علي المسعود
(Ali Al- Masoud)
الحوار المتمدن-العدد: 4621 - 2014 / 11 / 1 - 13:52
المحور:
الادب والفن
رواية ( صورة في ماء ساكن ) استعادة لنصف قرن من تاريخ العراق السياسي
بقلم : علي المسعود
"صورة في ماء ساكن" هي الرواية الخامسة للكاتبة الفلسطينية – العراقية – الانكليزية (سلوى الجرّاح) التي توجهت للعمل الروائي منذ عام 2005 بعد عملها لسنين في مجال الأعلام والتي صدرت مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
يطّلّع العنوان داخل الأعمال الأدبية بوظيفة الإثارة والتشويق ودفع المتلقي إلى خوض غمار القراءة، كما يدفعه إلى طرح العديد من التساؤلات التي تحفزه على الشروع في القراءة. وعنوان الرواية التي نحن بصددها، يحقق على الأقل بعضا من تلك الوظائف المشار إليها؛
وتبعا لذلك يحقق عنوان الرواية المثير استراتيجيته في استمالة القارئ وتوريطه في عملية القراءة, وعند البدء في قراءة رواية ( صورة في ماء ساكن) يصدمنا العنوان بجرسه الموسيقي ومفارقاته اللغوية فجملة " صورة في ماء ساكن " تحيل ذهن القارئ إلى دلالات متعددة مشحونة بمعان تروم التضاد أكثر مما تهدف إلى التجانس، وخاصة كلمة " ساكن" الصفة التي لاتلائم الموصوف ،لكن شعرية اللغة الروائية أعطت للعنوان انزياحات متعددة، الغرض منها صدمة القارئ وتحضيره لتلقي باقي الصدمات المؤلمة، لتي تخللت النص الروائي الذي يحكي الواقع بكل تجلياته .
تبدأ الرواية في مشكلة البدايات عند الساردة ( لاأحب البدايات , أجدها متعبة , كل البدايات متعبة و حين تكتب , تتعبك البداية, وحين تبدأ حديثأ فش موضوع شائك تشغلك البداي, وحين تحاول أن تتكلم مع شخص لاتعرفة , تتهرب منك البداية ¸حتى الحب في بدايته, رغم جماله, يلجم اللسان ) .ص7
الشاهدة او الساردة هنا هو ضمير المنكلم ( أنا ) و بالاحرى هي رسامة معروفة وهذه تجربتها الاولى في الكتابة , وأختارت ان تكتب بلا رتوش الرسام اي بمعنى دون التغير في الملامح للشخصيات كما يعمل الرسام , وتروي لنا حكايتها بعد ان تقوم بتعريف نفسها :
( انا بديعة عبد الرحمن الكيًال ) وحين ينادوني يدلعوني ( بدُوعة ) وهو أسمي الذي وقعت به لوحاتي على مر السنين , بديعة تتشكل في الذاكرة من خلال سير الاحداث صورة حية لمدينة بغداد تلك المدينة المفتوحة الافاق قبل ان يخنقها الزعماء باأنقلاباتهم الدموية وتكتسي سواد الحروب وفي الاخير تنوء تحت وطئ مخلفات ألاحتلال ألامريكي .
تعيش ( بديعة ) مع أسرتها في حي المنصور مع الشقيقين اللذين يكبراها, وهما توفيق و سامي , والدها عبد الرحمن الكيال يعمل تاجر اقمشة ويمتلك محلآ في شارع النهر ببغداد.
