عادل شكيب محسن
الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 09:45
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يعد القطاع الزراعي واحداً من اهم القطاعات الانتاجية والاقتصادية في سوريا, لما يلعبه هذا القطاع من دور هام في تحقيق الامن الغذائي عبر تزويد المواطنين بالكميات المطلوبة من الغذاء, وبمقدار مساهمته بخلق فرص عمل لسكان الارياف والمناطق النائية, وبدعم بعض الصناعات الوطنية التي تعتمد على المنتجات الزراعية كمواد اولية لنشاطاتها الإنتاجية, اضافة الى الدور الهام الذي يؤديه في دعم الصادرات السورية وتوفير العملات الاجنبية من خلال تصدير الفائض عن الاستهلاك المحلي من الانتاج الزراعي. اذ تعد الصادرات الزراعية من اهم المصادر الاساسية لدعم الخزينة العامة للدولة, حيث يحتل القطاع الزراعي المرتبة الثانية بعد النفط من حيث الايرادات التصديرية في ميزان الصادرات السورية. ويعد القطن من اهم المحاصيل الزراعية التي يتم تصديرها للخارج, كما يعد من اهم المواد الاولية للصناعات النسيجية في سوريا. اما اهم المحاصيل الزراعية المنتجه في سوريا فهي: القمح والشعير والقطن والذرة والبطاطا والعدس والتبغ والتفاح والحمضيات والحمص وقصب السكر والبصل والفول السوداني والزيتون والعنب والبندورة.
لفهم دور القطاع الزراعي في الاقتصاد السوري, علينا التعرف اولا على الاستراتيجية المتبعة من قبل الحكومة السورية للتعامل مع هذا القطاع. اذ ترتكزهذه الاستراتيجية على خمسة مبادئ اساسية: 1- تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الاساسية. 2- يتم تحديد اسعار المنتجات الزراعية الاساسية مثل القمح والشعير والحمص والعدس والقطن والتبغ والسكر من قبل الحكومة السورية. 3- تمتلك الدولة مصانع تجهيز المنتجات الزراعية. 4- تحتكر الدولة السورية التجارة الخارجية بالمحاصيل الزراعية الرئيسية. 5- الحد من الهجرة من الريف الى المدينة. وبما يتلاءم مع هذه الاستراتيجية وبقصد تحسين اداء الانتاج الزراعي في البلاد, أصدرت الحكومة السورية العديد من القوانين والتشريعات بهدف تشجيع القطاع العام والخاص للاستثمار في المشاريع الزراعية، وعملت على تحسين البنية التحتية الزراعية, وقدمت قروضاً مالية للمزارعين والشركات الزراعية من خلال المصرف الزراعي السوري بغرض زيادة وتحسين الإنتاج الزراعي في البلاد. فوصل عدد المشاريع الزراعية عام 2009 الى 69 مشروع بعد ان كانت حوالي 6 مشاريع عام 2000, اما اجمالي راس المال المستثمر في هذه المشاريع فكان حوالي 10607.7 مليون ليرة سورية, وعدد فرص العمل التي تم توفيرها من خلال هذه المشاريع وصل الى 3048 فرصة عمل, بحسب تقرير الاستثمار الرابع في سوريا (2009). لكن مع أن القطاع الخاص يمتلك الحصة الاكبر من الانتاج الزراعي (والتي يتم تحصيلها من خلال مزارع صغيرة نسبياً مملوكه من قبل الافراد), تبقى الحكومة السورية هي المسيطرة وبدرجة كبيرة على جزء كبير من السوق المحلية. فمعالجة المنتجات الزراعية الرئيسية وتحديد اسعارها, اضافة الى توزيع الأسمدة ما زال حكرا على القطاع العام دون غيره. ومن جهة اخرى, كان لتطوير البنية التحتية وزيادة رؤوس الاموال المستثمرة في المشاريع الزراعية وإتباع سياسة دعم الاسعار الدور الهام في نقل سوريا من بلد مستورد إلى مصدر للكثير من المنتجات الزراعية مثل القطن والقمح والخضار والفواكه. كما ان المشاريع التي اقامتها الحكومة السورية خلال العقد الاول من القرن الواحد والعشرين لتحسين وتطوير وضع شبكات الري في شمال وشمال شرق سوريا ساهمت بشكل فاعل في توسيع مساحة الاراضي الزراعية, مما ساهم في زيادة حجم الإنتاج الزراعي وكمية الصادرات الزراعية السورية. اذ بلغت مساحة الاراضي الزراعية في سوريا حوالي 138280 كم مربع و 139080 كم مربع عامي 2005 و 2010 على التوالي, بعد ان كانت حوالي 137110 كم مربع عام 2000.
