفسر وأول العقل العربي والفلسطيني هذا الوعد البريطاني . فقد تعودنا في كل ذكرى لهذا الوعد أن نصب جام غضبنا على اللورد بلفور الذي وعد اليهود يوم الثاني من نوفمبر 1917 بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، واعتبرنا واسترحنا إلى أن دولة إسرائيل قامت بسبب هذا الوعد ، متجاهلين اسباب الوعد ، والظروف والملابسات التاريخية في النصف الاول من القرن العشرين ، والأهم من ذلك دور العامل أو الشرط اليهودي الذاتي في قيام دولة إسرائيل . لا يمكن أن نفصل وعد بلفور عام 1917 عن اتفاقية سايكس - بيكو 1916 ، ولا عن محادثات أو تفاهمات حسين – مكماهون في نفس العام ، ولا عن تفاهمات فيصل – وايزمان 1919 ، والاهم من ذلك ما كان وعد بلفور أن يكون وما كان لإسرائيل أن تقوم لولا وجود الحركة الصهيونية التي أعلنت منذ مؤتمرها الاول في بازل في سويسرا عام 1897 أن هدفها قيام دولة لليهود في فلسطين . صحيح أن وعد بلفور شجع اليهود على الهجرة إلى فلسطين وخصوصا أن بريطانيا التي وعدت اليهود احتلت فلسطين ، وكلفت عصبة الأمم المتحدة بريطانيا بالانتداب على فلسطين ، وصحيح أن وضع العرب خلال الربع الاول من القرن العشرين لم يكن من القوة بحيث يقف في وجه الهجرة اليهودية والمخططات الاستعمارية بل كان متواطئا أحيانا ، ولكن صحيح ايضا أن اليهود لم يركنوا فقط إلى وعد بلفور بل بذلوا جهودا ذاتية كبيرة ليحققوا حلمهم بقيام دولة إسرائيل ، فالاستيطان بدأ في فلسطين قبل وعد بلفور ، ومنذ العشرينيات نظم اليهود انفسهم وأقاموا مؤسسات مثل المنظمة العمالية اليهودية ( الهستدروت) واقاموا جامعة خاصة بهم عام 1925 ، ونظموا انفسهم في حركات سياسية مقاتلة نسميها نحن بالعصابات الصهيونية كمنظمة (شتيرن) و(الهاجاناة) و (الملباخ) ، وقاموا بعمليات عسكرية ضد العرب وحتى ضد الجيش البريطاني ، وبعض قادتهم صدر بحقهم احكام بالإعدام ، وخلال حرب 1948 دفع اليهود للحرب عددا من المقاتلين أكثر من مجموع السبع جيوش العربية التي ذهبت للقتال في فلسطين ، وبعد الحرب وقيام دولة إسرائيل لم يُرهن الإسرائيليون أنفسهم بدولة أجنبية بعينها بل أسسوا جيشا قويا وامتلكوا السلاح النووي الخ . نقول ذلك لنبدد المغالطة عند البعض بأن دولة إسرائيل قامت نتيجة وعد بلفور وتوازنات وقرارات دولية – قرار التقسيم - ، وبالتالي فإن دولة فلسطين ستقوم فقط من خلال العمل الدبلوماسي ووعود و قرارات دولية ، مع إسقاط أو تجاهل الدور أو الشرط الذاتي في قيام الدولة . بل وصل التفكير السياسي عند البعض في النخبة السياسية في السلطة ومنظمة التحرير لتهميش وإلغاء دور الجماهير ، سواء من خلال المقاومة المسلحة أو الشعبية السلمية ، بل نجد في النخبة السياسية مَن يحتقر الثقافة والهوية الوطنية . هؤلاء يراهنوا فقط على العامل الخارجي للوصول إلى الدولة المنشودة . إذن القراءة المغلوطة للتاريخ ، ووعد بلفور نموذجا - والغلط هنا ليس بالضرورة نتيجة جهل بل قد يكون تغليطا وتفسيرا موجها لخدمة سياسة ما - يؤدي لنهج سياسي خطير . ودعونا نتساءل : ماذا لو اعترفت عشرات الدول بدولة فلسطينية وصدرت عشرات القرارات تدعوا لقيام دولة للفلسطينيين ؟ فهل ستنسحب إسرائيل وتُقام الدولة الفلسطينية تلقائيا ؟ أم سيحتاج الامر للفعل الذاتي للشعب الفلسطيني متجسدا بكل اشكال مقاومة ؟ . والخلاصة ، لا نقلل من قيمة التحرك السياسي على المستوى الدولي ، ولكن هذا التحرك وما ينتج عنه من اعترافات دول وقرارات دولية بدولة فلسطينية لن يؤدي لوحده لقيام دولتنا المنشودة . لم تقم إسرائيل بوعد بلفور فقط ، ولن تقوم دولة فلسطين بوعود وقرارات دولية فقط ، وللحديث بقية .
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل تريد فرض معادلة : إما غزة أو القدس
-
العلاقة الجدلية بين المشروع الوطني الفلسطيني والبعدين العربي
...
-
الانقسام الفلسطيني وصناعة دولة غزة
-
سر صمود ومقاومة غزة
-
الأبعاد الهوياتية القاتلة للقضية الفلسطينية
-
وقف إطلاق نار دون هدنة قد يكون أسوء من الهدنة
-
أحذروا مؤتمر باريس المشئوم
-
حرب غزة الكاشفة
-
شكرا للمملكة المغربية ... ولكن
-
صمود غزة يختزل مسيرة شعب
-
غزة ضحية عدوان إسرائيل وصراع المحاور العربية والإقليمية
-
الحرب والهدنة في فلسطين : التباس في المواقف والأهداف
-
حتى لا تحصد إسرائيل بالهدنة ما عجزت عنه بالحرب
-
ما تريده إسرائيل وما يريده الفلسطينيون من الحرب
-
عدوان إسرائيلي متعدد الاهداف
-
إشكالية الرواتب : بين حقوق الموظفين وحق الوطن
-
ما زال بالإمكان إنقاذ المصالحة
-
ما أسهل حديث العاطفة وما أصعب حديث العقل
-
الثمن السياسي لعملية الخليل أخطر من الرد العسكري
-
الهويات الفرعية كتهديد للهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة
المزيد.....
-
ياسمين عبدالعزيز بمسلسل -وتقابل حبيب- في رمضان
-
ياسين أقطاي: تركيا والنظام السوري الجديد أكثر دراية بمحاربة
...
-
السويد- الإفراج عن مشتبه بهم فى حادث مقتل حارق القرآن
-
عمّان.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
ترمب: بلادنا ليست منخرطة في أحداث سوريا
-
لماذا يصر ترمب على تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر والأردن؟
-
كشف جرائم جنود أوكران بحق مدنيين بكورسك
-
مئات اليمنيين يصلون على رئيس الجناح العسكري لحركة -حماس- بعد
...
-
البيت الأبيض: واشنطن ستفرض رسوما جمركية إضافية على كندا والم
...
-
مصر.. أسد يفترس حارسه بحديقة الحيوان
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|