وأمها فريدة حجي فناح وتعمل مدرسة اللغة العربة في اعدادية حكومي للبنات في المنصور, وهناك الجدة بيبي عبد الرحمن وهي جدتها لابيها, ومن شخصيات التي تلعب دورأ في حياة (بديعة ) ورسم خطوطها البيانية الصديقة الكردية (سورغول ) القادمة من شمال العراق من
( العمادية ) بعد نقل مكان عمل والدها الى بغداد والحدث المهم في حياة تلك العائلة هو الحادث المفجع والمأساوي لرحيل والدتها (نازنين خان ) في حادثة دهس في جسر الجمهورية و ستصبح ( سورغول ) فيما بعد طبيبة و تهاجر الى بريطانيا للاقامة فيها بعد ان تزوجت الطبيب العربي احمد وهذه اشار ذكية من الروائية في التلميح الى النسيج الاجتماعي المترابط قبل قدوم فايروس الطائفية الى وطننا. وهناك شخصة (فوزي ) وهو أخ لصديقتها وفاء نعوم المسيحية والتي تقترن فيما برجل يكبرها سبعة عشر عشر عاما وامتيازاته هو ثروته وعمله مع السلطة والتي تغطي على كل عيوبه حسب ماقاله شقيقها فوزي.
منذ الصغر برزت موهبة ( بديعة ) أو( بدوعة) كما يحلو لها ان ينادوها في الرسم ومنذ ان همست لها معلمتها بعد أن تاملت رسمها ( أنت فنانة بالسليقة) وهي لاتعرف المعنى الذي اشارت له المدرسة ومعنى تلك الكلمتين ( فنانة ) و( السليقة ) واستعانت بوالدتها في تفسير المعنى , وتكشف لنا ( بديعة ) تأثير الرسم عليها ( علمني الرسم كيف اكتشف ذاتي وأفهم بعضأ من كوامنها, و أروضها لتفرح بالنجاح و تعترف بالفشل ) ص21 وقد لاقت التشجيع في البيت من قبل الاهل وألاصدقاء جميعا في تنمية قدراتها الفنية , وهذا مادفع بديعة في دراسة فن الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة و التي تخرجت منها بتفوق .
تكتشف ( بديعة ) ومنذ الخامسة من عمرها وعند سماعها صوت رجل في الراديو يهتف (بالآتكال على الله, وبمعونة ابناء الشعب المخلصين , و القوات المسلحةالوطنية, قمنا بتحرير الوطن الحبيب من عصابة الفساد التي نصبتها الامبريالية ) ص30 .
واختفت بعدها صورة الملك فيصل الثاني وصار العراق جمهورية , أي أنها من جيل سيكون فيما بعد شاهدأ على أحداث مرت بالعراق والتي تصفه ( مثل فيلم سينمائي من نوع( الاكشن )
الذي قد يقول عليه النقاد ان فيه مبالغات كثيرة في احداثه, حتى ليصعب تصديقه, وسريع الايقاع لدرجة يتعب المشاهد) ص 42
لقد شهدت ( بديعة ) في حياتها ثلاثة من جكام العراق ملك- وزعيم – ورئيس مجلس قيادة الثورة اطاحت بالزعيم ثم رئيس جمهورية اطاح بجلس قيادة الثورة , فالاول قتلوه و الثاني اعدموه و الثالث اسقطوا طائرته ليتولى شقيقه الحكم بدلا منه.,
وتصف الروائية عجزها في فهم تلك المتغيرات وخلال فترة العشرة سنين :
(اليوم, وبعد كل تلك السنين, أجدني عاجزة عن فهم كيف يمكن لكل هذه المتغيرات أن تتابع في عشر سنوات, وكيف طل العراق قادرأ على لملمة نفسه بعد كل تغيروما يفرضه من هدم لكل ماجاء قبله , لكن العراق , قبل ان يعرف الحروب و الحصار, كانت لدية قدرة نادرة على لملمة التفس والتجدد وتقبل على ما يطرا و التاقلم معه, بل والسخرية العراقية اللاذعة مما لا يعجبه ) . ص44
بعدها جاء حكم حزب البعث الذي يبدأ بملاحقة الوطنيين وما خلفه حكمه من دمار وحروب أنهكت الناس وأتعبت النفوس حتى باتت عائلة (بديعة ) تتحرج في الحديث امام الابن سامي بعد ان تفاجئ الجميع بانه اصبح عضوا في حزب البعث من اجل الحصول على الامتيازات و المكاسب أوالمنافع الشخصية وبدأت االعائلة تحذر في الحديث معه.