وللتعرف على نشاط هذا القطاع وعلى العوامل التي ساهمت في زيادة انتاجه او التي حدّت من قدرته على الانتاج خلال الفترة الماضية, لا بد من العودة الى الظروف التي مرّ بها هذا القطاع والى الاحصائيات والأرقام الدقيقة التي تشير الى حجم الانتاج الزراعي في سوريا خلال الفترة الماضية. اذ بقي القطاع الزراعي يشكل النسبة الاكبر من الناتج المحلي الاجمالي السوري حتى بداية التسعينات, ليصبح بعد ذلك في المرتبة الثانية (بعد قطاع الصناعة) حتى عام 2008, ومن ثم انتقل الى المرتبة الثالثة (بعد قطاعي الصناعة والتجارة). وبحسب احصائيات عام 2010, تشكل الزراعة ما نسبته %17.6 من الناتج المحلي الإجمالي في سوريا, ويعمل حوالي 17% من مجموع القوة العاملة أي قرابة 900 ألف شخص في الزراعة.
فبعد تحقيق الاستقلال من الاحتلال الفرنسي عام 1946, كان للقطاع الزراعي الدور الاكثر اهمية من باقي القطاعات في دعم الاقتصاد السوري, وكان لهذا القطاع دورا هاماً في تطوير القطاع الصناعي في تلك الفترة ايضاً. اذ ان الاقطاعي (صاحب الاراضي الواسعة والمحصول الزراعي الوفير) كان يستثمر الاموال التي يجنيها من الزراعة في انشاء مشاريع صناعية تعود عليه بالربح الاكبر. اما خلال فترة تشكيل الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر (1958-1961), اتبعت الدولة سياسة تتجه بالبلاد نحو الاشتراكية, فعملت على محاربة الاقطاع وأصدرت قانون الاصلاح الزراعي الذي نص على مصادرة الاراضي من الاقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين, بالإضافة الى تقديم الدعم اللازم لهذا القطاع. ومع قيام ثورة الثامن من اذار عام 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي استلم السلطة ليصبح القائد للدولة والمجتمع. اتجه الاقتصاد السوري نحو الاشتراكية مجدداً. فوقف الحزب الى جانب العمال والفلاحين ضد البرجوازية والإقطاعية, كما قامت الدولة بالاستيلاء على مساحات واسعة من الاراضي التي كانت مملوكة من قبل الاقطاعيين ووُزعت على الفلاحين, اضافة الى دعم الفلاحين بالقروض والبذور والسماد والآلات الزراعية بهدف دعم القطاع الزراعي في البلاد.
إلّا انه بسبب الجفاف وتملح الأراضي الزراعية، والهجرة الداخلية من الريف إلى المدن، وفشل السياسة الزراعية بسبب البيروقراطية المستشرية في مؤسسات الدولة التي تتدخل في جميع عمليات الإنتاج الزراعي, تراجعت قيمة انتاج الانتاج الزراعي خلال النصف الاول من الثمانينات. فبعد ان كانت حوالي 132233 مليون ليرة سورية عام 1980 اصبحت 118267 مليون ليرة سورية عام 1984. اما في النصف الثاني من الثمانينات, اتخذت الدولة بعض الإجراءات التي ساهمت في تحسين وضع هذا القطاع. من هذه الاجراءات على سبيل المثال: تحسين السياسة الزراعية المتبعة، والحد من البيروقراطية، والحد من تدخل مؤسسات الدولة في عمليات الإنتاج الزراعي، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المشاريع الزراعية (في نهاية عام 1990 كانت حصة القطاع الخاص من الزراعة حوالي 98%). كما تم انشاء المشاريع الزراعية المشتركة ما بين القطاعين العام والخاص, فوصل عدد هذه المشاريع المشتركة الى 7 مشاريع خلال النصف الثاني من الثمانينات. ما أدى إلى زيادة في حجم الإنتاج الزراعي ليصل الى 127635 مليون ليرة سورية عام 1990. ونتيجة لنجاح السياسة التي اتبعتها الحكومة السورية في تحسين الانتاج الزراعي وتطوير أداء القطاع الخاص, استمرت قيمة الانتاج الزراعي بالصعود وبشكل مستمر خلال فترة التسعينات. فارتفع حجم الانتاج الزراعي من 136269 مليون ليرة سورية عام 1991 الى 223749 مليون ليرة سورية عام 2000. الّا ان الجفاف وارتفاع اسعار النفط اثرت عليه سلباً خلال عامي 1997 و 1999, فانخفض حجم الانتاج الزراعي الى 197218 مليون ليرة سورية عام 1997 و 204771 مليون ليرة سورية عام 1999.
خلال العقد الاول من القرن الواحد والعشرين, استمر حجم الانتاج الزراعي بالارتفاع حتى وصل الى 292457 مليون ليرة سورية عام 2006. لكن مواسم الجفاف وارتفاع اسعار السماد والوقود ادت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي وأضعفت القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية في الاسواق المحلية والدولية, الشيء الذي ادى الى تراجع في حجم الانتاج الزراعي خلال النصف الثاني من هذا العقد. فانخفض الى 239527 مليون ليرة سورية في عام 2010. وبمحاولة من الحكومة السورية لزيادة حجم الانتاج الزراعي خلال الفترة الماضية, تم وضع العديد من المشاريع بهدف تحفيز الاستثمار الزراعي وتقديم الدعم المباشر والغير مباشر لهذا القطاع, كما تم انشاء صندوق الدعم الزراعي في عام 2008 بهدف دعم المشاريع الزراعية في البلاد. الّا انه مع بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين, دخلت البلاد في ازمة كان لها الاثار السلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد, وكان القطاع الزراعي واحدا من بين هذه القطاعات التي لحق بها الضرر الكبير. فبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الغذاء العالمي (WFP), تكبد القطاع الزراعي خسائر قدرت بحوالي 1.8 مليار دولار امريكي نتيجة الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية الزراعية ومشاريع الري, بالإضافة الى انعدام الامان ونقص الوقود, ما حدّ من قدرة المزارعين على زراعة ارضهم او جني المحاصيل الزراعية. ايضا, كان لانخفاض سعر صرف الليرة السورية خلال فترة الازمة تأثيره السلبي الكبير على حجم الانتاج الزراعي في البلاد من خلال انخفاض القدرة الشرائية للمزارعين على شراء الاسمدة والمبيدات الحشرية ومستلزمات الانتاج الزراعي بعد ارتفاعها اسعارها بشكل كبير نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة السورية. كما ان غلاء اسعار الوقود وصعوبة الحصول عليها قد زاد من معاناة الفلاحين, فارتفعت تكاليف الانتاج الزراعي نتيجة ارتفاع اسعار الوقود, ما انعكس سلبا على القدرة التنافسية لهذه المنتجات الزراعية في الاسواق. كما ان الوضع الامني المتردي على طرق المواصلات وتعرض الكثير من المؤسسات الزراعية للتخريب والنهب والتدمير من قبل الجماعات المسلحة التي امتهنت السلب والتخريب للممتلكات العامة والخاصة في البلاد قد زاد من صعوبة الاستمرار في العمل الزراعي. كما ان موجة الجفاف التي عانت منها البلاد خلال السنوات الاخيرة قد ساهمت في تقليص حجم الانتاج الزراعي ايضا. ولا بد من الاشارة هنا الى تصريح السيد وزير الزراعة السوري (م. احمد القادري) في نهاية عام 2013 حيث قال: "إن قيمة الأضرار التي طالت وزارة الزراعة وحدها بلغت نحو 27 مليار ليرة سورية بين نهب وتخريب الآلات والمباني والتجهيزات، كما وصلت قيمة الأضرار التي تكبدها القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني خلال العام الماضي إلى نحو 74 مليار ليرة سورية نتيجة خروج بعض المساحات من الاستثمار الزراعي".
اخيراً وبنظرة سريعة على واقع ومسيرة تطور الانتاج الزراعي في سوريا. يبقى القطاع الزراعي واحد ما اهم القطاعات الاقتصادية والإنتاجية في البلاد. لذلك يجب العمل بشكل جاد على تحسين وضع هذا القطاع من بعد وقف الحرب الدائرة في البلاد. ولتحسين اداء هذا القطاع وجب الاهتمام به بشكل اكبر من خلال دعمه بالمستلزمات الضرورية لزيادة وتحسين كفاءته. فاستخدام التكنولوجيا الحديثة في عمليات الانتاج الزراعي وتحسين وضع شبكات الري والبنية التحتية الزراعية يساهم بشكل فعال في تحسين وتطوير اداء هذا القطاع. كما ان دعم الفلاحين وتزويدهم بمستلزمات الانتاج الزراعي من بذور ووقود وسماد ومبيدات حشرية (بأسعار مخفّضة نسبياً) قد يساهم في تشجيع الفلاحين على زيادة انتاجهم الزراعي ويدفعهم للاهتمام بشكل اكبر بالمشاريع الزراعية القائمة وإقامة مشاريع زراعية جديدة في المستقبل.
عادل شكيب محسن
2014
#عادل_شكيب_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