بديعة ابنة التاجر ( عبد الرحمن الكيال ) بنت الباشا المدللة التي عاشت و تربت في منطقة المنصور ولم تكن تعرف الدنيا أو أن تكتشف المجتمع العراقي الحقيقي و الخروج من النطاق الضيق في الاحياء المترفة الى عالم يضج بالناس الحقيقين وهو عالم الناس الذين يعيشون على الهامش الساكنين الاحياء الفقيرة و مجتمعات الارياف و المدن الزراعية الصغيرة, ولكنها في سنوات دراستها في اكاديمية الفنون الجميلة تعرفت على المجتمع العراقي بمختلف شرائحه و أنماطه . ومرة اخرى تعود بديعة شاهدة على فترة حرجة من تاريخ العراق و هي فترة سبعينيات القرن الماضي ( وجدت نفسي في أوائل السبعينيات القرن العشرين, رغم كل ماقرات من كتب في الادب والفن التشكيلي , عاجزة عن فهم حقيقة مايجري في بلدي, وكأني غريبة عنه أو كاني عشت عمري في عزلة عن الناس و الحياة الواقعية , , بلدي الغني بنفطه ونهريه العظيمين , فيه فقر وحرمان , بلدي الذي أبدع الشرائع منذ عصر حمورابي , فاته أن يرعى أبناءه ) ص96
وفي هذا الوسط تعرفت على جواد كاظم الوسيم وهو ابن أسرة فقير من مدينة العمارة في جنوب العراق والذي أضطر للعمل لجمع المال لتمويل مصروفات دراسته الجامعية,
أحبته بديعة حبا صادقا عاصفا وهذه العلاقة هي التي أقحمت السياسة في حياة ( بديعة ) كون ( جواد ) منتميا للحزب و الشيوعي ومن ثم المطارد وبعدها الهارب الى احدى الدول الاشتراكية , وحبها هذا جعلها تتعاطف مع الرفاق واحست انها تورطت في حبه :
(لم أكن أدرك في ذالك الصيف , أن التشرد من الوطن سيكون قدر العراقيين , لسنين و سينين قادمة , سواءأ من وضعوا على حدود العراق بحجة أنهم لاينتمون له, أو من فروا لاسباب جمعت كل اشكال الظلم التي عانت منها شعوب العالم, الحرب و الجوع و ألاحتلال و الفرقة الطائفية ) ص140
بعدها بدات الحياة السياسية و العامة تنهار و بعد الحرب الذي اشعلها صدام و اسماها القادسية و( التي كان يمولها النفط العراقي و الشباب العراقيين اصبح الموت زائرا يوميا في بيوت كثيرة و عن تصاعد سيطرة حزب البعث على كل مناحي الحياة حتى صار النجاح مرتبطا بمرضاة الحزب و جماعته ) ص188
هناك ضياعات وخسارات في حياة (بديعة ) في الحب وفي العائلة , ضاع منها رغما عنها يعني بتعبير اخر ضاع ولم تضيعه!! .الفقدان الاول كان جدها فتاح والد امها وتمتد االخسارات فيما بعد الى حبها الاول( جواد ) زميلها في اكاديمية الفنون الجميلة و الذي يختفى فجأة وهروبه فيما بعد بعد مطاردة الشيوعيين, و كذالك حزنها وخسارتها لجدتها ( بيبي عيد الرحمن ) وهي بعيدة عن وطنها خلال اقامتها النهائية في باريس , و بعدها رحيل والدها, وتجدد الاحساس بالفقد حين احتلت القوات الامريكية مدينتها و مسكن الروح بغداد,
(تجدد احساسي باليتم رغم مرور سنين على على وفاة والدي , حين رايت الدبابات الامريكية تحرث شوارع بغداد , والجنود الاميريكان ببزاتهم وخوذاتهم وبسطالاتهم الثقيلة يقتحمون ابواب البيوت العراقية ). ص 211
وقد عبرت عن تلك الفترة و ماأصابها من أحباط و آسى (بقيت لايام لاأقوى على الامساك بريشتي او ألنطر الى لوحاتي . هجرت حتى مرآتي. كنت خجلة من نفسي. أهذا بلدي؟ زقورته العظيمة مرآب للدبابات الامريكية ومتحفه مرتع اللصوص ).
إنها رؤية ثاقبة إلى المجتمع العراقي والتحولات السياسية رؤية تتقاطع عموديا وأفقيا مع الطرح العام لكافة المثقفين،وتعبر عن آلامهم و آمالهم بكل صدق وإحساس مرهف،ويكون لهذه الطريقة في الكتابة أثر كبير في نفسية المتلقي حيث إنه يصبح عنصرا مشاركا في عملية السرد الروائي. كما يصبح المتلقي هدفا عندما يستوعب فكرة اوغاية الروائي في ان يكون مشاركا في النص الروائي و مساهما فيه من خلال مشاركته للاحداث والوقائع التي وردت في الرواية ويتذوق دلالاتها وحمولاتها الفكرية،ومن تم يتحول بدوره إلى عنصر مشارك متورط في عملية السرد،وذلك من خلال قراءة ماوراء السطور،فلا تلبث عيناه تزيغان عن القراءة حتى يجد نفسه منغمسا في جوهر النص الروائي, وهكذا ترتقي الرواية الى مستوى ابداعي
فيشعر القارئ وهو يقلب صفحاتها أن الروائية ( سلوى الجرّاح ) قد نفثت شيئا من روحها في اختياراتها للشخصيات التجريبية،وصبت فيها رؤيتها الخاصة للاحداث أو الشأن العراقي
(كم هو مؤلم ان لاتعرفنا الاوطان ¸لكن الاكثر ايلامأ هو أن لانعرفها نحن , حين نعود أليها بعد غياب ؟؟, ألاوطان لاتنسانا نحن الذين نتناساها ونفقد مع الايام القدرة على التواصل معها
ربما الغربة تجعلنا نرسم لها صورأ من وحي ما نعتاد في دنيانا الجديدة صورأ لاتمت لواقع ما تركنا وراءنأ ) ص196
فالرواية مرآة تعكس الواقع بأسلوب السهل الممتنع الذي ينقل معاناة المجتمع بجميع
شرائحه و فوارقه الاجتماعية، كل واحد يرى صورته ( على سطح الماء الساكن ) حسب مستواه الثقافي،وهكذا تتعدد القراءات بتعدد الرؤى والتلقي والزوايا النقدية.
لقد نجحت الكاتبة ( سلوى الجرّاح ) في الربط بين أكثر من زمان ومكان ، ضمن كتابة اعتمدت فيها التوازي بين حدثين وزمنين ، يعمقان الإحساس بالوحدة والاغتراب في الزمن الحاضر، وبين الإحساس بالنبذ التاريخي لزمن دموى وعاصف و كذالك الحنين الى زمن جميل ,إضافة إلى ألاحساس في الاغتراب و يوازيه في هذا الوأد للمشاعر واقعيا وقتل آخر للأحلام في العودة الى الوطن ( البلد لن تقوم له قائمة ما لم ينتهي هذا القتل و الارهاب, ويوضع حد لمستغلي هذه الظروف لسرقة العراق ) ص212
هناك ملاحظة أساسية تميز طريقة السرد في رواية " صورة في ماء ساكن " وهي أن السرد يتأثث عبر تلاحق مجموعة من الصور والمشاهد وبشكل سريع، ونقصد بذلك تلاحق عدة أوضاع حكائية أساسها التغيّر السريع للأمكنة أو تغير المشاهد التي تكون إطارا للقاء أو لحوار بين شخصيتين أو أكثر، مما يفتح الرواية سرديا على تقنيات السرد البصري السينمائي
كما أن الرواية عبارة عن مشاهد ولقطات تقبض على لحظات الانفعال بالحب والخضوع لمآزقه. مما انعكس على السرد وجعله يتميز بوتيرة وإيقاع سريعين عبر توالي اللقطات،
ومن آثار السرد المشهدي تأثر اليوميات، التي اعتمدها السارد في بعض مقاطع الرواية،
كما انعكس السرد البصري على كيفية حضور المكان داخل الرواية؛ فظهرت الأماكن على شكل ديكور حاضن لمجموعة من الأحداث والانفعالات، كما هي الحال في توالي اللقاءات بين بديعة و جواد في حديقة " المعهد الثقافي البريطاني " وأللقاءات في اكاديمية الفنون الجميلة.
يمكن اعتبار رواية " صورة في ماء ساكن " سيرة ذاتية ممتدة في التخييل الذاتي تحكي تجارب الكاتبة المختلفة و المتنوعة مع الواقع المعاش و المحيط الاجتماعي الذي تنقله من خلال المنجز السردي، فنرى الكاتبة تشرك القارئ المتلقي في عملية السرد بل تورطه في
أحايين كثيرة في تشكيل الرؤية إلى العالم انطلاقا مما يسمى بعملية التلقي و التأويل، بل أحيانا تنسحب الكاتبة ( سلوى الجرّاح ) ليتدخل القارئ المنجذب الى النص أو حتى الى صيرورة الاحداث باأعتباره جزءأ منها اوعاش بعض التفاصيل وفي بلورة هذه الرؤية وتحديدها .
فالنص بقدر ما تسرد فيه تفاصيل قصة حب قديمة ، يبرز نوعية العلاقة في مرحلة المراهقة وعنفوان الشباب ورعونة الجسد في فترة السبعينيات ، (- أمليت عليه شروطي , أن نكتفي بالحديث و العناق والقبل ) ص ,129 , فالحب يلف النفس وأيضا بفقدها توازنها وهي المصممة على الانتظار حتى تربطهم علاقة رسمية ، لكن هذا الحب سوف يتحول إلى ذكرى ثم اتخاذ القرار الحاسم في تابينه بعد انقضاء فترة طويلة في ألأنتظار لذا قررت ( بديعة ) في المضي قدما في حياة جديدة و في فتح باب القلب لصديق أخيها توفيق وزميل الدراسة المهندس( عماد ) مدير شركة والذي سوف يصبح زوجها الذي سيرافقها في رحلة اغترابها في باريس و وأنجابها بناتها الاثنين ( يارا وسارة).
وإلى جانب تلك القصة، نلمس كذلك تفاصيل سير- ذاتية عن مرحلة المراهقة وفورة الشباب.
ولهذا يمكن إدراج هذا النص الروائي ضمن الرواية الحداثية التي تكون فيها البطلة هي نفسها الساردة والشاهدة في جميع الاحداث، ولا يتغير مسار خطها في سرد الأحداث، ونادرا ما تتغير نبرة صوتها من أجل كسر رتابة السرد لكي لا يشعر القارئ بالملل أثناء تلقي الأحداث .كما أننا نجدها تحاور نفسها، ومن خلال هذا الحوار تحاور الشخصيات المساعدة التي تتقمص الأحداث و تعبرعنها، وهي في نفس الوقت تعمد إلى إشراك المتلقي في نسج خيوط الرواية ، وترتيب جوانبها بتقنية جديدة تعتمد على الهدم و البناء، هدم السرد وإعادة بنائه من جديد دون قطع حباله المسترسلة والمتماسكة. كما أن الزمن الروائي هو زمن واحد تتداخل فيه أزمنة الأحداث وأزمنة السرد، حيث إن القارئ لا يشعر بهذا الانقطاع في سير الأحداث عبر زمن ألرواية بل يشعر وكأنه يقرأ حكاية واحدة ذات أبعاد مختلفة لكنها تحدث في زمن واحد .
و للحديث عن اللغة التي ارتكزت على استخدامها الكاتبة ( سلوى الجرّاح ) , كما معروف من بين مهام اللغة نقل الواقع بآلية معينة يفهمها الأديب فقط دون غيره من عامة الناس،و الروائية هنا نقلت الواقع العراقي بلغة محددة سلفا ميزتها عن كافة الكتابات الأخرى الاجتماعية والسياسية ,أستطاعت الروائية (سلوى الجرّاح) أن تعكس بأسلوب أدبي ما آل إليه المجتمع العراقي من تحولات و مامرت به من احداث, من انقلابات الى حرب وحصار و احتلال , وانعكاس تلك ألاحداث على الانسان العراقي وتردي أحوال الناس وألانحطاط في األاخلاق وألقيم وكثرة الصفقات الوهمية التي ينتفع منها المنتفعون في هذا البلد ويكون الشعب الدافع للضرائب ضحية لهذه الخروقات و الاهمالات وتكريس سياسة الحزب الواحد والذي أفرزت جموع من المنتفعين و الذي يطمحون بامتيازات و بدون استحقاق وتجسد ذالك في حصول أخ ( بديعة ) سامي على أو زمالة دراسية الى انكلترا دون استحقاق.
وبالرغم من اهتمام ( سلوى الجراح ) بالأساليب الفنية و الجمالية، وقدرتها على توليد اللغة، وامتلاكها أساليب السرد المختلفة، حافظت الرواية على ارتباطها بشكل واضح وفاضح للواقع العراقي، ومرتبطة كذلك بالحالة السوسيونفسية للأصوات المتحاورة داخل فضاءات المفاجاة والترقب أوالخوف من المجهول.
كلما اشتدت درجات الأحداث كلما ازدادت درجات السرد الروائي،واشتد حرص (بديعة ) في الخوض في تفاصيل شرائح المجتمع العراقي في اشكاله المختلفة و المتنوعة من المثقف
( فوزي ) الى صاحب الفكر السياسي ( جواد كاظم ) الى الانتهازي ( سامي ).
رواية ( صورة في ماء ساكن ) مرأة عاكسة لبلد مزقته الانقلابات الدموية و الحرب والحكم الديكتاتوري ثم جاء الاحتلال الامريكي مكملا لخرابه وتمزقه و تشتت أبناءه !! .
عمل روائي تنقله لنا الكاتبة ( سلوى الجرّاح ) الى واقع الحال بكل مستجداته ومتغيراته، غير أنها حقيقة لا تنقله بشكل حرفي، وإنما تنقله بطريقة أدبية وذلك بأن ترفع هذا الواقع من آليته وحرفيته إلى العالم المتخيل الذي يضفي على مستجدات الواقع و المحيط الاجتماعي ما يسمى بأدبية العمل الأدبي. هكذا صاغت لنا "سلوى الجراح "رواية مكتوبة بالعين قبل اللغة؛
وتجلى ذلك في اعتمادها سردا بصريا يرتكز على توالي لقطات ومشاهد سردية مكثفة ذات إيقاع سريع، تجعل المكان والزمان مجرد إطار حاضن لانفعالات وتفاعلات الشخصيات التي تجسدت عبر لعبة المرايا ووضعتنا أمام مجموعة من الصور الروائية، تنتظم حول صورة كبرى وهي التورط في الحب والتورط في السياسة , والتورط في الاغتراب .
تميزت رواية " صورة في ماء ساكن "بقاموس خاص ميز كتابات ( سلوى الجراح ) وسطرت لها خطا بارزا في مجال الكتابة الأدبية ،كتابة تعبر عن كيفية فهم الروائي المحترف طريقة نقل هذا الواقع دون الوقوع في خطابات أخرى غير أدبية، كتابة تملي عليها كيفية استخراج المعاني و الدلالات و المقاطع الفنية و المشاهد المعبرة .
الكاتب - علي المسعود
كاتب عراقي مقيم في المملكة المتحدة
سلوى الجرّاح من مواليد حيفا في فلسطين , تعلمت و تربت في العراق , تعيش في لندن منذ أواخر السبعينيات حيث عملت على مدى , أثنين و عشرين عاما في هيئة الاذاعة البريطانية و قدمت العشرات من البرامج الاذاعية , صدر لها اربع روايات , رواية الفصل الخامس عام 2005 و كذالك رواية صخور الشاطئ في عام 2007 و رواية أرق على أرق وذاك في عام 2009 و الرواية الرابعة هي بلا شطآن عام 2012
#علي_المسعود (هاشتاغ)
Ali_Al-_Masoud#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